مخصصات مالية جديدة لتوسعة مرقد أبو حنيفة النعمان في الأعظمية.. تعرف على مصير المبالغ السابقة للمشروع وتاريخ الفساد في الوقف السني
مرة أخرى ولنفس الغرض
انفوبلس/..
بالرغم من أن مشروع توسعة جامع ومرقد أبو حنيفة النعمان، قد صُرف له في وقت سابق، مبلغ 745 مليار دينار، أعلن رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، السبت الماضي، تخصيص مبلغ جديد بقيمة 182 مليار دينار لتوسعة الجامع والمرقد بهدف استيعاب الزائرين، دون الكشف من مصير المبالغ السابقة التي صُرفت لمشروع التوسعة.
وذكر بيان لمكتب السوداني، أن الأخير "التقى شيوخ ووجهاء منطقة الأعظمية، بحضور محافظ بغداد وأمينها، ومدير مكتب رئيس الوزراء، ورئيس الوحدة الإدارية، وذلك خلال زيارته إلى المدينة السبت".
وأكد السوداني، "استمرار نهج التواصل مع المواطنين في مختلف أرجاء العراق، للوقوف على الخدمات والاستماع إلى أهمّ الشكاوى والمقترحات، وكل ما يعزز تقديم الخدمة ويقوّم أداء دوائر الدولة، وأهمية التواجد ومتابعة تنفيذ المشاريع وأداء الدوائر الخدمية المعنية، مشيراً إلى خصوصية مدينة الأعظمية، بتاريخها الثقافي والديني والاجتماعي، وأنها عنوان للتآخي، انطلاقاً من موقف الشهيد عثمان العبيدي، وما هو متاح لها لتكون منطقة جذب سياحي وديني مهمّ، بما تضمّه من مراقد فقهاء الإسلام".
وأوضح رئيس مجلس الوزراء، أنه "تمّ رصد الواقع الخدمي والمعيشي لعموم المدينة من قبل لجنة مختصة، وفي ضوء ذلك تم الإعلان عن حزمة المشاريع التي شملت قطاعات البلدية والتربية والصحة، والإشراف المباشر على استكمال مشروع تأهيل مستشفى النعمان بعد أن تمت معالجة أسباب تلكؤه، فضلاً عن مشاريع لفكّ الاختناقات المرورية ستتم المباشرة بها قريباً، وتأهيل بعض المحلات السكنية، إلى جانب مشاريع متوقفة، منها منتدى شباب الأعظمية، كما دخلت منطقة الصليخ ضمن مهامّ اللجنة المشكلة، وأن إنجاز هذه المشاريع سيُحدِث نقلة نوعية في الخدمات المقدمة للمدينة".
وأشار إلى "استكمال الإجراءات الخاصة بتوسعة جامع ومرقد الإمام أبو حنيفة النعمان (رض) لاستيعاب الزائرين، حيث خُصص مبلغ 182 مليار دينار لهذا الغرض، وسيتم إنشاء موقف سيارات متعدد الطوابق ملحق بالحضرة الحنفية، وهو ما سيوفر نشاطاً مضافاً للأعظمية وعموم مدينة بغداد".
وشدد على "أهمية ما يقدمه المجتمع المحلّي والشيوخ والوجهاء في قضاء الأعظمية من دعم، للمضيّ في عمل كل دوائر الدولة الخدمية، ضمن علاقة تعاونية وتعاضدية مسؤولة تحقق الأهداف الخدمية والاجتماعية المنشودة".
745 مليارا صُرِفت سابقا لنفس الغرض
وكان وكيل رئيس ديوان الوقف السني للشؤون الدينية والثقافية، والذي أصبح رئيسا للديوان خلفا لعبد اللطيف الهميم في 20 شباط 2020، قد ذكر أن إدارات الوقف السابقة متورطة بجرائم فساد كبيرة جدا، وكان من بينها سرقة مبلغ 745 مليار دينار عراقي مخصصة من قبل الحكومة لتوسعة جامع ومرقد أبو حنيفة النعمان في الاعظمية.
