قوات أحزاب الإقليم.. خروج عن القانون والدستور وعلاقات خارجية مشبوهة
انفوبلس..
بالإضافة لما يمتلكه إقليم كردستان من قوات عسكرية دستورية رسمية متمثلة بالبيشمركة والأسايش، يمتلك الحزبان الكرديان الرئيسيان (الحزب الديموقراطي الكردستاني التابع لآل بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني التابع لآل طالباني) قِوى عسكرية غير رسمية، تنطبق عليها تسمية المليشيات، كونها تعمل وفق رغبات سياسية وتشكّلت بدون أي غطاء قانوني أو دستوري تهدف بالدرجة الأساس إلى خلق نفوذ عسكري حزبي يُساهم في بقاء الحزبين في سلطة الإقليم.
الوحدة 70 التابعة للاتحاد الوطني "اليكتي"، والوحدة 80 التابعة للحزب الديموقراطي "البارتي"، ورغم عملهما الحزبي، لكنهما تستلمان تخصيصاتهما المالية من وزارة البيشمركة، التي تستلم تخصيصاتها المالية من الموازنة الاتحادية في بغداد، فيما تُظهر أنباء مضلِّلة بين الحين والآخر إلى دمج الوحدتين "عسكريا" ضمن وزارة البيشمركة، لكن في الواقع تستمر عائديتها إلى سلطتي الحزبين الكرديين.
وبسبب عمل تلك الوحدات "غير الرسمي" فإنها تتحرك وتقيم علاقات بمعزل عن بغداد وحتى أربيل، حيث تمتلك تفاهمات قوية مع القوات الأمريكية والتحالف الدولي بعضها مُعلن وبعضها الآخر يتم في الخفاء.
العلاقة العسكرية الكردية الأمريكية..
يوم أمس، الثلاثاء 31/1/2023، ذكرت إذاعة "صوت أمريكا" في تقرير لها، أن مستشارين عسكريين أمريكيين، وغيرهم من أعضاء التحالف الدولي، يقدمون الاستشارة للقوات الكردية من أجل تطويرها وإعدادها لمواجهة المخاطر المستقبلية المتمثلة بـ"الإرهاب"، مشيراً إلى أن "عملا مهما" من أجل توحيد صفوفها.
وأوضح التقرير، أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش الإرهابي، يساعد القوات الكردية على إصلاح صفوفها، مضيفا أن البيشمركة تمثل شريكا رئيسيا للولايات المتحدة في القتال ضد داعش.
وأضاف التقرير أنه رغم فاعلية هذه الوحدات العسكرية من البيشمركة، فإنها تعمل بشكل مستقل عن بعضها، ويأمل المستشارون العسكريون في تغيير هذا الوضع.
ونقل التقرير عن العقيد في الجيش الأمريكي باتريك كوغين قوله إن النيّة هي تنظيم عمل ما بين 6 و8 وحدات وجعل هذه الوحدات نفسها بأن تتبع مباشرة لوزارة البيشمركة، مضيفا أن هذه القوات من الوحدتين 70 و 80 تنضوي في إطار هذه الوحدات من أجل توحيد كل القوات الكردية العسكرية.
وذكر التقرير أن الوحدتين "القوة 70" و"القوة 80" مرتبطتان بالحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان، حيث ترتبط الأولى بالاتحاد الوطني الكوردستاني، وترتبط الثانية بالحزب الديمقراطي الكوردستاني، مضيفا أن هناك "توتر قديم بين الطرفين حال دون تشكيل قوة عسكرية موحّدة للإقليم".
ونقل التقرير عن قائد "القوة 70" مصطفى شورش قوله إن "كل المشكلات التي تعترض طريقنا تؤثر على البيشمركة، وخطوة تلو الخطوة، نواصل العمل بالإصلاحات التي طلبها التحالف (الدولي)، وسنقوم بتطبيقها".
وأشار إلى أنه تم بالفعل وضع مجموعة من الوحدات العسكرية تحت قيادة وزارة البيشمركة. وقال شورش إنه "طالما أن هناك داعش وإرهابيين، فهناك حاجة لتوحيد القوات، بما سيكون في مصلحة الجميع".
وذكر التقرير الأمريكي أنه رغم تنامي التوتر بين الأحزاب السياسية، فإن غالبية المقاتلين يُقرّون بأهمية توحيد القوات العسكرية المحلية، وأنهم يعتبرون أن دور المستشارين العسكريين في هذه المرحلة "حيوي".
