الانسداد السياسي والدستور.. ثغرات قد تدفع العراق إلى الهاوية
انفوبلس/..
ظهرت الحاجة الفعلية لإجراء تعديل في الدستور العراقي الحالي أو إعادة كتابة بعض من نصوصه خلال السنوات القليلة الماضية، خصوصًا بالفترات التي تصاحب عمليات تشكيل الحكومة، إذ لم يفسر الدستور العديد من الفقرات القانونية التي كانت بوابة للخلافات الكبيرة بين الكتل في مجلس النواب.
فشلت العديد من اللجان التي كلفت بتعديل الدستور
ودخل الدستور العراقي حيز التطبيق في العام 2006 رسميًا، بعد إجراء استفتاء شعبي في 15 تشرين الأول/أكتوبر 2005، حيث يعد الدستور الدائم الجديد للعراق أول وثيقة قانونية تقرها جمعية تأسيسية منتخبة واستفتاء منذ العام 1924، لكن كان الاحتلال الأمريكي موجودًا، وقال عديدون إنه تدخل في إنشائه.
وعلى مدار السنوات الماضية، عانى العراق من مشكلات عديدة رافقت عملية تطبيق الدستور الحالي، أبرزها بما يتعلّق بتشكيل الحكومات وقضية المناطق المتنازع عليها مع إقليم كردستان، والأمور الأخرى التي تتعلّق بقضايا النفط والغاز.
مطالب شعبية
ويقول رئيس مركز التفكير السياسي العراقي، إحسان الشمري، إنّ "هناك حاجة فعلية لإجراء تعديل دستوري يتماشى مع تطور ومضي العملية السياسية في العراق منذ العام 2005 إلى غاية الآن، خصوصًا مع فشل العديد من اللجان التي شكلت بخصوص تعديله سابقًا".
ويضيف الشمري، أنّ "الانسداد السياسي الذي يعاني منه العراق حاليًا والذي وصل لقرابة العام، كان بسبب تحديد الكتلة الأكبر في مجلس النواب وقضية الثلثين التي تفتح الباب للتصويت على رئيس الجمهورية وهما نفس السببين في المشكلات التي تصاحب تشكيل الحكومات على مدار السنوات الماضية".
وفشل مجلس النواب في انتخاب رئيس جمهورية جديد على مدار 10 أشهر منذ انتخاب رئيسه محمد الحلبوسي، ما دفع أعضاء التيار الصدري إلى تقديم استقالتهم رغم فوزهم في الانتخابات بواقع 73 مقعدًا والذهاب إلى التظاهرات الشعبية للضغط نحو إعادة الانتخابات.
ووفقًا لكلام الشمري، فإنّ مطالب تعديل الدستور كانت شعبية في الدرجة الأساس قبل أن تكون مطالبًا سياسية، وهذا ما طالبت به تظاهرات تشرين التي اتهمت الكتل السياسية بركن الدستور وعدم الاعتماد عليه.
وهناك العديد من مؤسسات الدولة معطلة بسبب الدستور الحالي الذي يشوبه العديد من الخروق القانونية، فضلاً عن استخدام الدستور من قبل الكتل السياسية بما يتماشى مع مصالحها الشخصية، بحسب الشمري.
وقرر مجلس النواب السابق 28 تشرين الأول/أكتوبر 2019، تشكيل لجنة لتعديل الدستور على خلفية تصاعد الاحتجاجات الشعبية (تظاهرات تشرين)، التي طالبت آنذاك بتعديل الدستور الحالي.
8 ملاحظات دستورية
وتتصاعد دعوات تعديل الدستور مرة أخرى من قبل الناشطين والمدنيين، بالتزامن مع الانسداد السياسي في العراق ومرور عام على إجراء الانتخابات المبكرة في 2021.
