عبد الله العلياوي يؤرخ حقبة العبادي بـ"خلف ستائر القرار".. ماذا تعرف عن "المذكرات الصادمة" لمستشار الرئيس المستقيل؟
انفوبلس/ تقارير
في كتاب من 926 صفحة بغلاف سميك بلون رصاصي مطعّم بأحمر أقل دموية، ألّفه الدكتور عبد الله العلياوي مستشار الرئيس العراقي السابق فؤاد معصوم المكلف بالمشاركة في اجتماعات مجلس الوزراء، صدر كتاب "خلف ستائر القرار" عن دار غرين فالي في بيروت، ليغطي كثيراً من تفاصيل 207 جلسات من اجتماعات حكومة حيدر العبادي خلال ولايته للفترة 2014 - 2018. الكتاب أثار صدمة كبيرة كونه أول كتاب لمسؤول عراقي يتحدث عن صفقات الفساد وطبيعة تعامل المسؤولين فيما بينهم. فما هي تفاصيله؟ وما أبرز ما جاء فيه؟ وكيف جاءت ردود الفعل عليه؟
*بداية "خلف ستائر القرار"
يبدأ مؤرخ كتاب "خلف ستائر القرار" من اختيار سليم الجبوري رئيساً لمجلس النواب يوم 15/7/2014 وتنصيب فؤاد معصوم رئيساً في يوم 24/7/2014 كنقطة شروع لكتابه، ينقل هنا ((وصول الكتل السياسية الى العقبة الأكبر وهي اختيار مرشح لرئاسة الوزراء، إذ كانت الكتلة الأكبر هي التحالف الوطني (الشيعي) تعيش خلافات عاصفة حول تسمية مرشحها للمنصب الأهم في البلاد، فرغم أن قائمة دولة القانون هي الفائز الأكبر بالانتخابات بحصولها على 95 مقعداً وأن رئيسها نوري المالكي هو الفائز الأكبر بالانتخابات بحصوله على 724 ألف صوت وهو ما لم يحققه سياسي آخر قبله أو بعده، إلا أن ائتلاف دولة القانون في النهاية دخل في تحالف لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر، وهكذا صار ترشيح رئيس الوزراء يخضع لموافقة بقية مكونات التحالف الشيعي الجديد)).
وللوهلة الأولى يُظهر المؤرخ تصوراته الموثقة لمنع حصول المالكي على الولاية الثالثة الى الصراعات السياسية للسيطرة على القرار السياسي والحكومي والاقتصادي من جهات تُحركها واجهات سياسية ومافيات فساد ومجموعات مسلحة خارجة عن القانون وهيئات اقتصادية تتلاعب وتتحكم باقتصاديات البلاد وقوت العباد، مع تخوف كردي من تنامي قوة المالكي كزعيم عراقي كان يزعج الكرد بسبب خلافاتهم المالية مع بغداد. وموقف سُني رافض لأسباب طائفية وسياسية يدفعها زعماء ارتبطوا بمصالح خارجية وعلى خلفية استخدام المالكي القوة في فض التظاهرات السُنية في محافظتي نينوى والأنبار والتي اخُترقت من القاعدة وبقايا البعث ودول خارجية والتي كانت تحرك الاحتجاجات وتدعمها مالياً وسياسياً وإعلامياً.
*تناوله لاجتياح داعش ودور الحشد الشعبي
يؤرخ العلياوي مرحلة سقوط المحافظات في "خلف ستائر القرار" بالقول: "كانت داعش قد غزت ما يزيد على خُمس أراضي الوطن، وخزينة فارغة، لكن قدرات العبادي الفنية بمعونة خبراء وزارة المالية تمكنت حكومته من استعادة الأرض ووقف عمليات القتل الجماعي التي مارسها الإرهاب وقوى التخلف المتعصبة، في ظل تكاتف وطني من معالمه الحشد الشعبي في التصدي للهجمة الإرهابية، على الرغم من عدم خلوّه من بعض الأخطاء، التي يؤشر الكاتب ضرورة ألا تُغمَّط هذه الإرادة الشعبية حقها في مهمة الدفاع عن الوطن ومسك أرضه. وهو ما سجلته محاضر العلياوي لاجتماعات مجلس الوزراء حين طالب نواب الأنبار بمشاركة الحشد الشعبي في عملية التحرير".
