موعد رحيل بلاسخارت يقترب.. اتهامات بالفساد تلاحق بعثة الأمم المتحدة بالتزامن مع سعي حكومة السوداني لإعادة رسم العلاقة.. هل رئيسة البعثة متورطة؟
انفوبلس..
خلال كلمة لها في جلسة مجلس الأمن، أمس الثلاثاء، ذكرت رئيسة بعثة يونامي في العراق جنين بلاسخارت أن مهمتها في البلاد قد شارفت على الانتهاء وأنها بصدد التنحي عن منصبها، ما أثار العديد من التساؤلات حول السبب الحقيقي وراء هذا الخطوة، خصوصاً مع ما يلاحق بعثتها وموظفيها من فساد وفضائح في العراق.
وجاء إعلان بلاسخارت تنحيها أو إنهاء مهامها في العراق، مفاجئاً للجميع، وسط تساؤلات وترجيحات عن أسباب هذا التنحي أو المغادرة، وما إذا كان بإرادتها أم بتوجيه من الأمين العام للأمم المتحدة.
وتُطرح تساؤلات عما إذا كان تغيير بلاسخارت مرتبطاً بتغييرات سياسية وأمنية في البلاد، خصوصاً مع إعلان واشنطن ترشيح سفيرة أمريكية جديدة أيضاً إلى العراق.
فضلاً عن تساؤلات وترجيحات حول ما إذا كان هذا التنحي مرتبطاً بفضيحة التحقيق الاستقصائي لصحيفة الغارديان حول تقاضي موظفي الأمم المتحدة في العراق رشاوى من رجال أعمال ومستثمرين مقابل منحهم صفقات الإعمار والمساعدات للعراق التي تأتي عن طريق الأمم المتحدة والمانحين.
وقالت صحيفة الغارديان مؤخرا في تقرير، إن "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أرسل فريقاً إلى العراق لتقييم مزاعم الفساد في برنامج البناء الذي تبلغ تكلفته 1.5 مليار دولار (1.2 مليار جنيه إسترليني) بعد تحقيق أجرته صحيفة الغارديان".
وقال مسؤول حكومي عراقي على دراية تفصيلية بالأمر، إن "رئيس وزراء البلاد محمد شياع السوداني أمر هيئة النزاهة في البلاد بفتح تحقيق منفصل".
تقرير الغارديان
بعد أن أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مشروع إعادة إعمار المناطق المحررة بقيمة 1.5 مليار جنيه إسترليني، عقب إعلان هزيمة عصابات داعش في العراق، أشارت مصادر مطلعة لصحيفة الغارديان البريطانية، أنه تم إهدار الكثير من المبالغ المخصصة لإعادة الاعمار، حيث أكدت الصحفية أن "موظفي الأمم المتحدة في مشروع مساعدة العراق يطالبون بالرشاوى مقابل مساعدة رجال الأعمال في الفوز بعقود في مشاريع إعادة الإعمار بعد الحرب"، بحسب التحقيق الذي أجرته الغارديان.
العمولات التي تحدثت عنها المصادر، هي واحدة من عدد من ادعاءات الفساد وسوء الإدارة التي كشفت عنها صحيفة الغارديان في تمويل خطة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP في عام 2015 البالغ 1.5 مليار دولار، بدعم من 30 جهة مانحة.
حيث كشف تحقيق أجرته صحيفة الغارديان البريطانية، أن الموظفين العاملين لدى الأمم المتحدة في العراق يطالبون برشاوى لمساعدة رجال الأعمال في الفوز بعقود في مشاريع إعادة الإعمار بعد الحرب في البلاد، مشيرة الى أن موظفي الأمم المتحدة طالبوا بنسبة تبلغ 15% من قيمة العقود.
وأشارت الصحيفة في تحقيق لها، إلى أن العمولات المزعومة هي واحدة من عدد من مزاعم الفساد وسوء الإدارة التي كشفت عنها صحيفة الغارديان في مرفق التمويل لتحقيق الاستقرار، وهو مخطط لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي تم إطلاقه في عام 2015 وبقيمة 1.5 مليار دولار لأكثر من 30 جهة مانحة.
وأوضحت، أن "المقابلات التي أُجريت مع أكثر من عشرين من موظفي الأمم المتحدة الحاليين والسابقين والمقاولين والمسؤولين العراقيين والغربيين تشير إلى أن الأمم المتحدة تغذي ثقافة الرشوة التي تغلغلت في المجتمع العراقي منذ الإطاحة بصدام حسين في عام 2003".
