الأضعف على الإطلاق.. برلمان الدورة الحالية يخفق بعقد 87% من جلساته المفروضة دستورياً.. 132 جلسة من أصل 1,024

انفوبلس..
بينما يشارف الفصل التشريعي الأخير على الانطلاق، تتفاقم الأزمة داخل مجلس النواب العراقي بفعل الجمود التشريعي وتعطيل المساءلة، ما يعكس خللاً عميقاً في البنية السياسية. غياب التوافق بين القوى المتصارعة وانشغال الرئاسة بالمناكفات الحزبية يهددان بترحيل ملفات حساسة، ويكرّسان أزمة فقدان الثقة بالمنظومة البرلمانية.
ومع قرب بدء الفصل التشريعي الأخير من عمر الدورة النيابية الحالي، تسود حالة تخوف من ترحيل عدد من القوانين المهمة إلى الدورة النيابية الجديدة، في ظل اتهام رئاسة البرلمان بتسويف مطالب استجواب عدد من وزراء الحكومة.
وقال النائب عبد الكريم عبطان، إن “هناك أكثر من 100 قانون معطل وضعت على الرفوف في مجلس النواب، ومن أهم هذه القوانين المحكمة الاتحادية، والنفط والغاز، وخدمة العلم، والخدمة الاتحادي“.
وأضاف، أن “مجلس النواب أصابه الشلل نتيجة الخلافات والمشاكل السياسية، وأصبح غير قادر على عقد جلساته”، موضحا أن “أغلب القوانين الموجودة على رفوف اللجان النيابية سترحل إلى الدورة البرلمانية المقبلة، نتيجة الخلافات السياسية وشلل البرلمان”.
ويعاني مجلس النواب من أزمات متكررة تتعلق بتأمين النصاب القانوني لعقد الجلسات، في ظل انقسامات سياسية حادة وتضارب في المواقف بشأن الأولويات التشريعية، كما أن العديد من مشاريع القوانين المرتبطة بملفات حساسة، مثل الحشد الشعبي وإصلاحات وزارة التربية، بقيت معلّقة دون حل.
ومن جهته، حمّل عضو مجلس النواب، زهير الفتلاوي، رئاسة مجلس النواب، مسؤولية تسويف استجوابات الوزراء المقصرين، لا سيما وأن ملفاتهم تم إكمالها.
وقال الفتلاوي، إن “هناك الكثير من الاستجوابات بحق العديد من الوزراء المقصرين، آخرهما وزيري النفط والكهرباء”، مبينا أن “رئاسة البرلمان لم تبت بشأن هؤلاء طيلة الفترة الماضية”.
وأضاف، أن “هناك مماطلة وتسويفا من قبل رئاسة المجلس بشأن الاستجواب”، محملا إياها” المسؤولية الكاملة لما يجري”.
وكانت جهات سياسية، رجحت، مؤخرا، أن الجلسة الاولى للبرلمان من الفصل التشريعي الجديد الذي سيبدأ الأربعاء المقبل لن تشهد إقرار “القوانين الخلافية”، موضحة أن هناك دوافع انتخابية من وراء تأجيل حسم تلك القوانين.
وقال عضو اللجنة القانونية النيابية، دارا حمة أحمد، في 26 حزيران يونيو الماضي، إن “العطلة التشريعية الحالية تنتهي في التاسع من تموز المقبل، على أن يُفتتح الفصل الجديد في اليوم التالي مباشرة”.
وأضاف، أن “جدول أعمال البرلمان يمكن أن يبدأ بمشاريع قوانين غير خلافية، لكن الواقع يشي بأن البرلمان لا يتحرك دون تفاهمات مسبقة بين الكتل السياسية الكبيرة”.
وشهد البرلمان خلال الفصل التشريعي الأول، حالة من تعطيل الجلسات، حيث اكتفى بنحو 9 جلسات فقط، نتيجة لتغيب النواب عن حضور الجلسات، وسط انتقادات للرئاسة بعدم تطبيق النظام الداخلي للمجلس، واتخاذ إجراءات صارمة لضمان سير أعمال الجلسات وعدم تعطيل انعقاد البرلمان.
