الأزمات تلاحق السوداني.. انخفاض المناسيب يهدد مياه الشرب والرَّي وحقن مكامن النفط وتبريد محطات الكهرباء
لا إطلاقات من سدة الموصل حتى الآن
الأزمات تلاحق السوداني.. انخفاض المناسيب يهدد مياه الشرب والرَّي وحقن مكامن النفط وتبريد محطات الكهرباء
انفوبلس/..
تلاحق حكومة محمد شياع السوداني، الكثير من الأزمات المفصلية، بعد تسلمها دفّة الحكم، وأخطرها أزمة المياه التي ضربت "الأخضر واليابس" وجفّفت معظم الأراضي العراقية، وبدأت تداعياتها تهدد مختلف المجالات، وأبرزها النفط.
ويواجه العراق تحدياً أساسياً يتعلق بالانحسار الكبير للمياه في أنهاره الرئيسية، في الغالب نتيجة للإدارة المائية الخاطئة، وسياسات دول الجوار المائية، وبشكل خاص تركيا.
وتزداد هذه المشكلة خطورة مع تأثيرات التغير المناخي، والتي تتفاعل مع النتائج المضرّة للإدارة البشرية المتعسّفة للموارد المائية، وبالنتيجة، فإنّ مشكلة المياه تقود بدورها إلى مشكلات اجتماعية واقتصادية وسياسية، وتتحول إلى مشكلة جيوسياسية، ومصدراً جديداً لعدم الاستقرار والصراعات في العراق والمنطقة.
رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، شدد في وقت سابق، على أن "انخفاض مناسيب مياه نهري دجلة والفرات يستدعي تدخلا دولياً عاجلا، نحتاج فيه الى جهود جميع الأصدقاء لمساعدة العراق في ضمان أمنه المائي ومستقبل أجياله".
جاء ذلك خلال كلمته في النسخة الثالثة من مؤتمر بغداد الدولي للمياه، والذي يحمل شعار "شح المياه، أهوار وادي الرافدين، بيئة شط العرب، مسؤولية الجميع".
وأكد السوداني، "عزم الحكومة العراقية على الإقدام على خطوة تحلية مياه البحر". مشيرا إلى، أن "شح المياه يُعد تهديدا لثقافة وحضارة العراق، وتهديدا لنهري دجلة والفرات، اللذين بُنيت حولهما أهم حضارات العالم"، وفق قوله.
ولفت إلى أن، "من بين المعالجات الأساسية المتخذة لعلاج أزمة شح المياه، ضبط الخطة الزراعية الشتوية، من خلال إدخال الوسائل الحديثة للرّي". مبينا، أن "الخطط الزراعية المقبلة ستقتصر على المزارعين المستخدمين لوسائل الرّي الحديثة".
وأوضح رئيس الوزراء العراقي في كلمته بمؤتمر بغداد الدولي للمياه الثالث، أن "أزمة نقص المياه في العراق بدأت منذ ثمانينيات القرن الماضي، لكن لم تتم مكاشفة المواطنين بسبب العداء في النظام البائد، وورثنا المشكلات المائية من النظام السابق، واستمر عدم الإدراك الإداري حتى وصلنا إلى هذه المرحلة".
يشار إلى أن الحكومة العراقية، أعلنت في شهر مارس/ آذار الماضي، نقل ملف المياه من الجانب الفني إلى الحوار الدبلوماسي المباشر كملف سيادي وعلى أعلى المستويات.
وذكر البيان، أن الحكومة جعلت من ملف المياه ملفاً سيادياً وأعطته الصبغة الدولية من خلال الانضمام للاتفاقيات الدولية الخاصة بالمياه لتعزيز موقف البلاد التفاوضي والإسهام في حل أزمة المياه.
ويهدد نقص كميات المياه نسبة كبيرة من المواطنين الذين يعملون في الأراضي الزراعية، علاوة على إمدادات المياه لباقي القطاعات، وتزايدت الدعوات لجلسات النقاش والتفاوض بين الأطراف المشتركة في تلك الأزمة والمتمثلة بتركيا وإيران وسوريا والعراق.
*تداعيات الأزمة
مشاكل المياه وقلّة الإطلاقات لن تقف عند جفاف الأراضي والأنهر، بل امتدت لما هو أخطر لاسيما أنها بدأت تهدد شريان العراق الاقتصادي وهو النفط.
