الحديث عن "حل وسط" لأزمة الحدود.. هل سيتنازل العراق عن بعض حقوقه للكويت بهدف إغلاق ملف ترسيم الحدود البحرية بين البلدين؟
انفوبلس..
بين الـ25 من شهر أيلول/ سبتمبر عام 2021، واليوم الاثنين، عقدت اللجنة الفنية العراقية - الكويتية المشتركة ستة اجتماعات للحوار المشترك في الجوانب الفنية والقانونية لترسيم الحدود البحرية لما بعد العلامة 162، واتفق الطرفان خلال الاجتماع الأخير على مواصلة الحوار البنّاء بين الجانبين في إطار تعزيز العلاقات التي تربط البلدين دون التوصل إلى اتفاق نهائي بخصوص ترسيم الحدود.
ما أثار الريبة هذه المرة، هو تصريح للسفير العراقي في الكويت، المنهل الصافي والذي تحدث عن "حل وسط" لتجاوز الأزمة، وهو ما عدّه مراقبون إنه قد يكون بداية لتنازلات سيقدّمها العراق لإغلاق الملف، وهو السيناريو الذي لو تحقق سيكون استمراراً لسلسلة خسارات العراق الإقليمية بسبب انبطاح بعض ساسته والسير وراء مصالحهم الشخصية على حساب مصالح البلد، بحسب وصفهم.
الصافي أشاد بنتائج الاجتماع، وقال: انعقدت اللجنة في أجواء إيجابية أخوية وتمت مناقشة الملفات المشتركة المتعلقة بعمل اللجنة بكل شفافية، وعرضت كل جهة رؤيتها لترسيم الحدود البحرية المشتركة، مؤكداً أن الاجتماع المقبل سيكون في بغداد بعد شهرين وسيبحث حلاً وسطاً لتقريب وجهات النظر.
العلامة 162 الحدودية
يقول خبير الحدود والمياه الدولية العراقي جمال الحلبوسي، إن العلامة 162 التي تحدّث عنها رئيس الوزراء الكويتي تعني آخر علامة رسمها مجلس الأمن الدولي وفق القرار 833 في 27 مايو/ أيار 1993، وهي تقع في منتصف خور عبد الله.
وأضاف الحلبوسي، إن ما قبل هذه العلامة باتجاه الشمال الشرقي باتجاه خور شيطانة وخور وربة والزبير تعدّ علامات بحرية، تبدأ بالعلامة 107 وتنتهي بـ 162، وهي حدود مرسّمة بقرارات مجلس الأمن الدولي، وفق خط التالوك.
أما ما بعد ذلك، فتبدأ المنطقة غير المرسّمة من العلامة 135 وتنتهي بالعلامة 162 وتعدّ مُنصِفة لخور عبد الله التميمي (التسمية العراقية للخور)، وعن طول الشريط الحدودي غير المرسّم بين البلدين يعلّق الحلبوسي، إن هناك أعمالا مشتركة بين البلدين للترسيم مع ضغط كويتي في هذا الجانب، لا يمكن تحديد طول هذا الشريط من قِبل أي مهندس حدودي، حيث يعتمد على المتغيرات المقابلة للسواحل، وصولًا إلى منطقة وسطية بين البلدين.
ورغم ذلك أوضح الحلبوسي، إن الطول التقريبي للشريط الحدودي غير المرسّم قد يصل إلى 12 ميلًا بحريًا إقليميًا (22.25 كيلومترًا)، يُضاف إليها 12 ميلًا بحريًا كونها منطقة متاخمة، إضافة إلى 62 ميلًا أخرى منطقة بحرية اقتصادية.
مصالح البلدين والتوترات المستمرة..
الباحث والمحلل السياسي الكويتي إبراهيم دشتي يرى أن الحلّ يكون بتعاون الدولتين، خاصة فيما يتعلّق بالمجال البحري، لافتًا إلى أن منطقة شمال الكويت يمكن أن تكون ذات بعد اقتصادي كبير تعود بالمنفعة على البلدين اقتصاديًا وسياسيًا.
