إريكسون السويدية تعاني من الانهيار بعد الكشف عن تمويلها الإرهاب في العراق.. وبغداد لم تعلّق أعمالها
بعد أن فعلتها لافارج الفرنسية..
إريكسون السويدية تعاني من الانهيار بعد الكشف عن تمويلها الإرهاب في العراق.. وبغداد لم تعلّق أعمالها
انفوبلس/..
فضيحة مدوّية ضربت شركة إريكسون السويدية بعد الكشف عن دعمها وتمويلها لعناصر من تنظيم داعش الإرهابي في العراق، إضافة إلى ممارسات أخرى غير قانونية منها دفع رشى والتهريب من الضرائب وانتهاك مدونة أخلاقيات العمل (CoBE)، ومع ذلك لا تزال الشركة تعمل في بغداد ولم تعلق أعمالها!.
وبعد نحو عام من التحقيقات العابرة للحدود التي كشفت ارتكابات شركة “إريكسون” الفادحة في العراق، اعترفت عملاقة الاتصالات السويدية بأنّها خرقت اتفاقيّة الملاحقة القضائية المؤجلة مع وزارة العدل الأميركية من خلال حجب المعلومات حول ارتكاباتها الخارجة عن القانون في عملها في العراق ووافقت على دفع 206 ملايين دولار أميركي. ولكن أين حقّ العراق من هذا الاعتراف؟
جاءت هذه العقوبة بعد ما كشفه مشروع “وثائق إريكسون” المبني على تحقيق الشركة الداخلي السرّي، حول عملها في العراق، التي حصل عليها “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”ICIJ وشاركها مع أكثر من 110 صحافيين من 30 مؤسسة صحافيّة في 22 دولة حول العالم، أنّ الشركة الأوروبيّة متورّطة في ممارسات غير قانونيّة في العراق، منها تقديم الرشاوى، والتهرب الضريبي وانتهاك مدونة أخلاقيات العمل CoBE، إضافة إلى دفعات “محتملة” لأعضاء من تنظيم “داعش”.
وكشفت وثائق محكمة أميركية أن شركة إريكسون احتفظت بسجلات حول مخططات رشوة محتملة في خزائن الطابق السفلي بينما حجب محامو الشركة التفاصيل الأساسية من تقرير يزعم أن الشركة السويدية قد تكون دفعت أموالاً الى إرهابيين في العراق.
“نعتقد أن هذا الحكم هو على الأرجح مجرد بداية لعملية مساءلة طويلة لشركة إريكسون. ستشمل هذه العملية دعاوى مدنية ضدها يرفعها ضحايا داعش (والجماعات الأخرى) الأميركيون، إضافة إلى اتهامات جنائية صارمة ضد إريكسون وجّهتها وزارة العدل الأميركية، بسبب سلوكيّات إريكسون الفاضحة في العراق”، بحسب ما قال المحامي الأميركي ريان سباراسينو، وهو شريك إداري في مكتب Sparacino للمحاماة، الذي رفع دعوى الضحايا الأميركيين ضدّ “إريكسون”.
وأكّد سباراسينو، أنّ “الدعوى القضائية التي رفعها المدعون ضد شركة إريكسون بموجب قانون مكافحة الإرهاب المدني لا تزال جارية. ونعتقد أن إقرار إريكسون بالذنب، والاعترافات ذات الصلة بسلوكها في العراق، تدعم بقوة الدعاوى الجنائية والمدنية المحتملة ضد إريكسون بموجب قانون الولايات المتحدة”.
*إحالة إلى النزاهة
من جهتها، تؤكد وزارة العدل العراقية:
“تمت إحالة القضية إلى هيئة النزاهة لاتخاذ اللازم بخصوصها وفق صلاحيات وزارة العدل والهيئة المذكورة. وبعد إنجاز الهيئة تحقيقاتها وفق القانون وثبوت ارتكاب الشركة للجرائم المنسوبة إليها في العراق، فبإمكان الدائرة القانونية في وزارة العدل السير لإقامة الدعوى في السويد والمطالبة بالتعويض وفق القانون”.
