العراقيون في أوروبا.. اتفاق "سرّي" لترحيل واسع وبغداد ترحب وتستعد للاستقبال.. لماذا ترفض الدول الأوروبية استعادة إرهابييها "الدواعش"؟
انفوبلس/ تقارير
تزايدت عمليات ترحيل العراقيين من أوروبا خلال الشهور الماضية نتيجة لاتفاق سرّي لم تتضح تفاصيله جرى التوصل إليه على وجه الخصوص بين الحكومة الألمانية والسلطات العراقية، حيث تعمل الدول المختلفة في الاتحاد الأوروبي على تغيير تكتيكاتها في التعامل مع موجات الهجرة، ليس فقط من خلال تشديد القيود على الحدود، وإنما أيضا من خلال زيادة عدد عمليات ترحيل طالبي اللجوء الذين كانت طلباتهم تم رفضها. بغداد رحبت باستقبال لاجئيها وأعربت عن تعاونها على عكس رفض دول أوروبا استعادة إرهابييها من داعش. فما تفاصيل خطة ترحيل العراقيين الواسعة من أوروبا؟ وهل فعلا أن غالبية العائدين مُدانين جنائياً؟.
*خطة ترحيل واسعة
قبل نحو أسبوع، كشف موقع "مهاجر إنفو" الأوروبي المتخصص بأخبار الهجرة، أن المانيا بشكل خاص تسعى من أجل التوصل الى شراكات من أجل تسهيل عمليات الترحيل، مشيرا الى أن الحكومة الألمانية توصلت الى اتفاق سرّي مع العراق بهذا الخصوص، وذلك وفقا لتحقيقات صحفية أجرتها إذاعتا "ان دي آر" و"دبليو دي آر" بالإضافة إلى صحيفة "زودتشه زايتونغ"، وتظهر أن الحكومة الألمانية توصلت سرّاً الى اتفاق لخطة ترحيل واسعة مع الحكومة العراقية، والذي كان يجري الإعداد له منذ شهور.
وأوضح التقرير الذي تابعته شبكة انفوبلس، أن التفاصيل المتعلقة بهذه الصفقة يكتنفها الغموض، إلا أن الاتفاقية موجودة بالفعل ويجري تطبيقها، حيث إن عمليات الترحيل الى العراق تزايدت بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة.
وأضاف التقرير، أن هناك عددا كبيرا من طالبي اللجوء في ألمانيا الذين ينتهي بهم الأمر برفض طلباتهم، يأتون من العراق، مما يجعل هذا البلد بالنسبة الى برلين، شريكاً جذّاباً.
*26 ألف عراقي في ألمانيا فقط
وأشار التقرير إلى، أنه كان هناك حوالي 26 ألف عراقي في ألمانيا بحلول نهاية تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وكانوا مطالَبين بمغادرة الأراضي الألمانية، وفقا لوزارة الداخلية الألمانية، مذكرا بأن ألمانيا قامت خلال العام 2022، بترحيل 77 شخصا فقط مباشرة الى العراق.
ولفت التقرير الأوروبي إلى، أن العديد من المهاجرين العراقيين يفشلون بالفعل في تقديم طلبات اللجوء الخاصة بهم في ألمانيا، إلا أنهم لا يكونوا ملزمين بالمغادرة طالما أنهم لا يخالفون قوانين تلك الدولة.
وأضاف، أن العديد منهم ينجحون في البقاء هناك بموجب أحكام ما يسمى بتصريح المسامحة "Duldung"، مما يعني أنهم لن يحصلوا إلا على القليل من المزايا في ألمانيا، وغالبا ما لا يتم السماح لهم بالعمل.
*بغداد ترحب بمواطنيها العائدين
وذكر التقرير، أن الجانبَين اتفقا أيضا على "إعادة استقبال المواطنين الذين لا يستوفون أو لم يعودوا يستوفون الشروط المطلوبة للدخول أو الوجود أو الإقامة في أيٍّ من الأراضي".