وقال كمبش في حديث متلفز، أن "فساد الوقف السني يزيد على مئات المليارات، ويتضمن قضية واحدة بلغ حجم الفساد فيها 745 مليارا، تم تخصيصها لاستملاك اراضي وتوسيع جامع ومرقد ابو حنيفة النعمان، لغرض بناء قاعات مناسبات وفنادق لاستقبال الوفود، وشراء الدور والعقارات المحيطة".
وأضاف، أن "هذه المبالغ ذهبت لشراء أراضٍ بعيدة كل البعد عن مرقد أبو حنيفة، بعضها في مناطق أطراف المحافظات ومقالع حصى، وبعضها في مكيشيفة وديالى ومناطق أخرى، وهذه القضية تم عرضها معززة بالوثائق الى القضاء والنزاهة، والقائمين على هذه السرقة جميعهم عاملين في ديوان الوقف السني".
تهديد مواطنين بالطرد
وكان الوقف السني، قد أنذر في حزيران 2023، سكان مبنى الروضة المحمدية الواقعة بمنطقة المأمون وسط بغداد، يقضي بإخلائهم البناية إضافة إلى المنازل والمحال التجارية المجاورة وذلك بحجّة توسعة مسجد "الروضة المحمدية"، خلافاً لعقود رسمية تُجيز استغلال المحال لسنوات أخرى.
سكان المبنى، أكدوا أن الوقف السُني يريد ضم البناية إلى مسجد الروضة المحمدية وتحويل اسمه باسم السياسي خميس الخنجر، ممارساً لتحقيق ذلك مختلف الطرق غير القانونية لإجبارنا على الإخلاء.
ويؤكد سكان المبنى، أن الوقف السُني يعمل على تهجيرهم وتشريدهم إرضاءً للخنجر الذي، وبحسب وصفهم، يريد الترويج لنفسه و"تخليد" اسمه في المسجد.
ميزانيات "ضخمة"
يشمل ديوان الوقف السني على مؤسسات ودوائر عديدة، أهمها دائرة أوقاف بغداد، مركز البحوث والدراسات الإسلامية، كلية الإمام الأعظم، الدائرة القانونية، دوائر وملاحظات أوقاف المحافظات، دائرة الأضرحة والمقامات والمراقد الدينية العامة، الدائرة الإدارية والمالية، الدائرة الهندسية، دائرة التعليم الإسلامي، قسم إدارة صندوق الزكاة والصدقات، دائرة الاحتفالات والمناسبات الدينية، هيئة إدارة واستثمار أموال الوقف السني، دائرة المؤسسات الإسلامية والخيرية، دائرة المفتش العام، قسم شؤون الحج، دائرة التخطيط والمتابعة.
وبحسب أعضاء مجلس النواب العراقي، فقد كانت ميزانية الوقف السني عام 2019 نحو (284 مليار دينار) كما بلغت في عام 2021 نحو 309 مليارات دينار عراقي، فيما لم تكن هناك إحصائيات دقيقة عن ميزانيات السنوات الأخرى.
الفساد في ديوان الوقف السُنّي لا يقل عن المؤسسات الأخرى في الدولة العراقية، فللسُنَّة أيضاً لصوصهم الواضحون، ولهم طريقتهم في إفراغ خزينة الدولة وهدر أموالها على الولائم والهدايا ووسائل الإعلام من أجل الترويج وتلميع صورة الوقف والرؤساء.
مئات الوثائق المسربة من ديوان الوقف السنّي تظهر أرقاماً هائلة لحجم الهدر في ميزانية الوقف على مدى السنوات الماضية، فمثلاً، عام 2016 صرف رئيس الديوان 220 مليون دينار على الهدايا، ومن ضمن تلك الهدايا ساعات رولكس أصلية.
