ماذا جرى مع عباس الأسدي؟.. مفتش عام دخل في خصومة مع وزير الهجرة الكردي انتهت بحكمه غيابياً هرب بسببه إلى تركيا
انفوبلس..
بعد دخوله في خصومة مباشرة مع وزير الهجرة والمهجرين الأسبق جاسم الجاف من حركة التغيير الكردية، وتسريب مقطع فيديو لإحدى المشادات الكلامية بين مفتش عام وزارة الهجرة عباس الأسدي ووزيرها المذكور، تبدّل الحال بالأسدي من منصبه الرفيع إلى مُدان محكوم غيابياً بالسجن لمدة 7 سنوات وهارب إلى تركيا يعمل في أحيائها الصناعية كصبّاغ وحمّال.
شبكة "انفوبلس" تفتح اليوم ملف الأسدي لكشف حقائق قضيته ومعرفة حيثياتها وتفاصيلها المخفية.
في بداية الأمر عام 2016، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يُظهر حدوث مشادة كلامية بين وزير الهجرة والمفتش العام بالوزارة بعد قيام الأخير بكشف ملف فساد، ما تسبب باستفزاز الوزير الذي تجاوز على المفتش العام عباس الأسدي وقام بطرده.
حينها طالبت عضو مجلس النواب عالية نصيّف رئيس الجمهورية ورئيسي السلطتين التنفيذية والتشريعية بوضع حد لـ"سابقة خطيرة" متمثلة بقيام وزير الهجرة والمهجرين بطرد المفتش العام بالوزارة بسبب كشف الأخير "ملفات فساد"، وقد عدّت الحادثة بأنها "انتهاك سافر للقانون والدستور".
الوزارة ترد ببيان
الوزارة ردت على مقطع الفيديو المتداول ببيان ذكرت فيه أن الأسدي نُقِل من الوزارة مؤخراً وحاول "الاستحواذ" على سيارة تعود ملكيتها للوزارة، فيما عززت ردها بوثيقة رسمية.
وقالت الوزارة: "انتشر في بعض وكالات الأنباء مقطع فيديو لمشادة كلامية بين وزير الهجرة والمهجرين محمد الجاف وبين المفتش العام السابق للوزارة عباس الأسدي"، مبينة أن "الأسدي منقول من الوزارة الى هيئة المساءلة والعدالة بموجب أمر ديواني منذ (16 تشرين الثاني 2016)".
وأضافت، إن "الأسدي وخلافا للسياقات الإدارية امتنع عن تنفيذ الأمر الديواني وحاول الاستحواذ على سيارة تعود ملكيتهما للوزارة رافضاً تسليمها رغم طلب قسم الآليات بالالتزام بالسياقات الإدارية والقانونية"، مشددة على أن "أملاك الوزارة مُلك الدولة ولا يحق لأي شخص لا ينتمي للوزارة التصرف بأملاكها، ويتعامل معها كأملاك شخصية".
وأوضحت، إن "الوزير تدخّل لغرض إنهاء هذه الحالة وحل الإشكال منعا لتصادم الموظفين، إلا أن المفتش السابق للوزارة تصرف بغير مهنية وأساء للوزير".
مناشدة الأسدي
في عام 2021، ناشد مفتش عام هيئة دعاوى الملكية السابق والمفتش الأسبق لوزارة الهجرة عباس سعيد عبد الله الأسدي، رئيسي مجلسي الوزراء والقضاء الأعلى، ولجنة النزاهة النيابية والأمين العام لمجلس الوزراء، للنظر في موضوع انتهاك حقوقه.