*نفط الإقليم
وفي تسجيل للعلياوي لما واجهه مجلس الوزراء ورئيسه حيدر العبادي، ومنذ الجلسة الثانية لاجتماع مجلس الوزراء في سنته الأولى 2014، كانت قضية نفط الإقليم ودفع عائداته إلى وزارة المالية الاتحادية ودفعها مستحقات الإقليم من الموازنة العامة قضية مزمنة، سعى العبادي إلى حسمها وفق قانون الموازنة والدستور، لكن إدارة الإقليم والوزراء الكرد طالما طرحوا "أن عدم إيفاء الإقليم بأداء التزاماته متأتٍ من أسباب فنية تحول دون تصدير الإقليم الكمية المطلوبة من النفط الخام عبر تركيا ودفع ثمنها لبغداد، وهو ما أدى وسيؤدي دوماً إلى عدم دفع الحكومة الاتحادية مستحقات الإقليم كاملةً لـ" أسباب قانونية ودستورية" أيضاً.
*المادة 140 وأزمة كركوك
وكانت قضية المادة 140، بالأخص مسألة كركوك قضية شائكة تثقل كاهل رئيس مجلس الوزراء بشكل خاص، بحكم انعكاسها على توجهات الوزراء. ويؤشر المؤلف صيرورة ورقة الإصلاح الأولى، كيف طرحها العبادي بدون دراسة معمقة أو مشاركة مجلس الوزراء في إعدادها، ما أدى إلى تحفظ أطراف عديدة عليها، ضمنها أطراف التحالف الذي رشّح العبادي لرئاسة الوزراء، لكن تلويحه باطلاع الرأي العام على موقف الوزراء "أقنعهم" بالتصويت على تمرير الورقة، مع إشارة العديد منهم، في مقدمتهم فرياد راوندوزي وزير الثقافة والمؤلف نفسه، إلا أن بعض مفردات الورقة ليست من صلاحية مجلس الوزراء بموجب الدستور، مثل إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية مثلاً .. بجانب مشكلة الإخلال بـ"توازن" التوافق في تشكيلة مجلس الوزراء، بالأخص إلغاء مناصب نواب رئيس مجلس الوزراء.
*الفساد بين المسؤولين وهدر المال العام
يتناول العلياوي ملفات هدر المال العام في "خلف ستائر القرار" بالقول: "من مظاهر الفساد الصارخة صفقة طائرات بقيمة تزيد على 250 مليون دولار، حسمها ضابط باستعادة نفس عدد الطائرات من إيران مقابل مبلغ 72 مليون دولار. وهناك العديد من الأمثلة التي يسجلها المؤلف على هدر المال العام سواء بسبب الفساد أو عدم الكفاءة".
ومثال آخر يسوقه المؤلف بشأن تخصيص مبلغ 10 مليارات دينار عراقي لتنفيذ مبنى مغمور بالمياه يقول إنه ما زال لليوم لم يكتمل!؟. ووثق المؤلف قضية رواتب الشرطة المتخلفين عن الخدمة في المحافظات التي غزتها عصابات داعش، وكيف كان وزير الداخلية مُصرّاً على دفع رواتب الشرطة الملتحقين بالواجب وهم قرابة 7 آلاف من أصل 22 ألف في الموصل، فيما طالب وزراء باستمرار الدفع لأسباب إنسانية والبعض لأسباب انتخابية، فيما كانت التقارير تشير إلى أن دفع رواتب موظفي هذه المناطق يغذي داعش الإرهابي. في الجلسة السادسة طلبت وزارة التجارة شطب ما قيمته 22 مليار دينار من الحليب المجفف في مخازن الكرمة لتلفه، ومثل هذه الحالة ستظل تتكرر في مسألة سوء خزن المواد الغذائية، في مقدمتها الحبوب.
