السوداني يتحدّى الاصطفاف التقليدي.. تشكيل "ائتلاف الإعمار والتنمية" مع شخصيات بارزة كمقدمة لاستحقاق انتخابي يهدف لولاية ثانية

انفوبلس..
وسط جدل سياسي حول خروجه عن الإطار التنسيقي من عدمه، أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، تشكيل "ائتلاف الإعمار والتنمية" لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة بمشاركة عدة كيانات وشخصيات بارزة، ما اعتُبر محاولة لتأمين ولاية ثانية برئاسة مجلس الوزراء خارج التحالفات التقليدية.
إعلان تشكيل
أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أمس الثلاثاء (20 أيار 2025)، تشكيل (ائتلاف الإعمار والتنمية)، لخوض الانتخابات التشريعية، المقرر إجراؤها في تشرين الثاني المقبل، مشيراً إلى أن الائتلاف يضم سبعة كيانات سياسية هي كل من تيار الفراتين، وتحالف العقد الوطني وائتلاف الوطنية وتحالف إبداع كربلاء، وتجمّع بلاد سومر، وتجمّع أجيال، وتحالف حلول الوطني.
وقال السوداني في بيان: "التزاماً بالوعد الذي قطعناه لأبناء شعبنا الكريم، بالعمل والخدمة والحفاظ على كيان مؤسسات الدولة وسيادتها، وتوفير أسباب التنمية المستدامة، واستكمالاً لنهج الإعمار والإصلاح الذي شرعت به الحكومة عبر برنامجها وبأولوياته الخمس، ومن خلال مشاريعها ومُستهدفاتها، تتشرف مجموعة من القوى والتيارات الوطنية العراقية أن تعلن لعموم أبناء شعبنا العراقي، عن تشكيل (ائتلاف الإعمار والتنمية)، لخوض الانتخابات التشريعية، المقرر إجراؤها في تشرين الثاني القادم".
وأضاف: "وقد اجتمع في هذا الائتلاف، أبناؤكم في كل من القوى السياسية والوطنية التالية؛ تيار الفراتين، وتحالف العقد الوطني وائتلاف الوطنية وتحالف إبداع كربلاء، وتجمّع بلاد سومر، وتجمّع أجيال، وتحالف حلول الوطني".
وتابع: "لقد وضعنا نُصب الأعيُن، مصلحة العراق والعراقيين أولاً، واستهدفنا استدامة الإعمار وتعزيز الاقتصاد الوطني، واستكمال البُنى التحتية والمشاريع الاستراتيجية، وترسيخ ما تحقق من الأمن والاستقرار والعلاقات مع المحيط الإقليمي والعربي والعالمي، والبناء على ما أنجز من خطوات كبيرة خلال العامين الماضيين، في ظل ما شهده العمل الحكومي من خدمات وتطوير وخلق للفرص، ورعاية للأسرة وشرائح المُجتمع كافة، آخذين بعين الاهتمام تلبية تطلّعات المواطن في كل مكان".
وصوت مجلس الوزراء العراقي، في 9 نيسان الماضي، على تحديد 11 تشرين الثاني المقبل موعداً لإجراء الانتخابات البرلمانية.
ويحق لنحو 30 مليون عراقي من أصل 46 مليوناً الإدلاء بأصواتهم لانتخاب 329 عضواً في البرلمان.
أبرز القادة
ويتكون الائتلاف من عدة قوى وشخصيات بارزة على رأسها كل من:
محمد شياع السوداني، رئيس مجلس الوزراء ورئيس تيار الفراتين.
فالح الفياض، رئيس هيئة الحشد الشعبي ورئيس تحالف العقد الوطني.
أحمد الأسدي، وزير العمل والشؤون الاجتماعي ورئيس تجمع بلاد سومر.
نصيف الخطابي، محافظ كربلاء المقدسة، ورئيس تحالف إبداع كربلاء.
محمد صاحب الدراجي، رئيس "هيئة التصنيع الحربي" ورئيس تحالف حلول الوطني.
