اجتماع كردستان بين الفضيحة والتفكك.. مشهد سياسي هزيل يعرّي الأزمة… مقاعد فارغة وأحزاب مقاطعة تُسقط خطاب أربيل

انفوبلس/..
تحت غيوم الأزمة المتلبدة في سماء العلاقة بين بغداد وأربيل، يتصاعد دخان الخلافات المالية والسياسية، فتغدو رواتب الموظفين في إقليم كردستان وقوداً لصراع لا ينتهي.
الأرقام تتطاير كالشظايا: بغداد تتحدث عن تجاوز الإقليم حصته من الموازنة بمبالغ طائلة، بينما أربيل تلوّح بدفاتر الحسابات التي تكشف عن ديون ضخمة متراكمة على بغداد.
بين سطور البيانات، تكتب الوزارات العراقية والأحزاب الكردية بلغة الأرقام، لكن خلف تلك الأرقام وجوه متعبة، وأطفال ينتظرون، وموظفون يقفون في طوابير الانتظار الطويلة.
في هذا المشهد المتوتر، يخرج السياسيون بتصريحات نارية، وبيانات تتحدث عن حقوق مسلوبة، وسياسات تجويع، وصراعات لا تهدأ.
يوم أمس، فشل اجتماع دعا إليه زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، في مصيف صلاح الدين، بشأن أزمة رواتب موظفي إقليم كردستان، وسط انقسامات حادة بين القوى الكردية الرئيسية.
*مصادر تؤكد
وقالت مصادر، إن “الاجتماع الذي دعا اليه مسعود بارزاني والذي كان الهدف منه توحيد الموقف الكردي تجاه الحكومة الاتحادية في بغداد، بشأن أزمة رواتب الموظفين الأخير، لم يتخذ مسار النجاح”.
وأضافت، إنه “رغم حضور ثمانية أحزاب كردية للاجتماع، إلا أن هذه القوى مجتمعة لا تملك سوى 8 مقاعد (مقعد واحد لكل حزب) من أصل 100 في برلمان الإقليم، ما أضعف من ثقل الاجتماع ومخرجاته”.
وأشارت الى أن “أبرز المقاطعين كانت حركة (الجيل الجديد) التي باتت تمثل قوة معارضة متنامية في كردستان”.
من جهتها، أكدت رئيس كتلة الجيل الجديد في البرلمان العراقي، سروة عبد الواحد، في منشور عبر منصة "إكس"، أن "الاجتماع الذي دعا إليه البارزاني شارك فيه الحزبان الحليفان الاتحاد والديمقراطي، وثمانية أحزاب أخرى عدد مقاعدهم من أصل 100 مقعد في برلمان الإقليم كرسي ونصف فقط، وهذا يعني إفلاساً واضحاً للحزبين، لأنهم لا يستطيعون أن يجمعوا الأحزاب الكردية".
*بيان تصعيدي… ومواقف متباينة
في ختام الاجتماع، أصدرت الأحزاب المشاركة بيانًا هاجمت فيه قرار وزارة المالية العراقية بإيقاف صرف الرواتب في إقليم كردستان، واعتبرته “غير دستوري وغير قانوني”، متهمة الحكومة الاتحادية باتّباع “سياسة الضغط والإجبار” ضد الإقليم.
*دعوة للحوار… وتهديد ضمني
رغم النبرة التصعيدية، لم يُغلق البيان باب التفاوض، حيث أكدت الأطراف الكردية أن “الحوار والتفاوض هو الطريق الأفضل للحل”، لكنها لم تستبعد “جميع الخيارات المفتوحة من أجل المصالح العليا لإقليم كردستان”، في ما يمكن اعتباره تلميحًا ضمنيًا لاحتمالات أخرى قد تتجاوز الأطر الدستورية.
*غياب التوافق وتعمق الأزمة
غياب القوى الرئيسية عن الاجتماع، يعكس حجم التباين في الرؤى بين الأحزاب الكردية حول إدارة العلاقة مع بغداد، ويُضعف الموقف التفاوضي الكردي في وقت حساس، خاصة مع استمرار الحكومة الاتحادية في ربط صرف الرواتب بمحددات قانونية وإدارية تتعلق بإيرادات الإقليم.
