استعراض انتخابي بحجة غزة.. الصدر يؤجل تظاهرة أنصاره وتحليلات تفيد باستعداده للانتخابات رغم إعلانه المقاطعة

انفوبلس..
أعلن زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر تأجيل تظاهرات أنصاره التي دعا إليها الأيام الماضي والتي تحمل عنوان "نصرة غزة" لكنها تحمل في طياتها خطوة يتخذها الصدر قبل كل انتخابات ليرى من خلالها ويُري خصومه حجم جماهيره ومدى استعدادهم للمشاركة في الانتخابات، على الرغم من إعلانه مقاطعتها لأنها "عرجاء" وفق وصفه، فهل سيشارك الصدر في الانتخابات؟ وما علاقة ترامب بتذبذب موقفه السياسي؟
تعداد انتخابي
الباحث في الشأن السياسي حسين الأسعد رأى أن تظاهرة أنصار زعيم التيار الصدري بمثابة "تعداد انتخابي"، وقال إن "أنصار زعيم التيار الوطني الشيعي، مقتدى الصدر، لم يحسموا بشكل قاطع أمر عدم مشاركة تيارهم في انتخابات البرلمان المقبلة، فربما تكون هناك مشاركة فاعلة لأنصاره، خاصة مع تكرار دعوة الصدر لتحديث بطاقات الناخب خلال الفترة القليلة الماضية".
وبيّن، إن "خروج التيار الوطني الشيعي في تظاهرة شعبية سلمية يوم الجمعة المقبل، يُعدّ تعداداً انتخابياً لجمهور هذا التيار ولبيان حجم القاعدة الشعبية الصدرية، التي يمكن لها أن تغير المعادلة السياسية في حال مشاركتها في العملية الانتخابية، كذلك فإن غياب هذه القاعدة عن الانتخابات سيكون سبباً رئيسياً في تراجع نسبة المشاركة، ولهذا تُعدّ التظاهرة نوعاً من التعداد الانتخابي للقاعدة الصدرية".
تقرير إماراتي
استعرضت دراسة تحليلية موسعة نشرها مركز الإمارات للسياسات، المراحل التي مرت بها قرارات زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر خلال الشهور الأخيرة، والسيناريوهات التي يمكن أن تحدد شكل دخوله أو مقاطعته للانتخابات النيابية المقررة الخريف المقبل ولكن المثيرة للجدل سواء لموعدها أو قانونها أو المتغيرات الكبيرة التي يشهدها الحوار النادر بين واشنطن وطهران، وهي معطيات ستلقي بظلالها على قرار التيار الصدري بنحو غير مسبوق حسب التقرير.
وجاء في تقرير المركز، إنه "يمكن الحديث عن سيناريوهين محتملين لمستقبل انسحاب التيار الصدري ومقاطعته العملية السياسية في العراق:
السيناريو الأول: استمرار المقاطعة وانتظار متغيرات سياسية كبيرة، من ضمنها تفجُّر الوضع العراقي الداخلي. هذا الخيار مطروح حتى الآن في ضوء المعطيات بوصفه موقفاً استراتيجياً يقوم على أساس انتظار متغيرات المرحلة المقبلة في ضوء التصدعات الداخلية، واحتمالات التدخل الخارجي، بما يتيح للتيار الصدري أن يكون طرفاً في ترتيبات المرحلة المقبلة. إن اعتماد الصدر لهذا المسار يُحيل إلى توقعات بأزمة سياسية كبيرة تنتظر العراق قد تترافق مع مقاطعة غير مسبوقة للانتخابات المقبلة أو تنصُّل من إجراء الانتخابات نفسها، وسط اضطرابات اجتماعية وأمنية.
في المقابل يُقلِّل بعض المراقبين من تبعات قرار الصدر، مُشيرين إلى تجربة مقاطعته انتخابات مجالس المحافظات عام 2023، وعدم تأثير تلك المقاطعة على الوضع السياسي والأمني العام، ولا على إجراء الانتخابات.
السيناريو الثاني: عودة الصدر عن المقاطعة بعد الحصول على ضمانات سياسية داخلية وخارجية. مع أن مثل هذا الخيار مُستبعَد حالياً، إلا أنَّه ممكن في ضوء تجربة انسحاب الصدر من انتخابات عام 2021، ثم عودته للمشاركة فيها بعد توقيع زعماء الكتل السياسية على وثيقة التزامات باسم “الوثيقة الوطنية”، والتي أُهمِلَت بعد الانتخابات.
لكن في حال شعرت القوى السياسية المختلفة، وخصوصاً الشيعية، أن مقاطعة الصدر قد يَترتَّب عليها تداعيات أمنية وسياسية فادحة، فإنهم قد يُقدِمون على إجراء إصلاحات، سواء على مستوى قانون الانتخابات أو تعديل سياق فتوى الكتلة الأكبر".