وذكر في مناشدته عبر وسائل إعلام: "سبق وأن قرر رئيسي الأعلى إشراكي بدورة الدفاع الوطني رقم (٢٢) في كلية الدفاع الوطني بموجب أمر وزاري أصولي، وفعلاً نفّذت الأمر والتحقتُ بالدورة بموجب كتاب الالتحاق الصادر عن جامعة الدفاع للدراسات العسكرية – كلية الدفاع الوطني. وأنهيتُ دراستي وحصلت على شهادة الماجستير بتفوق عالِ وأعادتني كلية الدفاع الوطني إلى دائرتي بموجب أمر وزاري أصولي موقّع من رئيس الوزراء عن/ وزير الدفاع مُرسَل بكتاب أصولي من جامعة الدفاع للدراسات العسكرية – كلية الدفاع الوطني لغرض المباشرة بعمله".
وأضاف عبدالله: "أن رئيسي الأعلى لم يوافق على مباشرتي بعملي منذ إكمالي للدورة في ١ / ٤ / ٢٠١٩ بحجة ورود كتاب من الأمانة العامة لمجلس الوزراء بعد عشرة أشهر من التحاقي بالدورة ينص على عدم جواز اشتراك المديرين العامين وأصحاب الدرجات العليا بدورة الدفاع الوطني (علماً انني لم أُبلّغ بمضمون هذا الكتاب لا من دائرتي ولا من كلية الدفاع الوطني لحين إكمالي الدورة وعودتي الى دائرتي بكتاب الإعادة والتخرج الصادر من الكلية)، مع العلم بأن الأمانة العامة نفسها قد رشّحت مديرين عامين في ذات الدورة رقم (22) التي كنتُ مشتركاً فيها، كما رشحت الأمانة العامة لمجلس الوزراء مديرين عامين في الدورة اللاحقة رقم (23) التي افتُتِحت بضوء أخضر وبكتاب عدم ممانعة من الأمانة العامة نفسها موجّه الى كلية الدفاع الوطني لغرض قبول أصحاب الدرجات العليا.
وتابع، أن "بقية المشتركين بالدورات السابقة وزملائي من نفس الدورة والمشتركين اللاحقين في دورات الدفاع الوطني التي بعدها لم يتم شمولهم بما جاء بكتاب الأمانة العامة وإنما نُفّذ بحقي فقط. فضلاً عن اشتراك مديرين عامين ودرجات عليا من مختلف الجهات في الدولة للدراسة في كلية الدفاع الوطني كونها كلية تعمل بقانون خاص هو قانون جامعة الدفاع للدراسات العسكرية رقم (4) لسنة 2016 المنشور بجريدة الوقائع العراقية بالعدد : (4400) بتاريخ 7/3/2016 حيث رسم هذا القانون آلية القبول في كلية الدفاع الوطني من المدنيين من الملاكات المتقدمة في دوائر الدولة والقطاع العام وفقاً لما جاء بالمادة -4- الفقرة /أولاً منه".
وأضاف، "نتيجة لذلك تم حرماني من وظيفتي وطردي منها بشكل غير قانوني وتم قطع راتبي ولم أُحَل إلى التقاعد رغم صدور قانون إلغاء مكاتب المفتشين العموميين، وتمت مطالبتي بإعادة جميع رواتبي السابقة ورواتب السائق والحماية وحتى مبالغ وقود السيارة الحكومية التي كانت تقلني الى مكان الدورة إضافة الى مبالغ أخرى ليس لها أي أساس ولا سند من القانون أو التعليمات، ثم أقاموا الشكوى الجزائية ضدي في محاكم النزاهة وتمت إحالتي الى محكمة جنايات النزاهة في الرصافة بالدعوى المرقمة ( 105 / ج ن / 2020 ) وكأنني ارتكبتُ جريمة فساد إداري ومالي كبيرة ونالوا من سمعتي وكرامتي الوظيفية دون أي اعتبار لخدمتي البالغة أكثر من 30 عاما قضيتها بكل إخلاص وتفانٍ وحرص على المال العام، ولم يحترموا الأمر الديواني باعتباري مفتشا عاما أصالةً لمدة أربع سنوات ونصف وقبلها كنتُ مديراً عاماً أصالة لمدة خمس سنوات وكل أعمالي وجهودي موثقة وسجلي الوظيفي الناصع يشهد له القاصي والداني. وحالياً أعيش أنا وعائلتي وأطفالي بحال سيء جداً يصعب علينا توفير مستلزمات الحياة منذ أكثر من (16) شهراً".
