20 عاما على اعتقال صدام في حفرة بتكريت.. خانوه أصهاره بيت المسلط والعراقيون احتفلوا في الجامعات والأماكن العامة رغم التفجيرات.. تذكر معنا
انفوبلس/..
قبل 20 عاما وتحديدا (فجر 13 ديسمبر/ كانون الأول 2003)، أقدمت قوات المارينز الأميركية على تنفيذ عملية عسكرية، أفضت إلى اعتقال رئيس النظام البائد صدام حسين، لكن ثمة خيانة حصلت أسهمت بنجاح هذه العملية.
بيان الجيش الأميركي حينها أعلن مشاركة المئات من جنود الفرقة الأولى وفرقة الفرسان والقوات الخاصة، في تنفيذ عملية حصار واعتقال صدام حسين، وذكر أنه تم العثور عليه في قبو تحت الأرض بمزرعة قرب تكريت (مركز محافظة صلاح الدين شمال بغداد)، وتمت مصادرة أسلحة ومبالغ نقدية وُجِدت في المكان نفسه.
ورأى الجميع مشهد صدام وهو يخرج من حفرة ضيقة مغطاة بالحشائش والتراب والرمل كان يختبئ تحتها فيما يشبه الغرفة البدائية المحفورة تحت الأرض التي كان يصل إليها الهواء من خلال أنبوب بلاستيكي. صدام كان ملتحياً، "منكوش" الشعر، لا يبدو عليه الخوف، بل الاندهاش، وحوله أفراد قوة "دلتا فورس" الأميركية التي كانت مكلّفة بالقبض عليه.
*الفجر الأحمر
اختارت القوات الأميركية اسم عملية "الفجر الأحمر" لإلقاء القبض على صدام حسين، وذلك بعد عملية البحث عنه التي استغرقت نحو 8 أشهر، حيث بدأت منذ التاسع من أبريل/ نيسان 2003 حتى 13 ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه.
*خانوه أصهاره بيت المسلط
بحسب المؤرخ العراقي الراحل طارق حرب، فإن "عملية القبض على صدام تمت بناءً على وشاية وصلت إلى قوة عسكرية أميركية كبيرة من أحد المقربين من صدام في بلدة الدوار القريبة من تكريت، قبل أن يعلن الحاكم المدني الأميركي بول بريمر القبض على صدام".
بدوره، يقول الإعلامي مصطفى كامل - الذي كان سكرتير تحرير جريدة الجمهورية الناطقة باسم الدولة العراقية قبل الغزو - إنه "تم العثور على صدام بعد تعقّب أحد أقارب زوجته (ساجدة خير الله)، وهو محمد إبراهيم عمر المسلط، الذي كان أحد آخر ضباط الحماية الذين ظهروا معه في أبريل/ نيسان 2003 في منطقة الأعظمية ببغداد، حيث اعتقله الأمريكان، وبالضغط عليه اعترف ببعض المعلومات التي أدت -على ما يبدو- إلى معرفة الأماكن المتوقع وجود صدام فيها، ومنها هذا الموقع الذي أُسِر منه".
ولم يجرؤ أيٌّ من العسكريين الذين شاركوا في العملية على الكشف عن التفاصيل التي أفضت إلى القبض على المطلوب الأول للقوات الأميركية (من بين 55 مطلوباً) في المحلة المسماة "الدوار" في منطقة تكريت المناصرة تقليدياً لحكم صدام، وذلك بسبب القانون الأمريكي الذي يأمر بكتم التفاصيل حتى عام 2028. بيد أن الرقيب أول كيفين هولاند، تجرأ وكسر الحظر، وذلك من خلال تسجيلات بودكاست المسماة بالإنجليزية Danger Close المخصصة للشؤون العسكرية الأميركية، والتي يديرها الضابط السابق في القوات الخاصة الأميركية جاك كير. وقد نجح الأخير في إقناع العسكري كيفين هولاند بأن يتحدث، لا بل أن يكون حديثه مصوراً، وذلك في 9 ديسمبر الماضي. وأخيراً، أُفرج كير عن "شهادة" هولاند. ونقلت صحيفة "لو فيغارو" بعض تفاصيل هذه الشهادة.