*تعويض العراق
لا شكّ في أنّ هذه العقوبة هي خطوة في مسيرة محاسبة الشركة وهي تُعتبر انتصاراً على الفساد، إذ إنّ الشركة اعترفت بأخطائها، لا بل أيضاً غُرّمت، إلا أنّ هذه الغرامة قد تكون أقل من قيمة ارتكابات الشركة لأسباب كثيرة. فبدايةً، الغرامة هي لخرق الاتفاقيّة مع وزارة العدل الأميركية، التي يجب بموجبها أن تبلّغ الشركة وزارة العدل بمخالفاتها، بهدف تحسين أساليب عملها والتزامها بالمعايير والقواعد القانونيّة والأخلاقية، إذاً الغرامة هي بسبب مخالفة الاتفاقيّة وليست تعويضاً عن ارتكابات الشركة في العراق. “هذه المخالفة وهذه الغرامة، ليست نتيجة اعترافها بخطأها تجاه الشعب العراقي، إنّما هي اعتراف أمام الولايات المتحدة نتيجة لعدم التصريح عن أعمالها”، لذلك على الشركة أن تعوّض العراق عن كل الأضرار التي تسببت بها، بحسب المحامي والصحافي العراقي دلوفان برواري.
ثانيًا، إنّ قيمة الغرامة محدودة مقارنةً بحجم الشركة وحجم أرباحها، وبالتالي ليست برادعٍ كافٍ لمنع الشركة من ارتكاب هذه المخالفات من جديد. فبلغ إجمالي صافي مبيعات “إريكسون” بين 2011-2018 نحو 1.9 مليار دولار أميركي في العراق.
ثالثًا، إنّ ارتكابات الشركة في العراق لم تقتصر على تهرّب ضريبي/ أو رشاوى وفساد، بل تعدّت ذلك بكثير لدرجة الدفع لأعضاء من تنظيم “داعش” والمخاطرة بحياة الكثير من العمّال العراقيّين ومن أبرزهم موظّف شركة مقاولة كان يعمل مع “إريكسون”، “أوربيتال”، واسمه أكرم عفّان كان قد خطفه التنظيم. فـ”وثائق إريكسون” كشفت عن عمليّة اختطاف أحد عاملي فريق “أوربيتال”، وهي شركة مقاولة تعمل مع “إريكسون”، في سياق مشروع الأخيرة مع “آسياسيل”، مشروع “بيروزا” (أي مبارك باللغة الكرديّة).
ووفقاً لعفّان، ضغطت شركة “إريكسون” على “أوربيتال” لمواصلة العمل بعدما هدّدتها بإيقاف العمل معها، فكانت المعادلة: إمّا المخاطرة بحياة الموظفين أو خسارة العقد مع الشركة الدوليّة. وطبعاً رضخت الشركة المحليّة للضغوط، واضطرّت إلى متابعة العمل، وذلك عقب رفض الإيقاف الفوري للعمل أو ما يُعرف بالـforce majeure، علماً أنّ توم نيجرين، نائب الرئيس والمستشار العام لشركة إريكسون، كان قد طالب بوقف العمل، وفقاً للوثائق الداخليّة، إلا أنّ القيّمين على العمل في الشرق الأوسط عندها، على رأسهم الماليزيّة رافية إبراهيم والأردني طارق سعدي، أصرّوا على المتابعة، مهما كانت المخاطر، والتي اتّضح لاحقاً أنّها كانت كثيرة جدّاً وهددت أرواح كثيرين.
*ماذا عن الشركات العراقية؟
قال مهندس اتصالات عراقي الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، إنّ شركة زين سحبت 50 في المئة من شغلها من إريكسون، أمّا شركة كورك اتفقت مع هواوي لتبديل أجهزتها في المنطقة الشمالية من إريكسون إلى هواوي، على أن تنقل الأجهزة القديمة التابعة لإيركسون إلى الجنوب، نظرًا لعلاقة كردستان القوية مع الولايات المتحدة الأميركية. كما علم المهندس أنّ إريكسون طلبت من موظّفيها في العراق عدم استخدام logo الشركة في تواصلاتهم الالكترونية.
*ما كشفته التحقيقات
تورّط الشركة الأوروبيّة في سلوكيّات غير قانونيّة في العراق كتقديم رشاوى، التهرّب الضريبي وانتهاكات مدونة أخلاقيات العمل CoBE، إضافة إلى دفعات مالية “محتملة” لأعضاء من تنظيم الدولة الإسلاميّة “داعش”.
