كركوك على "صفيح ساخن" وسط توتر العلاقة بين بغداد وأربيل.. ماذا عن زيارة السوداني واجتماع "إدارة الدولة"؟
انفوبلس/ تقرير
تأبى المشكلات أن تغادر محافظة كركوك، فالمحافظة تعيش بين أزمة إلى أخرى، ومن عنف إلى توتر أمني، وآخرها تظاهرات عارمة، تشهدها منذ يوم 27 آب/ أغسطس الماضي. اعتصامات عربية وتركمانية، نُظّمت أمام مقر العمليات الأمنية المتقدم في كركوك- كرميان، إثر الإعلان عن اعتزام الحكومة تسليم المقر الذي يسيطر عليه الجيش والقوات الأمنية العراقية، إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، بناءً على تفاهمات توصلت إليها الحكومتان الاتحادية والكردية، مطلع الشهر الماضي.
وتشهد محافظة كركوك، منذ أيام، قلقاً شعبياً وتوترات سياسية وتحذيرات من "حرب أهلية" محتملة، فعلى الرغم من التدخل الحكومي المباشر للسيطرة على الأزمة التي تهدد المحافظة، الا أن تداعيات القضية لا تزال مستمرة ونتائجها معكوسة على الوضع السياسي العام بالبلد.
محافظة كركوك تمثل عراقاً مصغراً، حيث تتواجد فيها العديد من المكونات العراقية كالعرب والتركمان والأكراد، إلا أن التطور الجديد الذي حصل أدى الى تفجر أوضاع المحافظة، بعد سماح الحكومة الاتحادية بعودة الحزب الديمقراطي الكردستاني الى مقراته التي استُبعد منها سابقاً لاسيما مقر قيادة العمليات المشتركة، الأمر الذي دفع القوى التركمانية والعربية إلى الاعتراض بشدة على ذلك، ودفعها إلى قطع الطريق إلى المقار من خلال نصب خيام كبيرة للحيلولة دون تسليمه للحزب الديمقراطي.
وقبل عام 2016، كان الحزب الذي يقوده مسعود بارزاني يشغل هذا المبنى كمقر فرعي في كركوك، لكن العملية العسكرية التي أطلقها رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، والتي حملت اسم "فرض القانون"، انتهت بإخراج قوات البيشمركة من المدينة.
وعلى إثر ذلك، دفعت الأحزاب الكردية بالمقابل بمحتجين لها، السبت الماضي، كإجراء مناوئ لتظاهرات القوى العربية والتركمانية، واندلعت الاشتباكات بين الطرفين عندما دخلت عناصر مجهولة منطقة الاحتجاجات وأطلقت النار في الهواء من أسلحة خفيفة، ما أدى إلى وقوع ضحايا وجرحى.
رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، تدخل على خط الأزمة وأكد ضرورة التزام جميع الأطراف السياسية في كركوك بالحفاظ على السِّلم الأهلي وتجنب الوقوع في أي فتنة.
المحكمة الاتحادية العليا دخلت هي الأخرى على خط أزمة محافظة كركوك، فأصدرت، الأحد الماضي، أمراً ولائياً يقضي بإيقاف إجراءات تسليم مقر العمليات المشتركة للحزب الديمقراطي بالمحافظة.
قرار المحكمة الاتحادية العليا الملزم لكل السلطات بدا مفاجئاً لجميع الأطراف وموقفاً لكل ما يمكن أن تعمله الحكومة الاتحادية أو القوى السياسية الداعمة لها في البرلمان، وجاء بمثابة انتصار لطرف سياسي في كركوك يُعد خصماً للحزب الديمقراطي الكردستاني وهم عرب كركوك.
وبالرغم من أن قرارات الاتحادية باتة وملزمة لكل السلطات بموجب الدستور، فإن حكومة إقليم كردستان على لسان رئيسها مسرور بارزاني، أطلقت وصفاً قاسياً يمكن أن تكون له تداعيات سياسية وقانونية على قرار الاتحادية بأنه "قرار مهزلة".
