موقف متخاذل من الحكومة وغطائها السياسي.. وفد رفيع في واشنطن للتنصل من أي ضربات محتملة للاحتلال الأمريكي في العراق وسوريا
انفوبلس..
واشنطن، تلك الصخرة التي تتحطم عليها الحكومات والشخصيات العراقية واحدة تلو الأخرى كلما مرت باختبار سياسي يجعلها في الكفة المقابلة.
في الوقت الذي بدأ فيه العراقيون بالتفاؤل من الأداء الحكومي برئاسة السوداني وبرنامجها الخدمي وشعاراتها الكبيرة، صُدموا يوم أمس بإرسالها وفدا عسكريا لرتب رفيعة تضم كلاً من: وزير الدفاع، رئيس جهاز مكافحة الإرهاب، رئيس أركان الجيش، نائب قائد العمليات المشتركة وعددا من الضباط والمستشارين، لبحث "القضايا المشتركة" مع الحكومة الأمريكية، في موقف متخاذل من الحكومة وغطائها السياسي، وفق ما يرى مراقبون.
وفد رفيع
وفي بيان رسمي، أعلن المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، اللواء يحيى رسول، أول أمس الاثنين، توجه وفد عسكري عراقي رفيع برئاسة وزير الدفاع ثابت محمد العباسي، إلى الولايات المتحدة لـ"بحث القضايا المشتركة".
وأضاف رسول، أن "الوفد يضم رئيس جهاز مكافحة الإرهاب، الفريق أول الركن عبد الوهاب الساعدي، ورئيس أركان الجيش، الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يار الله، والفريق أول الركن قيس المحمداوي، نائب قائد العمليات المشتركة، وعددا من المستشارين والضباط".
وأشار إلى أن الوفد سيعقد خلال هذه الزيارة، عدة اجتماعات تناقش جملة من المواضيع، في مقدمتها العلاقة المستقبلية لتواجد التحالف الدولي والتعاون الأمني الثنائي بين العراق والولايات المتحدة، وتبادل الخبرات والمعلومات، خاصة في الجانب الاستخباراتي، في ملاحقة ما تبقى من عناصر عصابات داعش الإرهابية".
وتابع: "كما تتضمن هذه الزيارة عقد سلسلة من اللقاءات والاجتماعات مع المسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية بما يخدم المصالح المشتركة بين البلدين".
عمليات مستقبلية
بيان مشترك لحوار التعاون الأمني بين البلدين، صدر عقب اجتماعات ضمت وزير الدفاع العراقي، ومساعدة وزير الدفاع الأميركية، أشار إلى أن الجانبين "أكدا التزامهما بتطوير قدرات العراق الأمنية والدفاعية وعزمهما على تعميق التعاون الأمني عبر مجموعة كاملة من القضايا لتعزيز المصلحة المشتركة للبلدين في أمن العراق وسيادته وفي استقرار المنطقة".
البيان كشف أن الجانبين سيتحاوران حول "عملية مستقبلية"، منفصلة عن لجنة التنسيق المشتركة الحالية، وتشمل التحالف الدولي لمواجهة داعش، لتحديد كيفية تطور المهمة العسكرية للتحالف في جدول زمني وفقا للعوامل التالية؛ التهديد من داعش، والمتطلبات التشغيلية والبيئية، ومستويات قدرات قوات الأمن العراقية.
وأضاف، أن الوفدَين التزما بتشكيل لجنة عسكرية عليا بين الولايات المتحدة والعراق لتقييم العملية المستقبلية.
واستعرض الجانبان، وفق البيان، التحديات المشتركة وفرص التعاون، مع التركيز على "الإنجازات الرائعة لحملة هزيمة داعش والجهود المستمرة لمنع عودة ظهور الجماعة".
كما أكدا على التعاون المشترك مع قوات الأمن العراقية بما في ذلك البيشمركة والالتزام المشترك بالاستقرار الإقليمي.
كما استعرض الوفدان الدعم العملياتي الحاسم المقدَّم من خلال مهمة قوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب (CJTF-OIR) لتدريب قوات الأمن العراقية وتقديم المشورة والمساعدة وتبادل المعلومات الاستخباراتية معها.
كما ناقش الوفدان الحاجة الملحة لإعادة النازحين والمحتجزين الموجودين حاليا في شمال شرق سوريا إلى بلدانهم الأصلية ودعم جهود إعادة الاندماج في المجتمعات المحلية، فضلا عن مناقشة الجهود المبذولة لبناء القدرات المؤسسية لقوات الأمن العراقية من خلال المساعدات العسكرية الأميركية وبرامج التعاون الأمني، بما في ذلك التمويل العسكري الأجنبي والمبيعات العسكرية الأجنبية.
واستعرضت الوفود فرص توسيع الفرص التعليمية المتاحة للمهنيين العسكريين العراقيين، سواء من خلال البرامج التدريبية أو التبادل التعلمي.
دعوة حكومية تُشرعن الوجود العسكري
وتشاور الجانبان حول فرص توسيع المشاركة العراقية في المناورات العسكرية التي تقودها القيادة المركزية الأميركية.
و"دعماً لسيادة العراق وأمنه" بحسب البيان، فقد أكد البلدان مجددا أن القوات الأميركية موجودة في العراق بدعوة من الحكومة العراقية فقط لدعم قوات الأمن العراقية في حربها ضد داعش.
وأكدت حكومة العراق من جديد التزامها بحماية أفراد ومستشاري الولايات المتحدة والتحالف الدولي والقوافل والمنشآت الدبلوماسية، وفقا للبيان المشترك.