خلاصة واستنتاجات التقرير
يأتي إعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر انسحابه من المشاركة في الانتخابات ودعوته أنصاره إلى مقاطعتها في ظرف سياسي حسَّاس يمر به العراق على خلفية تداعيات الأوضاع الإقليمية، والتهديدات الأمريكية والصهيونية، سواء ضد إيران أو ضد الفصائل العراقية الحليفة لها. ولا يُمكِن عزل موقف الصدر عن التطورات الأخيرة على رغم وجود اعتبارات داخلية ساهمت في تنضيج قراره، أبرزها رفض قوى البرلمان العراقي التي حصلت على حضورها السياسي بعد انسحاب الصدر من البرلمان إقرار قانون الانتخابات الذي يعدُّهُ الصدريون أكثر عدالةً من سواه، وفازوا من طريقه في انتخابات 2021.
ولن يمضي إعلان الصدر الأخير من دون جدل سياسي، ومن دون تداعيات قد يقود بعضها إلى انسحابات ومقاطعات مُشابهة تضع القوى الحاكمة الحالية في موقف أكثر حرجاً، على رغم استبعاد هذا الخيار حالياً. وسوف تترتب على قرار الصدر تداعيات ونتائج مباشرة وأخرى تعكسها الانتخابات التي سوف تصبُّ إذا استمر الوضع الحالي في صالح حِفَاظ قوى "الإطار التنسيقي" على حضورها السياسي الحالي.
طلب تأجيل
وقبل أيام، كشف مصدر سياسي عراقي أن زعيم التيار الصدري أوصل رسالة إلى القوى السياسية مفادها أن مشاركته في الانتخابات المقبلة مشروطة بتأجيلها إلى العام 2026.
وذكر المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن هذه الرسائل جاءت في ظل قرب المفاوضات الإقليمية بين طهران وواشنطن، حيث يعتقد الصدر أن نتائج هذه التفاهمات ستعيد رسم الخريطة السياسية في العراق، وأن من المبكر اتخاذ موقف نهائي من المشاركة أو المقاطعة دون معرفة شكل المرحلة المقبلة.
ورأى المصدر أن "التيار الصدري يفضّل الانتظار لحين اتضاح ملامح التوازنات الجديدة، ويخشى الدخول في استحقاق انتخابي سريع قد يُقصيه سياسياً أو يجبره على الدخول ضمن تسويات لا تتماشى مع رؤيته للمرحلة"، لافتاً إلى أن "خيار التأجيل بالنسبة للصدر ليس مناورة، بل هو شرط أساس لفتح باب العودة".
المقاطعة
في أواخر آذار الماضي، أعلن زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، عدم مشاركة تياره في الانتخابات البرلمانية المقبلة في العراق، ناهيا أنصاره عن الترشح والتصويت في العملية الانتخابية.
وقال الصدر في معرض رده على سؤال أحد أتباعه حول المشاركة بالانتخابات النيابية العراقية المقبلة، "ليكن في علم الجميع، ما دام الفساد موجودا فلن أشارك في أي عملية انتخابية عرجاء، لا هم لها إلا المصالح الطائفية والحزبية بعيدة كل البعد عن معاناة الشعب."
ووفق الوثيقة التي حملت توقيع وختم الصدر ونشرتها صفحة "صالح محمد العراقي" المعروف بـ"وزير القائد" على موقع (X)، أشار الصدر الى أن ما يدور في المنطقة من كوارث كان سببها الرئيس، هو "زج العراق وشعبه في محارق لا ناقة له بها ولا جمل."
وأكد الصدر في بيانه أنه ما زال يعول على طاعة قواعده الشعبية ومحبيه من الصدريين في التيار الوطني الشيعي في الاستجابة له وعدم المشاركة والترشيح في الانتخابات.
وتابع، "أي فائدة ترجى من مشاركة الفاسدين والتبعيين والعراق يعيش أنفاسه الأخيرة، بعد هيمنة الخارج وقوى الدولة العميقة على كل مفاصله".
انقسام بالموقف
وشهد التيار الصدري انقسامًا داخليًا حول المشاركة في الانتخابات العراقية المقبلة، بعد إعلان الصدر عدم مشاركته في الانتخابات، وفي المقابل، هناك أصوات داخل التيار تدعو إلى المشاركة، وتعتبر أن التيار الصدري يمتلك قاعدة شعبية كبيرة، وأن غيابه سيؤدي إلى اختلال ميزان القوى داخل البرلمان.
وأثار قرار الصدر بعدم المشاركة في الانتخابات ردود فعل متباينة، حيث اعتبره البعض خطوة شجاعة في مواجهة الفساد، بينما رأى آخرون أنه جاء خشية من تداعيات مواقف ترامب تجاه العراق وايران.