محمد الصيهود، عضو مجلس النواب ورئيس تجمع أجيال.
إياد علاوي، رئيس مجلس الوزراء الأسبق ورئيس ائتلاف الوطنية.
معلومات عامة عن الائتلاف
وبحسب مواقع مقربة من الائتلاف الجديد، فإن "ائتلاف الإعمار والتنمية" يعتبر خطوة استراتيجية لتوحيد الجهود بين مجموعة من القوى والتيارات الوطنية الفاعلة في الساحة السياسية العراقية، حيث يهدف الائتلاف إلى تحقيق المصالح الوطنية، وتنفيذ برامج تنموية شاملة ترتكز على البناء والتطوير، إلى جانب تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية.
وأضافت أن خطوة تشكيل ائتلاف الإعمار والتنمية تأتي متزامنة مع التزام السوداني بتحقيق مصلحة العراق وجميع شبابه ومواطنيه، حيث يركز الائتلاف على ضمان سيادة العراق وحمايتها من أي تدخل خارجي، كما يسعى هذا الكيان السياسي الجديد إلى ضمان شفافية العمل الحكومي والعمل على توفير برامج قادرة على تدعيم ركائز بناء الدولة، ومن هنا تأتي أهمية هذا المشروع السياسي في تقديم رؤية واضحة تعزز ثقة المواطنين.
وبين، أن السوداني أكد أن استراتيجيات ائتلاف الإعمار والتنمية تعتمد على البناء الشامل، والذي يشمل استكمال مشروعات البنية التحتية التي تعاني من تحديات كبيرة، كما يعمل الائتلاف على تعزيز العلاقات الإقليمية والدولية بما يتماشى مع المصلحة العراقية، بالإضافة إلى السعي نحو خلق المزيد من فرص العمل الجديدة، ويتمثل الهدف في النهوض بمختلف القطاعات الحيوية التي تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطن.
ويشدد السوداني، وفقاً لتلك المواقع، على أن هناك رؤية واضحة لائتلاف الإعمار والتنمية لتلبية مطالب وتطلعات المواطنين من مختلف المناطق، ففي ظل الإنجازات التي تحققت خلال الأعوام الماضية، يضع السوداني على رأس أولوياته توفير الخدمات الأساسية، من خلال سياسات تنموية فعالة، إلى جانب تذليل العقبات التي تواجه الشباب في مجالات التعليم والتوظيف والتنمية الاقتصادية، كما أكد أن الانتخابات المقبلة تمثل فرصة مثالية لتمكين هذا المشروع السياسي لتحقيق هذه الأهداف.
وتعتبر الانتخابات البرلمانية المقبلة في العراق الحدث السياسي الأكثر أهمية لهذا العام، حيث تسعى مختلف القوى السياسية لإعادة تشكيل المشهد السياسي العراقي.
يُذكر أن الإطار التنسيقي، الذي يتصدر المشهد السياسي، قرر المشاركة بقوائم متعددة، على أن يتم دمج هذه الكيانات تحت مظلة واحدة بعد الانتخابات لتشكيل كتلة البرلمان الرئيسية.
وتستهدف هذه الانتخابات ترسيخ الديمقراطية وتعزيز الصلة بين الحكومة واحتياجات الشعب مع التركيز على بناء مستقبل أكثر استقرارًا وسلامًا.
وتشهد الساحة العراقية العديد من التحديات التي تتطلب تعاونًا مثمرًا بين مختلف الفصائل السياسية لتحقيق تنمية مستدامة، إذ يظل تحسين الخدمات العامة وتطوير الاقتصاد من المحاور الرئيسية التي تحتاج إلى تضافر الجهود. وفي الوقت نفسه، توفر الانتخابات فرصة للتغيير والتأكيد على أهمية المصلحة الوطنية عبر البرامج التي ينتظرها المواطنون بشغف. ويمثل ائتلاف الإعمار والتنمية نموذجًا للاستجابة لهذه التحديات مع التركيز على رؤية موحدة للنهوض بالمجتمع العراقي.