وظهر حديث سياسي عن أن رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني سيزور المحافظة، اليوم السبت، لبحث تداعيات الأحداث الأخيرة في كركوك.
ويخيم التوتر على العلاقة بين بغداد وأربيل، ليس ابتداءً من أزمة كركوك وليس انتهاءً بتأخر إرسال مستحقات الإقليم من الموازنة، فيما بدأت الرسائل المتوترة المتبادلة تنطلق بين بغداد وأربيل، في إجهاض مبكر كما يبدو للاتفاق السياسي بين حكومة السوداني وكردستان، قبل البدء بتنفيذه حتى، وبالفعل بدأت أربيل تتهم بغداد بـ"التنصل" عن الاتفاق السياسي.
القيادي في "الإطار التنسيقي"، النائب السابق جاسم محمد جعفر، اتهم رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني، بـ"دفع مجاميع تابعة له لإثارة الفتنة داخل كركوك". وقال جعفر، في تصريح صحافي، إنّ "محافظة كركوك منذ 2003 – 2017 كانت تحت سطوة البارزاني وحزبه، حيث قمع المكونَين العربي والتركماني وزجّهم في السجون ودمر منازلهم".
وأضاف، أنه "بعد تحرير المحافظة من داعش ومن هيمنة الديمقراطي الكردستاني، حاول البارزاني بكل الوسائل العودة من جديد للهيمنة على المحافظة إلا أنه فشل، لذا بدأ يتحرك نحو مشروع جديد لخلق الفوضى داخل المحافظة، وأن المجاميع التابعة له أحرقت العلم العراقي وأحدثت حالة من الشغب أمس الأول"، داعياً "قوى الإطار والحكومة إلى عدم تلبية أي مطالب للبارزاني، وأن يكون التعامل معه وفق الأحكام القضائية التي تتعلق بعلاقة المركز مع الإقليم".
كما قالت رئيس حركة إرادة النائب حنان الفتلاوي في تغريدة عبر حسابها بمنصّة "إكس"، إن "مشكلة إقليم كردستان لن تُحل إلى قيام الساعة"، مضيفة إن "الإقليم يختلف مع كل رئيس وزراء جديد حتى وأن كان متعاونًا معهم، لأنهم لن يسلموا الواردات أبدًا، فهم لم يسلموها منذ عشرين سنة ولن يسلموها".
معظم مشكلات العراق، مرتبطة بشكل وثيق، بملف الثروة النفطية، هذه الثروة التي تثير الخلافات بدلاً من أن تكون خيراً على الشعب العراقي، وكركوك على وجه الخصوص، منذ اكتشاف حقول النفط فيها، وتأميمها، ما حوّل اسمها إلى محافظة التأميم، قبل إعادتها إلى كركوك بعد عام 2003.
وتمتلك المحافظة أول الحقول النفطية المكتشفة في البلاد، وهو حقل بابا كركر الذي اكتُشف في 14 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1927، ويُعدّ ثاني أكبر حقل إنتاج نفطي في العالم، وخامس أكبر حقول العالم باحتياطه النفطي الذي يفوق 10 مليارات برميل من النفط الخام والنقي، كما تُعدّ محطة تصدير النفط العراقي إلى ميناء جيهان التركي منذ عام 1934.
كانت للحكومة العراقية اليد العليا في المحافظة بعد عام 2003، بسبب سيطرتها على أنابيب التصدير، ولكن عمليات إرهابيةً شنّها تنظيم "داعش"، أدت إلى إعطاب هذه الأنابيب، وعمدت أربيل فوراً إلى بناء محطة جديدة، وبدأت في عام 2014 بتشغيلها بعيداً عن الحكومة العراقية.