ونقل التقرير عن قائد "القوة 80" بابكر زيباري قوله إن "للتحالف الأمريكي دور رئيسي في عملية الإصلاح هذه، ويشكلون مساعدة مفيدة جدا يقدمونها لنا، سواء كانت مالية أو من خلال تقديم السلاح، أو من خلال تقديم المشورة لقوات البيشمركة".
إلا إن التقرير لفت إلى أن الخبراء يعتبرون مسألة توحيد قوات البيشمركة تعتمد في نهاية المطاف على القادة السياسيين وجعلها حقيقة.
كما نقل التقرير عن محلل الشؤون الكردية هيوا عثمان قوله إن "توحيد قوات البيشمركة، ليس مسألة تقنية بحيث إنك تجلب مستشارين عسكريين للمساعدة في هذه التوحيد، بل إنه قرار سياسي، وهذا القرار يتطلب أن يُتخذ على مستوى الحزبين الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني".
وختم التقرير الأمريكي بالقول إن مسلحي داعش ما زالوا يمثلون تهديدا، ويأمل الكثيرون هنا في الإقليم، بأن يشكل هذا الوضع دافعا لدى الأحزاب السياسية من أجل وضع خلافاتهم جانبا، والتركيز على محاربة العدو المشترك لهم".
خلافات الحزبين و"التهديدات" الأمريكية..
صحيفة العرب ذكرت في تقرير لها أن، التوترات السياسية الجديدة التي يشهدها إقليم كردستان العراق بين الحزبين الحاكمين والجماعات المسلحة التابعة لكل حزب، أصبحت تشكل خطرا أمام مستقبل الإقليم، وتثير قلق ومخاوف المواطنين الأبرياء، الذين عاشوا سابقا تجربة مؤلمة مشابهة لصراعات واشتباكات بين هذه الجماعات، وبالأخص حرب الأحزاب الكردية بداية تسعينيات القرن الماضي.
وبعد انتفاضة إقليم كردستان العراق قبل ثلاثة عقود، أصبح لدى الأحزاب الكردية رغبة بتأسيس برنامج جبهة وطنية موحدة لجماعاتهم المسلحة، تحت ظل القيادة الكردية التي شكلتها الجبهة، لفترة قصيرة، قبل أن تُحل على أيدي الأحزاب المؤسسة وتؤدي إلى حرب داخلية.
الوضع الآن مختلف تماما عن برنامج الجبهة الوطنية، هناك اليوم العشرات من الجماعات المسلحة تنشط تحت إشراف الأحزاب بعيدا عن السلطة الحكومية وخارجا عن القانون، رغم وجود وزارة البيشمركة في حكومة كردستان العراق.
لدى الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستاني وحدتان عسكريتان تعملان تحت سيطرتهما (وحدة 80 ووحدة 70) يتراوح عدد عناصرهما بين مئة ألف ومئة وعشرين ألفا، وفق تصريحات المسؤولين العسكريين. وكلاهما ينفذ الأوامر الصادرة عن الأحزاب فقط. مع ذلك هناك عدد من الألوية التابعة للبيشمركة الكردية المشتركة في الوزارة، لكن عدد أفرادها قليل مقارنة مع الوحدات المسلحة التابعة للأحزاب.
ورغم المحاولات المستمرة من قبل قوات التحالف الدولية برئاسة الولايات المتحدة لتقليص الوحدات العسكرية الحزبية، وتوسيع الألوية الموحدة لوزارة البيشمركة، إلا إن تدخلات الحزبين الرئيسيين تقف عائقا أمام توحيد وحدات البيشمركة، تحقيقا لمصالحهما الاقتصادية والسياسية عن طريق استغلال القوة العسكرية الحزبية.
ليس خافيا أن السلاح في إقليم كردستان العراق ليس بأيادي الحكومة، بل بأيادي جهات تابعة للأحزاب الكردية. الحزبان الحاكمان في الإقليم يسيطران حتى على قوات الأمن الداخلية التابعة لحكومة الإقليم، وليس على البيشمركة فقط.