وأشار الوفدان إلى عزمهما على عقد حوارات تعاون أمني مشتركة لاحقة واجتماعات ذات صلة في المستقبل لمناقشة التهديد المتطور من داعش، والمتطلبات العملياتية الحالية والمستقبلية، والجهود المبذولة لتحسين قدرات قوات الأمن العراقية.
يُشار إلى أنه في 26 تموز/ يوليو 2021، توصلت بغداد وواشنطن إلى اتفاق يقضي بانسحاب القوات الأمريكية القتالية من العراق بحلول نهاية العام ذاته، فيما يبقى عدد محدود منها لتقديم المشورة وتدريب القوات العراقية.
وبحسب مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، فإن المباحثات الأميركية العراقية تتناول التعاون الثنائي الأمني بين الولايات المتحدة والعراق، ومستقبل الوجود العسكري الأميركي في العراق، وشكله "خارج إطار ملاحقة داعش".
تطمينات أمنية
مصادر مطلعة كشفت أن واشنطن حصلت على تطمينات جديدة بشأن عدم التصعيد ضد قوات بلادها في الداخل أو على الحدود القريبة في وقت لاتزال هناك تحفظات أمريكية ضد مجموعة الفصائل العراقية والحشد الشعبي.
وتفيد المعلومات أن الوفد العسكري الرفيع الذي زار الولايات المتحدة قبل يومين، حمل رسائل بخصوص استمرار "تحييد بعض الفصائل العراقية"، وفقا للمصادر.
ووفق تسريبات فإن الوفد الذي ضم وزير الدفاع ثابت العباسي وكبار قادة الجيش ناقش "ترتيبات الانتشار الجديد للقوات الأمريكية في شرق سوريا".
ويرجح أن الولايات المتحدة ستزيد في الفترة المقبلة عدد قواتها في الحدود المشتركة مع العراق من جانب المحافظات الغربية حيث تنتشر هناك بعض الفصائل العراقية على الضفة السورية، لم تلتزم بـ"اتفاق التهدئة" الذي منحته بعض فصائل المقاومة لمنح حكومة السوداني المساحة للعمل السياسي على طرد القوات الأمريكية من العراق بشكل كامل.
سكوت بعض قادة الإطار
ومنذ تشكيل الحكومة الحالية سكت الكثير من قادة "الإطار التنسيقي" المعروفين بمعارضتهم للتواجد الأمريكي عن انتقاد واشنطن، كما لم يعلق على زيارة الوفد الأخيرة.
ووصل الأمر إلى إصدار ائتلاف إدارة الدولة الذي يُعد "الإطار" أكبر مكوناته، بيانا قبل أشهر وصف الولايات المتحدة بـ"الدولة الصديقة".
واستخدمت الحكومة الوصف ذاته مطلع العام الحالي أثناء تصاعد أزمة الدولار والخوف من انهيار الاقتصاد.
وكان محمد السوداني رئيس الحكومة، الأجرأ على الإطلاق بين رؤساء الوزراء السابقين بحسب مراقبين، حين صرح بتأييده بقاء القوات الأمريكية لأجل غير مسمى (بحسب مقابلة مع صحيفة وول ستريت جورنال نُشرت في كانون الثاني الماضي).
صمت سياسي ورؤى تحليلية
وعلى الرغم من مرور يومين، لم تعلق أي جهة سياسية على الزيارة والاتفاقات الخطيرة التي جرت خلالها والانقلاب الذي حدث ضد الموقف الرافض للتواجد الأمريكي.
وتعليقا على هذه الزيارة، قال أستاذ العلوم السياسية، عصام الفيلي، إن "الولايات المتحدة تتعامل مع العراق على أنه شريك استراتيجي عسكري أمني، ولديه عقود خاصة بالأسلحة سواء طائرات إف 16 أو دبابات أبرامز، مضيفًا أنه يبدو أن هناك تحركا في المنطقة معززا بتواجد عسكري أمريكي".
وأوضح الفيلي أن القوات الأمريكية الموجودة في العراق هي للمشورة، كما أن واشنطن لا تريد أن تترك الساحة العراقية للوجود الروسي أو الصيني الذي بات حاضرا بكل قوة في الكثير من مناطق الشرق الأوسط، كما بيّن أن الولايات المتحدة تملك أكثر من أداة ضغط على العراق، سواء أكان طبيعة السندات العراقية لدعم الخزينة الأمريكية، والأموال التي تكاد تكون تحت الوصاية الأمريكية، كما أن واشنطن تلوّح بالدولار حينما تجد أن هناك محاولة للابتعاد عن محورها.
المحلل السياسي والاستراتيجي، محمد شنشل، يرى أن "زيارة وزير الدفاع العراقي للولايات المتحدة تأتي في إطار العوامل المشتركة بين بغداد وواشنطن"، إلا أنه تساءل إلى متى ستبقى الولايات المتحدة متسلّطة على الحكم في العراق، مشيرا إلى أن العراق بدأ يعمل على جلب السلاح من عدة دول وليس فقط الولايات المتحدة، وتابع: "هناك بروتوكول تعاون عسكري بين العراق والولايات المتحدة".
وأوضح شنشل، أن المتدربين على السلاح الأمريكي قليلون، حيث تعهدت واشنطن بأن تكون هناك دورات مشتركة ما بين الطرفين، إلا أنه لا يوجد من هذه الدورات إلا القليل، وأعرب عن اعتقاده أن القوات العراقية بعد كل هذه السنوات وبالرغم من وجود التحالف الدولي إلا أنها غير مؤهلة لفرض الأمن.