القيادة الأميركية كانت قد أطلقت عملية "الفجر الأحمر" للقبض على صدام، وخصصت مكافأة كبيرة لمن يوفر معلومات تُفضي إلى القبض عليه، والأهم أن آلافاً من الجنود والمخابرات (كيفين هولاند ذكر أن العدد يصل إلى 30 ألف رجل من المشاة) قد جُندوا لهذه المهمة، إضافة إلى مجموعة ضيقة من "قوة دلتا" بينهم هولاند، ولكن كل ذلك بقي دون طائل حتى تمكنت هذه القوة من وضع اليد على أكثرية حرس صدام الخاص، والأهم أن من بينهم كان محمد إبراهيم المسلط، الذي يصفه هولاند بأنه كان "الأقرب" لصدام. ووفق رواية هولاند، فإن المسلط أعطى جميع التفاصيل عن مكان اختباء صدام في قرية "الدوار" المطلّة على نهر دجلة والواقعة على بعد 10 كلم من تكريت، وذلك في مزرعة معزولة تقود إليها طريق مستقيمة تقوم مجموعة من الرجال بمراقبتها لتجنب أي مفاجأة.
ويؤكد الراوي، أن المسلط رافق القوة الأمريكية وقادها إلى مكان اختباء صدام الذي بلغته في الثامنة والنصف مساءً. ويصف هولاند عمل المجموعة التي بدأت برفع الحشائش والأتربة ووصلت إلى لوح بلاستيكي مقوى نزعته فظهرت تحته كوّة الحفرة البالغ عمقها 3 أمتار. ومن أجل تلافي أي مفاجأة أو فخ، لم يتردد أحد أفراد القوة من استخدام قنبلة فُجرت في الدهليز. بعدها، تأكد للفرقة التي استخدمت أنوار أسلحتها الكشافة، أن صدام يختفي في هذا المكان. ولمزيد من التفاصيل، يسرد هولاند أنهم أنزلوا كلباً بوليسياً إلى الحفرة، لكنه تراجع خوفاً.
كانت المفاجأة عندما سمعت القوة صوتاً قادماً من تحت الحفرة، ورد عليه المترجم الملحق بالقوة بالعربية، ثم رأت القوة يدَين تمتدان إلى الخارج، ثم برز رأس صدام وجسده.
بعدها أُخرج صدام من الحفرة التي خرج منها وهو يحمل مسدساً من طراز "غلوك 18". وما إن أصبح في متناولهم، يروي هولاند، حتى وجّه إليه أحد أفراد الفرقة ضربة قوية على وجهه لشلّ حركته. وبعد أن استعاد صدام امتلاك أعصابه، توجه إلى الجنود الأميركيين بالإنجليزية قائلاً: "أنا صدام حسين، رئيس العراق، وجاهز للتفاوض". وجاء الرد عليه: "سنرى ذلك لاحقاً".
بعدها، نُقل صدام بطوافة إلى تكريت، ومنها إلى بغداد بعد أن أُخذ منه مسدسه الذي قُدم لاحقاً للرئيس بوش الابن. والمسدس موجود اليوم في المكتبة التي تحمل اسم الرئيس الأسبق في مدينة دالاس.
يؤكد هولاند أنه شخصياً مَن نزل إلى الحفرة التي كان يختبئ فيها صدام، مستعيناً بالضوء المثبّت على مسدسه، إلا أنه عاد للخروج ليطلب مسدساً آخر لتحسين الرؤية. وفي وصفه للحفرة، يقول إنها بطول مترين وكافية ليتمدد فيها رجل على أريكة بسيطة، وسقفها كان مسنوداً بألواح خشبية، ومزودة بمروحة. وعمد هولاند إلى تصوير مقطع فيديو قصير بثته شبكة "فوكس نيوز". ووفق المعلومات التي جمعها الطرف الأمريكي من المخبرين، فإن صدام كان يقضي غالبية وقته في الخارج، وتحديداً في المزرعة القريبة من الحفرة، وإن اثنين من حرسه الخاص كانا يتوليان مهمة الطبخ.