ووجدت صحيفة الغارديان، أن "موظفي برنامج الأمم المتحدة الإنمائي طالبوا برشاوى تصل إلى 15% من قيمة العقد، وفقًا لثلاثة موظفين وأربعة مقاولين"، وفي المقابل، يساعد الموظفُ المقاولَ على "التنقل في نظام العطاءات المعقّد التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لضمان اجتياز عملية التدقيق".
رشاوى الموظفين الأمميين
ونقلت الصحيفة عن أحد المقاولين قوله: "لا يمكن لأحد أن يحصل على عقد دون أن يدفع، لا يوجد شيء في هذا البلد يمكنك الحصول عليه دون دفع، لا من الحكومة ولا من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي"، مبينا إن "موظفي برنامج الأمم المتحدة الإنمائي اتصلوا بهم مطالبين برشاوى".
قال أحد موظفي برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إن الصفقات تمت شخصياً وليس على الورق لتجنب اكتشافها، حيث يعمل العراقيون ذوو النفوذ في بعض الأحيان كضامنين، وقالوا: "يأخذ الطرف الثالث أيضًا حصة من الرشاوى"، مضيفين أن المقاولين "سيختارون الأشخاص ذوي العلاقات والسلطة".
ويُزعم أن المسؤولين الحكوميين الذين عهد إليهم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالإشراف على مشاريع البناء يحصلون على حصة أيضاً.
قال المقاولون وموظفو برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذين أشرفوا على المشاريع، إن المسؤولين استخدموا تلك السلطة "لابتزاز" للحصول على الرشاوى من الشركات مقابل التوقيع على المشاريع المكتملة، وقال اثنان من المقاولين للغارديان، إنهما أُجبرا على دفع مثل هذه المدفوعات.
وقال الأشخاص الذين تمت مقابلتهم، والذين تحدث الكثير منهم بشرط عدم الكشف عن هويتهم خوفاً من الانتقام، إن البرنامج قد شهد توسعاً وتمديداً غير مبررَين أدى في الغالب إلى الحفاظ على بصمة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مع إعفاء الحكومة العراقية من التزاماتها الخاصة بإعادة بناء البلاد.
ورش تافهة وغير متماسكة
وتشير الصحيفة أيضاً، إلى أن معظم مَن أُجريت معهم المقابلات وصفوا التدريب وورش العمل التي يديرها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في إطار هذه المبادرات بأنها "تافهة" و"تفتقر إلى التماسك الاستراتيجي".
وقيل لصحيفة الغارديان، إن الجلسات حضرها مسؤولون حكوميون وأفراد من المجتمع في الغالب من أجل الاستمتاع برحلة مجانية وصرف البدلات المالية، وقال أحد الموظفين السابقين: "يريد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي فقط حرق الأموال والإظهار للمانحين أنهم يقومون بورش عمل".
ووصف موظف سابق، مبادرة سبل العيش، التي أطلقها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لتعليم النساء النازحات، الخياطة، بأنها "غير واقعية" لأن العراقيين يميلون إلى شراء الملابس المستوردة الرخيصة من الأسواق المحلية: "لقد كانوا يحاولون إنشاء اقتصاد غير موجود". وأضافوا: "كان الأمر أشبه بالعودة إلى العصور الوسطى".
وقال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إن مبادرات مثل التدريب على المهارات تم تطويرها بناءً على احتياجات المجتمع وبالتشاور الكامل مع السلطات المحلية أو قادة المجتمع.
وقد اعترف المانحون بصعوبة متابعة كيفية إنفاق تمويلهم والاعتماد على برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للقيام بالرصد والتقييم من خلال وحدة داخلية وصفتها الوكالة بأنها "مستقلة تماماً"، على الرغم من أنها تتبع إدارة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وقال خمسة ممن أُجريت معهم مقابلات مطلعون على تقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إنها لا تعكس الواقع على الأرض.
وقال أحد المستشارين الذي أجرى مراجعة خارجية لبرنامج آخر لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي: "الكثير من هذه الوثائق هي في الغالب لأغراض العلاقات العامة، عندما تذهب فعليًا إلى هذه المقاطعات وتجلس مع المستفيدين من هذه الأموال وتنظر فعليًا إلى المشاريع، فإن ذلك يختلف تمامًا عما تتصوره من خلال قراءة هذه التقارير".
هل بلاسخارت متورطة؟
يذكر أن المبعوثة الأممية، جينين بلاسخارت من هولندا، تسلمت مهامها كممثلة خاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق ورئيسة لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) في 17 كانون الأول 2018.
