العراق ما بعد الانتخابات التركية.. إعادة فتح معبر فيشخابور وإيقاف عمليات حصار مخيم مخمور بنينوى
انفوبلس..
بعد 3 أحداث متزامنة في الشهر الماضي أطرافها بغداد وأربيل وأنقرة، تمثلت بمحاصرة مخيم مخمور في نينوى من قبل الجيش العراقي، وإغلاق معبر فيشخابور/ سيمالكا من قبل سلطات الإقليم، وإغلاق المجال الجوي التركي أمام الطائرات القادمة من مطار السليمانية من قبل سلطات أنقرة، تم التراجع اليوم عن خطوتين من الثلاثة المذكورة، حيث أوقفت بغداد عملية حصار المخيم وأعادت أربيل افتتاح المعبر، ما يثير التساؤلات حول ارتباط نتائج الانتخابات التركية، وتنامي علاقة "قسد" بالسليمانية، وخلافات قوى الإقليم بهذه الأحداث.
حصار مخيم مخمور المؤقت
في الرابع والعشرين من شهر أيار/ مايو الماضي، بدأ الجيش العراقي عملية حفر خندق وإنشاء نقاط مراقبة أمنية حول مخيم مخمور، الذي يضم المئات من أُسر مسلحي حزب العمال الكردستاني المعارض لأنقرة، والموجود على الحدود بين محافظتي نينوى وأربيل، وذلك بعد أيام من تحرك واسع لقوات الجيش تجاه المخيم، الذي تقول تركيا إنه تحوّل إلى مكان لتجنيد المسلحين من قبل حزب العمال.
قبلها بأيام، بدأت قوات الجيش العراقي عملية انتشار واسعة في بلدة مخمور الواقعة على بعد 105 كم جنوب شرقي الموصل ونحو 70 كم غربي أربيل، ويضم المخيم أكثر من 1500 عائلة من أكراد تركيا، وهم من عائلات مسلحي حزب العمال الكردستاني المعارض لأنقرة.
ويهدف التحرك العراقي الجديد للحد من ممارسات حزب العمال داخل المخيم، مثل عمليات التجنيد واستقطاب المراهقين والشباب داخل المخيم، وكذلك إخفاء السلاح وإنشاء خلايا إعلام إلكتروني تخدم توجهات الحزب المصنّف على لائحة الإرهاب في تركيا.
مسؤول عراقي رفض الكشف عن اسمه، قال إن وحدات الجهد الهندسي في الجيش العراقي بدأت بإنشاء خندق أمني حول المخيم، مع نصب أبراج مراقبة ونقاط دخول وخروج معينة، لا يسمح بالمرور منها إلا بموافقة الجيش العراقي.
وأضاف، إن هذا الإجراء "جاء بعد قيام حزب العمال بتحريض سكان المخيم على مهاجمة الجيش ومنع دخوله المخيم لإقامة ممثلية له". وأكد المسؤول ذاته تقديم قائد الجيش بالمنطقة توجيهات بالتعامل مع أي تحرّك من حزب العمال يحاول إعاقة عمل الخندق الأمني أو نصب أبراج المراقبة.
ويُنتظر أن يُقابل التحرك العراقي بارتياح تركي، خاصة بعد سلسلة لقاءات أمنية بين البلدين أعربت فيها أنقرة عن قلقها من تحول المخيم إلى نقطة أنشطة ذات طابع عسكري، مطالبة العراق بفرض سيطرته عليه.
من جانبه، قال قائممقام مدينة مخمور رزكار محمد، إن الجيش العراقي بدأ بعملية حفر خندق حول مخيم مخمور.
وأوضح محمد، إن القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية اتخذت قراراً بوضع المخيم تحت سيطرة العراق ورفع العلم العراقي عليه، وقيادة عمليات محافظة نينوى هي من تنفذ عملية حفر الخندق.
وكشف المسؤول ذاته، عن أن التحرك جاء بعد انتهاء مهلة قدّمها الجيش لإدارة المخيم، تقضي بدخول الجيش وإقامة مقر له داخل مخيم مخمور، وبدء قوة من الشرطة العراقية ممارسة صلاحياتها الأمنية، ومنع أي مظاهر مسلحة داخله، لكن قادة المخيم، وهم من حزب العمال، رفضوا التعاطي مع تلك المطالب، وهو ما دفع الجيش إلى فرض سلطته بهذه الطريقة.
مصدر أمني كشف لموقع "INFOPLUS"، اليوم الاثنين، إن قوات الجيش أوقفت عملياتها بمحيط مخيم مخمور دون الكشف عن مزيد من التفاصيل.
ويعتبر المخيم المشيّد منذ منتصف التسعينيات، وتقطنه المئات من العائلات الكردية التركية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني واحداً من المواقع التي تعتبرها تركيا مراكز تجنيد وأنشطة مسلحة ضد أمنها القومي، وتطالب العراق بالعمل على منع الأنشطة ذات البُعد العسكري داخله.