وأوضح التقرير، أن هذه الجملة بشكل خاص، تمثل تغييرا في الاتجاه لأنها تشير الى أنه بعد إجراء هذه المفاوضات، فإن العراق أصبح الآن مستعدا لقبول ليس فقط المهاجرين الذين ارتكبوا جرائم جنائية في ألمانيا، ولكن من حيث المبدأ جميع مواطنيه، بما في ذلك الأقليات مثل الإيزيديين، الذين كانوا قد تعرضوا حتى وقت قريب لاضطهاد كبير.
وبحسب الوثيقة المتفق عليها، فإن هناك تفاصيل تتعلق بهذا التغيير العراقي، إذ أشار التحقيق إلى أن معظم طلبات اللجوء المقدمة من المواطنين العراقيين فشلت حتى الآن في تلبية معايير الحكومة لتأكيد هويتهم.
وأضاف، أن الاتفاق الآن بين ألمانيا والعراق هو بأنه سيتم تبادل الوثائق ذات الصلة من قبل الإدارات القنصلية عند محاولة تحديد هوية شخص ما، وصولاً حتى إلى تبادل البيانات البايومترية.
*جرائم جنائية
ونقل التقرير عن منظمة اللاجئين الألمانية "برو آسيلم" أن العراق عمل على تأكيد هويات طالبي اللجوء المرفوضين بمعدل أعلى من ذي قبل. وأوضح التقرير، أنه خلال العام 2022 بأكمله، تمت مقابلة 115 مواطنا عراقيا مشتبها به فقط لتحديد هوياتهم، ولكن بحلول أغسطس/ آب من العام الحالي، ارتفع هذا العدد إلى 339.
وبالإضافة الى ذلك، ذكر التقرير أن إجمالي عدد حالات الترحيل الى العراق تضاعف مؤخرا، من 77 حالة في العام 2022 الى 164 بحلول نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وتابع، أنه في رحلة الترحيل الأخيرة والتي جرت في وقت سابق من عام 2023، فقد جرى التأكد من أن أكثر من نصف الركاب الـ 28 المرحَّلين قد ارتكبوا جرائم جنائية وتم ترحيلهم لهذا السبب.
*ترحيل من النمسا والسويد أيضا
وبحسب التقرير، فإن ألمانيا ليست الدولة الأوروبية الوحيدة التي وقّعت مثل هذه الاتفاقيات السرّية المثيرة للجدل مع العراق حيث أظهر التحقيق الصحفي أن النمسا والسويد أيضا تسعيان إلى إقامة شراكات كهذه مع العراق.
وأوضح التقرير، أن مفوضية الاتحاد الأوروبي تقول إنها متواصلة بشكل وثيق مع السلطات العراقية، وأنه كان هناك "تغيير غير مسبوق في سياسة العودة وإعادة القبول في العراق في الربعين الثاني والثالث من هذا العام"، مضيفا أن الحكومة العراقية ملتزمة "بقبول جميع العائدين".
وتابع قائلا، إن شراكة المفوضية الأوروبية كانت معروفة علناً طوال الوقت، على النقيض من صفقة ألمانيا مع العراق، في حين أن وزارة الداخلية الألمانية قالت إنها لن تعلق على "التفاصيل".
*دول أوروبية ترفض استقبال مواطنيها "الدواعش"
وبهذا الصدد، اعتبر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف أن "الدول التي تقدم الجنسية للإرهابيين المحتملين يجب أن تخضع للمساءلة" وأن الدول الأوروبية تحاول في الآونة الأخيرة ألاّ تستقبل مواطنيها الذين قاتلوا في صفوف الإرهابيين الدوليين.
وتتصدر فرنسا قائمة الدول الأوروبية الأكثر تصديرا للمقاتلين الأجانب، بحسب المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب، أغلبهم انضم إلى صفوف تنظيم داعش الإرهابي ويُقدر عددهم بـ1200 إرهابي، أغلبهم يقاتل في سوريا.