ويتضمن الدستور العراقي الكثير من الأمور التي قد تذهب بالعراق إلى الهاوية، والتي يسردها الخبير القانوني عدنان الشريفي في عدة نقاط وأسئلة:
أولًا: نصت المادة 54 من الدستور على دعوة رئيس الجمهورية لمجلس النواب للانعقاد خلال 15 يومًا من تاريخ المصادقة على الانتخابات، لكن ماذا لو امتنع رئيس الجمهورية عن دعوة مجلس النواب للانعقاد خلال هذه المدة، مما قد يجعل حكومة تصريف الأعمال دون محاسبة قانونية ومراقبة؟
ثانيًا: المادة 55 نصت على انتخاب مجلس النواب في أول جلسة له رئيسًا، ثم نائبًا أول والنائب الثاني، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس، بـ"انتخاب سري"، في حين أن المحكمة الاتحادية أفتت بأنّ إبقاء الجلسة مفتوحة هي بدعة ولا أساس لها من الدستور.
ثالثًا: نصت المادة 64/ ثانيًا على أن رئيس الجمهورية يدعو عند حل مجلس النواب، إلى انتخابات عامة في البلاد خلال مدة أقصاها 60 يومًا من تاريخ الحل، ويعد مجلس الوزراء في هذه الحالة مستقيلًا، ويواصل تصريف الأمور اليومية، لكن ماذا إذ لم يقدم رئيس الجمهورية على الدعوة لانتخابات عامة خلال المدة المذكورة؟
رابعًا: المادة 76 أولًا نصت "يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددًا، بتشكيل مجلس الوزراء، خلال 15 يومًا من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية، وفي حال فشله يكلف مرشحًا آخر"، لكن الدستور لم يجد الحلول لاحتمالية فشل المرشحين جميعهم.
خامسًا: جاء في المادة 81/ أولًا "يقوم رئيس الجمهورية، مقام رئيس مجلس الوزراء، عند خلو المنصب لأي سبب كان"، في حين كانت الفقرة الثانية "عند تحقق الحالة المنصوص عليها في البند أولًا من هذه المادة، يقوم رئيس الجمهورية بتكليف مرشح آخر بتشكيل الوزارة، خلال مدة لا تزيد على خمسة عشر يومًا، ووفقًا لأحكام المادة 76 من هذا الدستور"، ماذا لو امتنع رئيس الجمهورية عن تكليف مرشح جديد واحتفظ بمنصبي رئيس الجمهورية ورئيس وزراء في وقت يكون فيه البرلمان قد حل ولا توجد سلطة لتحاسبه؟ بحسب الخبير القانوني.
سادسًا: نصت المادة 93 سابعًا من الدستور الخاصة بصلاحيات المحكمة الاتحادية بالمصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب، لكن في حال امتناع المحكمة الاتحادية ماذا يمكن أن يحدث؟ وفقًا لتساؤلات الشريفي.
سابعًا: نصت المادة 112/ أولًا: تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات على أن توزع إيراداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني.. ماذا عن النفط والغاز غير المكتشف عند كتابة الدستور هل هذا يعني أن واردات نفط الجنوب المكتشف يوزع على المحافظات كافة والغاز والنفط الذي يكتشف لاحقًا لا علاقة للحكومة الاتحادية فيه ويكون للمحافظات والأقاليم الذي وجد فيها؟
ثامنًا: نصت المادة 121/ رابعًا على أن تؤسس مكاتب للأقاليم والمحافظات في السفارات والبعثات الدبلوماسية، لمتابعة الشؤون الثقافية والاجتماعية والإنمائية، في حين أن المادة لمادة 119 من الدستور نصت على أن يحق لكل محافظة أو أكثر تكوين إقليمًا.. هل يعني هذا إذا أصبح لدينا في كل محافظة إقليم أن تكون في كل سفارة وملحقية وقنصلية عامة 15 ممثلية عدا بغداد؟
كيف تتعامل الأحزاب مع الدستور؟
ياسين عزيز، الباحث في الشؤون السياسية في إقليم كردستان، يرى أنّ الخلاف بين الكتل السياسية يكاد يشمل معظم محاور الحياة العملية والسياسية منها والتعامل مع الدستور الحالي.
