عدّاب الحمش يعود إلى العراق.. ماذا تعرف عن مستشار صدام الذي أثبت وجود الطائفية قبل 2003؟
انفوبلس/ تقارير
بعد عقود قضاها بالانتقال من سوريا إلى السعودية فالأردن، ثم الاستقرار في تركيا، عاد مجددا إلى العراق، وبجعبته العديد من الملفات والأسرار، فهو مستشار المقبور صدام في حملته الإيمانية بالعقد الأخير من القرن السابق، لكنه على شد مبطّن مع عزت الدوري، وخلاف شديد وعلني مع حارث الضاري وغيره من قيادات أهل السنة. عدّاب الحمش وعودته للعراق هو محور تقرير اليوم الذي سلّط الضوء على تاريخه وتناول ما لا يعرفه الكثيرون، فهل ستتسبب عودته تلك بأزمة سنية - سنية في البلاد؟
مَن هو؟
عدّاب بن محمود الحمش، رجل دين سوري، سني المذهب حسيني النسب، مختلف في أطروحاته ومثير للجدل في الوسط السني بسبب ذلك الاختلاف، وُلد في سوريا، وقضى فترة من الزمن في السعودية، ولكن طُرد منها بسبب عدم قبوله بالفتوى الشهيرة لابن باز التي أجاز فيها إشراك قوات اجنبية لتحرير الكويت إبان حرب الخليج الثانية، وقد رفضها بدعوة أن أهل الكويت مسلمون وأهل العراق مسلمون ولا يجوز إدخال المشركين بين المسلمين.
كما يُعدّ الحمش مستشار المقبور صدام في حملته الإيمانية بالعقد الأخير من القرن السابق، وموضع ثقته وإصغائه في الشؤون الدينية، يروي للمهتمين من محل إقامته في اسطنبول سلسلة من مذكراته في العراق عبر موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، سلط فيها الضوء على “طائفية” بعض الشخصيات ذات الثقل الكبير قبل وبعد 2003، متناولاً الموضوع من زاوية عقائدية، مستنداً على قضية شخصية وهي “أطروحة الوحدان”، والتي تعرض فيها الى ظلم كبير، بسبب اختلافه عن رجال السلفية والإخوان المسلمين في العراق، بحسب قوله.
رحلته إلى الأردن
بعد طرده من السعودية، توجه الحمش الى الأردن وتلقى فيها عدة دعوات استضافة من قبل صدام حسين، تجاهلها بالقول: “ماذا يريد منا هذا الطاغية، أيظنّ أن لدينا شيئاً نبيعه إياه؟”، ولكن أحد مقربيه وثقاته، أخبره بأن صدام حسين "رجل مسلم"، يحتاج فقط إلى مَن يرشّده، وهو قد تعلم من الحرب العراقية الإيرانية، أنّ عدوّنا الحقيقيّ هو الغرب، الذي أطال تلك الحرب ثماني سنين، وتوجهاته الجديدة، توجهاتٌ إسلامية”.
توجهه إلى العراق وبداية علاقته بصدام
بعد الحديث آنف الذكر، قرر الحمش الانتقال الى العراق والسكن فيه، حيث يقول: “كنتُ أفكّر بأنّ وجودي في العراق ضيفاً على رئيسه، سيمنحني مساحة من الحريّة الإعلامية لا يُسمَح بمثلها لعلماء البلد”، ويضيف، إن “علماء البلد إذا تعاونوا معي – مهما كانت مقاصد صدام من وجودي في العراق – فإننا نستطيع أن ننتقلَ خطوةً متقدّمة في طريق عودة الشعب إلى حظيرة الدين”، مبينا أنه فكّر مع نفسه بأن هذه الفرصة “ساقها الله” له، وعليه أن يستثمرها في الدعوة الى الله حتى لو كلفه ذلك حياته.
وهنا يتطرق الحمش الى سبب قدومه للعراق في عام 1992، فيما يوضح في مناسبة أخرى سبب تمسك صدام به وتقريبه منه لدرجة كبيرة، لم يصل إليها أي رجل دين عراقي آنذاك، فيقول: “بعد نهاية لقائي بصدام حسين قال وهو يعانقني، والله يا شيخ عداب، ما وُصف لي عالم، إلا رأيتُه دون ما وصفوه لي إلا الشيخ عداب، فهو والله فوق ما وصفوه لي بكثير وكثير جدّاً، أهلا بك في العراق، رضيناك مرشداً وموجها لشبابنا، هذا العراق مفتوح أمامك".