قبل ثمانية أعوام، وبهدف مشاركة قوات البيشمركة في تحرير مدينة موصل، التي كانت حينها تحت سيطرة داعش، وقّعت قوات التحالف الدولي مذكرة بروتوكولية مشتركة مع إقليم كردستان. الاتفاقية كانت مهمة جدا للإقليم، وتركزت بشكل رئيسي على توحيد قوات البيشمركة والجهات المسلحة التابعة للأحزاب، لتحويلها إلى قوة وطنية موحدة. وقدمت قوات التحالف حينها مساعدات عسكرية تضمنت التدريب على استخدام السلاح، لكن حكومة الإقليم لم تستفِد لأن تدخلات الأحزاب كانت عائقا أمام المشروع الوطني.
التحالف الدولي متشائم الآن، ووجه تحذيرات متكررة إلى وزارة البيشمركة، مؤكدا أن المساعدة والتعاون لن يستمرا في ظل التدخلات الحزبية. وفي آخر اجتماع بين الطرفين خاطب رئيس وفد التحالف الأحزاب بلهجة مشددة قائلا “كونوا موحَّدين”.
وصرّح الأمين العام لوزارة البيشمركة بختيار محمد في مؤتمر صحفي عقب الاجتماع، أن وفد التحالف قال لهم “نقدم المساعدة فقط لحكومة الإقليم، ولا نقدمها للأحزاب الكردية، ولن نستطيع الاستمرار في تقديم المساعدة إن لم توحِّد الأحزاب قواتها”.
وبحسب تقرير نُشر في موقع منظمة كردية مناهضة للفساد عام 2019، يبلغ عدد قوات البيشمركة التابعة للأحزاب الكردية الرئيسية، الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، أكثر من 110 آلاف، ويبلغ عدد قوات الأمن الداخلي أكثر من 70 ألفا يتلقون أوامرهم من الأحزاب، بعيدا عن سلطة حكومية.
هذا وضع غير طبيعي، في إقليم يشهد توترات سياسية واقتصادية وجغرافية، ويعيش سكانه في قلق دائم بسبب التوترات الداخلية، وصلت في السادس عشر من أكتوبر 2017 إلى مستوى خطير بسبب انسحاب القوات الحزبية دون تنسيق، حيث تبادل الحزبان الاتهامات بالخيانة.
في بدايات الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي، خصصت الحكومة الأميركية مبلغ 415 مليون دولار سنويا لمواجهة التنظيم، لكن المساعدة المالية انخفضت الآن إلى 240 مليون دولار سنويا، توزع رواتب شهرية لقوات البيشمركة تحت إشراف حكومة الإقليم.
ورغم تجديد مذكرة التفاهم بين البنتاغون والإقليم للتطوير والتعاون في الحادي والعشرين من سبتمبر 2022، مازالت قوات التحالف التي تعمل بقيادة أميركية تُبدي شكوكاً من إمكانية إصلاح النظام العسكري في إقليم كردستان.
ومؤخرا كشف رزكار محمد مقرر لجنة شؤون البيشمركة في البرلمان الكردستاني، لموقع voa أن الولايات المتحدة هددت بإيقاف جميع مساعداتها العسكرية واللوجستية لقوات البيشمركة، في حال لم يتم توحيد تلك القوات ضمن قوة وطنية تابعة لوزارة البيشمركة في حكومة إقليم كردستان.
رغم ذلك لم تلتزم الأحزاب الحاكمة بالاتفاقيات المبرمة مع التحالف الدولي، بل على العكس شكلت وحدات حزبية أخرى.
هذا كله دليل واضح على أن عملية الإصلاح داخل الأحزاب صعبة جدا، فهي تستغل الوضع القائم وتلجأ لاستعمال القوة العسكرية الخاصة بها من أجل السيطرة على الواردات الحكومية والتدخل دون صلاحيات قانونية، وهو ما ساهم في استشراء الفساد ليصل إلى مستوى خطير جدا.
اليوم، تسيطر الأحزاب المسلحة في كردستان العراق على كل مؤسسات الحكومة، من الواردات والنفط والرسوم الجمركية والمنافذ الحدودية، وصولا إلى الدوائر الخدمية، وتعيش حرية الصحافة وضعا مأساويا، ومن الناحية الاقتصادية المستفيد الوحيد هي الأحزاب الحاكمة.
ولم تستطع حكومة الإقليم مؤخرا توزيع رواتب الموظفين، والخدمات رديئة بحجة عدم وجود الأموال. الآلاف من الشبان يهاجرون إلى دول أوروبا بسبب البطالة وانعدام فرص العمل. والأحزاب الحاكمة لديها سجنها الخاص بها بعيدا عن أي رقابة قانونية.