العراق يتولى مسؤولية إدارة الملفات العربية لعام كامل.. واجهة شرفية أم ورقة استراتيجية؟

انفوبلس/..
نجحت العاصمة بغداد باستضافة حدث مهم مثل القمة العربية، بدورتها الرابعة والثلاثين، وهذا يُعد في طبيعة الحال، إنجازاً معنوياً للحكومة الحالية، لكن ثمة تساؤلات تبدأ مع تولي العراق رئاسة القمة لعام كامل، وما يترتب عليها من مسؤوليات حيال ملفات عربية معقدة كاليمن وليبيا والسودان ولبنان وغزة.. فهل تنجح الحكومة في هذا الدور وتكون لاعباً فاعلاً في المشهد العربي؟
وبدأت اليوم السبت، أعمال القمة العربية بدورتها الـ34، في العاصمة بغداد، بعد اجتماعات عديدة عُقدت خلال الأيام الماضية على مستوى الوزراء، بشأن العلاقات والاقتصاد، فضلا عن القمة التنموية العربية أيضاً، التي ستُعقد في بغداد.
وتشهد المنطقة العديد من القضايا الكبرى مثل النزاع في اليمن، والصراع الدامي في السودان، والانقسام الليبي، والحرب في غزة، إلى جانب الملف السوري.
وبالتوازي مع الأبعاد السياسية للقمة، كشفت الحكومة العراقية عن إعداد 18 مبادرة قالت إنها ستُطرح على القمم الثلاث التي انعقدت في بغداد، وهي القمة العربية الاعتيادية، والقمة التنموية، وقمة آلية التعاون الثلاثي مع مصر والأردن.
*توزيع المبادرات
وبحسب المتحدث باسم الحكومة باسم العوادي، فقد جرى إقرار خمس مبادرات عراقية خلال الاجتماع الوزاري لوزراء الخارجية العرب، تضمنت ملفات التعاون الأمني، ومكافحة الإرهاب والمخدرات، فيما توزعت المبادرات الثلاث عشرة المتبقية على الجوانب الاقتصادية.
ومن بين أبرز ما أُعلن عنه، مبادرة تدعو إلى إنشاء صندوق عربي لإعمار غزة ولبنان، في خطوة تهدف إلى تعزيز دور العراق في الملفات الإنسانية والتنموية، وإبراز موقعه كفاعل إقليمي يسعى لتقديم حلول لا تقتصر على الجوانب السياسية فقط.
*العراق وأدوار الوساطة
إلى ذلك، يرى المحلل السياسي المقرب من رئيس الحكومة عائد الهلالي، أن “العراق وإن لم يمتلك شبكة العلاقات الإقليمية والدولية الواسعة التي تتمتع بها بعض الدول العربية الأخرى، إلا أن موقعه الجغرافي وتجربته في إدارة الأزمات يمنحانه مؤهلات للعب دور الوسيط المحايد في الملفات الإقليمية المعقدة، خصوصا في أزمات مثل السودان وسوريا، إذ إن وجود التحالفات الحادة قد تفقد بعض الدول مصداقيتها، ما يمنح العراق فرصة للعب هذا الدور بثقة من الأطراف المتنازعة”.
ويتابع الهلالي، أن “رئاسة القمة يمكن أن تفتح أمام العراق نوافذ دبلوماسية جديدة، وتستخدم كمنصة لبناء جسور ثقة مع الفاعلين الإقليميين والدوليين، ما يسهم في توسيع نفوذه السياسي وتعزيز مكانته العربية”.
ويشير إلى أن “تحويل هذا المنصب من مجرد واجهة شرفية إلى ورقة استراتيجية بيد العراق، يتوقف على إرادة القيادة السياسية، ومدى استعدادها للخروج من إطار التلقي إلى دائرة المبادرة وصناعة الحدث”.
