مؤامرة كشف تفاصيلها الرافضون.. وسط مطالبات بتخفيض النفقات.. البرلمان يعمل "سراً" لرفع رواتب نوابه
انفوبلس..
في وقت تعاني فيه موازنة البلاد من عجز يبلغ نحو 80 تريليون دينار في عام 2024، شرع بعض أعضاء مجلس النواب بـ"إجراءات سرية" تتعلق بإضافة امتيازات ورفع رواتبهم في البرلمان، الأمر الذي لم يتمكنوا من إخفائه عن الرأي العام ووسائل الإعلام ليشكل فضيحة كبيرة تحدثت عنها الأطراف النيابية الرافضة لتلك الإجراءات وكشفت عن العديد من تفاصيلها.
بالأسبوع الأول من شهر آب الجاري، ضجت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بما وُصف بـ "إجراءات سرية" جرت داخل البرلمان في جلسة 7 أغسطس/آب الجاري، وتتعلق بإضافة "امتيازات ورفع رواتب أعضاء مجلس النواب".
وتداول نشطاء وثيقة تشير إلى قرار برلماني بمساواة رواتب أعضائه مع الوزراء، الأمر الذي عدّه الكثيرون التفافا وضربا لكل الجهود الرامية لتخفيض رواتب موظفي الدرجات العليا.
كما يأتي ذلك على الرغم من قرار المحكمة الاتحادية الصادر في عام 2018، والذي تضمن تخفيض رواتب أعضاء البرلمان تطبيقا لقرار تخفيض رواتب الدرجات العليا في الحكومة.
ووفقا للتعليمات، فقد تم تخفيض متوسط رواتب أعضاء البرلمان من 8 ملايين و200 ألف دينار إلى نحو 6 ملايين دينار بعد اعتماد الشهادة وسنوات الخدمة كمعايير جديدة لتحديد المخصصات الإضافية على الراتب.
القصة التي حدثت في البرلمان، كشفت عنها كتلة إشراقة كانون "جزئيًا" حيث تحدثت عن عدم اطلاع النواب على الجداول التي يُراد منها رفع رواتب النواب وكان هذا الامر سريًا، فيما لم تصدر أي معلومات او توضيحات بعد ذلك عن القصة.
ووفقا لتتبع سياق الجلسة وما تمت قراءته خلال هذه الجلسة، فإن طرح رئاسة البرلمان لهذا الأمر جاء بالتزامن مع "واستغلالا" للقراءة الأولى لتعديل قانون مجلس النواب، والذي أُدرج لقراءته وتعديله بناءً على قرار من المحكمة الاتحادية بعدم دستورية بعض العبارات في المادتين 48 و50 والمتعلقة بتعيين مجلس النواب للمستشارين.
إلا أن البرلمان راح أبعد من ذلك، بتعديل العديد من المواد في قانون مجلس النواب من بينها مواد تتعلق بامتيازات النواب وإضافة حراس شخصيين للنواب وليس لرئيس البرلمان ونائبيه فحسب فضلا عن جعل هؤلاء الحراس مخصصين للنائب حتى بعد انتهاء دورته وخدمته في البرلمان.
بالتزامن مع ذلك، واستنادا الى المادة 64 من قانون مجلس النواب، حيث تتيح هذه المادة لرئيس البرلمان ونائبيه أن يصدروا تعليمات تخصص رواتبهم ورواتب النواب وموظفي المجلس، أي إنها غير خاضعة لقانون موحد بل تعليمات يصدرها رئيس البرلمان ونائبيه لوضع الأرقام المطلوبة للرواتب.
وعمومًا، تزامن هذا التعديل والتحرك ليأتي ردًا على قرار صدر من المحكمة الاتحادية بشكل منفصل عن قرار عدم دستورية المادة 48 و50 من قانون مجلس النواب، حيث أصدرت المحكمة الاتحادية قرارا بناءً على دعوى رفعها أحد النواب قاد الى تخفيض رواتب المديرين العامين في مجلس النواب بصفتهم موظفين ولم يتم تخفيض رواتبهم او تطبيق قرار تخفيض رواتبهم الصادر منذ عام 2017 في حكومة العبادي.