وأكد، أن "هيئة النزاهة على علم تام بمشاركته بدورة الدفاع الوطني رقم (٢٢) حيث تم إعلامها قبل بدء الدورة من قبل الرئيس الأعلى بموجب أمر وزاري"، مبيناً أن "ما تعرضتُ له يتنافى مع مبدأ الحقوق المكتسبة والثقة بالمعاملات، فضلاً عن أن القانون يُطبّق على الجميع دون تمييز".
وأضاف، "أطلب من رئيس مجلس الوزراء الاطلاع وإنصافي ورفع الظلم والحيف عني من خلال الإيعاز للجهات المعنية، بإيقاف الملاحقة القضائية ضدي والكف عن مطالبتي بمبالغ مالية لا أساس لها من القانون وصرف جميع رواتبي كوني لم أستلم راتبا منذ شهر آب عام ٢٠١٩ ولغاية الآن، وترويج معاملة تقاعدي بدرجتي الوظيفية (مفتش عام أصالة) ومنحي جميع حقوقي التقاعدية وفقاً للقانون".
بعدها أصدرت محكمة جنايات الرصافة حكماً غيابياً بحق الأسدي بالسجن لمدة 7 سنوات بتهمة صرف مبلغ 130 مليون دينار دون وجه حق، ما أثار العديد من التساؤلات حول علاقة تدهور أوضاع الأسدي الوظيفية والقانونية والتي انتهت بهروبه خارج العراق، مع وقوفه بوجه وزير حركة التغيير الكردية لكشف ملفات فساد مهمة في الوزارة.
مقابلة إعلامية لكشف الحقيقة
يوم أمس، التقى الإعلامي حيدر الحمداني في تركيا بعباس الأسدي لنقل مناشدة جديدة، حيث أظهر فيديو المقابلة الحال الذي أصبح عليه الأسدي بعد هروبه من العراق بسبب الحكم القضائي الصادر بحقه، فتحول الأسدي من مفتش عام ومدير عام أصالة إلى حمّال وصبّاغ يعمل في أحياء تركيا الصناعية.
لمشاهدة المقابلة كاملة اضغط هنا
الأسدي ذكر في مقابلته أنه وخلال عمله في مناصبه الثلاثة التي تولاها (مفتش عام في وزارة الصناعة والمعادن ثم في وزارة الهجرة والمهجرين، ثم في هيئة دعاوى الملكية)، قام خلالها بأداء واجب وظيفته المتمثل بكشف ملفات الفساد، ما تسبب، بحسب تعبيره، إلى تحول وظيفته إلى جحيم بسبب ردود الفعل الانتقامية من قبل المسؤولين عن ملفات الفساد التي يكشفها.
وأضاف، أن نقله من وزارة الصناعة تم بدون أي سبب ولكن كعقوبة لكشفه العديد من ملفات الفساد، أما في وزارة الهجرة والمهجرين فقد تم طرده من قبل الوزير عباس الجاف بعد كشفه 22 ملف فساد بالأدلة القاطعة ومقاطع الفيديو بقيمة أكثر من 2 تريليون و125 مليار و480 مليون دينار.
ولفت إلى، أنه بعد وقوفه بوجه الوزير، وذلك خلال حقبة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، وبدلاً من التحقيق مع الجاف بملفات الفساد المكشوفة من قبل المفتش العام، تمت إحالة الأسدي إلى التحقيق بخطوة غريبة ومعاكسة لما يجب أن يحدث، وتم ترتيبها وتوجيهها لإقالة الأسدي من منصبه مع استمرار الوزير دون أي تحرك ضده.
