لا حكومة ولا جلسة للبرلمان الجديد.. هل فشلت انتخابات إقليم كردستان بفرض واقع جديد؟
انفوبلس/ تقرير
ظهرت بشكل علني الخلافات حول تشكيل حكومة كردستان الجديدة، رغم جلوس الحزبين الحاكمين في الإقليم على طاولة الحوار منهين بذلك قطيعة استمرت لسنوات، إذ فشل مجلس النواب في كردستان في أولى جلساته الاثنين الماضي، في انتخاب هيئة الرئاسة بسبب اختلال النصاب القانوني، الأمر الذي دفعه إلى إبقاء جلسته مفتوحة إلى إشعار آخر.
وتأجلت الانتخابات التشريعية في إقليم كردستان أربع مرات منذ قرابة عامين بسبب الخلافات السياسية إذ كان من المزمع إجراؤها في العام 2022.
* البرلمان يخفق في عقد أولى جلساته
وكُرست الجلسة، التي عُقدت برئاسة أكبر الأعضاء سناً وبدأت في الساعة الثانية عشرة ظهراً بتوقيت أربيل (الاثنين الماضي 2 كانون الأول)، لأداء القسم من قبل الأعضاء الفائزين في الانتخابات، ليكتسبوا رسمياً صفة نواب البرلمان في دورته السادسة.
وحضر الجلسة التي استغرقت نحو ساعتين، سبعة وتسعون عضواً من أصل مائة عضو، فيما رفض المرشح الفائز لاهور الشيخ جنكي، رئيس تيار جبهة الشعب، حضور الجلسة.
ثم فُتح باب الترشح لشغل مناصب الهيئة الرئاسية للبرلمان، التي تتألف من الرئيس ونائبه وسكرتير البرلمان، إذ ترشح عضوان عن الحزب الديمقراطي الكردستاني (الذي فاز بـ 39 مقعداً)، وعضوان عن الاتحاد الوطني الكردستاني (الذي فاز بـ 23 مقعداً)، وعضوان عن الأقليات لشغل المناصب المذكورة.
وهم فالا فريد وهلكورد شيخ نجيب "عن الديمقراطي، وكوسرت رسول وميران محمد عن الوطني، فيما قدمت كتلة الجيل الجديد المرشح كردوان جمال".
لكن أغلبية النواب باستثناء نواب الحزب الديمقراطي غادروا القاعة، مما حال دون انتخاب أعضاء الهيئة الرئاسية لعدم اكتمال النصاب القانوني.
وقالت مصادر سياسية وقتها، إن البرلمان لم يتمكن بعد أداء نحو 60 من نوابه الجدد اليمين القانونية من عقد جلسته الأولى الإثنين، بعدما أعلن رئيس السِنْ محمد سليمان، عن حزب "الجيل الجديد" المعارض، إبقاء الجلسة مفتوحة إلى أجل غير مسمى إثر اختلال النصاب القانوني لانتخاب هيئة جديدة لرئاسة البرلمان، على رغم طرح أسماء مرشحين.
وبحسب مراقبين، فإنه بعد تخطيها عقدة الانتخابات تجد القوى السياسية في إقليم كردستان نفسها أمام معضلة لا تقل تعقيداً، وذلك في طريقها نحو تشكيل حكومة جديدة لإبرام اتفاق ضمن السقوف القانونية، وسط حال من التضاد بين الحزبين الحاكمين على تقاسم المناصب واستقطاب حلفاء في المعارضة تضمن لأحدهما تحقيق الغالبية البرلمانية، واضعين مصير حكومتهما المقبلة أمام مستقبل مجهول على وقع إخفاقهما في انتخاب هيئة لرئاسة البرلمان بعد عقد أولى جلساته الاثنين الماضي.
وخلال السنوات الماضية، غالباً ما تم الاتفاق بين الحزبين على أن يحصل حزب الاتحاد الوطني على منصب رئيس جمهورية العراق، في حين يحصل الديمقراطي على رئاسة الإقليم ورئاسة وزرائه.