*تاريخ من الإنجازات المعدمة
أكد عضو مجلس النواب، محمد عنوز، أن نتائج القمة العربية المنتظرة في بغداد لا تزال غير واضحة المعالم، مشيراً إلى أن التاريخ الطويل للقمم العربية لم يسفر عن إنجازات ملموسة في القضايا المشتركة، ما يجعل من الصعب التنبؤ بما يمكن أن تضيفه هذه القمة للعراق.
وقال عنوز إن "هناك بعض الآراء والمؤشرات الإيجابية التي تعول على هذه القمة في تعزيز النشاطات والفعاليات الاقتصادية العربية المشتركة، والتي قد تمهد لتعاون إقليمي أوسع مستقبلاً، رغم أن تحقيق ذلك يبقى تحدياً كبيراً وصعباً.
ولفت إلى أن غياب بعض القادة العرب عن القمة، أمر "طبيعي، سبق أن حدث في عدة قمم سابقة، لكن الربط بين هذا الغياب وزيارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لبعض الدول العربية أمر غير مبرر"، موضحاً أن "زيارة ترامب انتهت قبل انعقاد القمة ولا يجب اتخاذها ذريعة لتبرير عدم الحضور".
*إنجاز معنوي
ويقول رئيس مركز الإعلام في واشنطن نزار حيدر، إن “العراق في وضعه الراهن، سياسيا وأمنيا واقتصاديا، لا يمتلك القدرة على لعب دور محوري في الجامعة العربية، فلا هو غني كدول الخليج ليؤثر اقتصاديا، ولا مستقر كالقاهرة أو الرياض ليقود تحالفات أمنية أو سياسية، كما أنه لا يملك ثقلا استثنائيا يسمح له بسد الفراغ العربي”، وفق قوله.
ويضيف حيدر، أن “أبرز ما يمكن للعراق تحقيقه من القمة هو مجرد انعقادها في بغداد، وهو بحد ذاته إنجاز معنوي، لكنه لا يترجم بالضرورة إلى مكاسب عملية”، مشيرا إلى أن “واقع العمل العربي المشترك لم يعد يقوم على القمم الجماعية، بل تحول إلى تحالفات ثنائية أو ثلاثية، تبني من خلالها الدول استراتيجياتها ومشاريعها بمعزل عن الجامعة العربية، وهو ما أضعف دور القمم، وجعلها مناسبات بروتوكولية لتبادل الخطابات، لا أكثر”.
*قمم عاجزة
من جهته، انتقد النائب عن كتلة الصادقون، علي تركي الجمالي، الجمعة، المواقف العربية الرسمية تجاه معاناة الشعب الفلسطيني في غزة، واصفاً القمم العربية بالعاجزة عن تحقيق أبسط أشكال الدعم الإنساني.
وقال الجمالي في تدوينة على منصة “أكس”: “بين قمة عربية ولقمة عربية، خرج المواطن العربي قبل التصفيات، ولم تنجح الدول العربية بكل قممها في إيصال قنينة ماء أو حليب لأطفال غزة”.
وأضاف، إن “الرئيس الأميركي دونالد ترامب فاز بلقمة عربية وخرج منها ضاحكاً أمام غجرية العرب، وهم يتراقصون بعرض بناتهم وجمالهم لينالوا الرضا”.
وأشار الجمالي إلى أن “غياب القادة العرب عن قمة بغداد ليس بالأمر المفاجئ، فالموقف من بغداد وقمتها واضح منذ عام 2003”.
يذكر أن بغداد، استضافت 4 قمم، وكانت الأولى عام 1978، وكان العراق في حينها يعيش استقرارا سياسيا نسبيا، وكانت برئاسة الرئيس العراقي آنذاك، أحمد حسن البكر.
والقمة الثانية، في عام 1990، وكانت في عهد رئيس النظام السابق صدام حسين، وفي حينها كانت استثنائية، ورغم التوتر وانتهاء الحرب مع إيران، فإن القمة شهدت حضور معظم الزعماء العرب.
والقمة الثالثة، عقدت في العام 2012، بعد أكثر من عقدين من الغياب، وشارك فيها الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.