واشنطن تستمر بعرقلة قطاع الطاقة.. أدوار عملاقة لشركة "مابنا" الإيرانية في العراق ومحاولات لتقويض عملها أمريكياً
انفوبلس..
في عام 2015 أعلنت شركة (MAPNA) الإيرانية، المباشرة بإنشاء محطة كهرباء غازية في محافظة البصرة بطاقة ثلاثة آلاف ميغا واط وبقيمة مليارين و500 مليون دولار وفقاً لعقد مع العراق، وبعد 8 سنوات من النجاحات الكبيرة لهذه الشركة في قطاع الطاقة، تواجه اليوم محاولات أمريكية لتقويض عملها.
الشركة أشارت إلى أن إيران ستموّل المشروع بالكامل، وأكدت أن العقد يلزم العراق بشراء الكهرباء من المحطة خلال مدة تستمر من 15 إلى 17 عاماً.
وقال المدير الإداري لشركة (MAPNA) الإيرانية عباس علي آبادي في حديث صحفي بعد توقيع العقد عام 2015، إن "الشركة باشرت بتنفيذ محطة الرميلة الغازية لتوليد كهرباء بطاقة ثلاثة آلاف ميغا واط وبقيمة 2.5 مليار دولار بعد أكثر سنة ونصف من المفاوضات مع الجانب العراقي".
وأضاف آبادي، إن "إيران ستتكفل بتمويل المشروع بالكامل". مؤكداً، إن "العقد يلزم العراق بشراء الحكومة العراقية للطاقة الكهربائية المُنتِجة من المحطة لمدة تمتد من 15 إلى 17 سنة".
ويأتي توقيع العقد مع الشركة الإيرانية بعد نجاحها بنصب محطات توليد في النجف وبغداد التي كانت على وشك أن تستقبل وقود الغاز الإيراني عبر خط الأنابيب لتدخل حيز التشغيل قريباً.
واستناداً للعقد تقوم شركة (MAPNA) الإيرانية بتجهيز معدات المحطة الكهربائية والتي تتضمن محركات التوربين البخارية والغازية والبويلرات إضافة إلى تنفيذ الأنشطة الهندسية والإشراف على المشروع.
وكان من المقرر أن يعزز هذا المشروع طاقة الإنتاج الكلية للكهرباء في العراق بنسبة 20%، والذي كان يسعى إلى توليد 20 ألف ميغا واط بحلول العام 2016.
واستغرق بناء المحطة أربع سنوات مع ربط وحدة التوليد الأولى من المحطة الكهربائية مع شبكة الكهرباء الوطنية في مطلع العام 2017.
معرقلات غربية
وبعد نجاح الشركة وتنفيذ وعودها بلا تلكؤ، أصبحت هدفاً غربياً تسعى الولايات المتحدة ودولاً أوروبية لتقويض أعمالها عبر الضغوط والتهديدات. حيث أشار تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية إلى أن عملاقة الطاقة شركة "شل" تُثير الريبة إزاء دورها المزعوم في مساعدة كيانات تجارية إيرانية على التربّح السخي من مشروعات ضخمة تنفّذها الأخيرة في قطاع الطاقة العراقي.
ورغم أن شركة النفط الأنغلو هولندية سارعت إلى تفنيد تلك المزاعم التي تطالها بين الحين والآخر عبر نفي وجود أيّ تعاملات مباشرة بينها وبين شركات إيرانية في العراق، فإنه ما تزال هناك علامات استفهام تُلقي بظلالها في هذا الخصوص.
الصحيفة ذكرت أن شركة إيرانية تبرز بصفتها المستفيد الأكبر من محطة كهرباء تتهيّأ لتزويد مشروع تدعمه شل في العراق، ما يسلّط الضوء على شكل التعاون بقطاع الطاقة بين طهران وبغداد، ويضع شل على طرفي نقيض مع الأولويات الجيوسياسية المتغيرة للغرب في الشرق الأوسط، بحسب الصحيفة.
وستصبح شركة غاز البصرة المملوكة بنسبة 44% من قبل شل المُدرجة في بورصة لندن، مُستهلِكًا رئيسياً للكهرباء المولَّدة من محطة الرميلة المستقلة الواقعة جنوب العراق حينما تدخل المحطة الجديدة التابعة للأولى حيز التشغيل في يونيو/ حزيران (2023).