وحمّل النائب المستقل، هيثم الفهد، في 5 أيار مايو الماضي، الحكومة مسؤولية تعطيل جلسات، مؤكدا أن التعطيل جاء لتفادي إحراجها بشأن بعض القوانين، وتحديدا قانوني تقاعد الحشد الشعبي، وسلم الرواتب.
ومنذ بداية الدورة النيابية في كانون الثاني يناير 2022، عقد مجلس النواب العراقي 132 جلسة فقط، في حين ينص النظام الداخلي على عقد 256 جلسة سنويا، كما حدد النظام الداخلي عقد 8 جلسات شهريا، وفصلا تشريعيا يمتد 4 أشهر، بواقع 32 جلسة في كل فصل.
وواجهت المؤسسة التشريعية خلال الدورة الخامسة للبرلمان، تحديات كبيرة، أبرزها الانقسامات الحادة بين الكتل السياسية، وغياب التوافق حول الملفات الكبرى، ما انعكس سلبا على الأداءين التشريعي والرقابي، كما ساهمت هيمنة بعض الأطراف النافذة على قرارات البرلمان في إضعاف دوره، وتراجع ثقة المواطنين بفعاليته، خصوصا مع تكرار تعطيل الجلسات وتغييب القوانين الإصلاحية، مما دفع عددا من النواب إلى طرح خيار حل البرلمان كمدخل لإعادة بناء المشهد السياسي وفق أسس جديدة.
واتهم النائب المستقل، رائد المالكي، في 15 نيسان أبريل الماضي، جهات سياسية، وموظفا في مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بالوقوف وراء تعطيل جلسات مجلس النواب، بهدف إفشال إدراج تعديل قانون الانتخابات على جدول الأعمال، محملا رئاسة مجلس النواب، ورؤساء الكتل السياسية مسؤولية ما يجري.
وكان النائب المستقل، حسين السعبري، ذكر في 9 آذار مارس الماضي، وجود توجه لحل مجلس النواب العراقي، والذهاب لانتخابات مبكرة، في حال استمرار تعطيل جلساته.
ويخضع حل البرلمان في العراق للمادة 64 من الدستور العراقي، التي تنصّ على أن حل البرلمان يجري بإحدى طريقتين: إما بطلب من رئيس الحكومة وموافقة رئيس البرلمان، أو بطلب من ثلث أعضاء البرلمان على أن يجري التصويت على حله بالغالبية.
ويواجه تعطيل جلسات البرلمان جملة انتقادات سياسية ونيابية، حيث اعتبرت هذا التعطيل غير مبرر من قبل رئاسة المجلس، خصوصا أن هناك قوانين جاهزة للتصويت وتحتاج إلى عقد جلسات المجلس من أجل تشريعها، وأبرزها: “قانون الحشد، الموازنة، الخدمة المدنية، سلم الرواتب، قانون النقابات”.
وكان عضو لجنة النزاهة النيابية، هادي السلامي، كشف في 2 كانون الثاني يناير الماضي، عن التوقيع على 9 استجوابات ستشمل: وزير الدفاع ثابت العباسي، بنكين ريكاني وزير الاعمار والاسكان والبلديات والاشغال العامة، وزير التجارة أثير داود الغريري، وزير الكهرباء زياد علي فاضل، وزيرة الاتصالات هيام الياسري، ووزير النقل رزاق محيبس السعداوي، فضلا عن هيئة الإعلام والاتصالات، وهيئة الاستثمار.
الجدير بالذكر أنه في 13 آذار مارس 2024، طال الاستجواب رئيس شبكة الإعلام العراقية السابق نبيل جاسم، الذي فشل بإقناع المجلس بأجوبته، واكتفى المجلس بسحب يده من إدارة الشبكة فقط، من غير مساءلته قانونيا عن الملفات التي استجوب على أساسها.
في العراق، لا تُقاس أعمار الدورات البرلمانية بسنواتها القانونية، بل بعدد الجلسات المعطّلة والقوانين المؤجلة. ومع اقتراب نهاية الدورة النيابية الحالية، يتضح أكثر من أي وقت مضى أن البرلمان تحول إلى ساحة صراع سياسي لا إلى منصة تشريعية. فبدلاً من أن يكون منبراً لمساءلة الحكومة وسن القوانين، بات أقرب إلى واجهة شكلية، تتوارى خلفها الصفقات السياسية والمناورات الانتخابية.
