أكثر من 5 عقود على اغتيال حردان العزاوي.. ماذا تعرف عن رجل الانقلابات؟ وكيف اغتاله صدام في الكويت؟ ولماذا؟
انفوبلس/ تقارير
يُعرف برجل الانقلابات، وتبوأ مناصب بارزة في النظام المباد، لكنه في الوقت ذاته يوصف بأنه أخطر منافسي المقبور صدام. كان يشغل منصب وزير الدفاع ونائب رئيس الجمهورية، قُتلت زوجته ثم لحقها بعملية اغتيال مدبَّرة في الكويت عام ١٩٧١ بطلها على الورق "علي ماما" ولم يسلم قبل ذلك من بطش "البوناصر" عشيرة المقبور صدام. فمَن هو حردان العزاوي؟ ولماذا لم تنفعه "تكريتيته" أمام وحشية المقبور وعشيرته. إليك كل ما تريد معرفته عنه مع تفصيل دقيق لعملية اغتياله في الكويت وتذكير بمذكراته الشهيرة التي كتبها وفصّل فيها أبرز ما تعرض له على يد عصابات المقبور.
*مَن هو؟
حردان عبد الغفار العزاوي التكريتي، هو قائد سلاح الجو العراقي ونائب رئيس ما يسمى مجلس قيادة الثورة في العراق إبان النظام المباد.
وُلد في مدينة تكريت من عشيرة العزة وكان أحد كبار الضباط الطيارين البارزين في العراق. وكان من الشخصيات المهمة في انقلاب ١٧ اتموز ١٩٦٨ كما وكان له دور في ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ حركة ٨شباط ١٩٦٣ كما تقلد عددا من المناصب كان آخرها وزير الدفاع ونائب رئيس الجمهورية.
*رجل الانقلابات
ينوه حفيد حردان فهد رافع إلى، أن جده كان يُسمى رجل الانقلابات، كونه اشترك في أغلب الانقلابات التي حدثت في العراق ما بين عام 1958 إلى 1968.
ويضيف رافع، "انضم الراحل إلى تنظيم الضباط الأحرار الذين أسهموا في إنجاح انقلاب 14 يوليو/ تموز 1958 الذي أنهى الحكم الملكي، كما شارك بانقلاب 8 فبراير/ شباط 1963، وكان عضو مجلس قيادة الثورة الذي أطاح بحكومة عبد الكريم قاسم. وبعدها شارك بحركة 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 1963 التي أطاح فيها الحرس القومي وأبعد حزب البعث عن الحكم، وله دور بارز مع البعثيين في انقلاب 17-30 يوليو/ تموز 1968".
*مناصبه ودوره العسكري
وتقلد حردان العديد من المناصب المهمة وكانت له مكانة كبيرة، -بحسب فهد- حيث شغل منصب آمر قاعدتي كركوك والموصل الجوية للفترة 1961- 1963، ثم أصبح قائدا للقوة الجوية عام 1963، ووزير الدفاع ونائب القائد العام للقوات المسلحة عام 1964 قبل اختياره سفيراً لدى مملكة السويد في نفس العام.
وبعد نجاح انقلاب 1968 أصبح عضو مجلس قيادة الثورة ورئيس أركان الجيش وقائد القوة الجوية، ووزير الدفاع ونائب القائد العام للقوات المسلحة ونائب رئيس الوزراء، وعام 1970 شغل منصب نائب رئيس الجمهورية.
*أخطر منافس لصدام
من جانبه يرى الكاتب هاتف الثلج مؤلف كتاب "حردان التكريتي: قائد اغتيل غدراً" أن الراحل كان أخطر منافس لصدام، ومعظم الانقلابات العسكرية في العراق كان هو قائدها، وله الدور الأول والرئيس فيها، وعندما رأوا خطورته قرروا القضاء عليه.