تحركات القوى السياسية
وفيما يخص تداعيات المقاطعة، فقد تعطي دعوة الصدر أنصاره إلى عدم المشاركة في الانتخابات المقبلة، "مساحة للكثير من القوى السياسية لمحاولة كسب جزءاً من جمهور التيار، خاصة وأن شكل التحالفات غير واضح لحد الآن"، وفق المتحدث باسم حركة "نازل آخذ حقي الديمقراطية"، خالد وليد.
ويشرح وليد، أن "الوضع الحالي ضبابي، فيما لا تزال قوى الإطار التنسيقي تخوض نقاشات مستمرة لكيفية خوض الانتخابات، بين قوائم انتخابية منفردة أو تحالفات، وسط أحاديث عن نية ذهاب رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، إلى ائتلاف انتخابي موسع".
ويضيف، أن "الحال ليس أفضل عند القوى المدنية، فهي لا تزال مشتتة وغير واضحة المعالم، وهي تفتقد للكثير من مقومات النجاح، ويُقصد بالمقومات ليست السياسية أو على مستوى القيادات أو الموارد البشرية، وإنما بالماكنات الانتخابية، والدعم المالي، وتوفير غطاء سياسي مشترك ما بين الجميع، فكل هذه التفاصيل تضعف من حظوظ القوى إن دخلت في تحالف مدني بعيداً عن بعض القوى الأخرى".
ويكشف وليد، عن وجود "نقاشات واجتماعات تجري بين عدد من القوى المدنية والمحسوبة على (تشرين) والمحسوبة على الصف الثاني والثالث من بعض القوى التقليدية التي هي مقبولة نوعاً ما من قِبل الشارع وتمتلك جذراً اجتماعياً في عدد من المحافظات، والبعض من هذه القوى أعضاء في مجالس المحافظات ومحافظين حاليين وسابقين".
ويشير إلى أن "تلك القوى مع القوى المدنية، من الممكن أن تمثل بداية ملامح تشكيل الحكومة المقبلة، بأن تكون خليطاً ما بين هذه القوى المتطلعة إلى التغيير والقوى الأخرى التي لم تُوفق مع القوى التقليدية في تحقيق الاستقرار وعملية الانتقال الديمقراطي السليم بعد عام 2003".
وينوّه وليد في ختام حديثه، "لكن الوضع الحالي هو معقد وضبابي ويحتاج إلى قرابة الشهر إلى الشهرين حتى تتضح معالم التحالفات الانتخابية، خصوصاً في ظل استمرار الضغوط الإقليمية والدولية واقتراب فصل الصيف وملف الطاقة والاقتصاد وملفات وأحداث كثيرة قد تؤثر في المرحلة المقبلة".
استراتيجية صدرية
أما عن سرّ المقاطعة، وما تخفي خلفها، فقد أكدت أوساط مقربة من الصدر، أن قرار الأخير هو جزء من استراتيجية الحنانة لقيادة مرحلة ما بعد التغيير مع خط مدني وطني مقبول، بحسب ما نقلته الأوساط.
وأضافت، أن الصدر، مدرك ما ستؤول إليه الأمور بالعراق مع المتغيرات الإقليمية الأخيرة، لاسيما بعد رسالة ترامب إلى إيران.
خشية ترامب
تشير بعض التقارير والتحليلات إلى أن موقف مقتدى الصدر من الانتخابات قد يكون متأثرًا بعوامل خارجية، بما في ذلك السياسة الأمريكية، خاصةً تلك التي يتبناها الرئيس دونالد ترامب.
ومنذ عام 2003، تشكل البيت الشيعي كإطار سياسي يجمع القوى الشيعية الرئيسية في العراق، لكن سرعان ما برزت الانقسامات داخله، نتيجة اختلاف التوجهات بين الأحزاب التقليدية والقوى الجديدة التي تسعى لتقديم نموذج أكثر مدنية في إدارة الدولة.
ومع عودة ترامب للرئاسة، تزايد القلق داخل البيت الشيعي، إذ يرى البعض أن واشنطن قد تتبنى نهجا أكثر عدائية تجاه القوى الشيعية في العراق.
وهنا بالضبط، يتوقف المراقبون للشأن السياسي، حيث أكدوا أن قرار الصدر جاء خشية من هذه التداعيات وهذا التحدي الذي وضع القوى السياسية الشيعية أمام اختبار صعب، إما التكيف مع المتغيرات الدولية أو مواجهة تصعيد قد تكون له تداعيات كبيرة على مستقبلها السياسي، ليختار الصدر الخيار الأول.
ويرى هؤلاء المراقبون، أن السياسة الأمريكية لها تأثير كبير على الوضع السياسي في العراق، حيث إن أي تغيير في السياسة الأمريكية يمكن أن يؤثر على ميزان القوى في العراق، ولهذا يُعتقد أن الصدر كان يراقب عن كثب التطورات في السياسة الأمريكية، وكان يحاول اتخاذ مواقف تحمي مصالحه، فجاء قرار المقاطعة.