وبناءً على قرار المحكمة الاتحادية العليا، فإن التخفيض طال حتى رواتب أعضاء مجلس النواب، ممن يحملون الشهادة الإعدادية والبكلوريوس، فيما استقرت رواتب حاملي شهادة الماجستير او انخفضت قليلا، مع ارتفاع بسيط برواتب حاملي الدكتوراه.
وعمومًا انخفض متوسط راتب النائب من 8 ملايين و200 ألف دينار الى حوالي 6 ملايين دينار، الامر الذي دفع رئاسة البرلمان لتطبيق الفقرة 64 من قانون مجلس النواب التي تتضمن "إصدار تعليمات عن رفع رواتب النواب"، لكن لم تتكشف أي تفاصل عن حجم رفع هذه الرواتب وكم ستبلغ حيث لم يطلع النواب أساسا على أي جداول تخصها بعد.
وكانت رواتب النواب قبل تخفيضها تتراوح بين 10 الى 15 مليون دينار، إلا أنها حاليًا تتراوح بين 8 الى 10 ملايين، قبل أن يتم التخفيض الى 6 ملايين للجزء الأكبر من أعضاء المجلس، أي إن هناك فجوة كبُرت بين أعضاء البرلمان لتكون الرواتب ربما بين 6 الى 10 ملايين دينار.
النائب عن إشراقة كانون زهير شهيد الفتلاوي، ذكر تصويت مجلس النواب على زيادة مخصصات أعضائه، وقال الفتلاوي، أن "الجلسة التي شهدت التصويت على امتيازات ورواتب أعضاء مجلس النواب غير مبررة".
وأضاف، إن "الأمر تم بصورة سرية من خلال عدم اطلاع النواب على الجداول التي يراد منها رفع رواتب النواب".
وأشار إلى، أن "الكتلة الوحيدة التي أبدت اعتراضها على جلسة منح رواتب إضافية للنواب هي إشراقة كانون امتثالا لدعوات المرجعية الدينية بتخفيض رواتب الرئاسات الثلاث والدرجات الخاصة".
وأكد بيان لإشراقة كانون أن التفاصيل المالية حول هذا القانون الذي مرر في وقت كان الجميع مشغول بتعديلات "الأحوال الشخصية"، تمت إحالته إلى "جدول ملحق لم يعلن عنه ولم يُقرأ على الحضور"، مشيرة الى أن الجلسة كانت "غير معلنة فيما يخص هذه الفقرة".
كما كشفت الكتلة عن أنه "لم تسلم نسخ ورقية من تلك التعليمات إلى أعضاء المجلس، وتمت وقراءتها لمرة واحدة فقط مما لم يسمح بمنح فرصة للتمعن في مضامينها".
وأوضحت، إن نواب كتلة إشراقة كانون ومجموعة من أعضاء المجلس لم يصوتوا على إقرار تلك التعليمات واعترضوا على تلك الإجراءات وطلبوا الوثائق من رئاسة المجلس للاطلاع على محتواها.
وأكدت أن أعضاء مجلس النواب من كتلة إشراقة كانون بصفتهم ممثلين عن أبناء الشعب العراقي يطالبون رئاسة مجلس النواب بكشف ملابسات ما جرى في الجلسة ونشر الوثائق المتعلقة بها كافة أمام الرأي العام.
ورغم تلك السرية فقد تسربت بنود من التعديلات على القانون لوسائل الاعلام، وهي 12 مادة يراد تعديلها لصالح النواب.
وأبرز التعديلات المطروحة تتعلق برواتب النواب. حيث كانت الرواتب قبل حزمة الإصلاحات التي طرحها رئيس الحكومة الاسبق حيدر العبادي في 2015 قد قلصت راتب البرلماني من 21 مليون دينار الى 8 مليون و200 ألف، وهو اجراء يفترض انه شمل باقي الرئاسات باستثناء مجلس القضاء، بحسب محمد الزيادي النائب في البرلمان.
الزيادي قال في تصريحات، إنه "ليس من حق القضاء أن يقلص رواتبنا الآن الى 6 ملايين و200 ألف"، فيما لم يبين سبب التخفيض الجديد.
المحكمة الاتحادية كانت قد قضت في 2018 بعدم دستورية 5 مواد من أصل 25 مادة في قانون مجلس النواب.
