51 عاما على الإطاحة بعبد الكريم قاسم.. جمال عبد الناصر والمخابرات الأمريكية أسقطوا حكم الزعيم.. تعرف على سبب رفضه العرض السوفيتي بإنهاء الانقلاب
انفوبلس/..
خمس سنوات فقط مضت على ثورة 14 تموز 1958 التي أدت التي إنهاء الحقبة الملكية في العراق وأسست الجمهورية في البلاد بقيادة عبد الكريم قاسم ومجموعة من الضباط الأحرار الذي أسسوا حركة وطنية تؤسس للنظام الجمهوري في البلاد، حتى جاء يوم 8 شباط 1963 ليشكل علامة فارقة في تاريخ العراق السياسي الحديث بإعدام عبد الكريم قاسم، أحد أبرز رموز الانقلاب على الملكية العراقية.
ثورة الزعيم عبد الكريم قاسم، شكلت انعطافة مهمة في تاريخ العراق، حيث قام بتنفيذ التحركات على حسب الخطة التي أعدوها للسيطرة على بغداد وللإطاحة بالنظام الملكي، وأدى ذلك إلى مقتل واعتقال العديد من أفراد الأسرة المالكة والمقربين منها، بما في ذلك نوري السعيد والوصي عبد الإله.
ولم يكن انقلاب 8 شباط 1963 في العراق، محصلةً لصراع داخلي على السلطة، وتضارب أيديولوجيات حزبية فحسب، بقدر ما كان مؤامرة إقليمية ودولية، التقت فيها مصالح لدول كانت تقف على طرفي نقيض في سياسة المحاور التي كانت سائدة في ذلك الوقت، مثل مصر من جهة وأمريكا والغرب من جهة أخرى.
اصطفاف البعثيون والقوميون والغرب
ورسم لهذا الانقلاب أجندات لدول أدركت ومنذ اليوم الأول ثورة 14 تموز 1958 بأن مصالحها في العراق باتت في خطر، وعملت بكل جهدها بالتعاون مع البعثيين والقوميين داخليا على تغيير مسار هذه الثورة أو القضاء عليها، وإقامة نظام سياسي جديد يكون أكثر تقبُّلاً للغرب الرأسمالي.
الأجندات عملت على إيجاد نظام بديل عن نظام الزعيم عبد الكريم قاسم ذي النزعة التقدمية الاشتراكية، الذي كان يسعى لإقامة دولة عصرية متقدمة في جميع المجالات، والنهوض بالمستوى المعاشي والخدمي للطبقة المُعدَمة والكادحة من الشعب العراقي، والتي تشكل القاعدة الثورية الفاعلة والحيوية لهذه الجمهورية الفتيّة، بعيدا عن سياسة الاصطفاف والمحاور الدولية، والشعارات القومية الجوفاء التي كان يتغنى بها نظام الرئيس جمال عبد الناصر، التي لم تجلب للعرب سوى الهزائم والانتكاسات، والتي ساهمت في وصول القوميين والبعثيين إلى السلطة في العراق، وما جرَّته حقبتهم من ويلات ودمار على العراق وشعبه، وما يحدث الآن فيه من فساد وخراب ونكوص على جميع الأصعدة، ما هو إلا نتاج تراكمي لهذه الحقبة السوداء من تاريخ العراق الحديث.
أسباب التآمر
كان للقرارات الوطنية المهمة التي أصدرها عبد الكريم قاسم، لتخليص العراق من نير الهيمنة الغربية، ومواقفه القومية الصادقة تجاه أشقائه العرب، من أهم الأسباب التي ساهمت في إحكام خيوط المؤامرة على ـ جمهوريته الخالدة ـ كما أسماها هو، ومنها قانون استثمار النفط رقم 80 لعام 1961 والذي أثار استياء بريطانيا وشركاتها الاحتكارية، وبموجبه أوقفت عمليات تنقيب واستثمار آبار نفط جديدة في العراق.
وقد عبّر عن هذا الموقف الرافض للقرار، القنصل البريطاني في العراق آنذاك بقوله لعبد الكريم قاسم (إن رفض العراق إلغاء قانون النفط سيضطرنا إلى السعي لتغيير الحكومة هنا، فسأله عبد الكريم، هل هذا تهديد؟ فأجابه القنصل: لا، لكنه الواقع).