شركة نفط البصرة، عدّت مشاكل المياه في حقول النفط العملاقة في جنوب العراق التي تديرها شركات النفط العالمية قد تعيق قدرة البلاد على ضخ المزيد من النفط الخام من المنطقة الرئيسية في ثاني أكبر منتج في أوبك.
وتنتج الحقول الجنوبية التي تديرها شركة النفط البصرة (BOC) وشركات النفط الدولية حوالي 2.95 مليون برميل في اليوم، بانخفاض من 3.3 إلى 3.5 مليون برميل في اليوم قبل قيود الإنتاج التاريخية التي فرضتها أوبك+ في عام 2020 مع بداية الوباء العالمي.
وذكرت منصة S&P Global Platts نقلا عن نائب مدير شركة نفط البصرة أحمد أدهم، أن "كل الحقول قادرة على إنتاج أكثر من المستويات الحالية، لكن المشكلة الكبرى هي الإجراء المتخذ لخفض الإنتاج بسبب قيود أوبك، كما أن هناك مشكلة فيما يتعلق بزيادة الإنتاج بسبب مشاكل حقن المياه حيث تبلغ سعة حقن المياه حاليا 4 ملايين برميل ماء يوميا وهي غير كافية".
وأضاف أدهم، أن شركة نفط البصرة تتخذ عددا من الإجراءات المؤقتة من أجل تعزيز ضخ المياه في حقول النفط بجنوب العراق.
وتشمل الحقول تطوير الرميلة العملاق الذي تديره شركة بريتيش بتروليوم، والزبير الذي تديره إيني، وغرب القرنة 2 الذي تديره شركة لوك أويل، وغرب القرنة 1، حيث تعمل شركة إكسون موبيل حاليًا على الخروج.
ولفت أدهم إلى، أن "هناك إجراءات مؤقتة نتخذها لاستخدام المياه الجوفية للحقن". "هناك بعض المشاريع الصغيرة لدينا لكنها غير كافية للحقن المطلوب بشكل طبيعي".
وأشار أدهم إلى، أن "الحقول الجنوبية تعاني من مشكلتين تتعلقان بالمياه: كمية المياه التي يتم إنتاجها إلى جانب النفط، ونقص المياه اللازمة للحقن لدعم ضغط المكمن في الحقول القديمة نسبيًا".
وتعتمد BOC على صفقة بقيمة 27 مليار دولار مع TotalEnergies ، بما في ذلك مشروع معالجة مياه البحر لمعالجة 5 ملايين برميل ماء يوميًا ، للمساعدة في التخفيف من مشاكل المياه في الحقول الجنوبية.
*مياه الشرب
الحكومة العراقية قلّصت العام الماضي مساحة الأراضي المشمولة بالخطة الزراعية الموسمية إلى النصف، بينما استبعدت محافظات معينة من الخطة بالكامل، وذلك في الوقت الذي كشف فيه مؤشر الإجهاد المائي الدولي عن أن العراق مهدد بأن يصبح بلا أنهار بحلول عام 2040 مع جفاف نهري دجلة والفرات.
وبينما يحذر متخصصون من أن تنسحب الأزمة على مياه الشرب، وسط وجود حالات نزوح باتجاه مصادر المياه من بعض المناطق التي تعاني من الجفاف، بالإضافة إلى نفوق بعض الحيوانات من الماشية.
ويعود سبب انحسار مياه دجلة والفرات إلى، "سياسات دول المنبع" التي قامت ببناء العديد من مشاريع السدود والاستصلاح الكبرى، دون التنسيق مع العراق الذي يعد دولة مصب، وذلك ما أثر على استحقاقاته التاريخية في النهرين اللذَين تراجعت الإيرادات الواصلة لهما إلى أقل من 30% من معدلاتها الطبيعية، حيث عانى العراق فضلا عن ذلك في السنوات الثلاث الماضية من جفاف قاسٍ أدى إلى استنزاف الجزء الأكبر من المخزون المائي.
في غضون ذلك، يسعى العراق للتوصل إلى اتفاق مع تركيا لرفع الإطلاقات المائية بواقع 400 متر مكعب في الثانية من نهر دجلة، و500 متر مكعب في الثانية من نهر الفرات.
وخلال أقل من 4 سنوات وتحديدا منذ عام 2019 فقد العراق -الذي بات في المرتبة الخامسة على مؤشر الجفاف العالمي- نحو 53 مليار متر مكعب من مخزونه المائي، وفق بيانات وزارة الموارد المائية.
