السعي وراء تمديد عمل مفوضية الانتخابات يشعل جدلا سياسيا.. هل سيتحقق ذلك أم يتم تغييرها بالكامل؟
انفوبلس/ تقرير
فشل مجلس النواب، في عقد جلسة استثنائية يوم أمس لغرض البت في تمديد مدة عمل مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، كخطوة أولية للتحرك بعدها من أجل تعديل قانون الانتخابات، في وقت تتزايد فيه الأحاديث داخل أروقة السياسية حول فكرة تعديل قانون الانتخابات، والمخاوف من أن يكون منافسو رئيس الحكومة محمد شياع السوداني يسعون إلى استهدافه بهذا التغيير للحد من الأصوات التي سيحصل عليها في الانتخابات المقبلة.
ومع قرب انتهاء ولاية المفوضية الحالية، طالبت بعض القوى السياسية بتمديد عملها لضمان استمرارية العملية الانتخابية دون تعثر، إلا أن هذا التمديد قوبل برفض من آخرين، الذين يرون أن المفوضية بحاجة إلى تغيير جذري لضمان نزاهة الانتخابات المقبلة. ويزداد القلق الشعبي من أن أي تمديد قد يتيح الفرصة لبعض الأحزاب لتوجيه المفوضية لصالح مصالحها الانتخابية.
وشهد العراق في تشرين الأول 2021 انتخابات برلمانية لاختيار أعضاء الدورة الخامسة لمجلس النواب العراقي، خلفت نتائج العملية نزاعاً سياسياً أدّى لانسحاب التيار الصدري الفائز بأكثر المقاعد من العملية، وفراغ سياسي عرقل تشكيل الحكومة الجديدة نحو عام.
*فشل الجلسة الاستثنائية
كان من المقرر عقد جلسة استثنائية أمس الأحد 5 كانون الثاني/ يناير 2025، لغرض البت في تمديد مدة عمل مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، إلا أن الخلافات بين الكتل السياسية حول التمديد حالّت دون انعقادها، بحسب مراسل شبكة "انفوبلس".
وكان رئيس مجلس النواب العراقي، محمود المشهداني، قد دعا يوم الخميس الماضي إلى عقد جلسة استثنائية الأحد، لغرض البت في تمديد مدة عمل مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات.
وبحسب بيان صدر عن المكتب الإعلامي لرئيس مجلس النواب ورد لشبكة "انفوبلس"،، جاء فيه: "استناداً إلى المادة 58/ أولاً من الدستور والمادة 34/ ثالثاً من النظام الداخلي لمجلس النواب ولقرب انتهاء ولاية مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وبناء على الطلب المقدم من مجلس المفوضين استناداً إلى المادة 7/ أولاً من قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم 31 لسنة 2019 المعدل، أدعو مجلس النواب لعقد جلسة استثنائية يوم الأحد الموافق 5/1/2025 الساعة الواحدة ظهراً لغرض البت في تمديد مدة عمل مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات".
ودخل مجلس النواب في عطلة الفصل التشريعي بعد أن مدده لمدة 30 يوماً استناداً للمادة 58 من الدستور العراقي، وبالتالي انتهت تلك المدة وأصبح وجوباً الدخول في العطلة من 9 كانون الأول ديسمبر الجاري إلى 9 كانون الثاني يناير 2025.
وبالحديث عن هذا الملف، يؤكد النائب ياسر الحسيني أن القوى السياسية لم تتفق حتى اللحظة على مخرجات الجلسة التي دعا إليها رئيس مجلس النواب محمود المشهداني بشأن تمديد عمل المفوضية.
ويقول الحسيني، إن "الدعوة التي وجهها رئيس مجلس النواب كانت تهدف إلى مناقشة تمديد عمل المفوضية، لكن لم يتم التوصل بعد إلى صيغة نهائية بشأن التمديد أو التعديل المرتقب". مبينا، إن "قضية التعديل قائمة وحاضرة أمام القوى السياسية، إلا أن التفاصيل الدقيقة لم تُحسم بعد".
ويشير الحسيني إلى أن "عمل مفوضية الانتخابات الحالية قد انتهى، وأن حلّها دون التوصل إلى تشكيل مفوضية جديدة يُعد تحدياً كبيراً، نظراً لتمسك الأطراف السياسية بممثليها داخل المفوضية".
يشار إلى أن المدة القانونية للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات تنتهي في 7 كانون الثاني 2025، أي اليوم الثلاثاء، بحسب مصدر نيابي تحدث لشبكة "انفوبلس".