وبعد طرده من الوزارة وعدم قدرته على الاستمرار بدوامه فيها، اضطر الأسدي لتقديم إجازة لمدة سنة نُقل خلالها إلى هيئة دعاوى الملكية لغرض منح الإجازة، وبعد انتهاء الإجازة عاد الأسدي وباشر بعمله بصفته مفتشاً عاماً لوزارة الهجرة.
وخلال عمله في هيئة دعاوى الملكية (المختصة بتعويض المواطنين التي تمت مصادرة عقاراتهم خلال حقبة النظام السابق)، وصلت إلى الأسدي عشرات ملفات الفساد، حيث كانت تُصرف مئات المليارات لأشخاص من قبل الهيئة دون وجه حق، مبيناً ان المحاربة التي كان يتعرض لها استمرت دون توقف مع عدم وجود أي إجراءات بحق الفاسدين والمستفيدين من الفساد، لافتاً إلى أن بعضهم "شخصيات معروفة" سيضطر إلى كشفهم بالأسماء خلال الفترة المقبلة لرفع الظلم الذي تعرض له.
وتطرق الأسدي إلى القضية التي تم الحكم عليه بالسجن بسببها، لافتاً إلى أنها كانت قضية الغاية منها انتقامية لإبعاده عن منصبه وردّاً على ملفات الفساد التي كشفها.
وقال الأسدي، إنه حضر إلى محكمة النزاهة وقدّم كل المستندات التي تثبت عدم تورطه في أي من الاتهامات الموجّهة إليه إلى قاضي التحقيق الذي قام بإطلاق سراحه مقابل كفالة قدرها 25 مليون دينار.
وأضاف، إنه عاد بعدها إلى تركيا لإكمال علاج زوجته ليتفاجأ بأن قاضي التحقيق أرسل قضيته إلى محكمة جنايات الرصافة التي أصدرت بدورها الحكم الغيابي بالسجن ومصادرة الأموال ومنع السفر.
ولفت إلى أنه هو وعائلته يعيشون في أسوأ الأحوال لمدة أربع سنوات منذ صدور القرار لغاية اليوم.
وأضاف، "زوجتي مريضة ومصابة بانهيار عصبي وأطفالي بدون مدارس منذ 4 سنوات، ذلك بعد خدمة 32 سنة في الدولة العراقية أغلبها في مكافحة الفساد، ومؤلفاتي موجودة في كل المكتبات وفي مؤسسات دولية مرموقة"، لافتاً إلى أنه يعمل الآن بشكل غير رسمي في تركيا صباغاً تارة وحمالاً تارة أخرى وغيرها من المهن المختلفة والبسيطة ذات الدخل المحدود بسبب نفاذ جوزاه وعدم قدرته على تجديده بسبب الحكم الصادر بحقه.
ووجّه الأسدي ومحاوره الإعلامي حيدر الحمداني رسالة إلى رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني يدعونه فيها بالنظر إلى قضية الأسدي خصوصاً بعد حملات الحكومة ضد الفساد منذ توليها السلطة.
ولفت الحمداني إلى أن هذه المقابلة هي الجزء الأول، وفي الأجزاء اللاحقة سيتم كشف تفاصيل أكثر دقة، مؤكدين هو والأسدي أن حق الرد مكفول لكل الجهات التي تم ذكرها خلال المقابلة.
وفي ختام المقابلة توقع الأسدي أن رد الحكومة سيكون بمطالبته بتسليم نفسه إلى القضاء بصفتها سلطة تنفيذية ولا تتدخل في شؤون السلطة القضائية، مشيراً إلى أن تسليم نفسه قبل تشكيل لجنة لمراجعة قضيته وتبرئته من حكمها سيكون بمثابة انتحار ولا يستبعد أن يتم اغتياله فور وصوله إلى العراق.