وعيّن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بلاسخارت بتاريخ 31 آب 2018، حيث خلفت في المنصب يان كوبيش من سلوفاكيا الذي أعرب الأمين العام عن امتنانه لخدماته.
ويؤكد مراقبون، أن بلاسخارت ربما كانت جزءاً من عمليات الفساد وسوء الإدارة التي كشفت عنها صحيفة الغارديان، في تمويل خطة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، باعتبار أنها شغلت منصب رئيسة لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي).
وكانت أطراف سياسية عراقية فاعلة، قد اتهمت ممثلة الأمم المتحدة بلاسخارت والسفارة الأميركية في بغداد بممارسة الضغوط على المحكمة الاتحادية للمصادقة على نتائج انتخابات البرلمان العراقي 2021، التي تضمنت عمليات تزوير كبيرة قدمت خلالها الكتل أدلة لوجود تزوير.
ويؤكد مراقبون، أن "بلاسخارات طوال فترة ما بعد الانتخابات كانت تمارس الضغوط على المحكمة الاتحادية في الخفاء من أجل المصادقة ورد الأدلة بشأن تزوير الانتخابات".
سعي حكومي لإعادة رسم العلاقة
ابتداءً من مطلع العام الجاري، وبعد مرور أكثر من 20 عاماً على وجود بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق "يونامي" في البلاد، بدأت الحكومة العراقية خلال الآونة الأخيرة العمل على إعادة رسم شكل العلاقة بين المنظمة الأممية والعراق، خصوصاً بعد أن أكمل الأخير بناء مؤسساته الدستورية وأوفى بالتزاماته الدولية، الأمر الذي يبدو أنه لم يُعجب رئيسة البعثة الأممية جنين بلاسخارت ودفعها لإصدار بيان يتحدث عن "فقدان الاستقرار" ما يعرقل سعي الحكومة إلى إعادة ترتيب العلاقة بين الطرفين.
وفي الثامن من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، كشف السوداني، خلال استقباله رئيس الفريق المستقل للمراجعة الاستراتيجية لبعثة الأمم المتحدة في العراق فولكر بيرثس والوفد المرافق له، عن رغبة الحكومة العراقية في إعادة تحديد أولويات ومجالات عمل بعثة يونامي.
وأفاد بيان لمكتب السوداني، أن رئيس الوزراء رحّب في مستهل اللقاء بالفريق الأممي، مُبدياً الاستعداد اللازم لتسهيل ومساعدة الفريق على القيام بمهامه، مستذكراً العاملين في الأمم المتحدة، الذين ضحَّوا بأنفسهم في مختلف أرجاء العالم، كما أثنى على الموقف الشجاع والأخلاقي الذي أبداه الأمين العام للأمم المتحدة إزاء أحداث غزة، وهي محل احترام وتقدير.
وأكد السوداني على، أن "الحكومة العراقية، بوصفها الجهة التنفيذية، هي الأقدر على تحديد الحاجة لمستوى ونوع المساعدة الأممية، منوهاً برغبة الحكومة العراقية في إعادة تحديد أولويات ومجالات عمل بعثة يونامي بما ينسجم مع الحاجة لدعم ومعالجة قطاعات وأزمات، مثل الشحة المائية والتغيرات المناخية، بالإضافة إلى ما يخص الإصلاح الاقتصادي والمالي وتحسين الخدمات، ومكافحة الفساد وتطبيق مبادئ حقوق الإنسان، وغيرها. وبيّن، أن "العراق أصبح اليوم فاعلا وقادرا على حل مشاكله الداخلية والخارجية، ويضطلع بدوره في دعم الاستقرار والسلام في المنطقة، وحل القضايا الإقليمية".
من جانبه، أكد، فولكر بيرتس، رئيس المراجعة الاستراتيجية المستقلة لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، أن "الفريق أجرى مشاورات في نيويورك مع كيانات الأمم المتحدة وأعضاء مجلس الأمن، إلى جانب الدول الأعضاء الأخرى المعنية في الأمم المتحدة والخبراء المستقلين، وقد أكدوا أن العراق حصل فيه تغيير كبير عما كان عليه في 2003، خصوصا في مجال الديمقراطية والسلم الأهلي".
وقال، إنه "تابع جهود الحكومة والمشاريع الاقتصادية التي أطلقتها، لاسيما مشروع طريق التنمية الذي سيكون له أثر كبير في تنويع الاقتصاد وتحقيق الاستقرار، وبيّن أن فريق المراجعة سيجري زيارة ميدانية في العراق وسيجتمع مع ممثلي الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية، فضلا عن فرق الأمم المتحدة العاملة في العراق".