وسبق للقوات التركية تنفيذ عدة ضربات جوية داخل المخيم المشيّد على مساحة تصل إلى 20 كيلومتراً، ومبني من الحجر والطوب، ويضم ما لا يقل عن 12 ألف شخص. وشيّدت الأمم المتحدة ومنظمات أوروبية مركزاً صحياً ومدرسة وبعض الخدمات للقاطنين فيه.
وهدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مطلع يونيو/ حزيران 2021، بأن بلاده ستقوم "بتطهير" مخيم مخمور. وقال إنه "تحوّل لملاذ آمن لمسلحي حزب العمال الكردستاني"، مبيناً أنه يُعد "حاضنة لمسلحي حزب العمال ويتعين التعامل معه"، معتبراً أن عدم التعامل مع المخيم يعني استمرار "تصدير الإرهابيين منه".
وعقب هذا التعليق بأيام، أعلنت أنقرة عن تمكن الاستخبارات التركية من قتل القيادي في حزب "العمال الكردستاني" سلمان بوزقير، الملقب بـ"دكتور حسين"، والمسؤول العام عن مخيم مخمور شمالي العراق.
إغلاق المعبر وإعادة فتحه
وقبل نحو شهر من الآن، أغلقت إدارة معبر فيشخابور/ سيمالكا غير الشرعي، الذي يربط مناطق إقليم كردستان العراق بمناطق سيطرة "قسد"، بشكل كامل، وحتى إشعار آخر، من دون ذكر الأسباب.
ووفق الإعلان، فقد أبلغ الجانب العراقي في معبر فيشخابور الجانب السوري في معبر سيمالكا "بمنح حاملي الجنسيات الأجنبية والمرضى مهلة أسبوع فقط لتسوية أوضاعهم وتقرير مصيرهم في البقاء في الداخل السوري أو المغادرة إلى العراق".
جاء القرار على وقع الخلافات السياسية المتصاعدة بين حكومة كردستان العراق وقسد، والعلاقة المتنامية للأخيرة مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طالباني، من دون أي تنسيق مع حكومة الإقليم.
ويُعد هذا المعبر الشريان الرئيسي الذي يستخدمه "التحالف" الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لإدخال الأسلحة والمعدات وتنقُّل الجنود باتجاه مناطق شمال شرق سوريا الخاضعة لسيطرة "قسد"، كما أنه يُستخدم في النشاط التجاري وتهريب النفط والقمح السوريَّين إلى خارجها.
مصادر كردية مقرَّبة من إقليم كردستان كشفت، أن الإغلاق جاء رداً على منع سلطات الإدارة الذاتية عبور وفود كردية سورية، من بينها وفد للمجلس الوطني الكردي إلى الإقليم، في إطار حضور افتتاح متحف البارزاني، وأيضا التحضيرات المزمع عقدها في أربيل لانعقاد مؤتمر الحزب الديمقراطي الكردستاني، أكبر أحزاب المجلس الوطني الكردي.
وتلقت منظمات دولية غير حكومية إشعارات من إدارة المعبر، تبلّغهم بإغلاق المعبر حتى إشعار آخر. كما أمهلت سلطات الإقليم أصحاب الجنسيات والإقامات الأوروبية المتواجدين في مناطق الإدارة الذاتية مدة أسبوع للعودة أو البقاء.
وفي هذا الخصوص، قال عمر كوجري رئيس تحرير صحيفة كردستان، التي تصدر من أربيل، إن هذا المعبر افتُتِح في عام 2012، لإدخال المساعدات الإنسانية، والبضائع، والأغذية إلى سوريا، وتحول إلى شريان حياة بين سوريا وإقليم كردستان.
وأضاف كوجري: "من خلال هذا المعبر هاجر عشرات الآلاف من السوريين إلى إقليم كردستان وكان طريقا للعبور إلى أوروبا أيضا".
ويستدرك كوجري قائلا: "هذا المعبر تعرّض فيما بعد، تحديداً بعد استلام الإدارة الذاتية للسلطة في شمال شرق سوريا، للتسييس عبر جملة من الإجراءات غير القانونية، لا تمتّ إلى المسائل الإنسانية بأي صلة، ودائما كنا نشاهد في الفترات السابقة كيف كان حزب الاتحاد الديمقراطي (أكبر أحزاب الإدارة الذاتية) يجيّش عناصره ومؤيديه للهجوم حتى على المعبر، وموظفيه.
واتهم كوجري الإدارة الذاتية بمنع وصول الوفود السياسية وخاصة المجلس الوطني الكردي من شمال شرق سوريا إلى إقليم كردستان.