*تضارب المواقف من القوانين الانتقالية
وسجل المؤلف تضارب المواقف من القوانين الانتقالية، في مقدمتها "اجتثاث البعث" الذي صار "المساءلة والعدالة"، حيث كان غالبية وزراء الشيعة متخوفين من إلغائه، أو تخفيف شموله لشرائح من منتسبي البعث، إلى حد أن بعض الوزراء كانوا يتحدثون في المجلس عن وجود وزراء بعثيين في الحكومة، وهو الأمر الذي كان صالح المطلك يمازح بشأنه.
*أسرار الأيام الصعبة وأسباب عدم منح ولاية ثالثة للمالكي وحقيقة منع المرجعية لذلك
يشير المؤرخ الى رفض أمريكي لتولي المالكي الولاية الثالثة والذي تجسد بضغط كبير على قادة المؤسسة السياسية لاستبدال المالكي كونه يحمل أيدولوجيات خطيرة حسب تعبيرهم، ويعزز المؤرخ رأيه في روايته التي ذكر أنه ((حضر في اجتماع الى جانب رئيس الجمهورية مع وفد امريكي يرأسه وكيل وزارة الخارجية انتوني بلينكن بصحبة السفير الأمريكي وبيرت ماكفورك، قال رئيس الوفد الأمريكي: التخلص من المالكي كان أمرا جيدا لأنه يحمل أيديولوجيا خطيرة)). إلا أن المالكي يرجح الرفض الأمريكي لتجديد ولايته أنهم انزعجوا من موقفه من الرئيس السوري بشار الأسد ومنع سقوطه.
وعن موقف المرجعية الدينية المتمثلة حصراً بسماحة السيد السيستاني والتي وصف معارضتها للولاية الثالثة أنها جاءت من وراء الجدران حسب تعبيره، ويضيف قائلا: في العلن اكتفت المرجعية بالإعلان عن رغبتها بترشيح شخص مقبول من الفئات السياسية جميعها. إلا أن المؤرخ لم يكتفِ بذلك فذهب بعيداً في محاولته لفهم حقيقة موقف المرجعية من المالكي عندما ذكر في ص 16 "أن موقف المرجعية يعود الى أن المالكي في إحدى زياراته الى إيران التقى السيد محمود الشهرودي (رحمه الله) وهو مرجع عراقي معروف مقيم في إيران وطلب منه العودة والاستقرار في النجف وهو ما نقله البعض للسيد محمد رضا نجل المرجع السيستاني (دام ظله) فأثار ذلك حفيظته وعُد ذلك خطوة غير مقبولة لها أبعاد مستقبلية مقلقة لمستقبل المرجعية". اعتقد أن هذه الرواية تم نفيها وتكذيبها من قبل المالكي والرئيس فؤاد معصوم ولا أرى مسوغاً لها لأن المرجعية في النجف الاشرف فوق هذه الاعتبارات بوجود العديد من المراجع والفقهاء فيها دون أن يثير ذلك المرجعية ويستفزها.
وينقل المؤرخ عن المالكي أنه سأله عن هذه الرواية فنفى نفياً قاطعاً دعوته للشهرودي للعودة الى العراق وقال ليس من شيمي وأخلاقي أن أطعن في ظهره ويبدو أن هناك من تعمّد تعكير الأجواء بين المالكي والمرجعية. وكذلك يذكر المؤرخ نفي الرئيس فؤاد معصوم طلب المرجعية منه ذلك إلا أن الرئيس لم ينفِ أن قيادات شيعية بارزة أخبرته أن المرجعية ترفض تكليف المالكي وأن المؤرخ سأل معصوم مرات عديدة فيما إذا كانت المرجعية او أي طرف آخر طلب منه رسمياً عدم تكليف المالكي بتشكيل الحكومة عام 2014 فأجابني ”المرجعية الدينية لم تطلب مني رسميا عبر رسالة او مبعوث خاص بعدم تكليف المالكي لكن كثيرا من القيادات الشيعية البارزة في التحالف الوطني أبلغتني أن المرجعية ترفض تكليف المالكي بتشكيل الحكومة".