الى ذلك، أفادت اللجنة القانونية النيابية، بعدم وجود أي إشكال لتمديد عمل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات. وقال عضو اللجنة محمد عنوز إن "انعقاد جلسة تمديد عمل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات متعلق بتحقيق النصاب"، مشيراً إلى "عدم وجود أي إشكال في تمديد عمل المفوضية لغاية إنجاز انتخابات مجلس النواب القادمة".
ويوضح أن "هذا يعني لا توجد حسابات دقيقة والتزام بالتوقيتات الدستورية وتعديل قانون الانتخابات في كل دورة دون مبررات موضوعية لها علاقة باستقرار العملية السياسية، إضافة إلى تشكيل مفوضية لكل دورة انتخابات دون تقييم عملها والاستفادة من نجاح أحدها". ويتابع: سوف نستمر بالتمديد والتعديل كنهج طالما التوافق هو الحاكم".
عضو مجلس النواب، علي البلداوي، أوضح أن "مفوضية الانتخابات الحالية انتهى عملها، وأن حلّها دون التوصل إلى تشكيل مفوضية جديدة يمثل تحديًا كبيرًا، بسبب تمسك الأطراف السياسية بممثليها داخل المفوضية"، ويضيف أن "عدم التوافق على مفوضية جديدة قد يؤدي إلى تأجيل الانتخابات المقبلة".
ويشير إلى أن "تمديد عمل المفوضية هو الخيار الأرجح لضمان استكمال التحضيرات للانتخابات في موعدها المحدد"، وقال: إن "الكتل السياسية تتفق بشكل كبير على هذه الدعوة، ما يعزز فرصة التصويت على تمديد مدة عمل المفوضية خلال الجلسة المقبلة".
بدوره، يقول الخبير الانتخابي سعد الراوي، إنه "مع انتهاء ولاية مجلس المفوضين؛ ستظهر مشكلة البديل، وهناك خلافات سياسية بشأن ما إذا كان سيتم تشكيل مفوضية جديدة وفق هذا القانون النافذ، بينما هناك رأي سياسي بالعودة إلى القانون القديم، بمعنى عدم وجود قضاة والاعتماد على مجموعة خبراء يجري اختيارهم من مجلس النواب، ولا نعرف متى سينتهي هذا الخلاف، وهل ستبقى المفوضية من دون مجلس مفوضين، والعراق مقبل على انتخابات في هذا العام".
وبشأن العمل على قانون انتخابي عادل يضمن مشاركة الجميع، ويحقق مبدأ التداول السلمي للسلطة، يبين الراوي: إن "هذا التوجه قابل للحوار، وهذا أمر يحتاج إلى ورشة عمل تقدم فيها أوراق من مختصين، ومن كل شركاء العملية السياسية، وتتبنى الموضوع جهة عليا؛ ويفضل أن تكون السلطة التشريعية أو مفوضية الانتخابات، ويتم طرح إيجابيات وسلبيات أي مقترح تعديل للقانون، وبعد ذلك يقر المقترح أو يعدل أو يلغى".
ويبين، أن "أي قانون انتخابي جديد يشرع أو يعدل ولا يتعاون فيه كل شركاء العملية الانتخابية؛ سيبقى مرهونا بعدم الرضا، وهذه إشكالية من إشكاليات أزمة الثقة في المنظومة القانونية الانتخابية"، وبين أن "هناك حوارات لتعديل فقرة أو فقرتين من قانون الانتخابات، بشأن (طريقة ترسيم الدوائر الانتخابية، أو المعادلة الرياضية لاحتساب المقاعد)"، مقترحا "طرح مناقشة كل المنظومة الانتخابية، إضافة إلى أنه لابد من أن يطرح أي مقترح للتعديل أمام كل شركاء العملية السياسية من دون غياب أي طرف".
ويلفت الراوي، إلى أن "الأحزاب في الدول الديمقراطية يبدأ عملها للانتخابات اللاحقة بعد انتهاء الانتخابات السابقة وإعلان نتائجها، إذ تتدارس بورشة تسمى الدروس المستنبطة، تعالج فيها ما حدث من الإخفاقات وتضع آليات لتضاعف بها النجاحات"، ويوضح أن "المتبقي إلى الموعد المفترض للانتخابات المقبلة نحو 9 أشهر".
وكان تغيير قانون الانتخابات احد ابرز عوامل الخلافات السياسية للعام 2024، حيث إن فريق وحلفاء رئيس الوزراء محمد السوداني لا يرون بضرورة تغيير قانون الانتخابات، فيما يصر مناوئو السوداني على ضرورة تعديل قانون الانتخابات، وهو ما قرأه مراقبون بأنه يستهدف التضييق على السوداني ومنعه من الحصول على مقاعد كثيرة في الانتخابات المقبلة، فإذا كان القانون بصيغته الحالي بـ18 دائرة، بحيث توجد دائرة انتخابية في كل محافظة، فإنه سيكون بصالح السوداني، لذلك تهدف بعض أقطاب الإطار الى تعديل قانون الانتخابات لرفع عدد الدوائر وجعلها متعددة أكثر بواقع دائرتين ربما في كل محافظة ليصل عدد الدوائر الى بين 35 الى 40 دائرة انتخابية.
