العراق يعزّز حضوره الدولي في مكافحة الجريمة العابرة للحدود والاتجار بالبشر
تجربة عراقية تحظى بإشادة
انفوبلس..
يشهد العراق خلال السنوات الأخيرة تحولاً مهماً في موقعه ضمن الجهود الدولية الرامية إلى مكافحة الجريمة المنظمة والاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، بعد سلسلة خطوات نوعية اتخذتها الحكومة ووزارة الداخلية والقضاء لتعزيز المنظومات الأمنية والقانونية.
هذا الحراك الواسع لم يمر من دون إشادة دولية، إذ أكد الاتحاد الأوروبي وعدد من الدول والمنظمات العالمية أن العراق بات يمتلك تجربة متقدمة في مواجهة الشبكات الإجرامية العابرة للحدود، ومهارات متزايدة في التنسيق الدولي وتبادل المعلومات.
إشادة أوروبية واسعة في بروكسل
في العاصمة البلجيكية بروكسل، تلقّى العراق إشادة أوروبية واضحة خلال أعمال المؤتمر الدولي الثاني للتحالف العالمي لمكافحة تهريب المهاجرين، وهو حدث يجمع كبار المسؤولين الأمنيين ووزراء الداخلية من مختلف دول العالم.
وذكرت وزارة الداخلية العراقية أن ممثلي دول الاتحاد الأوروبي أثنوا على “الجهود الكبيرة والإجراءات النوعية” التي اتخذتها بغداد في مجال مكافحة الجرائم العابرة للوطنيات، معتبرين أن التجربة الأمنية العراقية أصبحت اليوم إحدى التجارب البارزة في المنطقة.
وأكّد المشاركون الأوروبيون أن العراق استطاع بناء منظومة متقدمة في تطوير آليات مكافحة الشبكات الإجرامية وتعزيز التقنيات الأمنية وتبادل المعلومات الاستخبارية، وهي خطوات عكست تقدماً لافتاً في القدرة على ملاحقة العصابات التي تنشط في تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر.
كما ثمّن الاتحاد الأوروبي مستوى التعاون الأمني المستمر بين العراق والمؤسسات الدولية المعنية، مشيراً إلى أن التزام وزارة الداخلية العراقية بمعايير حقوق الإنسان أثناء تنفيذ عمليات الملاحقة والضبط يمثل نقطة تحول أساسية في تطوير الأداء الأمني.
شراكة استراتيجية لمواجهة التحديات
وخلال المؤتمر، شدّد مسؤولو الاتحاد الأوروبي على أن “الشراكة مع العراق تمثل قيمة استراتيجية” في مواجهة التحديات الأمنية الإقليمية والدولية على حد سواء.
وأوضحوا أن الاتحاد سيواصل دعم بغداد عبر تعزيز برامج التعاون المشترك، خصوصاً في مجالات مكافحة الاتجار بالبشر والجريمة المنظمة وتهريب المهاجرين.
هذا التأكيد يعكس قناعة متنامية لدى دول الاتحاد الأوروبي بأن العراق لم يعد مجرد متلقٍّ للدعم الأمني، بل أصبح طرفاً فاعلاً في صياغة الحلول الخاصة بمواجهة هذه الجرائم، بالنظر إلى موقعه الجغرافي وموقعه الاقتصادي وقدرته على لعب دور محوري في تأمين طرق العبور ومنع توسّع الشبكات الإجرامية.
وفد عراقي رفيع في بروكسل
ووصل وزير الداخلية العراقي عبد الأمير الشمري إلى بروكسل على رأس وفد رفيع للمشاركة في المؤتمر، في خطوة تؤكد رغبة بغداد بإظهار مستوى التزامها وتفاعلها مع المجتمع الدولي.
وأشار بيان الوزارة إلى أن المؤتمر ناقش سبل تعزيز التعاون الدولي، وتبادل المعلومات، وتطوير الخبرات في مواجهة شبكات تهريب المهاجرين والجريمة المنظمة، فضلاً عن مناقشة مسؤوليات الدول في حماية الحدود والتصدي للاتجار بالبشر.
وبيّن البيان أن مشاركة العراق تأتي في إطار استراتيجية حكومية تهدف إلى تطوير قدرات البلاد في ضبط الحدود وتعزيز العمل الاستخباري والتقني.