عمليّة اختطاف "داعش" لرجل يدعى عفّان، وهو أحد العاملين في فريق “أوربيتال”، وهي شركة مقاولة عراقية تعمل مع “إريكسون”، في سياق مشروع الأخيرة مع “آسياسيل”، مشروع “بيروزا”.
دفع “إريكسون” عمولات بشكل غير قانوني لاتخاذ الطريق السريع لشركة النقل Cargo Iraq لنقل المعدات بشكل أسرع عبر المناطق العراقيّة بين عامي 2016 و2017، بهدف التحايل على الضريبة الجمركيّة الرسميّة.
وأرسل الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين ICIJ أسئلة لشركة “إريكسون”، وأتى هذا الردّ:
“قامت شركة إريكسون بإجراء تغييرات مهمة منذ عام 2017 حتى عام 2022، وكان القرار بمثابة تذكير صارخ بسوء نهج العمل الذي اعتمدته الشركة في الماضي والذي أدى إلى اتفاقيّة المقاضاة المؤجّلةDPA لقد تعلمت الشركة من ذلك وهي في رحلة مهمة لتحويل ثقافتها. تلتزم إريكسون بهذا التحول وتواصل تنفيذ ضوابط صارمة وتحسين الحوكمة والأخلاقيات والامتثال في الشركة، مع التحسينات المقابلة لإدارة المخاطر”.
يقول المحامي والصحافي العراقي دلوفان برواري الذي كان مشاركاً في مشروع “وثائق إريكسون”، “إذا كانت المخالفة قائمة على أساس تهرّب إريكسون من دفع الجمارك وتمرير المواد من مناطق تحت سيطرة داعش، فهذا السبب الأوّل الذي يحتّم على العراق المطالبة بالتعويض عن هذه المبالغ التي تهرّبت من دفعها إريكسون. ومن جهة ثانية، إذا كانت إريكسون قد دفعت هذه الأموال لداعش، فبالتالي هذه الأموال قد تكون استُخدمت في القتل والسيطرة على المناطق العراقيّة، فبالتأكيد لهم الحق في المطالبة بتعويض ولكن من شركة إريكسون وليس من مبلغ الغرامة”، خصوصاً أنّ الأموال التي دُفعت لـ”داعش” استُخدمت ضدّ الشعب العراقي، وقد تكون استُخدمت في قتل الناس، وشراء أسلحة، والسيطرة على الأراضي وغير ذلك.
*بغداد لم تعلّق عملها
ومع ذلك، تستمر إريكسون في العمل داخل العراق، رغم كيل الاتهامات بحقها واعترافها بما اتُهمت به.
وفي الشهر الماضي، أُشيعت أنباء عن تعليق عمل هذه الشركة السويدية على خلفية حرق القرآن الكريم في السويد، لكن الأمر لم يثبت صحته.
وقال مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون الخارجية، فرهاد علاء الدين، إن تصريح عمل شركة الاتصالات السويدية "إريكسون" لم يُعلق، مضيفا أن الحكومة العراقية ستحترم جميع الاتفاقات التعاقدية التي أبرمتها.
*سبقتها لافارج الفرنسية
لم تكن الشركة السويدية ”إريكسون” الوحيدة من الشركات الأوروبية التي ثبت دعمها وتمويلها لجماعات إرهابية في العراق أو الشام، بل سبقتها شركة لافارج الفرنسية التي أقرّت في وقت سابق بدعمها لتنظيم داعش الإرهابي وكذلك جبهة النصرة في سوريا.
نشأت التهم عن مخطط لدفع مبالغ مالية لداعش وجبهة النصرة مقابل الإذن بتشغيل مصنع إسمنت في سوريا من آب/ أغسطس 2013 إلى تشرين الأول/ أكتوبر 2014، مما مكّن شركة لافارج سوريا للإسمنت من الحصول على ما يقرب من 70.30 مليون دولار من العائدات.
قام مديرو شركة لافارج وشركة لافارج سوريا للإسمنت عن قصد بصياغة اتفاقياتهم مع داعش لتعويض المنظمة الإرهابية بناءً على كمية الإسمنت التي تتمكن شركة لافارج سوريا للإسمنت من بيعها – مما يُعدّ بالفعل اتفاقية لتقاسم الإيرادات - لتحفيز المجموعة الإرهابية على التصرف بما يخدم المصلحة الاقتصادية لشركة لافارج سوريا للإسمنت.