التداعيات السياسية توقف المفاوضات وسياسيون: القضاء خط الدفاع الأخير عن الدولة
انفوبلس/...
تنهمر الدموع لتتساقط من وجنتي “وفاء”، التي كانت تنتظر خروج معيلها الوحيد من وراء القضبان، بعد تقديم أوراق وملفات “تثبت براءته” أمام القضاء، خلال محاكمة كان من المقرر أن تجرى ظهر يوم الثلاثاء، لولا التداعيات السياسية التي تسببت بتعليق عمل المحاكم في مدن العراق كافة.
سيارة الأجرة التي نقلت “وفاء” إلى محكمة استئناف الكرخ في بغداد، سرعان ما عادت بها إلى منزلها في منطقة شارع فلسطين، بعدما أخبرها شرطي على بوابة المحكمة بأن تعود أدراجها، لعدم وجود محاكمات تجرى في هذا اليوم.
صدمة تأجيل محاكمة زوج “وفاء” ذات الـ34 عامًا، بدت واضحة على ملامحها عندما كانت تروي لمراسل “المراقب العراقي”، ما حصل معها في اليوم الموعود الذي كانت تترقبه منذ أسابيع.
وأصرّت “وفاء” على استخدام هذا الاسم المستعار، لعدم الكشف عن هويتها الحقيقية لـ”أسباب خاصة” لم تذكرها. وقالت إن “زوجها أعتقل أثناء إنجاز معاملة سيارة اشتراها قبل أسابيع، اتضح فيما بعد أن أوراقها غير سليمة، فيما فرّ الفاعل الحقيقي (مالك السيارة الأصلي) من قبضة العدالة”.
وتضيف: “كنت أترقب موعد جلسة المحاكمة لزوجي ومعيل أسرتي الوحيد التي تم تحديدها يوم الثلاثاء (23 آب 2022)، بعد حصولنا على أوراق تثبت براءته وتورط صاحب السيارة في واقعة التزوير”، إلا أن التداعيات السياسية وانعكاساتها تسببت بتأجيل هذه المحاكمة، بعدما أصدر مجلس القضاء الأعلى قرارًا بتعليق عمل المحاكم احتجاجًا على الاعتصام أمام مبناه.
ونتيجة لتطور الأحداث أصدرت الرئاسات الثلاث بيانات منفصلة، حذرت فيها من المساس بالقضاء العراقي، الذي يمثل “الملاذ الأخير” للحفاظ على القانون والعملية الديمقراطية في البلاد، في ظل تحذيرات سياسية من تعطيل عمل المؤسسة القضائية ومنعها من أداء واجباتها الدستورية.
كما أصدر قادة سياسيون يُمثّلون الطيف العراقي، مواقف وبيانات داعمة ومؤيدة لسلطة القضاء، لكنها حذرت في الوقت ذاته من تدخل دولي محتمل في حال إسقاط آخر الحصون الدستورية في البلاد.
وأصدرت محكمة تحقيق الكرخ ثلاث مذكرات قبض بحق شخصيات قالت إنها “حرّضت على القضاء”، فيما أعلنت عن اتخاذ الإجراءات القانونية بحق الفريق حامد مهدي عبد العزيز قائد الفرقة الخاصة، والعميد عمار عبد الزهرة عبد الحسين آمر اللواء 56 للإخلال بواجبهما إزاء حماية مبنى مجلس القضاء الأعلى.
وتنطوي هذه التحذيرات على مخاوف من “استئثار” مصطفى الكاظمي، رئيس حكومة تصريف الأعمال بالسلطة، بعد تعطيل عمل المؤسستين التشريعية والقضائية، وإطلاق يد الكاظمي للتجاوز على كل الصلاحيات الدستورية، والاستحقاقات الانتخابية والذهاب باتجاه إعلان حكومة طوارئ، تتيح له البقاء في المنصب لفترة أطول.
وعن ذلك يقول المحلل السياسي وائل الركابي إن “المؤسسة القضائية تمثل خط الدفاع الأخير عن الدولة والمؤسسات الدستورية الأخرى، ولا ينبغي المساس بها كونها تحظى بثقة الشعب العراقي”، محذراً من “الإخلال بهذه الثقة التي قد تودي بنا إلى المجهول”.
ويضيف أن “القضاء هو الحصن الأخير لشرعية النظام السياسي الديمقراطي في العراق، وعلى القوات الأمنية أن تتحمل مسؤوليتها التأريخية في حماية الممتلكات العامة والخاصة، ومنع التجاوز على مؤسسات الدولة”.
وتسببت الأحداث الساخنة التي تشهدها الساحة العراقية، بتعليق المفاوضات السياسية، التي كان يُعوّل عليها الشارع لإنهاء الأزمة الراهنة، باعتبارها الحل الوحيد للخروج من الأزمة حسبما يرى مراقبون للشأن السياسي.