ويضيف الثلج، أن الرئيسَين أحمد حسن البكر والمقبور صدام حسين كانا يخشيان من حردان فقاما بإعفائه من مناصبه، ومنحاه منصب سفير لكنه رفض ذلك، وبقي لاجئا سياسيا في الجزائر، حتى جاء إلى الكويت ليستدعي أمه وأسرته لأخذهم إلى الجزائر، فاستغلوا وجوده بالكويت واغتالوه هناك. كما ستفصل انفوبلس هذه الحادثة في قادم الأسطر.
*بطش عشيرة البو ناصر له وقصة قتل زوجته و١٠٠ ضابط
لم يكن غريباً على قاتل مثل (صدام حسين) التصفية البشعة لقائد عسكري وسياسي مثل حرداني التكريتي، هذا ما قالته عائلة الاخير التي أكدت أن التكريتي ورغم انتمائه لعشيرة المقبور (البوناصر) إلا أنه لم يسلم من بطش هذه العشيرة التي تفننت في الجرائم آنذاك وقتلت كل معارض للمقبور.
لم يسلم حردان، من ظاهرة والغدر والخيانة، التي تعرّض لها للمرة الثالثة، تحت سلطة البكر- صدام، فقد أُعفي من جميع مناصبه، بعد أن وجهوا له تهماً باطلة، منها عدم السماح للجيش العراقي بالوقوف مع المقاومة الفلسطينية، في أحداث أيلول بالأردن عام 1970، أثناء الصدامات بين المقاومة والجيش الأردني، كما قالت عائلته في بيانها.
كما جرى إبعاد حردان التكريتي عن العراق، حيث اختار الجزائر مقراً لإقامته القسرية . وما إن التحقت به زوجته، برغم مرضها في الجزائر مساءً، حتى فارقت الحياة صباح اليوم التالي . وحينما طلب حردان من السلطات العراقية ، مرافقة جثمان زوجته، لنقله الى العراق، لإجراء مراسم الدفن والفاتحة، رفض البكر ذلك، برغم توسط المسؤولين الجزائريين، في مقدمتهم مسؤول جبهة التحرير الجزائرية، السيد ( قائد أحمد) الذي تعهد بمرافقة الفريق حردان وجثمان زوجته الى العراق وضمان إعادته معهم الى الجزائر، إلا أن الرئيس البكر رفض ذلك أيضاً. مما إضطر حردان، الى دفنها في مقبرة الشهداء ( بالقرب من قبر عبد الكريم الجزائري). بعد موافقة السلطات الجزائرية.
ويقول حردان في مذكراته الشهيرة واصفاً بطش عشيرة البو ناصر والمقبور صدام، "إنني لا أستطيع التعاون معهم طويلا - يقصد حزب البعث - بسبب التصرفات الخارجية غير المسؤولة التي جلبت لنا عداء كل الدول العربية وسبب الفساد العريض الذي يلف العراق كله . ولكن هل كان على البكر أن يناقشني في ذلك؟ أم أن يعاملني معاملة عدو؟ ولو فرضنا أنني أصبحتُ عدواً – كما اتهموني – أريد التقارب مع مصر، فهل زوجتي أصبحت عدوة أيضا؟ فلماذا قتلوها وهي حامل؟".
وتابع، "بعد تسفيري إلى هنا (الجزائر) أخبروها أن عليها أن تلتحق بي في الجزائر, وأنها يجب أن تقضي عمرها كله هنا وأمروها بمغادرة العراق خلال ثلاثة أيام فقط, وامتثلت للأوامر, وحجزت مكاناً في الطائرة العراقية التي كانت ستتوجه الى هنا وفي المطار طالبوها بشهادة التطعيم ضد الكوليرا ولم تكن هي تحمل مثل ذلك, فأجبروها على التلقيح . ولكن ماذا كانت المادة التي لقحوها بها؟ لقد كانت مادة قاتلة لم تعش بعدها إلا ساعتين فقط, حيث لفظت أنفاسها الاخيرة على متن الطائرة وحولها أولادي الستة الذين شاهدوا وفاتها لحظة بلحظة . وكم كان تأثيري عندما استقبلت زوجتي في مطار الجزائر الدولي , وهي جثة هامدة بلا حراك , وحولها أولادي الستة ينوحون, ويبكون".