الواقع التشريعي المتردي لا يُختزل فقط في أرقام الجلسات القليلة، بل في حجم الملفات العالقة التي تمس جوهر الدولة، مثل قانون المحكمة الاتحادية، والنفط والغاز، وسُلّم الرواتب، والحشد الشعبي. هذه القوانين ليست خلافية من الناحية الفنية فقط، بل تمثل خطوط تماس حادة بين الكتل السياسية، ولذلك ظلت مجمدة على رفوف اللجان، تنتظر ما يشبه المعجزة السياسية لتُمرر.
الشلل التشريعي ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة تراكمات طويلة من غياب الإرادة، واحتكار القرار داخل البرلمان من قبل أطراف نافذة لا ترى في التشريع أولوية، بقدر ما تنظر إليه كأداة تفاوض. إن مجلس النواب، الذي يُفترض أن يجسّد التمثيل الشعبي، يجد نفسه عاجزاً حتى عن تأمين النصاب، بسبب تكرار تغيّب النواب وتغليب الحسابات الحزبية الضيقة على الصالح العام.
في هذا المشهد، تبرز رئاسة البرلمان كأحد المتهمين الرئيسيين بتعطيل الاستجوابات، رغم اكتمال ملفاتها، ما يفتح الباب أمام اتهامات خطيرة بالتستر على وزراء مقصرين، وتحويل البرلمان إلى درع حماية لا أداة رقابة. وهذا ما عبّر عنه بعض النواب الذين حمّلوا رئاسة المجلس مسؤولية مباشرة عن حالة التسيب واللامبالاة، بل وعن فقدان البرلمان لهيبته كمؤسسة رقابية وتشريعية.
وفي ظل هذه المعطيات، يصبح الحديث عن "حل البرلمان" أكثر من مجرد تهديد سياسي؛ إنه تعبير عن انسداد سياسي شامل. فالمواطن الذي يُراهن على النواب لتشريع قوانين تحسّن مستوى معيشته، أو لمحاسبة مسؤول فاسد، يجد نفسه أمام مؤسسة غارقة في العطالة، تقف عاجزة أمام استحقاقات كبرى، لا تقلّ أهمية عن الانتخابات أو إصلاح النظام الإداري والمالي.
وما يزيد الأمر تعقيداً هو أن القوى السياسية لا تبدو معنية بإصلاح هذا الواقع، بقدر ما تُخطط للمرحلة المقبلة بمنطق الغنيمة. ولهذا تُرجئ التصويت على القوانين الخلافية، وتُماطل في عقد الجلسات، إلى أن تتبلور خارطة التفاهمات الجديدة لما بعد الانتخابات المقبلة. وهذا ما يُحول البرلمان من مؤسسة تشريعية إلى أداة انتظار، يتربّص بها الجميع ريثما تتغيّر موازين القوى.
لكن الخطر الأكبر لا يكمن فقط في ترحيل القوانين، بل في ترسيخ عرف سياسي قوامه التعطيل والمساومة، حيث تصبح ممارسة الواجبات الدستورية – كالتشريع والرقابة – خياراً وليس التزاماً. ومع استمرار هذه المنهجية، تتآكل تدريجياً ثقة المواطنين بالمؤسسات الديمقراطية، ويتنامى الشعور بأن الدولة تُدار من خارج البرلمان، وأن ممثلي الشعب باتوا غرباء عن همومه وتطلعاته.
في المحصلة، لا يبدو أن الفصل التشريعي الأخير سيكون محطة إنقاذ للبرلمان، بل ربما يكون شهادة ختام مؤلمة لدورة نيابية مثقلة بالإخفاقات. وما لم يحدث تغيير جذري في آليات العمل البرلماني، فإن كل دورة جديدة ستُعيد إنتاج الأزمة ذاتها، بحلة مختلفة، وأسماء جديدة، ولكن بعقلية التعطيل ذاتها.