أول التعليقات
وتعليقاً على الملف، وصف عضو مجلس النواب، النائب مختار الموسوي، إعلان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني دخوله في ائتلاف انتخابي موسع باسم "ائتلاف الإعمار والتنمية" بأنه خروج واضح عن الإطار التنسيقي، ويهدف إلى تحقيق طموحه في ولاية ثانية.
وقال الموسوي إن "تحالف السوداني الجديد الذي يضم تيار الفراتين بقيادته، إلى جانب شخصيات من خارج الإطار التنسيقي، من بينهم رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، يعد إعلانًا صريحًا عن خروجه من الإطار".
وأضاف، إن "هذا التحرك لا يصب في مصلحة السوداني، نظرًا إلى أن الإطار التنسيقي يمثل قوة سياسية ذات قاعدة شعبية واسعة داخل المكون الشيعي".
وأوضح، إن "الدافع وراء تشكيل هذا التحالف واضحٌ ولا يحتاج إلى مزيد من التحليل، فهو يهدف إلى ضمان ولاية ثانية للسوداني، إذ من غير المرجح أن يحقق ذلك إذا بقي داخل الإطار التنسيقي".
وأكد الموسوي، إن "السوداني لم يُجرِ أي مشاورات مسبقة مع قوى الإطار التنسيقي قبل إعلان تشكيل التحالف".
خارطة التحركات
إن تشكيل "ائتلاف الإعمار والتنمية" بقيادة السوداني، ليس مجرد خطوة انتخابية تقليدية، بل يمثل تحركاً استراتيجياً يعكس تحولات جذرية في بنية التحالفات السياسية العراقية، ويحمل دلالات عميقة على صعيد إعادة تشكيل مراكز القوة داخل الطبقة السياسية، لاسيما داخل البيت الشيعي.
تفكيك الإطار أم إعادة تعريفه؟
رغم أن السوداني لم يعلن رسمياً خروجه من "الإطار التنسيقي"، إلا أن ضمّه لشخصيات محسوبة على معسكرات خارج هذا الإطار – كإياد علاوي ومحمد صاحب الدراجي – يوجه رسالة سياسية لا يمكن تجاهلها، وهي أن الرجل يسعى إلى خلق تحالف عابر للطوائف، يضم قوى شيعية وسنية وربما حتى ليبرالية، ما يجعل مشروعه بمثابة "نسخة محدثة" من التحالفات العابرة التي نادَت بها قوى سياسية واحتجاجات شعبية.
هذا التحرك قد يُفسَّر بأنه محاولة للتموضع كـ"رجل الدولة" الذي يعلو فوق الاصطفافات المذهبية التقليدية، لكنّه في الوقت ذاته يُحدث شرخاً محتملاً في الإطار التنسيقي، خاصة إذا ما قرأه البعض بوصفه انقلاباً على وحدة البيت السياسي الشيعي، خصوصاً في ظل تصريحات قيادات من الإطار تصف هذه الخطوة بأنها تهدد وحدة "التمثيل الشيعي".
حسابات الولاية الثانية
من الواضح أن أحد أبرز أهداف هذا الائتلاف هو تمهيد الطريق أمام السوداني لتأمين ولاية ثانية. فالرجل، الذي جاء إلى رئاسة الحكومة عبر تسوية داخل الإطار التنسيقي، يبدو الآن أكثر ثقة بالاستثمار في "رأسماله الحكومي" ونجاحاته الخدمية، لتسويق نفسه مباشرة إلى الجمهور.
لكن الطموح بولاية ثانية لا يتحقق دون حسابات دقيقة لقوة الكتلة البرلمانية المقبلة، ولذلك فإن هذا الائتلاف يمثل محاولة لبناء "قوة مستقلة" يمكنها التفاوض لاحقاً من موقع الشريك لا التابع، سواء مع الإطار أو مع القوى الكردية والسنية. غير أن هذا الطموح محفوف بمخاطر، إذ إن الانفكاك عن الإطار قد يعني فقدان الدعم السياسي في لحظة حرجة، ما لم يُعوَّض ذلك بتحالفات انتخابية واسعة النطاق.
