الإقالة أقرب من أي وقت مضى: من منصة المحافظ إلى مرمى التحقيق.. فاجعة الكوت تكتب مصير المياحي

انفوبلس/ تقارير
وسط غضب شعبي متصاعد، ودموع لم تجف بعد على أرواح نحو 80 ضحية قضوا في فاجعة حريق "مول الكوت" أو ما يُعرف بـ”الهايبر ماركت”، صادق رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، اليوم الثلاثاء، على نتائج اللجنة التحقيقية الخاصة بالحادث، والتي أوصت بإحالة محافظ واسط محمد جميل المياحي وأعضاء لجنة الدفاع المدني في المحافظة إلى التحقيق، تمهيدًا لإقالتهم.
المحافظ إلى التحقيق.. والسوداني يحسم الموقف
المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء أعلن المصادقة الرسمية على النتائج التي توصلت إليها لجنة التحقيق.
وأوضح، أن القرار شمل إحالة محافظ واسط بصفته رئيس لجنة الدفاع المدني، وأعضاء اللجنة، إلى التحقيق لكشف المتسببين بالتقصير، في خطوة بدت أشبه ببيان إدانة سياسي قبل أن تكون إجراءً إداريًا.
المياحي: بين لغة الخشوع وعبارات التمجيد
وفي أول رد فعل له، لم يفوّت محمد جميل المياحي الفرصة ليطلق بيانًا مكتوبًا بعناية لغوية مفرطة، حيث قال: "نحن على أتم الاستعداد للمثول أمام أي لجنة، ولا نتهرب من أي مسؤولية، بل نحن تحت رهن أيدي أُسر الشهداء"، وهو تصريح بدا أقرب إلى خطاب اعتذاري عام منه إلى تبرير سياسي.
وأضاف المياحي قائلاً: "شكرنا وتقديرنا لرئيس الوزراء ووزير الداخلية واللجنة"، مثيرًا موجة من السخرية على مواقع التواصل، إذ اعتبره البعض يمارس الشكر لمن قرروا عزله، بدلاً من أن يدافع عن موقعه أو يوضح مسؤوليته القانونية والإدارية بشكل مباشر.
الإقالة قادمة.. ولو كان حليفًا
مصادر سياسية مطلعة أكدت أن قرار الإحالة ليس إلا خطوة تمهيدية لإقالة المحافظ، رغم قربه السياسي من بعض القوى المؤثرة.
وأضافت المصادر لشبكة انفوبلس، أن السوداني مُصرٌّ على محاسبة المقصرين، حتى لو كانوا ضمن تحالفاته الانتخابية، في إشارة واضحة إلى أن خط أحمر السياسة لم يعد صالحًا حين يمر فوق أجساد الضحايا.
البرلمان يحسم رأيه: "وجوده عبء أخلاقي"
وفي موقف نادر من رئاسة البرلمان، وجه رئيس مجلس النواب محمود المشهداني طلبًا رسميًا إلى رئيس الوزراء بإقالة محافظ واسط، معتبرًا أن بقاءه في منصبه "يمثل عبئًا أخلاقيًا وسياسيًا على الحكومة، ويبعث برسائل سلبية للرأي العام".
الطلب البرلماني استند إلى تقارير ميدانية تؤكد وجود "تقصير إداري جسيم" من قبل إدارة المحافظة، وبالأخص في جوانب السلامة العامة والإشراف الخدمي.
ودعا المشهداني في طلبه، رئيس الوزراء إلى “تقديم طلب رسمي إلى مجلس النواب لإقالة محافظ واسط، على خلفية فاجعة الحريق، وما سبقها من ملفات إدارة متعثرة وشبهات في جوانب السلامة العامة والإشراف الخدمي”.
الإطار التنسيقي يضغط.. والشعب يغلي
وفي تطور لافت، طالب "الإطار التنسيقي" أيضًا خلال اجتماعه الدوري الأخير بمحاسبة المقصرين في فاجعة الكوت.
وجاء هذا الموقف مدعومًا من رئيس الوزراء نفسه، الذي وعد بطرح قضية مستقبل المياحي في اجتماع الإطار المرتقب، تمهيدًا لقرار نهائي قد يُعلن خلال جلسة مجلس الوزراء المقبلة.
كما رجحت مصادر أخرى، أن “يتم سحب يد المحافظ في خطوة لامتصاص غضب الشارع الواسطي والعراقي عموما”.
الكوت تغلي.. والدوائر تُغلق
الاحتجاجات الشعبية في واسط كانت الأوضح صوتًا، حيث أقدم متظاهرون على غلق مبنى ديوان المحافظة وسط مدينة الكوت، مرددين هتافات غاضبة تطالب برحيل المياحي ومحاسبة كل من تسبب بكارثة الهايبر.
الغضب الشعبي انتقل سريعًا إلى محافظات أخرى، حيث بدأت الدوائر المحلية بإجراءات تفتيش مكثفة على المشاريع والأسواق التجارية، وأغلقت أكثر من 600 مشروع مخالف في النجف وكربلاء، في محاولة لامتصاص الغضب ومنع تكرار الفاجعة.
الدفاع المدني يتنصل.. و"الجهات الرقابية نائمة"
من جانبه، حاول مدير إعلام الدفاع المدني، نؤاس صباح، تبرئة مؤسسته من التهمة، قائلاً إن "مخططات البناية لم تُعرض أصلًا على المديرية"، مما يعني أن الجهات الرقابية المحلية لم تؤدِ دورها في فرض الالتزام بشروط السلامة.
جاء ذلك بالتزامن مع بدء الدوائر المحلية في المحافظات باتخاذ إجراءات لتفادي تكرار حوادث الحريق المفجعة، عبر حملات تفتيش موسعة أسفرت عن اغلاق أكثر من 600 مشروع مخالف لشروط السلامة في النجف وكربلاء فقط.
فاجعة لا تُنسى
وقد وقعت الكارثة يوم الأربعاء الماضي (16 تموز/يوليو)، في وقت الذروة، حين كان المتسوقون يتوافدون على المجمع، حيث اشتعلت النيران بسرعة كبيرة، وتعذّرت عمليات الإخلاء بسبب ضعف الجهوزية، ما أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا، في مشهد لا تزال المحافظة وكل العراق يعيشان تحت صدمته.
في النهاية، رأى متابعون للشأن المحلي، أنه بين خطاب المحافظ الإنشائي المشبع بالعواطف، وواقع سياسي يمهد لعزله، وبين غضب الشارع واستياء البرلمان، لا يبدو أن محمد جميل المياحي قادر على النجاة هذه المرة. ففاجعة الكوت ليست مجرد حادث عرضي، بل لحظة مفصلية في علاقة المواطن بالدولة، والمحاسبة هنا، باتت مطلبًا شعبيًا وسياسيًا وأخلاقيًا لا مفر منه.