وأضاف: "هذا المعبر أُوقِف حالياً بسبب منع إدارة المعبر بعض قيادات المجلس الوطني الكردي، ومن دون أي مبرر، من دخول الإقليم، قامت على إثرها إدارة المعبر بإغلاقه حتى إشعار آخر، وربما يتدخل الأميركان بغية إعادة فتح المعبر من جديد".
وفي يوم السبت الماضي، أعلن مدير معبر "فيشخابور، سيمالكا" الحدودي مع غرب كوردستان في سوريا استئناف معبر "فيشخابور، سيمالكا " الحدودي مع غرب كوردستان في سوريا اعتباراً من يوم الاثنين، موضحا أن المعبر سيكون مفتوحاً للحركة التجارية والمنظمات الدولية والأشخاص.
رسائل تركية لليكتي
مطلع نيسان/ أبريل الماضي، استهدف قصف تركي مطار السليمانية الدولي ما أثار الكثير من الجدل حول الاعتداء السافر للسيادة العراقية، والتساؤلات حول السبب الحقيقي لإقدام أنقرة على مثل هكذا خطوة متهورة.
وتضاربت الأنباء حول وجود محاولة اغتيال طالت قائد قوات "سوريا الديمقراطية" مظلوم عبدي في مطار السليمانية الدولي بإقليم كردستان العراق، عقب استهداف سور المطار بطائرة مسيّرة تركية.
مصدر رفيع في حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" الحاكم في محافظة السليمانية التي تُعد معقل الحزب وثاني أكبر محافظات الإقليم، فقد كان قائد قوات "سوريا الديمقراطية" المعروفة اختصاراً بـ "قسد" والمدعومة من الولايات المتّحدة والتحالف الدولي، الذي تقوده ضد عصابات "داعش" في سوريا والعراق المجاور، داخل المطار عند استهدافه.
المصدر كشف أن "عبدي لم يكن بمفرده عند استهداف المطار"، بل برفقة مسؤولين أميركيين من التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن.
كما أضاف، أن "قائد قسد غادر السليمانية برفقة مسؤولين أميركيين بعد سلسلة اجتماعاتٍ مع جهاز مكافحة الإرهاب في المدينة، حيث وصل إلى مكان إقامته في شمال شرقي سوريا"، معتبراً أن "الهدف من استهداف المطار لم يكن التخلّص من مظلوم وإنما إرسال رسالة تركية للسلطات في السليمانية على خلفية دعمها المستمر لقسد".
بدوره، اتهم عبدي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بخلط الأوراق والبحث عن ذرائع تخدم مصالحه في مرحلة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وأكّد وجود غرف عمليات مشتركة بإشراف التحالف الدولي مع قوات محاربة الإرهاب في العراق وكردستان العراق لمحاربة "داعش"، "وهو ما لا يقبل به أردوغان"، على حدّ تعبّيره.
وسبق للرئيس المشارك لحزب "الاتحاد الوطني" بافل طالباني، نجل الرئيس العراقي الراحل والأسبق جلال طالباني أن قام بزيارة عبدي في مقرّ إقامته في شمال شرقي سوريا في أواخر عام 2022 الماضي، وهو ما أثار غضب تركيا التي تعارض تعاون "الاتحاد" المستمر منذ سنوات مع "قسد" و"الإدارة الذاتية".
يشار إلى أن استهداف مطار السليمانية زاد من حدّة الخلافات بين الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان وهما "الاتحاد الوطني" و"الديمقراطي الكردستاني" الذي يتزعّمه الرئيس السابق للإقليم مسعود بارزاني.
وطالبت رئاسة إقليم كردستان السلطات الأمنية بإجراء تحقيقاتٍ في الحادث، كما دعت الأطراف المعنية إلى ضبط النفس والتعامل مع الحادثة وتداعياتها بطريقة سليمة.
ودانت "قسد" والرئاسة العراقية وحزب "الاتحاد الوطني" استهداف مطار السليمانية الدولي الذي أغلقت تركيا مجالها الجوي أمام الرحلات المغادرة منه والمتوجّهة إليه منذ الثالث من نيسان/ أبريل الجاري في قرارٍ سيستمر حتى الثالث من شهر تموز/ يوليو المقبل، وجاء في سياق "تكثيف أنشطة حزب العمال الكردستاني" في السليمانية، وفق ما أوردت وزارة الخارجية التركية.
اليوم وبعد انتهاء الانتخابات التركية وظهور نتائجها بفوز أردوغان مرة أخرى وشروعه بتشكيل حكومته الجديدة، استقرت أوضاع أنقرة السياسية إلى حد كبير، وعادت إلى سياستها المعتادة المعروفة بالتأنّي، ولم تعد بحاجة إلى العمل وفق ظروف طارئة تمرّ بها البلاد كان ستتغير بنسبة كبيرة لو لم يفُز أردوغان بانتخاباتها.