*العراقيون يرقصون في الشوارع
فور الإعلان عن اعتقال صدام حسين ووقوعه في قبضة القوات الأميركية، خرج مئات العراقيين في بغداد ومدن عراقية أخرى للتعبير عن ابتهاجهم بهذا الخبر مرددين هتافات الموت لصدام.
بعضهم وزّع حلوى على المارة في الشوارع احتفالاً بهذا النبأ، فيما خيّم الترقُّب والانتظار على مناطق أخرى من العراق عقب الإعلان عن اعتقال الرجل الذي كان يتصدر قائمة من 55 مسؤولاً عراقياً مطلوباً للقوات الأميركية.
في بغداد أطلق مواطنون أعيرةً نارية ابتهاجاً بالنبأ المفاجئ، وفي ساحة الفردوس، وسط العاصمة، رمى بعضهم أوراقا نقدية قديمة تحمل صور صدام حسين.
ورفع عشرات الأشخاص لافتة كبيرة كُتب عليها "مبروك مبروك لكل عراقي شريف والعار العار للعفلقية" في إشارة إلى البعثيين ومؤسس الحزب ميشيل عفلق.
وأعرب بعض المواطنين العراقيين عن دهشة وصلت إلى حد عدم التصديق لاعتقال الرجل بعد ثمانية أشهر من البحث مع إقرار القوات الأميركية بصعوبة هذه العملية. كما اندهش العراقيون من حالة الاستسلام التي ظهر عليها صدام بعد القبض عليه.
وفي بعقوبة شمال شرقي بغداد حيث تقع هجمات عديدة ضد الأميركيين، سُمع إطلاق نار ابتهاجا بينما شوهد بعض الأشخاص يرقصون.
وفي مدينة النجف الأشرف انفجر السكان الذين عانوا لفترة طويلة من حكم صدام فرحاً ورقصوا في الشوارع في حين تسمّر آخرون في المقاهي التي تملك أطباقاً لاقطة لمتابعة الأخبار.
وخرج كثيرون وهم يرقصون إلى الشوارع ويرددون "صدام اعتُقل موتوا يا بعثية".
وفي البصرة ثاني أكبر مدن العراق، جرت احتفالات كبيرة رقص خلالها الشباب في الشوارع وأُطلقت الأعيرة النارية في الهواء.
أما في كربلاء فقد تم إطلاق الأعيرة النارية في الهواء ابتهاجاً بهذه المناسبة.
وفي كركوك، رقص المحافظ عبد الرحمن مصطفى ومساعده إسماعيل أحمد الحديدي وقائد الشرطة في الشارع أمام الجنود الأميركيين في حين ذبح آخرون خرافاً وعمَّ المدينة فرح كبير.
وفي مدينة السليمانية معقل الاتحاد الوطني الكردستاني، شارك آلاف الأكراد في احتفالات كبيرة حيث أُغلقت الطرق من شدة الازدحام.
أما أربيل، معقل الحزب الديمقراطي الكردستاني فقد خرج فيها الآلاف للاحتفال في شوارع المدينة وهم يرفعون الأعلام العراقية والكردية.
وفي المقابل خيمت أجواء من الصدمة والذهول على سكان مدينة تكريت مسقط رأس صدام حسين عقب الإعلان عن القبض عليه من جانب القوات الأميركية.
ورفض الكثير من سكان المدينة تصديق النبأ وشككوا في صحته، لكن الإعلان المتكرر عن القبض على صدام وعرض صوره على شاشات التلفزة جعلت الأهالي يستوعبون الصدمة ويدركون أن صدام سقط بالفعل في قبضة الأميركيين.
وفي قرية العوجة التي شهدت مولد صدام، اعتبر سكانها أن القبض عليه كان نتيجة خيانة وأنه لطمة كبيرة.