محطة الرميلة ومشروع شلّ
تعود ملكية محطة الرميلة إلى مجموعة شمارة هولدنغ الاستثمارية، ومقرّها الأردن، لكنها بُنيت بوساطة مجموعة "مابنا" التي تتخذ من العاصمة الإيرانية مقرًا لها، ويحقّ لها الحصول على 78% من الإيرادات المُتحققة من مبيعات الكهرباء من المحطة، وفقًا لوثائق طالعتها "فايننشال تايمز".
ولطالما نال مشروع شل المشترك، الذي حصل على تمويل من البنك الدولي، إشادة واسعة لدوره المهم في شراء الغاز الذي سبق أن جرى حرقه في حقول النفط العراقية، ثم معالجته بُغية استعماله في توليد الكهرباء، أو لتصديره، أو حتى استعماله في أغراض الطهي.
وتمتلك شركة غاز الجنوب العراقية الحكومية 51% من أسهم المشروع، في حين تستحوذ شركة ميتسوبيشي اليابانية على 5%، لكن شل وشركة غاز البصرة تؤكدان أنه لا تجمعهما أيّ علاقة مع مابنا.
ولا يوجد ما يدلّ على أن المدفوعات الآتية من شركة غاز البصرة لشراء الكهرباء من محطة الرميلة، والتي دفعتها وزارة الكهرباء العراقية، ستخرق العقوبات الأميركية أو الأوروبية بشأن التعامل مع إيران.
ظروف وجود الشركة الإيرانية
حينما وقع الاختيار على مابنا للمساعدة على بناء محطة كهرباء الرميلة عام 2015، كانت إيران -آنذاك- على وشك توقيع اتفاق طهران النووي مع القوى الغربية، كما كانت العلاقات آخذةً في التحسّن حينها.
ذهبت تلك المؤشرات الإيجابية على العلاقة بين طهران والغرب أدراج الرياح، بعد مُضي 3 سنوات، حينما سحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بلاده من الاتفاق النووي، ليُعيد فرض العقوبات على طهران.
مُنح عقد تطوير محطة كهرباء الرميلة البالغة سعتها 3 آلاف ميغاواط إلى شمارة هولدنغ في عام 2014، بدعم من اتفاقية شراء طاقة مُبرَمة مع وزارة الكهرباء العراقية.
وكانت الشركة تأمل -في بادئ الأمر- العمل مع شريك أوروبي أو أميركي، غير أنها عانت الأمرّين في تحقيق هذا الهدف، ومع اجتياح "داعش" مناطق واسعة من العراق وسوريا في ذاك الصيف؛ ما أرهب المستثمر الغربي، بحسب مصدر مُطّلع على المراحل الأولى من المشروع.
في غضون ذلك، فتح عامان من المفاوضات الدائرة بين القوى الغربية وإيران حول اتفاق نووي إمكان تجدد التعاملات مع الشركات الإيرانية، وفق ما صرّح به المصدر ذاته.
وفي النهاية، فازت مابنا بعقد بناء وتزويد التكنولوجيا الرئيسية لمحطة كهرباء الرميلة، لامست قيمته 2.05 مليار دولار، بدعم من ضمان مدفوعات منحته إياها الحكومة العراقية، والمُبرم في 9 يوليو/ حزيران (2015)، أي قبل أيام من توقيع الاتفاق النووي بين طهران والقوى الغربية.
تأسست مجموعة الطاقة والبنية التحتية "مابنا" في عام 1993، وهي واحدة من أنجح الشركات والاستثمارات في محطة كهرباء الرميلة، وتحظى بدعم مُطلق من قبل الحكومة الإيرانية.
وحصلت المحطة على دعم من قبل صندوق ضمان الصادرات الإيراني، تَمثَّل في بوليصة تأمين مخاطر قدرها 300 مليون دولار، كما وُصفت محطة كهرباء الرميلة -على الموقع الإلكتروني للشركة- بكونها أكبر مشروع عالمي للكهرباء.
وافق مشروع شل المشترك في الحصول على الكهرباء من محطة الرميلة في عام 2009، إذ وقّع عقدًا بقيمة 35 مليون دولار لبناء خط كهرباء بطول 18 كيلومترًا، لصالح محطة لمعالجة الغاز الطبيعي، تبنيها الشركة في أحد الأماكن القريبة، وفقًا لوثائق طالعتها "فايننشال تايمز".
ومن المقرر أن تدخل محطة البصرة لمعالجة الغاز الطبيعي حيز التشغيل في يونيو/ حزيران (2023)، على أن تستمد 70 ميغاواط من الكهرباء من حقل الرميلة، وهي السعة التي قد ترتفع إلى 200 ميغاواط، مع توسعة المحطة.