وعقد الحزبان الرئيسيان في إقليم كردستان، في 30 نوفمبر تشرين الثاني الماضي، أول اجتماع لهما بالسليمانية بعد الانتخابات البرلمانية التي جرت في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وذلك بهدف التباحث من أجل تشكيل الحكومة الجديدة للإقليم.
ويأتي هذا الاجتماع بعد دعوة رئيس الاقليم نيجيرفان بارزاني من خلال مرسوم إقليمي، الأحزاب السياسية الفائزة في الانتخابات البرلمانية إلى عقد الجلسة الأولى للبرلمان في الثاني من كانون الأول.
وطبقاً للنظام الداخلي لبرلمان الإقليم، يتعين على رئيس الإقليم دعوة البرلمان المنتخب إلى عقد جلسته الأولى خلال 10 أيام من المصادقة على نتائج الانتخابات، وإذا لم يدعُ الرئيس إلى عقد الجلسة الأولى يحق للبرلمانيين عقدها في اليوم الحادي عشر للمصادقة على النتائج، فيما يترأس العضو الأكبر سناً جلسات البرلمان قبل انتخاب الرئيس الدائم بعد تأدية القسم الدستوري.
وحصل الحزب الديمقراطي على 39 من أصل 100 مقعد في برلمان الإقليم بدورته السادسة، في حين حصل غريمه التقليدي الاتحاد الوطني على 23 مقعداً، كما حصل الجيل الجديد على 15 مقعداً، والاتحاد الإسلامي على سبعة مقاعد، وأحزاب صغيرة على بقية المقاعد.
ويواجه الحزب الديمقراطي الكردستاني صعوبات كبيرة في بناء تحالفات واسعة، خاصة في ظل رفض معظم أحزاب المعارضة المشاركة في أي حكومة تقودها الأحزاب التقليدية، ومن جهة أخرى، يسعى الاتحاد الوطني إلى استغلال هذه الظروف لتعزيز موقعه التفاوضي والحصول على مناصب مهمة في الحكومة المقبلة.
وبحسب سياسيين، فإن واقع هذا الصراع بين الحزبين التقليديين "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني و"الاتحاد الوطني" بزعامة بافل طالباني يفتح الباب أمام تساؤلات حول الخيارات المتاحة في تجاوز سقف الشروط المتبادلة، واستقطاب قوى من ساحة المعارضة التي يفرض بعضها شروطاً تعجيزية، وآخر اتخذ قراراً قطعياً بعدم المشاركة في أية حكومة يشكلها الحزبان في ظل عقبات قانونية تفرض سقوفاً زمنية في حال إبقاء جلسة البرلمان مفتوحة لحين إبرام اتفاق سياسي.
ويقف سقف المطالب المرتفع لدى كل منهما عائقاً في طريق تشكيل حكومة شراكة، فكلاهما يخوض سباقاً لاستقطاب باقي القوى الفائزة وفي مقدمهما حراك "الجيل الجديد" ويحوز 15 مقعداً، يليه "الاتحاد الإسلامي" بسبعة مقاعد ثم حزب "الموقف الوطني" بأربعة مقاعد، و"جماعة العدل" بثلاثة مقاعد، ومقعدان لحزب "جبهة الشعب"، ومقعد لكل من حركة "التغيير" و"الحزب الاشتراكي".
ويشترط حزب بارزاني في تشكيل الحكومة الجديدة أن تكون وفق معيار "الاستحقاق الانتخابي" مع أهمية أن تكون "مؤسسات الإقليم موحدة"، في إشارة إلى الفجوة القائمة بين ادارته في أربيل مع نظيرتها في السليمانية بقيادة حزب طالباني، في حين يرفع الأخير شعار "تصحيح مسار الحكم" بهدف ما يعتبره إنهاء حال احتكار القرار من قبل الديمقراطي.
وكان الحزبان على مستوى قادة الصف الثاني قد عقدا قبل موعد انعقاد البرلمان أول اجتماع بعد جولة لقاءات منفصلة خاضاها مع بقية القوى الفائزة في الانتخابات للبحث في وضع الخطوة الأولى لتشكيل حكومة يسعى خلالها الديمقراطيون إلى الاستمرار على صيغة تقاسم المناصب السابقة، وهي احتفاظهم بمنصبي رئيسي الحكومة والإقليم، بينما يضغط الاتحاديون للظفر بأحد المنصبين وإجراء تغييرات يرون أنها "تحقق توازناً في الحكم"، مع التحفظ على تجديد ولاية رئيس الحكومة الحالي مسرور بارزاني.