أما بلجيكا، فقد أحصت السلطات هناك، مغادرة أكثر من 400 مواطن منذ 2012 بينهم 150 "لا يزالون ناشطين على الأرض" بحسب آخر الأرقام الرسمية، وحوالي 160 من الأطفال والفتيان الذين يحمل أحد والديهم الجنسية البلجيكية، ولا يزالون في منطقة النزاع، العراق وسوريا، منهم (55) في السجن أو في مخيمات تقع تحت سيطرة الأكراد وبينهم 17 امرأة و28 طفلاً.
*ألمانيا.. سهّلت ذهابهم وتمنع عودتهم
انطلاقاً من عام 2014 سافر حوالي ألف ألماني إلى سوريا والعراق، للقتال في صفوف داعش الإرهابي، احتجزت وحدات حماية الشعب في سورية فى 29 أبريل/ نيسان 2019 نحو (60) مقاتلا منهم لديهم جوازات سفر ألمانية، وصدرت مذكرات توقيف بحق (21) عضواً منهم عن الادعاء في ألمانيا، بالإضافة إلى (45) امرأة ألمانية لديهن (80) طفلا تقريبا، أغلبهن أرامل شابات، وحوالي (40) "مقاتلا داعشيا" يحملون الجنسية الألمانية في السجون السورية، بالإضافة إلى (90) مقاتلاً ألمانياً من المنتمين لـ "داعش" الإرهابي يريدون العودة إلى ألمانيا، من بينهم من تبوأ مناصب عليا في التنظيم، وعاد منهم (30%) إلى ألمانيا، وفقا للمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات.
وترفض ألمانيا رسمياً استعادة مقاتلي التنظيم وعائلاتهم بزعم صعوبة محاكمتهم فور عودتهم إلى ألمانيا، مدعيةً أنه من الضروري "حصول تواصل مع القنصلية أو السفارة الألمانية في سوريا، وأن هذا الأمر غير ممكن كون السفارة أُغلقت منذ سنوات بسبب الحرب".
*بريطانيا بلاد "الديمقراطية" ترفض عودة مواطنيها الإرهابيين
أما المملكة المتحدة، فقد رفضت الحكومة البريطانية سابقا دعوات طالبت بعودة 9 بريطانيين على الأقل اعتُقلوا في سوريا، لعلاقتهم بتنظيم "داعش" الإرهابي ومن بينهم عضوان في ما عُرف بخلية "الخنافس البيتلز" ومرأتان، إضافة إلى أطفالهما.
وتحاول السلطات البريطانية منع سبعة آخرين من مقاتلي التنظيم الإرهابي وأنصارهم من العودة إلى بريطانيا، باعتبارهم خطراً على الأمن.
*التشريعات الأوروبية تسمح للإرهابيين بالإفلات من العقاب
اعتبرت الخبيرة البارزة بملف الإرهاب في المركز الأوروبي للدراسات الاستراتيجية والأمن، يفغينيا غفوزديفا، أن تشريعات عدد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ولاسيما بلجيكا وفرنسا والمملكة المتحدة، تسمح للأشخاص المتورطين بأعمال إرهابية بالإفلات من العقاب، لعدم كفاية الأدلة.
وقالت غفوزديفا، "إذا أخذنا، على سبيل المثال، تشريعات بلجيكا، وفرنسا، وإنجلترا، بشأن الإرهاب، فإنها غير مثالية إلى حد ما".
وأضافت: "هذه التشريعات تسمح بالكثير من الحالات لهؤلاء الأشخاص الذين كانوا متورطين بشكل مباشر بأنشطة إرهابية بالهروب من الملاحقة الجنائية لعدم كفاية الأدلة. وهذا هو الحال في كثير من الأحيان بالنسبة للنساء".
وأشارت الخبيرة إلى أنه في حال عودة زوجات "الجهاديين" من سوريا والعراق إلى أوروبا، سيكون "هناك خطر كبير، بأنه لن يكون هناك شيئًا لإدانتهن، وسيتم الإفراج عنهن على الفور تقريبا".