فساد وسرقات لا تُحصى
إحدى طرق الفساد في الوقف السنّي هي تخصيص مبالغ كبيرة على ترميم مساجد لا وجود لها. ففي عام 2015، صرف الوقف من ميزانيته مبلغ 14 ملياراً و800 مليون دينار لترميم مساجد وهمية غير مدرجة في سجلات الدولة، وبالطريقة نفسها صرف الوقف مبلغ 500 مليون دينار لترميم بناية مجلس علماء العراق، ليتبين لاحقاً أن المجلس لا يمتلك بناية من الأساس، ولا علم له بصرف ذلك المبلغ.
جامع أم القرى في بغداد واحد من أكثر المواقع التابعة للوقف السنّي استخداماً في سرقة ميزانية الوقف، ففي حين يُصرف مبلغ مقداره ملياران و250 مليون دينار لشراء مواد وترميم الجامع، لا يحدث أيٌّ من ذلك قط، ويعود الوقف ليصرف 600 مليون دينار لشراء وقود المولدات الكهربائية في الجامع، وصرف 750 مليون دينار لشراء مصابيح لجامع أم القرى.
منذ 2015 تعاقد الوقف السنّي مع عدد من الصحف والمواقع الإلكترونية، والقنوات الفضائية بمبلغ إجمالي قدره 4 مليارات دينار، من أجل الترويج لنشاطات الوقف ورئيسه، وإحدى تلك القنوات هي قناة "الحدث" التي يملكها محمد الهميم نجل رئيس الديوان. هذه التعاقدات كانت جانباً آخر من الفساد الذي فضحته الوثائق، ولاسيما وأن الديوان يملك قناة تغطي نشاطاته، فضلاً عن أن هذه التعاقدات مخالفة للقانون وتعليمات الحكومة وتعليمات ديوان الوقف السنّي نفسه.
أحد أهم المصادر التي فضحت الفساد الكبير في ديوان الوقف السنّي هو المجمع الفقهي العراقي التابع للوقف نفسه، وكان ذلك عندما اختلس الوقف الأموال المخصصة للمجمع، حيث إن ميزانية هذا الأخير بلغت ملياري دينار، ولم يتسلم منها سوى 900 مليون دينار فقط عام 2015، و400 مليون دينار فقط عام 2016، وهذا ما دفع رئيس المجمع الفقهي عام 2017 إلى اتهام الوقف السنّي بإهدار المال العام، والتأكيد على وجود مئات الوثائق التي تثبت الفساد في الديوان.
عام 2017 أصدرت محكمة الجنح المختصة بقضايا النزاهة والجريمة الاقتصادية وغسيل الأموال حكماً بالسجن لمدة سنة واحدة بحق رئيس ديوان الوقف السنّي، بتهم تتعلق بالفساد وإهدار المال العام، لكن المحكمة أوقفت تنفيذ الحكم لمدة ثلاث سنوات لأن الهميم "رجل كبير في السن وموظف مستمر بالخدمة ولم يسبق الحكم عليه"، بحسب صحيفة السفير العربي.
23 ديسمبر 2020، قالت النائبة عالية نصيف، إن الفساد المالي في الوقف السني بلغ مستوى خطراً، إلى درجة أن العجز المالي والتجاوز على ميزانية الوقف للعام 2020 بلغ 28 ملياراً و725 مليون دينار، وكل هذه الأموال تمت سرقتها بعدة طرق، من بينها شراء قطعة أرض صغيرة في الصحراء لا قيمة لها من (م.ي.ب) شقيق معاون رئيس هيئة استثمار الوقف (ع.ي.ب) بمبلغ 450 مليون دينار، وإصدار أمر من قبل رئيس ديوان الوقف بصرف مبلغ مليارين ونصف مليار دينار من رصيد أمانات أموال الوقف لتنظيف ثلاثة جوامع مغلقة لا يوجد فيها مصلون رغم اعتراض الرقابة المالية على الصرف، واختفاء خمسة مليارات دينار بحجة إعمار بيوت الله، وشراء خرائب لأنصاف هياكل غير مكتملة في الصحراء أيضا بمبلغ عشرين مليار دينار، وتأجير عقارات في بغداد (كرادة مريم/الحارثية) والبصرة خلافاً للضوابط، واستخدام أموال الوقف لتوزيع مساعدات بأسماء شخصيات سياسية لمجاملتهم وعمل دعاية انتخابية لهم، وفضيحة مساعدات كورونا، بالإضافة إلى الكثير من ملفات الفساد المعززة بالأدلة والوثائق.