ويأتي إعلان الائتلاف في توقيت حساس؛ فالبلاد تتهيأ لانتخابات يُتوقع أن تكون تنافسية، وسط مناخ سياسي غير مستقر. ويبدو أن السوداني يحاول تقديم نفسه بوصفه مرشح "الاستقرار والبناء"، عبر برنامج تنموي يستند إلى ما تحقق في العامين الماضيين، خصوصاً في ملف الخدمات والبنى التحتية.
لكن الرسالة لا تقتصر على الداخل. فوجود شخصيات مثل فالح الفياض، رئيس هيئة الحشد الشعبي، إلى جانب إياد علاوي المعروف بعلاقاته الغربية، يُظهر أن السوداني يريد طمأنة جميع الأطراف – من واشنطن إلى طهران – بأنه القادر على إدارة التوازنات المعقدة، دون الانحياز الكامل إلى محور دون آخر.
تحدي الشارع وتحدي المنافسين
السوداني يدرك أن الشارع العراقي تغيّر منذ احتجاجات تشرين 2019. فالجمهور، وخاصة فئة الشباب، لم تعد تكفيه الشعارات، بل يتطلع إلى حلول ملموسة في ملفات التعليم، والبطالة، والسكن، والخدمات. ومن هنا جاء التركيز في خطاب الإعلان على "التنمية المستدامة" و"خلق الفرص"، وهي مفردات تُستخدم لأول مرة بهذا التركيز في الخطاب الانتخابي الرسمي.
في المقابل، فإن هذا الائتلاف سيواجه منافسة شرسة، ليس فقط من قوى الإطار التنسيقي التي تخوض الانتخابات بقوائم متعددة وتخطط للاندماج لاحقاً، بل من قوى ناشئة وأخرى معارضة للطبقة السياسية برمتها، تحاول استعادة نبض الشارع "التشريني". لذلك، سيبقى رهان السوداني على القدرة في كسب "الوسط الصامت" من الناخبين، وهم شريحة كبرى لا تنتمي لحزب أو تيار، لكنها تبحث عن الأمل.
ما بعد الانتخابات.. من التحالف إلى الحكم
إذا نجح "ائتلاف الإعمار والتنمية" في تحقيق نتائج انتخابية مؤثرة، فإن المشهد السياسي بعد تشرين الثاني 2025 سيكون مرشحاً لتغييرات كبيرة، تبدأ من شكل الحكومة، وقد تمتد إلى موقع رئاسة الوزراء ذاته. غير أن التحدي الأكبر لا يكمن في الفوز بالانتخابات فقط، بل في القدرة على ترجمة الخطاب التنموي إلى واقع ملموس، وسط إدارة مشهد سياسي متشابك داخلياً، وضاغط خارجياً.
وفي حال فشل السوداني في تأمين كتلة مؤثرة، فقد يجد نفسه محاصراً بين الإطار الذي خرج منه فعلياً، والخصوم الذين لا يرونه إلا جزءاً من منظومة الحكم القديمة. أما إذا نجح، فقد يكون العراق أمام تجربة سياسية جديدة، تقودها شخصية تمزج بين الواقعية السياسية، والجرأة في تغيير الاصطفافات.
ويُعد إعلان "ائتلاف الإعمار والتنمية" ليس مجرد تحالف انتخابي، بل تحوّلا استراتيجيا في مسار محمد شياع السوداني السياسي. فهو يقف اليوم عند مفترق طرق: إما أن ينجح في بناء كتلة عابرة للطوائف قادرة على قيادة مرحلة جديدة، أو أن يسقط ضحية صراع المحاور والانقسامات التقليدية. وفي الحالتين، فإن ما يجري الآن لا يعيد تشكيل التحالفات فقط، بل يعيد تعريف من هو "رجل الدولة" في العراق.