الخارجية تكيل بمكيالين.. السياسة الكردية تشكّل صورة العراق أمام العالم.. لماذا لم يشتكِ فؤاد حسين على واشنطن وأنقرة أمام مجلس الأمن كما فعل مع طهران؟
انفوبلس..
تعرض وزير الخارجية فؤاد حسين خلال الـ24 ساعة الأخيرة إلى سيل من الانتقادات السياسية والشعبية، نتيجة تباين مواقفه وردود أفعاله حول الهجمات التي تستهدف العراق، حيث لم يُبدِ أي موقف حول الاعتداءات الأمريكية المتكررة وخصوصاً الاعتداء الأخير الذي طال أحد قيادات الحشد الشعبي وسط بغداد، فيما دانَ واستنكر وقدم شكوى لمجلس الأمن عندما استهدف الحرس الثوري مقراً للموساد في أربيل.
شكوى بغداد ورد طهران
وتقدّمت وزارة الخارجية العراقية بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، أمس الثلاثاء، احتجاجاً على استهداف حرس الثورة الإسلامية مقراً تابعاً لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" في مدينة أربيل، بإقليم كردستان.
ورفعت الوزارة شكوى بموجب رسالتين متطابقتين، إلى كلٍ من الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن الدولي، عبر الممثلية الدائمة العراقية في نيويورك.
وعدّت الخارجية في الرسالتين الاستهداف الإيراني "عدواناً وانتهاكاً صارخاً لسيادة العراق وسلامته الإقليمية وأمن الشعب العراقي".
من جهتها، أكّدت إيران "التزامها المطلق باحترام سيادة واستقلال ووحدة أراضي كل من العراق وسوريا"، وذلك في رسالةٍ وجّهتها الحكومة الإيرانية إلى مجلس الأمن الدولي، بشأن عملياتها العسكرية ضدّ مقار الإرهابيين في سوريا والعراق.
وأوضحت الحكومة الإيرانية، أنّ "العملية كانت ضروريةً، وجاءت متناسبةً بالكامل مع تعهدات إيران الدولية بخصوص حقوق الانسان"، مضيفةً أنّها "جاءت رداً على الهجوم الإرهابي الأخير في كرمان، والذي أدى إلى استشهاد أكثر من 100 مواطن وتبنّاه تنظيم داعش".
كما أكدت أنّ إيران "ضحية الإرهاب، والعمليات الأخيرة ضد الإرهابيين جاءت دفاعاً عن النفس، ووفق القوانين الدولية".
الكيل بمكيالين
الباحث بالشأن السياسي، صباح العكيلي، رأى أن وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، يتعامل وفق مبدأً "الكيل بمكيالين" بالقضايا المهمة، فيما طرح سؤالاً للأخير، يخص الاعتداء الأمريكي على مقر أمني في بغداد.
وقال العكيلي، إن "إقليم كردستان يُصرُّ على وجود مواقع تابعة لموساد الكيان الصهيوني في أراضيه، بالوقت الذي تثبت العديد من الأدلة، العلاقات التي تربط الكيان وأربيل"، موكداً "حقيقة تعامل وتهريب النفط العراقي من الإقليم الى تل أبيب".
وأضاف، إن "البرلمان العراقي، عندما شرع قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، بالإضافة الى قانون العقوبات لرقم 11 لـ69، الذي يجرّم العلاقات مع إسرائيل، وتصل عقوبته الى المؤبد والإعدام، فهل شملت هذه القوانين إقليم كردستان، وهل تُطبَّق في أربيل؟".
وأوضح الباحث بالشأن السياسي، إن "المقرات الاستخبارية التي توجد في إقليم كردستان، وتستهدف دول الجوار تخالف الدستور العراقي، الذي منع أن تكون الأراضي العراقية منطلقاً لاستهداف الجوار".
وبين، إن "وزير الخارجية لم يصدر أي موقف حينما تم استهداف القوات الأمنية في العاصمة بغداد، ولم يستدعِ السفيرة الأمريكية، بالوقت الذي سلَّمَ، وثيقة شجب واستنكار للقائم بالأعمال السفارة الإيرانية، وهذا الكيل بمكيالين"، متسائلاً "أين المواقف الكردية ضد الجرائم الأمريكية؟".
وقبل نحو أسبوع، دعا النائب عن تحالف نبني معين الكاظمي، الحكومة العراقية ووزارة الخارجية الى وضع جدول زمني لانسحاب كامل قوات الاحتلال الأمريكي من العراق، فضلا عن تقديم شكوى ضد واشنطن في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
ورافقت هذه الدعوى دعوات سياسية وشعبية متشابهة لكن جوبهت بصمت مطبق من قبل الحكومة ووزارة الخارجية، ولكن حدث العكس تماماً عندما تم استهداف مقر الموساد في أربيل.
وذكر الكاظمي، أن قرار مجلس النواب الذي أصدره يعتبر ملزما للحكومة، وإن البرلمان صوت في 5 يناير كانون الثاني على قرار نيابي يلزم الحكومة بإلغاء طلب المساعدة من التحالف الدولي لمحاربة عصابات داعش الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.
وشدد الكاظمي على ضرورة "قيام الحكومة العراقية بالتوجه بشكل عاجل الى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وتقديم شكوى ضد الولايات المتحدة الأمريكية بسبب ارتكابها لانتهاكات وخروقات خطيرة لسيادة وأمن العراق".