في ظل استمرار الخلافات السياسية والمالية بين أربيل وبغداد، وتزايد الانقسام داخل البيت الكردي نفسه، تبدو فرص الوصول إلى اتفاق مستدام أكثر صعوبة. وفي الوقت الذي يتضرر فيه المواطن الكردي بشكل مباشر من هذا الصراع، تبقى لغة الحوار الحقيقي الغائب الأكبر عن المشهد.
*أربيل تمارس “التجويع” بحق الكرد.. وعلى بغداد التحرك
من جهتها، هاجمت عضو تيار الموقف الوطني المعارض، نور فريق، سياسات حكومة إقليم كردستان، مؤكدةً أنها تنتهج سياسة “تجويع” الشعب الكردي تحت ذريعة الاستقلال الاقتصادي.
وأشارت فريق، خلال حديثها لبرنامج متلفر، إلى أن “حزب البارزاني متفرد بالرأي، ولا يلجأ إلى الأحزاب الأخرى إلا عندما يقع في الأزمات”، موضحة أن الاجتماع الأخير الذي دعا إليه الحزب الديمقراطي الكردستاني لم يشهد مشاركة الأحزاب الكردية الأخرى.
ووصفت فريق، مشروع “حسابي” الذي تروّج له حكومة الإقليم بأنه “مشروع عشائري يهدف إلى السيطرة على رواتب موظفي كردستان”، محذرة من أن الموظف الكردي أصبح يُهدَّد بقطع راتبه ما لم يشارك في المشروع.
وأضافت، أن بغداد قادرة على اتخاذ خطوات حاسمة لـ”تركيع” حكومة كردستان، مقترحة قطع رواتب رئيس الجمهورية ورؤساء سلطات كردستان ردًا على سياسات أربيل.
وختمت فريق، بالقول: “أربيل تتحمل المسؤولية الكاملة عن معاناة المواطنين الأكراد بسبب سياسات خاطئة، ولا بد من وضع حد لهذه الممارسات التي تمس قوت الشعب”.
*ملف شائك
ومنذ سنوات، لم يُحل ملف الرواتب في إقليم كردستان، وبقي معلقاً بين شد وجذب مع الحكومة الاتحادية، وفي كل عام يتجدد هذا الجدل مع إقرار الموازنة الاتحادية، التي تضع شروطاً على الإقليم، مقابل تسلمه حصته منها، وأبرزها تسليمه واردات النفط. لكن منذ عامين، بعد توقف تصدير الإقليم للنفط عبر ميناء جيهان التركي، حولت الحكومة الاتحادية رواتب الموظفين إلى “سلف” تُقدَّم للإقليم.
وكان عضو اللجنة المالية السابق، أحمد الحاج رشيد، أكد في 20 كانون الثاني يناير الماضي، أنه لا يوجد أمل لحل أزمة رواتب كردستان بشكل جذري، متوقعاً تكرارها كل شهر لعدم التزام حكومة الإقليم، بتسليم 50% من الإيرادات الداخلية.
وعاش الموظفون في الإقليم، أزمات متوالية طيلة السنوات الماضية، أدت إلى شلل تام في الأسواق، نتيجة تأخر صرف الرواتب، وتطبيق نظام الادخار الإجباري الذي مارسته حكومة إقليم كردستان لسنوات عدة، بعد اعتماد رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي سياسة “التقشف”، بالإضافة إلى الخلافات المالية بين بغداد وأربيل، مما أدى إلى أزمة خانقة وكبيرة.
*وفد كردي في بغداد الأسبوع المقبل
ويعتزم وفد من إقليم كردستان، زيارة العاصمة بغداد خلال الأسبوع المقبل، للتفاهم حول كيفية حساب بغداد تلك الأموال، وإيجاد صيغة حل لما يجري.
وقال مصدر مطلع، إن “وفداً من إقليم كردستان يعتزم زيارة العاصمة بغداد، الأسبوع المقبل، لعقد اجتماع مشترك بين وزارة المالية الاتحادية وبحضور رئيس الوزراء محمد شياع السوداني”.
وأضاف، إن “الاجتماع سيبحث كيفية حساب وزارة المالية حصة الإقليم في الموازنة، ووضع حد لملف الرواتب الذي بات يؤجج الأوضاع في كردستان”.