أزمة وجودية تواجه كردستان قد تلغي الإقليم نهائياً.. السوداني لعبها بذكاء وآل بارزاني يستنجدون ببايدن
انفوبلس..
في خطوة ذكية من رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني أحرج بها آل بارزاني لدرجة استنجادهم بالولايات المتحدة، أكد السوداني أن الحكومة الاتحادية ليست مسؤولة بشكل مباشر عن رواتب موظفي الإقليم وذلك بسبب إصرار ساسته على الحصول على حصة من الموازنة وهي التي تتكفل برواتب موظفيها، في إشارة إلى أنه من الأصلح لموظفي الإقليم التساوي مع أقرانهم في بقية المحافظات والاعتماد على الحكومة الاتحادية بملف الرواتب، الأمر الذي قد يتطور في محصلته إلى إلغاء إقليم كردستان، وفق ما يرى مراقبون.
السوداني وفي لقاء له مع عدد من ممثلي القنوات الفضائية، ذكر أن قانون الموازنة لا ينصّ على تمويل رواتب موظفي الإقليم، بل تمويل حصة إقليم كردستان العراق البالغة 12,67%، وهي تُمول من حجم الإنفاق العام.
وأضاف، أنه في ملف رواتب موظفي إقليم كردستان العراق، الحكومة الاتحادية ملتزمة تجاه مواطنيها في الإقليم كاستحقاق وطني وأخلاقي، مؤكداً على أن صلاحية مجلس الوزراء تتحدد بمنح قرض لحكومة الإقليم، كي يصرف رواتب موظفيه، وقد اتخذ قراراً بذلك في آخر جلسة لمجلس الوزراء.
وأشار إلى أن مجلس النواب سيستضيف وزيري المالية في الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم وستتحدث هناك لغة الأرقام.
تاريخ الأزمة
لا يكاد يمر عام في العراق، إلا ويبرز فيه خلاف بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان في أربيل، ومعظمها تتمحور حول نقطة واحدة هي "الأموال".
الخلافات مستمرة بين الجانبين منذ قرابة عشرين عاما، لكنها تتراجع أحيانا، وخاصة خلال مفاوضات تشكيل أي حكومة جديدة، ومن ثم تبدأ بالتصاعد شيئا فشيئا بمجرد مرور بضعة أشهر من تشكيل الحكومات المتعاقبة في البلاد.
خلال السنوات الأولى التي تلت عام 2003، كانت المشكلة الأبرز تتعلق بالمناطق المتنازع عليها مع الحكومة الاتحادية بالإضافة لموضوع تقاسم واردات النفط والغاز.
واليوم، تُعد أزمة رواتب موظفي إقليم كردستان، معضلة حقيقية في ظل تبادل الاتهامات بين بغداد وأربيل بشأن الجهة المعرقلة لتلقي مئات آلاف العاملين في القطاع الحكومي في الإقليم لمستحقاتهم المالية الشهرية.
أصل المشكلة
ولمعرفة الصورة الحقيقية لما يجري، من المفيد العودة لأصل الخلاف الذي يتطور يوما بعد يوم.
في السنوات الأخيرة أغضب الأكراد الحكومات المركزية المتعاقبة التي قادها الشيعة بتوقيع اتفاقيات وفقا لشروطهم الخاصة مع شركات النفط الدولية ومن بينها أكسون موبيل وتوتال وشيفرون كورب.
تقول بغداد إنها وحدها لها الحق في السيطرة على استكشاف وتصدير رابع أكبر الاحتياطيات النفطية في العالم، بينما يُصر الأكراد على أن حقهم في فعل ذلك منصوص عليه في الدستور الاتحادي للعراق لعام 2003.
ظل هذا التجاذب قائما لسنوات قبل أن يتم التوصل لاتفاق هشّ بين الجانبين في عام 2015 يقضي بتسليم الإقليم 250 ألف برميل نفط يوميا إلى شركة تسويق النفط العراقية "سومو" مقابل تثبيت الحكومة للمستحقات المالية للإقليم بموازنة 2020 ومن ضمنها رواتب الموظفين.
لكن كالعادة، أطلق بعدها الطرفان اتهامات لبعضهما البعض بخرق الاتفاق واستمر الخلاف قائما حتى إقرار موازنة هذا العام في مايو الماضي.
وبموجب الموازنة الجديدة، توصلت حكومة الإقليم لاتفاق مع حكومة بغداد على تصدير نفط الإقليم عبر الحكومة المركزية، وفي مقابل ذلك يتم تخصيص 12.6 في المئة من الموازنة الاتحادية لكردستان العراق.
ورغم إفراج حكومة بغداد عن 500 مليار دينار (حوالي 380 مليون دولار) لرواتب إقليم كردستان يوم الأحد الماضي، إلا أن تصحيح الوضع يتطلب ضعف هذا المبلغ شهريا، وفقا لحكومة أربيل.
في مؤتمر صحافي عقده، أمس الأربعاء، أكد رئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، أن الإقليم أوفى بالتزاماته وتعامل مع بغداد بمنتهى الشفافية. بالمقابل تقول بغداد إنها نفذت جميع التزاماتها المالية تجاه الإقليم.