ومع تمسك "الديمقراطيين" بمنصب رئاسة الحكومة فإن "الاتحاديين" الرافضين لتولي منصب رئيس البرلمان لن يكون أمامهم خيار آخر سوى الحصول على منصب رئاسة الإقليم، على أن يحتفظ بمنصب نائب رئيس الحكومة إلى جانب الحصول على مناصب وزارية كتعويض لتخليه عن منصب رئيس البرلمان.
* شرط الغالبية يصطدم بجدار المعارضة
وتعترض خطوات الحزبين لتشكيل حكومتهما الـ10 عقبات في ظل صعوبة ضم قوى أخرى، معظمهما حسم قراره بعدم المشاركة وتبني النهج المعارض، باستثناء مقاعد الأقليات الخمسة التي تبدو مقسمة سلفاً بين الطرفين، ذلك أن أكبر القوى المعارضة المتمثلة في حراك "الجيل الجديد" تفرض شروطاً توصف بأنها تعجيزية، واضعة منصب رئاسة الحكومة في مقابل التنازل عن كل الوزارات أو عكسه، وهي تخشى من فقدان شعبيتها حال المشاركة كما حصل مع حركة "التغيير".
وأكد كل من "الاتحاد الإسلامي" ذو التوجه الإخواني و"جبهة الموقف" و"حركة التغيير" عدم المشاركة، فضلاً عن اتخاذ "جماعة العدل" الإسلامية قراراً نهائياً بمقاطعة البرلمان كلياً احتجاجاً على التلاعب في نتائج الانتخابات، وقد طُردت نائبة عن صفوفه لخرقها قراره بمقاطعة البرلمان، في حين لم تحسم "جبهة الشعب" موقفها بعد.
ويكمن خيار "الديمقراطيين" لتحقيق الغالبية في ضم 10 مقاعد إضافية في الأقل بغية إرضاخ الاتحاديين لشروطه أو الذهاب من طرف واحد إلى تشكيل الحكومة، وفي حال إخفاقه فإن أي تحرك مماثل من قبل "الاتحاديين" سيواجه مصيراً مشابهاً ليفتح الباب أمام سيناريو ترحيل التشكيلة إلى ما بعد الانتخابات الاتحادية المقررة الخريف المقبل، بغية وضع المساومة على المناصب في الإقليم والجانب الاتحادي في سلة واحدة.
*ثغرات قانونية
من جهة ثانية، يشير مصدر مطلع إلى وجود عقبة أخرى أمام التفاهمات تكمن في إصرار حزب بارزاني على ترشيح مسرور بارزاني مجدداً لرئاسة الحكومة، طالما كان محل رفض من قبل حزب طالباني الذي ربما سيلجأ إلى خيار تطبيق نظام "المداورة في المناصب"، على غرار تجربة سابقة، وهنا قد يضطر حزب بارزاني إلى ضم قوى تمكنه من تحقيق الغالبية، على رغم صعوبة فرض حكومة غالبية لا يشترك فيها أي من الحزبين بحكم إرث الانقسام المؤسساتي الذي يعانيانه على المستوى المناطقي والإداري والعسكري منذ خوضهما الحرب الأهلية منتصف تسعينيات القرن الماضي.
ومن الزاوية القانونية تصطدم عملية انتخاب هيئة رئاسة البرلمان، وتالياً منح الثقة للتشكيلة الحكومية الجديدة، بثغرات في مواد وبنود النظام الداخلي للبرلمان وقانون انتخابه، والقوانين الخاصة برئاسة الإقليم، لعدم ورود نصوص تسمح بالإبقاء على الجلسة مفتوحة من دون سقف في حال فشل انتخاب هيئة الرئاسة، أو الإشارة إلى الكتلة الأكبر المخولة تشكيل الحكومة، إذ يصدر قرار تكليف أي مرشح لرئاسة الحكومة من قبل رئيس الإقليم خلال مهلة 30 يوماً.