هيئة النزاهة والوقف السني
وفي آخر القضايا التي تخص فساد الديوان أكدت رئيس لجنة السياحة والآثار النيابية سميعة محمد الغلاب، أمس الأحد، عزمها تقديم أدلة تثبت وجود عمليات فساد مالي وإداري في آلية إدارة ديوان الوقف السني.
كما كشفت رئيس لجنة الأوقاف والشؤون الدينية النيابية محمد الصيهود، عن امتلاكها ملفات فساد "ضخمة" تتعلق بالوقف السني. وبينت، إن "لدينا ملفات فساد ضخمة على الاشخاص المتصدين الذين يحاولون استلام الوقف السني".
24-ديسمبر-2020، صدر حكم بالسجن 15 عامًا ضد رئيس ديوان الوقف السني الأسبق أحمد عبد الغفور السامرائي بعد إدانته بقضية فساد.
والحكم صدر على المتهم الهارب "عن جريمة شراء عقار بمبلغ ستة مليارات وسبعمئة وستة وستين مليون وخمسمائة وأربعة وعشرين ألف دينار، وتعمده الإضرار بأموال الجهة التي يعمل فيها خلافًا لأحكام قانون الاستملاك رقم 12 لسنة 1981.
14 كانون الثاني 2023، نفذ الفريق الساند للهيئة العليا لمكافحة الفساد، مذكرة القبض الصادرة بحق أحد المسؤولين السابقين في ديوان الوقف السني (لم تذكر اسمه)، جراء مخالفات في عقد شراء فندق ب(47) مليار دينار.
08 كانون الأول 2022، كشفت هيئة النزاهة الاتحاديَّة، عن صدور أربعة أوامر قبض وتحرٍّ بحقِّ رئيسٍ أسبق لديوان الوقف السني؛ وذلك على خلفية الإضرار عمداً بمصالح الجهة التي يعمل فيها.
25 أيلول 2022، أعلنت هيئة النزاهة، صدور أمر قبض وتوقيف بحق رئيس الوقف السني السابق.
وأظهرت وثيقة للنزاهة، أن "محكمة تحقيق الكرخ الثانية قررت إلقاء القبض على رئيس ديوان الوقف السني السابق سعد كمبش وعدد من الموظفين في الديوان على خلفية قضايا فساد مالي كبيرة"، مشيرة الى أن القضية متعلقة بشراء فندق رمادا في مدينة أربيل.
03 نيسان 2022، كشفت هيئة النزاهة الاتحاديَّة، عن صدور أوامر استقدام بحق عددٍ من المسؤولين في أحد دواوين الأوقاف، مُبيّنةً أنَّ الأوامر شملت رئيسين (سابق وأسبق) لأحد دواوين الأوقاف (الوقف السني) أحدهم لارتكابه عدداً من المُخالفات، تمثلت بإصداره أمراً ديوانياً بإيفاد مجموعةٍ من مُوظَّفي الديوان إلى السعوديَّـة عام 2016، ومنحهم مُخصَّصات الإيفاد خلافاً للضوابط، والأخر كانت عن موضوع استملاك العقارات الواقعة في قضاء الكرمة – منطقة الصبيحات في الأنبار في عام 2012، بمبلغ أعلى من المبلغ الحقيقيِّ، حيث تمَّ شراؤها بمبلغ (42,555,000,000) دينارٍ.
وسبق للهيئة أن أعلنت عن صدور أوامر استقدامٍ بحقِّ رئيس أحد دواوين الأوقاف وعددٍ من كبار المسؤولين في الديوان؛ لإحداثهم عمداً ضرراً بأموال ومصالح الجهة التي يعملون فيها، فضلا عن أمرٍ بمنع سفر المُتَّهمين وحجز أموالهم المنقولة وغير المنقولة.