إصداره قانون الإصلاح الزراعي رقم 30 والذي أعاد بموجبه توزيع الأراضي الزراعية على الفلاحين الفقراء والقضاء على النظام الإقطاعي البغيض، إخراج العراق من حلف بغداد، تحرير العملة الوطنية من الارتباط بالإسترليني، وكذلك موقفه من الثورة الجزائرية وتخصيصه مليوني دينار عراقي لدعمها، واتهام جمال عبد الناصر له بتحريض ودعم العميد عبد الكريم النحلاوي والعقيد موفق عصاصة، اللذَين قادا حركة الانفصال في الشطر السوري من الوحدة مع مصر عام 1961، دعمه للثورة في الجزائر وإرسال السلاح والمال للثوار الجزائريين ضد الاحتلال الفرنسي، كل هذه الأسباب مجتمعةً أدت إلى توجه الأنظار من قبل تلك الدول وسعيها إلى الإطاحة بقاسم وقد تقاسمت الأدوار والسيناريوهات المختلفة والتي اصطبغت بشعارات وتوجهات كثيرة ومتنوعة الأهداف، تمثلت بحركة عبد الوهاب الشواف ورفعت الحاج سري عام 1959 وبعض الضباط القوميين في الموصل وكركوك، والمحاولة الفاشلة لاغتيال عبد الكريم قاسم في بغداد من العام نفسه والتي قام بها بعض الأشقياء المأجورين من قبل نظام جمال عبد الناصر، والصراع الخفي والمعلن على السلطة من قبل الأحزاب والحركات العاملة في الساحة العراقية آنذاك.
كما أن لعبة السياسة الدولية ومصالحها كان لها دور في تشجيع أو تأييد الخصوم أو جني ثمار نزاعات الأطراف المتصارعة، حيث رأت الدول الكبرى وإسرائيل أن تصرفات عبد الكريم قاسم لا تخدم استراتيجياتها في المنطقة التي كانت تحاول إحكام الطوق على الاتحاد السوفيتي ومنظومة حلف وارسو بعدد من الدول المؤيدة لسياساتها، فكان قاسم يطمح للتقرب من الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو حُباً بالتجربة الاشتراكية وعقد معاهدة دفاع استراتيجي مشترك معه مما قد يسبب وفقا للاستراتيجية الأميركية والعالم الغربي بتقرب الاتحاد السوفيتي مما اصطلح عليه (بالتقرب من المياه الدافئ)، أي مياه الخليج العربي.
رفضه الاستعمار بكل أشكاله
كثيرة هي صفات عبد الكريم قاسم قائد ومفجر ثورة 14 تموز 1958 كالشجاعة والتضحية والإيثار والذكاء والعطف على الآخرين ومساعدة المحتاجين والاصطفاف مع الفقراء وحبه لشعبه والعفو عن المسيئين والصبر عند الشدائد وغيرها من الصفات التي نادراً ما تجتمع عند زعيم أو قائد، ورغم كل هذه الصفات الحميدة التي تحلّى بها، تبقى وطنيته وحبه لوطنه وشعبه ونزاهته الفريدة أهم ما تميز به الراحل عبد الكريم قاسم.
وذكر العقيد وصفي طاهر، الحارس الشخصي لعبد الكريم قاسم، وأحد الضباط الأحرار الذين أسهموا في ثورة الرابع عشر من تموز، أنه "عندما تهاوت علينا الأحجار من كل مكان نتيجة القصف الكثيف لأتباع عبد السلام عارف ليلة 8 شباط 1963 وأصبحنا قاب قوسين أو أدنى من فقدان كرسي الرئاسة، رنَّ التلفون فأجبت، مَن؟ قال، أنا سفير الاتحاد السوفيتي في بغداد، فألتفتُ الى الرئيس فردَّ قائلا، قل له ماذا يريد؟ حينها قال، قل لرئيسك إني قد تلقيت اتصالا من حكومة موسكو طالبين السماح بالتدخل لإعادة الأمور الى نصابها في غضون ساعات".
وأضاف طاهر، إنه "عندما سمع الزعيم قال يريدونني أن أبدل الاستعمار البريطاني الذي أنقذتُ الشعب منه بالاستعمار الروسي، فرفض وبعدها بساعات قُتل ولم يتنازل عن مبادئه التي جاء بها".