كيف كسب ثقة صدام؟
يبدو أن رفض الحمش لفتوى ابن باز، ووقوفه بالضد من آل سعود، وقبوله بدعوى الاستضافة العراقية، جعله موضع ثقة كبيرة لدى صدام حسين، ليضعه في مكانة المقرب والمستشار، ناهيك عن رؤيته الحداثوية نوعاً ما تجاه القضايا الدينية، والتي كانت شوكة في حلق الفكر الديني المتشدد الذي يعتبر صدام رجلاً علمانياً فاسقاً وابن زنى لأنه يحابي الروافض ويمنحهم مساحة من الحرية تجعلهم يضرون بالدين الاسلامي، على حد تعبير الحمش ونقله عن رجال السلفية في العراق.
"أطروحة الوحدان" وبداية الخلاف مع حارث الضاري
لم يكن أمر الطائفية كما يتصور البعض، نائماً واستيقظ عام 2005، بل ربما على العكس من ذلك، فنقطة الاختلاف تكمن في أنها كانت صامتة قبل 2003، وضاجّة بعدها.
فبعد وصول الحمش الى العراق بمدة من الزمن، تم تعيينه أستاذاً في جامعة صدام للعلوم الاسلامية (الجامعة العراقية حالياً)، وأقدم على كتابة رسالة للحصول على درجة الدكتوراه، أسماها “أطروحة الوحدان”، قدمها الى لجنة المناقشة في الجامعة لمنحه الدرجة، والتي تكونت من حارث الضاري (رئيساً)، وهشام جميل، وعبد الملك السعدي، ومحمد الكبيسي، وداوود الدليمي (بصفة أعضاء).
ومن هنا بدأت معركة الفكر بين متشددي السلفية والإخوان في العراق (بقيادة الضاري صبحي السامرائي)، وعداب الحمش، حيث اعتبرت لجنة المناقشة، أطروحة عداب، مخالفة للشريعة بشكل صارخ، وخروجاً على المسلَّمات بما لا يتناسب مع الدين الاسلامي، حيث إن الاطروحة “بحسب رأي اللجنة” تفترض وجود أحاديث غير صحيحة في كتب الصحاح (البخاري ومسلم)، ناهيك عن حديثها عن عائشة زوجة النبي ص بطريقة قذف وانتقاص، إضافة الى اتهامها “بعض الصحابة” بالكذب والنفاق، وتطرقها الى قضايا خلافية تثير الفتن الطائفية، وغيرها من الاسباب التي أدت الى رد الرسالة وعدم منح درجة الدكتوراه لصاحبها، وفق ادعائها وقولها.
بعد ذلك، تطرق الحمش في مذكراته الى حوار دار بينه وبين حارث الضاري، حول رؤية الاول بالتعايش السلمي مع الشيعة، ورفضه تكفيرهم، وانهم الاغلبية في العراق، ولذلك يجب تغيير طريقة الخطاب الديني الذي يستعرضه خطباء السنة آنذاك في كل اسبوع، ما ادى الى غضب الضاري كثيرا، وبداية للعداء بين الطرفين.
قول الحمش في إحدى حلقات مذكراته التي نشرها تباعا في صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك: بل هو صارحني (يقصد الضاري)، وقال لي في بيته العامر: أنا أعترف بأنك أعلم مني، لا في علوم الحديث بل في علوم شتى!، لكن عليك أن توظّف ما منحك الله من علوم في خدمة طائفتك!، هؤلاء الرافضة؛ اغسل يدك منهم تماماً، نبيهم غير نبينا، وكتابهم غير كتابنا، ودينهم غير ديننا!
قاطعته وقلت له: ما هو دين الرافضة؟ قال (الضاري): ذول آل البيت، المعصومين عندهم، كما يزعمون!
دار حوار طويل حيال التعايش السلميّ بين الطائفتين، فلم يكن لدى الضاري سوى إجبارهم على الإسلام، أو إجلائهم من العراق، أو قتلهم!، لكن (بحسب الضاري) الدولة الخبيثة تحابيهم وتقويهم.
كما يروي الحمش حادثة جرت له مع احد تلامذته المقربين من حارث الضاري، واسمه ياس السامرائي، حين دخل مكتبته ووجد فيها كتب الشيعة الاربعة، فيقول: “كاد يطير صوابُه، وقال لي بحدة وعصبية: مثلك يحوي هذه الكتب المضللة المعفنة؟”، فرد الحمش: “هذه المكتبة فيها لماركس وأنجلز وسارتر ودارون ومكيافليّ، بل فيها كتاب عن (تعريص) نابليون بونابرت، ولم أرك يوماً اعترضتَ على شيءٍ منها، افترض هذه الكتب الأربعة الرافضية، من طبقة هذه الكتب، أنتم تلعنون الظلام، من دون أن توقدوا شمعة واحدةً لطرده، أنتم تبغضون الشيعة، ولا تعرفون عنهم شيئاً.
