الحسم يقترب.. كيف يُعيد الإطار التنسيقي والائتلافات السياسية رسم معادلة الرئاسات الثلاث قبل دخول 2026؟

انفوبلس/..

يقترب المشهد السياسي العراقي من واحدة من أكثر لحظات الحسم حساسيةً منذ سنوات، لحظة تتداخل فيها الاستحقاقات الدستورية مع الحسابات الحزبية، وتضغط فيها عوامل الأمن والاقتصاد والإقليم لتسرّع من خطوات اختيار قادة المرحلة المقبلة. ومع توقع مراقبين بأن الأسبوع الأول من العام 2026 سيشهد إعلان أسماء مرشّحي الرئاسات الثلاث ــ رئاسة الوزراء، ورئاسة البرلمان، ورئاسة الجمهورية ــ تبدو الساحة العراقية كما لو أنّها تدخل منعطفاً مفصلياً سيحدّد شكل الحكومة الجديدة، واتجاه توازنات السنوات المقبلة.

تتكثّف الاتصالات والمشاورات بين القوى الفاعلة، بينما تؤكّد تصريحات الإطار التنسيقي والائتلافات السياسية أنّ الحسم سيكون محكوماً بسقوف دستورية صارمة، خصوصاً بعد تحذير المحكمة الاتحادية من تجاوز المُدد القانونية، وتحول هذا التحذير إلى رسالة سياسية ضاغطة أجبرت الجميع على تغيير وتيرة التفاوض. وفي السياق ذاته، يبرز دور المفوضية العليا للانتخابات التي تستكمل النظر في الطعون، إذ يرتبط إعلان النتائج النهائية مباشرة بفتح باب التكليف الرسمي وتسمية الرئاسات.

القوى الشيعية الأكثر استعدادا

التحالفات الشيعية، وعلى رأسها الإطار التنسيقي، تظهر أكثر الأطراف استعداداً لإغلاق ملف الترشيحات سريعاً. المحلل السياسي علي ناصر وصف المشهد داخل الإطار بأنّه "دائرة تقييم معقّدة" تضم أكثر من 40 شخصية خضعت لاختبارات سياسية ومقابلات معمّقة، إلّا أن عدداً محدوداً منها فقط نجح في الوصول إلى "الصيغة النهائية" المطلوبة. ويبدو أنّ الإطار يبحث عن شخصية تمتلك حضوراً داخلياً مقبولاً ووزناً خارجياً يفتح أبواب الاستثمار والدعم الدولي، وهي معادلة ليست سهلة في ظل اشتراطات البيئة السياسية العراقية وتشابك العلاقات الإقليمية.

ويقول ناصر إن مواصفات رئيس الوزراء المقبل تحتاج إلى شخصية تجمع بين القدرة السياسية والخبرة الاقتصادية، وهو مزيج نادر ضمن الخيارات المطروحة. فالمطلوب ليس فقط إدارة التوازنات الداخلية، بل توفير بيئة تضبط إيقاع الاقتصاد وتستثمر فرص الطاقة والتجارة وإعادة الإعمار، خصوصاً مع ارتفاع شهية الشركات العالمية للعمل في العراق بعد تحسن المؤشرات الاقتصادية خلال العامين الماضيين.

القوى السنية تحاول ترتيب الصفوف

وعلى الجانب السنّي، يبرز "المجلس السياسي الوطني" بوصفه إطاراً جديداً لإعادة تنظيم البيت السنّي، وخلق توافق حول منصب رئيس مجلس النواب. وتشير المعطيات إلى أن المجلس يميل نحو شخصية ذات سجل برلماني عريق وتاريخ سياسي ناجح، وهي شخصية ــ بحسب الباحث السياسي مهند الراوي ــ تتمتع بتوافق واسع داخل الكتل السنيّة، ما قد يجعل فترة رئاسته طويلة نسبياً ومحمية من الهزات السياسية المعتادة.