ودوَّت في الحادية عشرة والنصف من مساء الاثنين الماضي، أصوات انفجارات "عنيفة" في محافظة أربيل عاصمة إقليم كردستان شمالي العراق، فضلاً عن انفجارات أخرى متزامنة سُمِع دويّها في محافظة إدلب السوريّة، وبعدها بنحو ساعة أعلن حرس الثورة الإسلامية في إيران تبني الهجمات، مؤكداً أنها استهدفت مراكز تابعة لجهات تعمل مع الموساد الإسرائيلي، وأن هجماته رداً على الهجوم الإرهابي الذي استهدف مدينة كرمان مسقط رأس الجنرال قاسم سليماني بالتزامن مع ذكرى استشهاده الرابعة.
الحرس الثوري قال في بيانه، إنه "دمَّر أماكن تجمع القادة والعناصر الرئيسية المرتبطة بالجرائم الإرهابية الأخيرة في إيران، وطالت هذه الهجمات مقرات في سوريا، فضلا عن مقر تجسس للكيان الصهيوني في إقليم كردستان العراق، بالصواريخ الباليستية".
الخارجية واستهداف مقر الحشد
بتصريحات متناقضة، وموقف ضعيف جاء امتداداً لسلسلة المواقف الخجولة السابقة، أطلَّ وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين على شاشتَي العربية والحدث السعوديتَين مؤخراً، في وقت كان الجميع يترقب فيه إدانة الوزير للجريمة الأميركية وسط بغداد، خالف حسين ذلك الترقُّب عندما بدا مدافعاً عن القوات الأميركية في الداخل العراقي، زاعماً أنها بطلب من الحكومة العراقية، مناقضاً بذلك ما جاء على لسان رئيس الوزراء محمد الشياع السوداني بعدم الحاجة إلى تلك القوات.
تصريحات الوزير خلقت ردود فعل غاضبة وسط توقعات بأزمة تلوح في الأفق بين رئيس الوزراء ووزير الخارجية بشأن مطلب إخراج القوات الأميركية من العراق.
في ضربة غادرة، نفذتها طائرة مسيرة أمريكية يوم الخميس 4 كانون الثاني 2024، استُشهد القائد مشتاق السعيدي "أبو تقوى" تاركاً خلفه تأريخاً من المقاومة والجهاد ضد المحتل الأمريكي وعصابات داعش الإجرامية، كما أسفرت الضربة عن استشهاد مرافقه "أبو سجاد".
تضارب المواقف
وكان المحلل السياسي قاسم بلشان، قد انتقد سياسة وزارة الخارجية العراقية إزاء ما يحدث من خرق واضح للسيادة من قبل القوات الأمريكية القتالية، فيما أكد أن القصف الأخير الغاشم على قوات الحشد الشعبي فضح انتماء وزير الخارجية وميوله لكردستان أكثر من العراق.
ويرى المحللون أن تضارب المواقف بين السوداني وحسين يعكس الاختلافات في وجهات النظر بين الحكومة العراقية والإدارة الأمريكية بشأن مستقبل القوات الأمريكية في العراق. فالسوداني يسعى إلى إخراج القوات الأمريكية من البلاد، بينما يرى حسين أن استمرار وجودها في العراق ضروري لمكافحة الإرهاب وضمان استقرار البلاد، رغم أن العراق يشهد استقرارا أمنيا منذ فترة.
وبالرغم من تصاعد الدعوات الشعبية الى وزارة الخارجية بالتزامن مع الذكرى الرابعة لاغتيال "قادة النصر" بتجريم أمريكا على خلفية القصف المستمر على قوات الحشد الشعبي الحكومية، إلا أن الإرادة التي تفرضها كردستان على وزارة الخارجية عن طريق وزيرها حالت دون ذلك.
الإقليم يسيطر على الخارجية
وبحسب ساسة فإن سيطرة حكومة كردستان على وزارة الخارجية منع تجريم واشنطن وأنقرة ومواجهتها وإدانتها إزاء الخروقات المستمرة على الأراضي العراقية.
وبالحديث عن هذا الملف، يتهم القيادي في تحالف نبني علي الزبيدي، وزير الخارجية فؤاد حسين بالعمل لصالح السياسية الكردية بشأن عدم الذهاب نحو تجريم أمريكا وتركيا بالمحاكم الدولية، فيما أكد أن الوزارة تُقدّم مصالح إقليم كردستان على مصلحة البلد بصورة عامة.
ويقول الزبيدي، إن "أغلب الخلافات الحاصلة مع الحكومة المركزية تعود الى تقاطع السياسية الخارجية التي تفرضها كردستان"، مشيرا الى أن "الوزارة يجب أن تلتزم بالسياسية الخارجية التي تعمل بها الحكومة".
ويتابع، إن "اختلاف السياسية والتوجه بين وزارة الخارجية والحكومة المركزية أضعف القرار العراقي الدولي"، مبينا أن "وزير الخارجية فؤاد حسين مستمر بالعمل لصالح السياسية الكردية وليس للحكومة الاتحادية".
ويختتم الزبيدي حديثه: إن "هذه الثغرة ستكون بمثابة العائق الكبير أمام تحقيق العراق لسياسته الحكومية والشعبية التي يتعامل بها على الصعيد الدولي في عديد الملفات"، لافتا الى أن "الوزارة تقدم مصالح إقليم كردستان على مصالح البلد بصورة عامة".