الإقليم ينهار
تأتي هذه الأزمة بالتزامن مع وقف تركيا تدفقات النفط العراقية عبر خط الأنابيب الممتد لميناء جيهان في 25 آذار/ مارس الماضي بعد أن أمرت هيئة تحكيم تابعة لغرفة التجارة الدولية أنقرة بدفع تعويضات لبغداد بقيمة 1.5 مليار دولار تقريبا عن الأضرار الناجمة عن تصدير حكومة إقليم كردستان النفط بشكل غير قانوني بين عامي 2014 و2018.
وحذر تحليل نشرته مجلة "فورن بوليسي" الأميركية الشهر الماضي من مخاطر استمرار الخلاف النفطي بين العراق وتركيا واحتمال أن تؤدي تداعياته لحرب أهلية في إقليم كردستان تمتد تداعياته لجميع أنحاء البلاد.
وتمثل عائدات تصدير النفط نحو 80 في المئة من الميزانية السنوية لحكومة إقليم كردستان، مما يعني أنها تواجه مخاطر جمّة في حال استمرار توقف الصادرات، وفقا للتحليل.
أشار التحليل إلى أن الحظر النفطي التركي كلف حكومة إقليم كردستان لغاية الآن أكثر من ملياري دولار، مبينا أن استمراره يمكن أن يدمر اقتصاد الإقليم وربما يؤدي إلى انهيار حكومة إقليم كردستان التي تتمتع بحكم شبه ذاتي.
ولسنوات عديدة، كان اقتصاد حكومة إقليم كردستان يعاني نتيجة الخلافات مع الحكومة الفيدرالية المتعلقة بحصة الإقليم في الموازنة.
توصلت سلطات الإقليم والحكومة الاتحادية إلى اتفاق ينص على إجراء مبيعات النفط عبر المؤسسة العامة لتسويق النفط العراقية (سومو) ووضع الإيرادات في حساب مصرفي تديره أربيل وتشرف عليه بغداد، لكن استئناف الصادرات لا يزال معلقا في انتظار التوصل إلى اتفاق مع تركيا.
رسالة استنجاد
رئيس وزراء حكومة أربيل مسرور بارزاني، أقدم على إرسال رسالة للرئيس الأميركي جو بايدن، مطالباً إياه بالوساطة في الأزمة مع بغداد ويبلغه بأن الإقليم بطريقه إلى الانهيار.
موقع "المونيتور" الأمريكي ذكر أنّ رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان العراق مسرور بارزاني، حذّر الرئيس الأميركي جو بايدن، في 3 أيلول 2023، من انهيار الإقليم في حال بقاء الأزمة مع الحكومة العراقية "من دون رادع".
وحثّ بارزاني بايدن على تأدية الوساطة بين أربيل وبغداد، ودفع إدارته إلى التحرك مع تصاعد التوترات بين البلدين.
وأشار الموقع إلى رسالة وجّهها بارزاني إلى بايدن منذ 3 أيلول الحالي، إلا أنّ البيت الأبيض تسلّمها يوم الأحد الماضي.
وفي الرسالة، أبدى رئيس الحكومة في أربيل خشيته من إيجاد صعوبة في التغلّب على هذا "المنعطف الحرج من تاريخ الإقليم".
وأضاف بارزاني أنّه، وللمرة الأولى في فترة ولايته رئيساً للوزراء، قلق من "انهيار نموذج العراق الفيدرالي الذي رعته الولايات المتحدة عام 2003، زاعمةً أنّها تقف إلى جانبه منذ ذلك الحين".
تأتي هذه المناشدة وسط تصاعد التوترات بين أربيل وبغداد، فيما كرّر بارزاني دعواته لمزيد من المشاركة الأميركية من أجل "المساعدة في حل الخلافات"، وذلك خلال اجتماع عُقد الاثنين الماضي في أربيل مع السفيرة الأميركية لدى العراق ألينا رومانوفسكي.
بناءً على كل ما تقدم يرى مراقبون بأن الإقليم الكردي يمر بأزمة وجودة لم يمر بمثلها في تاريخه من قبل، فهو اليوم يواجه تَرِكَةَ سنواتٍ طويلة من التحايل والتلاعب واستغلال فترات التوتر وضعف الحكومة المركزية خلال بعض الفترات السابقة، وهذه الأزمة قد تتفاقم لدرجة الوصول إلى إلغاء إقليم كردستان، حيث سيرغب أبناء الشعب الكردي بالخلاص من هيمنة عائلة آل بارزاني على حياتهم ومقدراتهم ورواتبهم ليتم مساواتهم مع أقرانهم من سكان محافظات العراق الأخرى خصوصاً بمسألة الرواتب، وهو الأمر الذي يترتب عليه -في حال حدوثه- أن تُلغى سلطات حكومة الإقليم كافة وحصته من الموازنة الاتحادية وهيمنته على الشمال العراقي بوصفه يتمتع بحكم شبه ذاتي، وتكون السلطة الكاملة بيد بغداد حصراً.