ومن بين أهم المواد التي قضت المحكمة بعدم دستوريتها المادة 13 من القانون؛ المتعلقة بالمرتبات التقاعدية لأعضاء المجلس التي أثارت في حينها موجة انتقادات واسعة خلال التصويت عليها بمجلس النواب في 2018.
وعدت حينها مخالفة صريحة لقانون التقاعد العام وتمييزاً بين المواطنين، لأنها تمنح حقوقاً تقاعدية لمن يقل عمره عن خمسين سنة من النواب، وتعتبر فترة الأربع سنوات التي يقضيها النائب في الدورة الانتخابية 15 سنة لأغراض التقاعد، شرط أن يقوم بتسديد ما يسمى بـ"التوقيفات التقاعدية الشهرية".
ويقول الزيادي، بأن "رئاسات الجمهورية والحكومة أعادت استقطاع الـ45% من الرواتب بطرق أخرى"، لم يذكرها بالتحديد، كما رفض أن في حوار تلفزيوني أن "يستقل سيارة قديمة موديل 2010".
وبعد الضجة على مواقع التواصل الاجتماعي، سارعت عضو مجلس النواب نور نافع الجليحاوي، في منشور على صفحتها الشخصية بموقع فيسبوك، إلى نفي علمها بما حصل، إذ أشارت في مقطع صوتي إلى مقاطعتها الجلسة.
وأكدت أن "الوثيقة التي يتم تداولها لغاية الآن لم تتأكد لنا رسميا، هل هي صحيحة؟ هل تتعلق بالاستقطاع؟ أم بالزيادة؟". وقالت "بشكل قطعي مع عدد من أعضاء مجلس النواب سنعمل على إيقاف ذلك إن ثبت لنا".
من جهته، كشف النائب المستقل مصطفى سند، في مقطع فيديو تداولته صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، الأسباب التي أدت إلى إدراج هذا القرار بجلسة البرلمان يوم 7 أغسطس/آب الجاري، مقدما رواية مختلفة تتحدث عن تخفيض مفاجئ لرواتب النواب أدى إلى مطالبة بعضهم بإعادتها إلى ما كانت عليه.
بدوره، قال رئيس اللجنة التنظيمية للحراك الشعبي في العراق حسين علي الكرعاوي، إن "جميع من وصلوا إلى قبة البرلمان كانوا يدّعون خدمة الشعب، لكنهم كانوا بعيدين كل البعد عن ذلك، فهم يبحثون عن السلطة والكرسي والمال دون أن يعوا خطورة هذا الموقف".
وحذر الكرعاوي من "مضي البرلمان بزيادة مخصصاته المالية وانعكاس ذلك سلبا على العلاقة بين المواطن والقوى السياسية بالانتخابات المقبلة، مما يزيد الفجوة وعدم الثقة بين الطرفين"، داعيا البرلمان إلى "ترك هذا الموضوع بشكل نهائي".
من جهته، نفى عضو مجلس النواب كامل العكيلي تصويت مجلس النواب على زيادة في رواتب النواب، موضحا أن "ما حصل هو تنظيم النظام الداخلي للبرلمان والتصويت عليه كقانون تنفيذا لقرار المحكمة الاتحادية".
وأوضح العكيلي أن "ما جرى في جلسة البرلمان في 7 أغسطس/آب الحالي لم يكن زيادة لرواتب النواب"، قائلا إن "هناك قرارا برلمانيا تم التصويت عليه في زمن حكومة حيدر العبادي بتخفيض رواتب الدرجات العليا والرئاسات، لكن في الدورة السابقة طالب رئيس البرلمان حينها باستثناء ما يقارب 48 مديرا من هذه التعليمات".
وأضاف أن "النائب باسم خشان رفع دعوى قضائية لدى المحكمة للطعن بهذا الاستثناء، إذ أصدرت المحكمة قرارها ببطلان ما ذهب إليه رئيس المجلس السابق من الاستثناء، مع إلزام البرلمان بتعديل نظامه الداخلي وتنظيمه بقانون".
وأكد أن "البرلمان ذهب إلى تعديل نظامه الداخلي وفقا لرؤية المحكمة بضرورة وجود قانون وتعليمات، وهو ما حصل تحديدا خلال الجلسة، ولم يتضمن أي زيادة مخصصات أو رواتب".