الراوي تحدث عن "رضا كامل" تجاه المرشح السني الأبرز، مؤكداً أن القوى السنية تجاوزت مرحلة التنافس الداخلي التي كانت تعصف بها في دورات سابقة، وأن المزاج السني اليوم أكثر ميلاً إلى ترتيب البيت الداخلي وتقديم شخصية قوية تمثلهم في رئاسة البرلمان. وهذا التوافق ينسجم مع ما أشار إليه القيادي في تحالف العزم، ياسين العيثاوي، الذي توقع وضوح اسم المرشح خلال الأسبوع المقبل بشكل لا يقبل الشك.

ضغط على الكرد لحسم خلافاتهم

أما القوى الكردية، فلا تزال تواجه تحدياً صعباً يتمثل في عدم الاتفاق على مرشح موحّد لرئاسة الجمهورية، خصوصاً مع استمرار أزمة تشكيل حكومة إقليم كردستان منذ أكثر من عام. المحلل السياسي أثير الشرع أكد أن الإطار التنسيقي سيضغط على الأحزاب الكردية لحسم هذا الملف سريعاً، لأن أي تأخير في الترشيح سيؤخر تسمية باقي الرئاسات، ولأن الاستحقاق الدستوري لا يحتمل انتظاراً إضافياً في ظل الوضع الأمني والاقتصادي الحساس.

ويكشف الشرع أنّ الإطار يتعامل حالياً مع ما يقرب من ثلاث شخصيات فقط داخل دائرة الترشيح، وهو مؤشر على قرب الحسم، خصوصاً أنّ بيان السلطة القضائية شكّل نقطة تحول دفعت الأطراف للإسراع في تسمية مرشحيها. فالمرحلة المقبلة تتطلب وضوحاً سياسياً يسمح بتشكيل حكومة قوية تواجه التحديات الأمنية، وعلى رأسها التحقيقات الجارية في ملف قصف حقل كورمور، وهو الملف الذي طرحه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني خلال اجتماعه مع الإطار مؤخراً.

الاجتماع الاعتيادي الذي عقده الإطار في مكتب رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي يمثل إشارة إضافية على دخول المسار السياسي مرحلة أكثر تنظيماً. فقد استمع المجتمعون إلى عرض قدمه السوداني بشأن التطورات الأمنية والسياسية، وما تتطلبه المرحلة من تعزيز التنسيق بين المؤسسات، خصوصاً في الملفات الحساسة المرتبطة بالأمن الوطني. كما استعرض المجتمعون نتائج اللجان القيادية التي تشكلت في وقت سابق لتقييم المسارات السياسية والاستعدادات لمرحلة ما بعد المصادقة على النتائج.

على الرغم من تباين الأولويات بين القوى السياسية، إلا أن القاسم المشترك بينها جميعاً هو الإدراك بأن المرحلة المقبلة تحمل تحديات اقتصادية وأمنية حساسة، وأن الوقت ليس مناسباً للدخول في نزاعات طويلة حول الترشيحات. فالتطورات الإقليمية والملفات الداخلية ــ بدءاً من الأمن الحدودي، مروراً بالاقتصاد، وصولاً إلى إدارة الطاقة ــ تجعل من الضروري الإسراع بتسمية الرئاسات الثلاث وإطلاق عجلة تشكيل الحكومة.

وتشير المؤشرات السياسية إلى أن الأسبوع الأول من 2026 سيكون لحظة حاسمة، فالمفوضية في طريقها للبتّ بالطعون، والمحكمة الاتحادية واضحة في رفضها لأي تمديد خارج الدستور، والتحالفات بدأت تضييق دائرة خياراتها، بينما تتزايد الضغوط الشعبية والإعلامية لإنهاء حالة الانتظار.

وهكذا، يبدو العراق مقبلاً على أسبوع مفصلي قد يعيد رسم ملامح السلطة ويضع البلاد أمام مرحلة جديدة عنوانها: حكومة قوية، استحقاقات دستورية واضحة، وتوازنات سياسية تبحث عن الاستقرار قبل كل شيء.