وتُنتج محطة كهرباء الرميلة ما يصل إلى 1500 ميغاواط من الكهرباء منذ عام 2020.
وتعدّ وزارة الكهرباء المزوّد الوحيد للكهرباء في البلاد؛ ما يعني أنها تؤدّي دور الوسيط في أيّ تعاقدات تجارية تبرز المحطة طرفًا فيها، وبناءً عليه تدفع وزارة الكهرباء العراقية الأموال إلى مجموعة شمارة ومابنا نظير الحصول على الكهرباء المولَّدة، وإعادة بيعها إلى عملاء مثل شركة غاز البصرة.
شل وغاز البصرة تنفيان
أكدت شركة "شل" أنها لا تتعامل مُطلقًا مع "مابنا" أو أيّ كيانات إيرانية أخرى، مشيرة إلى أنه "لا يمكنها التعليق على البنية التحتية لوزارة الكهرباء العراقية أو تدفّق الأموال أو ترتيبات الوزارة التجارية مع مورّدي الطرف الثالث، أو حتى متعهدي الطاقة.
كما دافعت شركة شل عن مشاركتها في مشروع غاز البصرة المشترك، قائلةً: إنه "قد أُسِّس في إطار حل لتعزيز الاكتفاء الذاتي من الطاقة في العراق، وخفض اعتماد بغداد على واردات الغاز".
وذكرت شركة غاز البصرة أنها دفعت الأموال فقط لوزارة الكهرباء العراقية، مؤكدة عدم وجود تعامل يُذكر مع مابنا الإيرانية.
وأوضحت الشركة، أنه لا يوجد تعامل بينها وبين شمارة، إلّا اتفاقية وُقِّعت في عام 2019، لبناء خط كهرباء، مؤكدة أن "الفحص النافي للجهالة الذي أجرته (غاز البصرة) بشأن شمارة لم يُشِر إلى أيّ مخاوف بشأن عقوبات تتعلق بقوانين الامتثال التجاري".
الدور الأمريكي
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن الولايات المتحدة الأميركية تشعر بالقلق إزاء الدور الذي يؤديه السفير الإيراني السابق لدى بغداد، والعضو السابق في الحرس الثوري الإيراني حسن دنيفار، في الضغط على بغداد لصالح مابنا، حسبما ذكرت مصادر.
وفي معرض ردّها على استفسارات حول مابنا، قالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان: "الولايات المتحدة الأميركية والعراق يعملان معًا لتحديث النظام المالي العراقي، ومكافحة الفساد، ومنع التلاعب بالنظام المالي".
وأضاف البيان، أن واشنطن تركّز على تعزيز أمن الطاقة في العراق عبر دعمها في مسار تعزيز مشروعات احتجاز الغاز بما يساعد على تقليص الانبعاثات الكربونية وتعزيز توليد الكهرباء وبناء وصلات بينية إقليمية، و-أيضًا- تحديث البنية التحتية للكهرباء.
أزمة ثمن الطاقة
لا تُعدّ الحوالات المالية التي تدخل حسابات مابنا الوحيدة ذات الصلة بالمدفوعات بين العراق وإيران، التي تواجه مشكلات، فالإعفاء من العقوبات الأميركية يُتيح للعراق استيراد الغاز والكهرباء مباشرة من طهران.
رغم ذلك فإن تلك الأموال المدفوعة من قبل بغداد يمكن فقط استعمالها من قبل إيران لتمويل شراء الأغذية والأدوية، أو حتى للحوالات العالمية الأخرى المصرَّح بها.
وهذا من شأنه أن يساعد العراق على سدّ معدلات الطلب المحلي المتنامية على الكهرباء، غير أنه يعني أن مدفوعاتها المُستحقة لطهران غالبًا ما تتأخر، ما قد يدفع الأخيرة إلى قطع الإمدادات من حين لآخر.
من جهته، قال محلل الشؤون الخليجية لدى مؤسسة "ميدل إيست إيكونوميك سيرفي" ياسر المالكي: "العقوبات سبّبت كارثة للعراق".
وواصل: "من هذا المنطلق تعي واشنطن أن واردات الغاز والكهرباء الإيرانية لا غنى عنها للاستقرار السياسي والاجتماعي في العراق، وهي مستمرة في التنازل عن العقوبات".
وأتمّ: "لكن القيود على نقل المدفوعات إلى إيران تعني أنها تتراكم في العراق".