وتحرص وزارة الداخلية – بحسب البيان – على بناء شراكات متعددة الأطراف من شأنها دعم الأمن الإقليمي، عبر تقنيات رصد وتحقق حديثة، ودورات تدريبية مشتركة، وبرامج لتطوير قدرات مكافحة الجرائم المعقّدة.
مشاركة سابقة في لندن
ولا تقتصر مشاركة العراق على مؤتمر بروكسل، إذ سبق لوزير الداخلية أن مثّل البلاد في قمة أمن الحدود ومكافحة الجريمة المنظمة التي عقدت في لندن برعاية رئيس وزراء المملكة المتحدة، وبحضور وزراء الداخلية من 38 دولة.
وخلال القمة، استعرض الشمري الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لتعزيز أمن الحدود ومكافحة شبكات الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، مؤكداً التزام العراق بتحديث قوانينه الأمنية وتعزيز تعاونه الدولي.
وأشار الوزير إلى أن بغداد تولي أهمية خاصة للشراكات الدولية، معتبرًا أن مكافحة هذه الجرائم لا يمكن أن تتم بمعزل عن تعاون يشمل المعلومات والخبرات والدعم الفني والتقني.
القضاء العراقي يدخل بقوة
وفي موازاة الحراك الأمني، يعمل مجلس القضاء الأعلى في العراق على تطوير منظومة قضائية قادرة على التعامل مع جرائم عابرة للحدود، كما أكد رئيس المجلس القاضي فائق زيدان خلال الندوة الفرنسية العراقية الخاصة بمكافحة الجريمة المنظمة في بغداد.
وأوضح زيدان أن العراق يعمل على بناء نظام قضائي قوي قادر على ملاحقة القضايا المعقّدة المرتبطة بالاتجار بالبشر، والجريمة الإلكترونية، وتهريب المخدرات والأسلحة، وجرائم الشبكات العابرة للقارات.
وشدد على سعي القضاء لتعزيز التشريعات وإعداد محققين وقضاة متخصصين في هذا النوع من الجريمة.
وأكد زيدان أن القضاء العراقي يؤمن تماماً بأن التعاون الدولي هو السبيل الوحيد لمواجهة هذا النوع من التحديات، لافتاً إلى أهمية تبادل الخبرات والمعرفة مع الدول الشريكة، ومنها فرنسا، في إطار بناء استراتيجية موحدة لمواجهة الجريمة المنظمة على مستوى عالمي.
كما أشار إلى أن التعاون المتزايد مع السلطات الدولية، خصوصاً في مجال التدريب وتبادل المعلومات، سيُسهم بشكل مباشر في رفع قدرة مؤسسات الدولة على مواجهة التحديات.
مسار وطني يتكامل فيه الأمن والقضاء
تعكس هذه التحركات – من وزارة الداخلية إلى مجلس القضاء الأعلى – وجود رؤية عراقية شاملة تتعامل مع الجريمة المنظمة كخطر يتطلب تكاملاً مؤسساتياً لا يقتصر على الجانب الأمني فقط، بل يشمل الجانب القانوني والقضائي والتعاون الدولي.
فالعراق الذي واجه خلال عقود تحديات أمنية معقدة، يبدو اليوم أكثر قدرة على إعادة بناء منظومته الأمنية بطريقة تتماشى مع معايير المجتمع الدولي، وتُظهر انفتاحاً واضحاً على الشراكات التي تعزز حماية حدوده ومجتمعه.
ويؤكد المسؤولون العراقيون أن البلاد في طور الانتقال إلى مرحلة جديدة من تثبيت الأمن الداخلي والمساهمة في الأمن الإقليمي، من خلال تطوير قدراتها في مكافحة التهريب والاتجار بالبشر والجريمة المنظمة.
في ضوء هذه الخطوات، يبدو أن العراق يعيد ترسيخ موقعه كطرف أساسي في مواجهة الجرائم العابرة للحدود في المنطقة، مستفيداً من دعم دولي واسع، ومن إرادة حكومية وقضائية واضحة لتطوير التشريعات والمنظومات الأمنية والتنسيق مع المجتمع الدولي. وبينما تتزايد التحديات المرتبطة بالجريمة المنظمة، تظهر التجربة العراقية اليوم كواحدة من التجارب التي تحاول الانتقال من موقع المتأثر إلى موقع المؤثّر في صياغة الأمن الإقليمي والدولي.