ولفهم المسألة أكثر، فإن سيطرة بغداد على هذه الحقول كانت على الورق فحسب، قبل عام 2017، فيما تسيطر أربيل عليها فعلياً. وبسبب ذلك، سادت المودة لفترة طويلة بين أنقرة وأربيل، واستغلت الأخيرة هذا الأمر، وأقنعت الحكومة التركية بمنحها امتيازات لتصدير نفطها الخاص عبر أنابيب التصدير الاتحادية في المحافظة، بالإضافة إلى فرض رسوم على تصدير النفط العراقي عبر محطتها، وهو ما دفع بالحكومة المركزية إلى منع أربيل من تصدير نفطها إلى موانئ البحر المتوسط.
الحكومة التركية لم تُبدِ سعادتها بهذا القرار، ورفضت الالتزام به، ورداً على ذلك اتجهت الحكومة الاتحادية إلى تفعيل الدعوى المقامة ضد تركيا، لدى المحكمة الدولية، وحكمت الأخيرة في 25 آذار/ مارس الماضي، بإلزام تركيا، تسديد مبلغ مليار ونصف مليار دولار إلى الحكومة العراقية، والالتزام بقوانين الحكومة الاتحادية العراقية.
يقول الباحث السياسي محمد العزي، إن هذه الغرامة عقّدت الأزمة الدبلوماسية بين بغداد وأنقرة وأربيل في آن واحد، وحاول الحزب الديمقراطي الكردستاني، كسرها، عبر تقديم إغراءات إلى الجانب التركي، ولكن الأخير يتخوف من إعادة سيناريو الغرامة المفروضة عليه.
ويضيف، أن "تركيا توصلت إلى تفاهمات مع بغداد، لإعادة تصدير النفط مع تحويل مردوده إلى حسابات وزارة النفط العراقية حصراً، مقابل وقف الدعوى القضائية"، ويستدرك أن "أربيل، ما أن علمت بالاتفاق حتى سارعت إلى استمالة حكومة بغداد، التي وافقت على إعادة المقار لها، مقابل تسليم المحطة النفطية إلى وزارة النفط الاتحادية، الأمر الذي يحفز أربيل على الانتقام من الجبهة التركمانية والتركمان نكايةً بقرار أنقرة".
ويتولى إدارة كركوك محافظ عربي هو راكان الجبوري، إلى جانب قيادة أمنية مشتركة من مختلف القوميات بالمحافظة، تحت إشراف الجيش العراقي، منذ استعادة بغداد السيطرة على كركوك، نهاية عام 2017، بعد حملة عسكرية واسعة إثر تنظيم أربيل استفتاء للانفصال عن العراق.
تقع محافظة كركوك في شمال شرق البلاد، على الحدود العراقية الإيرانية، بالإضافة الى ذلك، فهي معبر رابط بين إقليم كردستان وباقي المحافظات الجنوبية، ويجعلها موقعها الإستراتيجي، مقراً أساسياً للتهريب.
يُذكر أن العراق خاض 3 دورات لانتخابات المجالس المحلية، ولكن كركوك لم تخُض سوى واحدة فقط، بسبب الاضطرابات المستمرة بين بغداد وأربيل.
ويعد ملف المناطق المتنازع عليها من أعقد الملفات العالقة بين بغداد وأربيل، حيث لا تقبل المكونات العربية والكردية والتركمانية في تلك المناطق بأي تفاهمات تمس حقوقها، الأمر الذي يجعل من إمكانية إبرام تفاهمات جديدة تضع تلك المناطق، وخاصة كركوك، على حافة مشاكل وأزمات سياسية.
وأُضيفت مادة بالدستور الجديد عُرفت باسم "المادة 140"، تنص على إجراء استفتاء شعبي لسكان تلك المناطق حول رغبتهم بالبقاء مع إدارة بغداد أو الالتحاق بمدن الإقليم، لكن منذ عام 2005 لم تُنفذ تلك المادة لأسباب سياسية وأمنية، أبرزها عمليات التغيير الديموغرافي التي طرأت عليها، وخاصة كركوك.