وعن تأثير تأخر استكمال ترسيم الحدود لما بعد العلامة 162 على العلاقة بين البلدين، يعلّق دشتي "إن التأخر بذلك سيؤثر في العلاقات المشتركة الثنائية، نحن نريد انتهاء الحالات الرمادية التي ستسبّب أزمات جديدة في المستقبل، وهذا الأمر ليس في مصلحة البلدين. وإذا كانت الكويت بحاجة لإنهاء هذه القضية، فالعراق بحاجة أكبر؛ لأنه بحاجة إلى استقرار سياسي، والكويت أول الداعمين له في ذلك".
فيما يشير الحلبوسي -الذي عمل سابقًا رئيسًا للفرق الفنية الحدودية العراقية- إلى أن مطالب الكويت بالنسبة للقرارات الدولية انتهت في 27 مارس/ آذار 2013 بعد إنجاز المرحلة الثالثة من صيانة الحدود البرية بين الكويت والعراق، وفق قرارات مجلس الأمن الدولي.
وعلى غرار ذلك، انتهت جميع مطالبات الكويت الدولية، وبات ترسيم الحدود المتبقية مسألة ثنائية بين البلدين، مشيرًا إلى أن العراق لديه العديد من الملاحظات والاعتراضات، لاسيما أن الكويت تتصرّف دون استشارة العراق، وأنها أنشأت بعض المحطات؛ مثل: فشت العيج والكايد التي تعدّها طبيعية، وهو ما يرفضه العراق؛ لأن أي مهندس حدودي لا يمكنه القبول بهذه المحطات علامات طبيعية، وأن من يقبل بها من الجانب العراقي سيفرّط بالمصالح الوطنية، حسب قوله.
وتعدّ المنطقة الواقعة بعد العلامة 162 البحرية نقطة خلاف كبيرة بين البلدين، لاسيما مع الخلاف العلني حول منطقة "فشت العيج"، والاعتراض العراقي على التصرفات الكويتية.
ففي أغسطس/ آب 2019، وجّه العراق شكوى رسمية إلى الأمم المتحدة اعترض فيها على إنشاء الكويت منصّة بحرية في فشت العيج، وهي مساحة من الأرض تقع بعد النقطة 162.
بينما ترى الكويت أن فشت العيج واقعة ضمن سيادتها، في الوقت الذي يؤكد العراق أن خطوة الكويت تُحدث تغييرًا في الحدود البحرية، قبل التوصّل إلى اتفاق يُفضي لترسيم الحدود كاملة، وهو ما يؤكّده الحلبوسي أن فشت العيج والكايد ليست طبيعية؛ وإنما صناعية افتعلتها الكويت، حسب وصفه.
وعلى الجانب الكويتي، يقول المحلل السياسي فيصل الشريفي إن التأخر في حلّ هذه القضية والاستماع للأصوات الشاذة، قد تكون له آثار سلبية في ضياع الكثير من الفرص الاقتصادية، خاصة وأن العراق بحاجة إلى الاستقرار وإعادة الإعمار، وتنفيذ الكثير من المشروعات التنموية المرتبطة بحياة المواطن العراقي، معدًّا أن هناك ضرورة للانتهاء من ترسيم الحدود البحرية، التي تعد خطوة مهمة لكلا الدولتين.
وقانونيًا، يرى الخبير القانوني العراقي علي التميمي أن ترسيم الحدود مع الكويت حُسمت في مجلس الأمن الدولي بقرارات بدأت بالقرار 661 لعام 1991 وجميع القرارات اللاحقة.
وأوضح التميمي، أن الكويت ظلّت تطالب بالعديد من النقاط الحدودية، لافتًا إلى أن ذلك يخالف قرارات مجلس الأمن الدولي، منبّهاً إلى إمكانية العراق في حلّ الموضوع من خلال الاتفاق الثنائي، أو اللجوء لمحكمة العدل الدولية المعنية بهذا الشأن، كما يرى.