*حقن مكامن النفط
أثارت تقارير صحفية نشرت مؤخراً، تساؤلات حول ما إذا كانت الجهات المسؤولة في وزارات النفط والبيئة والزراعة العراقية مهتمة بالجوانب البيئية، التي يفترض أن تؤخذ بنظر الاعتبار عند إبرام العقود مع شركات النفط.
ونشرت صحيفة الغارديان البريطانية مؤخراً تقريراً صادماً عن طريقة استخدام هذه الشركات للمياه العذبة في عمليات استخراج النفط، لتحرم المواطن العراقي والزراعة في البلد من كميات كبيرة الماء، وتعرض البيئة لمخاطر جمة، وتساهم بانتشار الامراض نتيجة هذا السلوك الخطر، ولتؤكد أن هذه الوزارات بعيدة كل البعد عن استيعاب حجم تلك المخاطر.
وجاء في التقرير إن الشركات تحقن ما يصل إلى 3 براميل من مياه الشرب في باطن الأرض لاستخراج برميل واحد من النفط، مما يؤدي إلى انخفاض مناسيب المياه مع ارتفاع الكميات المستخرجة، في بلد يعاني أصلاً من نقص شديد في المياه.
وبحسب الصحيفة، فإن تحليلاً لصور الأقمار الصناعية أظهر بناء شركة “إيني” الإيطالية سداً على قناة البصرة، لتحويل المياه إلى محطات معالجة تابعة لها، وإن شركات أُخرى مثل “بي بي” و”إيكسون موبيل” تستخدم ما يصل إلى 25% من استهلاك مياه الشرب اليومي لنفس الغرض.
وبعكس ما يحدث في الدول النفطية الأُخرى، لا تقوم الشركات في العراق بما يتوجب عليها لحماية البيئة والإنسان، فتحقيق الأرباح العالية يبقى الهدف الأول لها.
ورغم إنفاق هذه الكمية من المياه على الري، تبقى حصة المُزارع منها قليلة، حيث يفرض عليه استخدام نسبة محددة، في وقت تستنزف شركات النفط كميات هائلة منه.
وتستخدم دول الخليج العربي مياه البحر بدلاً من المياه العذبة في عمليات الحقن لاستخراج النفط. وتثار من حين لآخر قضية نقل مياه البحر لاستخدامها لهذا الغرض في العراق، لكن وزارة النفط ترى أنها عملية مكلفة، أما الشركات المشغّلة فتعتبر أن الحكومة العراقية هي المسؤولة عن توفير المياه.
ومن المفترض أن يشجع ارتفاع إنتاج النفط وزيادة الواردات، الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بحماية البيئة والإنسان، لكن ما يحصل أن المياه تنضب مع زيادة الإنتاج، والأمراض تنتشر، أما عدد الفقراء في العراق فقد ارتفع ليتجاوز 12 مليون فقير.
شركات النفط الأجنبية متعاقدة مع شركات كبرى للمحاماة، ويحتاج العراق إلى فريق قانوني قادر على استحصال حقوق البلاد والمواطنين المتضررين من هذه النشاطات، إذا فكر بالفعل بمقاضاتها.
*سد الموصل
يتناقص منسوب المياه في سد الموصل يوماً بعد يوم، مما أثر سلباً على سكان القرى في المنطقة، فيما أكد مدير ناحية زومار ان المنطقة تواجه خطر الجفاف والتصحر بسبب انخفاض منسوب المياه في السد.
ويُعد سد الموصل في محافظة نينوى من أكبر السدود في البلاد، ويوفر مياهاً للري وتوليد الطاقة الكهرومائية لتوفير الكهرباء لما يقارب من مليوني شخص.
ويتدهور وضع القرويين في منطقة غرب نهر دجلة بسبب نقص المياه، ويخشى سكان القرى من أن تنقطع عنهم المياه بالكامل في المستقبل بسبب انخفاض منسوب المياه في السد.
وما إن انحسرت المياه حتى ظهرت الآثار على الضفاف القديمة لنهر دجلة، وأطلق علماء الآثار عملية إخلاء طارئة لإنقاذها، حيث تم اكتشاف قصر ضخم يعود للحضارة الميتانية، وكذلك رسومات جدرانية موشحة بألوان حمراء وزرقاء.