وفي هذا السياق يجمع مراقبون على وجود ثغرة قانونية إضافة إلى التضارب في المهلة المحددة لأعضاء البرلمان لأداء اليمين القانونية، فالنظام الداخلي للبرلمان حددها بـ30 يوماً بينما تصل إلى 90 يوماً في قانون الانتخابات، كما تنص المادة الرابعة من قانون تفعيل مؤسسة رئاسة الإقليم على فتح باب الترشح لرئاسة الإقليم بعد 30 يوماً من انتخاب هيئة رئاسة البرلمان، وفي حال فشل البرلمان في منح الثقة للحكومة ثلاث مرات متتالية، فيحق لرئيس الإقليم إصدار قرار بحل البرلمان والدعوة إلى إجراء انتخابات باكرة.
*حسابات معقدة
وفي شأن الخيارات المطروحة يقول الخبير السياسي دلشاد أنور إن "المعتاد هو أن يتولى الفائز الأول مهمة إجراء المفاوضات لتشكيل الحكومة قبل انتهاء المدة القانونية، فإذا فشل في مهمته فإن الفائز الثاني سيتولى المهمة، لكن الحزبين أجريا مفاوضات مع باقي الأطراف مما أظهر غياب إطار قانوني واضح وأيضا غياب الثقة بين الطرفين".
وأردف، إن "الديمقراطي لا يبدو مستعداً لتلبية جميع مطالب الاتحاد المتعلقة بالمناصب، وإذا ما نجح في كسب أطراف لتحقيق الغالبية فلن يعمل أي حساب للاتحاد، وبعكس ذلك سيكون مضطراً للتفاوض معه".
ويعتقد أنور أن الخيار الأخير المتاح أمام الديمقراطيين يكمن "في استقطاب نواب آخرين عبر تقديم مغريات لشق صف باقي الكتل الفائزة، إلا أن ذلك لن يكون يسيراً، فحراك الجيل الجديد لديه في ذلك تجربة سابقة ويعمل حساباً للاتحاد، كما يصعب اختراق نواب جماعة العدل لكونهم من قيادات الصف الأول، فيما تجري محاولة لكسب نواب الاتحاد الإسلامي، وعلى رغم أنهم أيديولوجيين لكن لا شيء صعباً، فيما تتحدث تسريبات عن احتمال انضمام نواب من جبهة الموقف الوطني، وكان اللافت أن يطرح زعيمها على النواب أن يغادروا جلسة البرلمان بعد أداء اليمين القانونية، لكي ينكشف من كان مع السلطة".
*احتمالات للطعن
ويعد غياب أي اتفاق سياسي عقدة رئيسة أمام رحلة تشكيل الحكومة، وفق المحلل سرتيب جوهر، إذ يرى أن الحزب الديمقراطي وباعتباره صاحب الكتلة الأكبر "يريد أن يشكل الحكومة باشراك قوى أخرى، وهو يتعامل كما لو كان لا يزال يحتفظ بمقاعده الـ45 في الدورة السابقة، في حين نرى أن الاتحاد يطرح سقفاً مرتفعاً من المطالب، وقد ظهر ذلك من خلال الخطب المتشنجة لزعيمه"، موضحاً أن "إبقاء الجلسة لسقف مفتوح من دون انتخاب هيئة الرئاسة يخالف قرار المحكمة الاتحادية الصادر في أبريل (نيسان) 2010، وعليه فإنه يمكن لأي طرف رفع طعون لدى المحكمة".
ويؤكد جوهر وجود ثغرات قانونية بالقول، إن "تكليف أي مرشح لتشكيل الحكومة، بحسب العرف الدستوري الاتحادي، يكون من قبل الكتلة النيابية الأكبر، بينما يصدر قرار التكليف في الإقليم من قبل رئيس الإقليم وفقاً للفقرة الـ 12 من المادة التاسعة في قانون رئاسة الإقليم رقم (1) لعام 2005، من دون أي ذكر لكتلة الأكبر، وهذه معضلة أخرى".