ويشير عزيز إلى أنّ "الكتل السياسية تتعامل وتنظر للدستور من منطلق المصلحة الذاتية وانتقاء ما يفيد منها وترك ما يضر من نظرة ضيقة دون التعامل الشمولي معه".
ووفقًا للباحث السياسي، فإنّ "الدستور الحالي يحتوي على ثغرات قانونية عديدة"، مستطردًا بالقول إنّ "الصراعات السياسية التي تتزامن مع تشكيل الحكومات منذ العام 2005 إلى الآن أثبتت الحاجة إلى إعادة كتابة دستور جديد وعرض الفقرات بصورة أوضح وأدق".
والكتل السياسية بحاجة إلى إبرام اتفاقية وميثاق شرف لضمان إجراء تعديلات جديدة على الدستور، بحسب كلام عزيز، الذي يضيف قائلًا أنّ "الدستور الحالي بفقراته التي تحتاج إلى تعديل تسببت بأزمات سياسية كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية".
الدستور العراقي من الدساتير الجامدة وليس المرنة حيث لا يمكن تعديله إلا بإجراءات طويلة
وكان رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، دعا البرلمان في بيان مطول إلى إجراء تعديلات على الدستور، وذلك عقب تجدد الجدل بشأن المواد الفضفاضة القابلة لأكثر من تفسير وتأويل والتي تحولت إلى مشكلة تتجدد في كل أزمة سياسية.
زيدان، أقرّ بخطأ تفسير سابق للمحكمة الاتحادية بهيئتها القديمة عام 2010 في ما يتعلق بالكتلة البرلمانية الكبرى التي يحق لها تشكيل الحكومة، وهو خطأ أسس لأزمات عديدة ومتكررة، بما فيها الأزمة الحالية بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، بشأن تشكيل الحكومة الجديدة.
المحكمة الاتحادية فسرت في العام 2010، المادة 76 من الدستور بأنّ الكتلة الكبرى هي التي تتشكّل داخل البرلمان، وهو ما صب في صالح رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وسمح له بالحصول على ولاية ثانية على حساب الكتلة الوطنية بزعامة إياد علاوي، رغم فوز الأخير بالانتخابات التشريعية.
دستور جامد
الدستور العراقي من الدساتير الجامدة وليس المرنة، حيث لا يمكن تعديله إلا بإجراءات طويلة، بحسب الخبير القانوني علي التميمي، الذي أكد على فكرة أنه "لا بدّ من تطبيق المادة 142 أولًا والتي تنص على أن يشكل البرلمان لجنة التعديل وأن يوافق على تعديلاتها بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه أي أعضاء البرلمان نصف العدد الكلي زائد واحد بعد تحقق النصاب".
ويقول التميمي إنّ "البرلمان بعد التصويت على التعديل يذهب إلى إجراء الاستفتاء الشعبي الذي يشترط موافقة نصف المصوتين زائد واحد، فضلاً عن عدم معارضة التعديل ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات".
وبحسب التميمي، فإنّ المواد التي تحتاج إلى تعديل هي:
أولًا: تغيير شكل النظام السياسي والتحول إلى النظام الرئاسي.
ثانيًا: حل المادة 140 المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها.
ثالثًا: تعديل المادة 73 التي تتحدث عن صلاحيات الرئيس وشكل البرلمان.
ويختم الخبير القانوني حديثه بالقول "لا بد من حل البرلمان الحالي أولًا وفق المادة 64 من الدستور العراقي وإجراء الانتخابات التشريعية المبكرة، ثم بعد ذلك يعرض الدستور للتصويت وتعديلاته والشعب مصدر السلطات دائمًا".