بيت 680 مترا من صدام للحمش
لم يرُق وجود عداب وقربه من الرئيس آنذاك، مزاج رجال الدين في العراق، وحاولوا بشتى الطرق إبعاده (بحسب روايته)، ولكن حدة التوتر تطورت بشكل كبير، فوصل الى صدام حسين، وأمر بعقد اجتماع أشبه بالمناظرة، بين لجنة المناقشة، والحمش وأنصاره، للوصول الى نتيجة بشأن “أطروحة الوحدان”، فبدأ الاجتماع الذي استغرق 3 ساعات وانتهى بتوبيخ لجنة المناقشة من قبل صدام “ضمنياً”، وتقديمه هدية للحمش وهي بيت بمساحة 680 مترا في منطقة جميلة، وتوجيهه إياه بكتابة رسالة ثانية يطرحها أمام لجنة أخرى (برئاسة عبد اللطيف الهميم) لنيل درجة الدكتوراه.
علاقته بعزت الدوري
يقول الحمش عن عزت الدوري، إنه ”رجل سنّي، حنفيّ، ماتريدي، نقشبنديّ، فمن أراد أن يحاكم تصرفاته وأفعاله؛ فعليه أن يحاكمها إلى هذا المنحى الفكري والسلوكيّ، وليس إلى المنطق العامّ ولا إلى اختيار الناظِر، ولا إلى الراجح من مذاهب المسلمين، وانه يعتقد بأنّ التغلّب هو السبيل السائد في تاريخ المسلمين، فالخلافة الراشدة شرعية، والخلافة الأموية شرعية، والخلافة العباسية شرعية، وعليّ عنده؛ أفضل من معاوية، والحسين أفضل من يزيد، وجميعهم رضي الله عنهم".
ويشير عداب الى ما يؤمن به الدوري، فيقول إنه “يؤمن بأنّ الحاكم المتغلّب حاكم شرعيّ بنفاذ أحكامه وأوامره، وبالتالي، فلا يجوز الخروج عليه، ولا منازعته سلطانه، وسواء قتل الأستاذ عزت الدوري عراقياً واحداً، أو قتل مليون عراقيّ في الدفاع عن الكرسيّ؛ فلا يرى في ذلك أدنى حرجٍ نفسيّ”، ويشير الى انه “ربما أعدم بيده عدداً من المسلمين المعارضين، ثمّ جلس مباشرة إلى تناول فطوره أو غدائه، وربما تناول أجمل كأس شاي، بعد القضاء على الخصوم البغاة".
ويلفت رجل الدين السوري النظر الى “شخصية عزت إبراهيم؛ هي ذاتها شخصية كلّ مسلمٍ سنيٍ على وجه الأرض، ومن يحسب غيرَ ذلك؛ فهو واهم، ويبدو أنّ هذه الثقافة؛ هي ثقافة تاريخ الإسلام السياسيّ المتوارثة منذ أربعة عشر قرناً إلى اليوم".
يتضح من خلال كلام صاحب المذكرات عن نائب صدام حسين، ومشرف الحملة الايمانية، وجود شد كبير بينهما، حيث يرى الأول، بأن الاخير هو من أوعز الى لجنة مناقشة اطروحة الوحدان، بردها، اضافة الى إشاعته اخباراً تتحدث عن كون الحمش مرتداً، والتي أدت بدورها الى تهديده بالقتل، ومطالبات واسعة بترحيله من العراق، ولكن قربه من صدام حسين أسعفه في هذه المعركة.
حيث يقول إن “أحد المقربين من عزت الدوري اوصاني بالتقرب منه، وقال لي بصريح العبارة: لولا قربك من الرئيس لأذابك الدوري بالأسيد، فهو لا يطيق ذكر اسمك”.
هل تُسبب عودته للعراق بأزمة سنية – سنية؟
بعد كل ما ذُكر، وما تضمنه التقرير من شرح مفصل عن الحمش، وإثارته للجدل، وقربه من صدام، وبغض الدوري له، أثارت عودته إلى العراق، الكثير من القلق لاسيما لدى الأوساط السنية، كون تاريخ عدّاب كان حافلا بالخلافات مع قيادات هذا المكون.
وبهد الصدد، قال مراقبون للشأن المحلي، إن عودة الحمش إلى العراق ستسبب بالفعل أزمة بين الأوساط السنية التي لا تطيقه على الإطلاق، كون تاريخه ومؤلفاته حافلة بالاختلاف معهم، وفي شتى المجالات.
وأكد هؤلاء، أن الحمش الآن يحاول التقرب أكثر من المذهب الشيعي وقياداته، فهو حاول سابقا ولم ينجح، لكن الفرصة الآن مواتية له بحكم النفوذ الكبير الذي باتت الشيعة تتمتع به، وبذلك فإن نجاح عدّاب بهذه المهمة سيكون كفيلا باشتعال أزمة كبيرة بين الأطراف السنية التي لا تروق له التمدد ونشر أفكاره.