ويمضي حردان بالقول، "الواقع فإن القضية لم تنتهِ بقتل زوجتي وإنما تعدَّت الى القيام بحملة اعتقالات ضد كل من كان يربطني به رابطة صداقة, وتم اعتقال ما لا يقل عن 300 من الضباط والمدنين حتى الآن – حسب ما أعلم – وقتلوا ما لا يقل عن مائة منهم . كما مات أربعة منهم".
*عملية اغتياله
عندما أدرك صدام خطورة حردان في منافسته قرر القضاء عليه، حيث "قامت المخابرات العراقية بتكليف 4 أشخاص من القتلة المأجورين، وقد تواطأ مع القتلة صديقه السفير لدى الكويت" بحسب الثلج.
ويسرد تفاصيل ما جرى "كان حردان يشكو من مرض بمعدته، فأخبر السفارة بذلك، وجاء السفير العراقي لأخذه إلى المستشفى الأميري، وكان السفير على تواصل مع القتلة الذين وصلوا من العراق بالطائرة لتنفيذ عملية الاغتيال".
وعند وصوله المستشفى استقبله شاب أنيق يرتدي بدلة وفتح له باب السيارة فظن حردان أنه من موظفي المستشفى، لكن ذلك الشاب قام بإطلاق النار عليه وقتله على الفور، كما يضيف الثلج.
وكاد الحادث أن يتسبب بأزمة دبلوماسية مع الكويت لكن وزير الخارجية العراقي آنذاك عبد الكريم الشيخلي ذهب إلى الكويت لتسوية الأمر بعد فتح تحقيق شكلي، وعاد القتلة بنفس الطائرة التي تحمل جثمان حردان -بحسب الثلج- ودُفن الفقيد في تكريت حيث أوصى بدفنه في ذلك المكان بجوار قبر زوجته التي توفيت في الجزائر.
*"علي ماما" وعلاقته بالاغتيال
وفي السياق ذاته، يؤكد الضابط في الجيش العراقي السابق صلاح مهدي الطائي أن اغتيال حردان جاء بإشراف مباشر من المخابرات العراقية، وقام بتنفيذ العملية المدعو "علي ماما" وهو أحد شقاوات (أشقياء) بغداد الذي يتم استخدامه بالتصفيات.
ويعرب الطائي في حديثه الذي تابعته شبكة انفوبلس، عن اعتقاده بأن حردان كان أقوى شخصية في السلطة، وأن اغتياله فتح الباب لظهور صدام واستلامه زمام السلطة.
*أزمة دبلوماسية
وجاءت حادثة اغتيال التكريتي على الأراضي الكويتية لتشكل بوادر أزمة دبلوماسية وسياسية بين البلدين، وعلى إثرها طالبت الكويت بنقل جميع العاملين في السفارة العراقية باعتبارهم شخصيات غير مرغوب بهم، كما يفيد أستاذ العلاقات الإستراتيجية المساعد الدكتور محمد ميسر فتحي.
ويضيف، بأن الحكومة العراقية استجابت لطلب الكويت، وقامت بإرسال طاقم دبلوماسي جديد وترأس البعثة الجديدة السفير محمد صبري الحديثي.
ويلفت فتحي إلى، أن العلاقات العراقية الكويتية اتسمت بحالات من التوتر وعدم الاستقرار والتعقيد والتذبذب ما بين التعاون المحدود أو الانغلاق وقطع العلاقات بين البلدين، وهذا يعود إلى طبيعة المتغيرات التي تحكم البيئة المحلية الوطنية، وما تنطوي عليه البيئة الخارجية من تحديات.