وشهد العراق الشهر الماضي، حراكا سياسيا من قبل كتل سياسية داخل الإطار التنسيقي، وعلى رأسها ائتلاف دولة القانون، لتعديل قانون الانتخابات. وكان نواب قد أقروا بصعوبة تعديل قانون الانتخابات، بسبب الانقسام السياسي بين كبار الكتل السياسية، منوهين إلى أن كل طرف سياسي سيعمل على تمرير القانون وفق ما يخدم مصلحته الحزبية، ولذا تم تأجيل هذا التعديل لحين حسم القوانين الخلافية المعلقة منذ أشهر دون التصويت عليها.
ويتضمن البرنامج العام لحكومة السوداني، التي منحها البرلمان العراقي الثقة في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، مجموعة بنود ومحاور أبرزها بسط الأمن والاستقرار، ومعالجة مشاكل الفقر والبطالة، واستئناف العمل بالمشاريع المهمة، ومكافحة الفساد، ومنها أيضا بند ينص على إجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
الجدير بالذكر أن العراق شهد تشريع ستة قوانين انتخابية منذ عام 2003، الأول كان في مرحلة الدولة الانتقالية، حيث كان العراق كله دائرة انتخابية واحدة، مع إقرار قوائم انتخابية مغلقة.
ورغم اعتماد القانون الانتخابي (رقم 16 لسنة 2005) القوائم المغلقة ونظام القاسم الانتخابي في احتساب الأصوات وتوزيع المقاعد، إلا أنه قسم العراق إلى 18 دائرة انتخابية، واستمر العمل به حتى عام 2010، ليشهد بعدها تعديلا تمثل في اعتماد القوائم الانتخابية شبه المفتوحة.
وفي 2014، أصدر البرلمان قانونا جديدا للانتخابات، اعتمد فيه نظام سانت ليغو حسب معادلة 1.7، لكن هذه المعادلة شهدت تغييرا في انتخابات 2018 الذي شهد إصدار قانون انتخابي جديد اعتمد معادلة 1.9.
وشهد القانون تغييرا جذريا عام 2020، استجابة لمطالب احتجاجات تشرين (خريف 2019)، إذ اعتمد على الأكثرية بدلا من النسبية، وقسم المحافظة التي كانت في القوانين السابقة دائرة واحدة إلى عدة دوائر انتخابية، ما أسهمت بفوز عشرات المستقلين لأول مرة، وتراجع في حظوظ غالبية الأحزاب الكبيرة التي لم تتمكن من تحقيق الأغلبية، الأمر الذي دفع الأحزاب التقليدية للسعي إلى تغيير القانون، وهو ما حدث بالفعل في 27 مارس 2023، أي قبل إجراء انتخابات مجالس المحافظات بشهور.
وكانت تصريحات نائب رئيس الوزراء الأسبق، بهاء الأعرجي، في آب أغسطس الماضي، حول وجود صفقة "إطارية – رئاسية" يجري العمل عليها لتعديل قانون الانتخابات وتحجيم شعبية رئيس الحكومة محمد شياع السوداني انتخابيا، قد أثارت غضب رئاسة الجمهورية، واصفة إياها بـ"الشائعات" من أجل إرباك الساحة السياسية، ملوحة بمقاضاته.
يذكر أن مجلس النواب قد صوت خلال جلسته التي عقدت في الـ27 من آذار مارس 2023 بحضور 218 نائبا على قانون "التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والأقضية رقم (12) لعام 2018".
وشملت التعديلات الأخيرة إلغاء النظام المعمول به في انتخابات تشرين الأول أكتوبر 2021، واعتمد بموجب النظام الانتخابي الجديد نظام الدوائر المتعددة وقسم البلاد جغرافيا إلى 83 دائرة بدل النظام القديم الذي حدد أن كل محافظة تمثل دائرة انتخابية واحدة.
وبحسب سياسيين، فإن الأحزاب الناشئة والمرشحين المستقلين استفادوا من قانون الدوائر المتعددة، الذي يمنح المرشح فوزه المباشر من خلال أعداد المصوتين له، لكن نظام الدائرة الواحدة يعطي للقائمة الانتخابية أصوات الناخبين للمرشحين ضمن هذه القائمة، لكن في المقابل رأى مراقبون للشأن العراقي أن التعديلات الأخيرة تعزز هيمنة الأحزاب التقليدية على حساب القوى الناشئة.