العنقودي الأمريكي إلى أوكرانيا.. العراق اكتوى بناره مسبقاً وتعرض لأضرار "كارثية" خلال حربين مع واشنطن
انفوبلس/..
في إطار الدعم الأمريكي - الغربي إلى أوكرانيا في حربها ضد روسيا، تسعى الولايات المتحدة إلى تزويد كييف بقنابل عنقودية، في تطور خطير، فيما كان العراق قد اكتوى سابقاً وخلال حربين مع واشنطن بنيران هذه القنابل.
*إعلان رسمي
أعلن البيت الأبيض، الجمعة الماضية، أن الولايات المتحدة قررت تزويد أوكرانيا بقنابل عنقودية، وذلك في إطار حزمة مساعدات أمنية أمريكية جديدة بقيمة 800 مليون دولار.
وتشمل المساعدة الجديدة مدرّعات وذخائر مدفعية وأسلحة مضادة للدبابات، إضافة إلى الذخائر العنقودية وغيرها من الأسلحة.
وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان في مؤتمر صحفي، إن الرئيس جو بايدن اتخذ قراراً بتزويد كييف بالقنابل العنقودية بعد التشاور مع حلفائه، وبعد توصية بالإجماع من إدارته.
وأضاف سوليفان، "ندرك أن الذخائر العنقودية تشكل خطرًا على المدنيين جراء الذخيرة التي لم تنفجر"، لافتًا إلى أن "هذا هو سبب تأجيل القرار لأطول فترة ممكنة".
لكنه برر القرار قائلاً: "يوجد خطر كبير أيضاً بإلحاق الأذى بالمدنيين إن اجتاحت القوات والدبابات الروسية مواقع أوكرانية واستولت على مزيد من الأراضي الأوكرانية، وقهرت مزيداً من المدنيين الأوكرانيين لأن أوكرانيا لا تملك ما يكفي من المدفعية".
وأشار إلى أن روسيا تستخدم هذا النوع من الأسلحة منذ بدء الحرب مطلع عام 2022، معتبراً أن "المدفعية هي في صلب النزاع"، مؤكداً أن أوكرانيا قدمت ضمانات "خطية" حول كيفية استخدام هذه الأسلحة للتقليل من "الأخطار التي تشكلها على المدنيين".
*رد روسي
بدورها، اعتبرت روسيا، قرار الولايات المتحدة تزويد أوكرانيا بالذخائر العنقودية "دليل ضعف" ولن يؤثر على مسار الأعمال العسكرية لموسكو.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في بيان، إن القرار الأمريكي "هو عمل ناتج من يأس ودليل ضعف على خلفية فشل الهجوم الأوكراني المضاد الذي تم الترويج له كثيراً".
واعتبرت زاخاروفا، أن "آخر سلاح "معجزة" تعوّل عليه واشنطن وكييف، من دون التفكير بشأن تبعاته الخطرة، لن يكون له أي تأثير على العملية العسكرية الخاصة".
ورأت أن القرار الأمريكي يظهر "المسار العدائي المناهض لروسيا الذي تعتمده الولايات المتحدة، والذي يهدف إلى تمديد النزاع في أوكرانيا لأطول فترة ممكنة"، معتبرة أن تعهد كييف عدم استخدام هذه الأسلحة ضد مناطق مأهولة بالمدنيين "لا قيمة له".
*أوكرانيا لن تستفيد
يعتقد المقدَّم في الجيش الأمريكي، دانيال ديفيس، أن القنابل العنقودية التي ستقدمها واشنطن إلى كييف لن تساعد أوكرانيا على تغيير ميزان القوى بسبب نقص تدريب القوات المسلحة الأوكرانية ونقص الخبرة المناسبة.
وقال الضابط: "يمكنني أن أؤكد من خلال تجربتي الشخصية أن الذخائر العنقودية قوية بالفعل، لكنها في حد ذاتها لن تغير ميزان القوى في الصراع لصالح أوكرانيا".
وقال في مقاله المنشور في "19fortyfive "، إن "توريد الذخائر العنقودية، مهما كانت فتاكة أكثر من القذائف شديدة الانفجار عيار 155 ملم، لن تغير نتيجة الهجوم الحالي... يمكن قول الشيء نفسه عن "إف -16 " والصواريخ البعيدة المدى، التي يمكن توفيرها في نهاية هذا العام".
*حظر وخطر
القنابل العنقودية هي أسلحة تنفتح في الهواء وتطلق ذخيرة أصغر، أو “قنابل صغرى” تتناثر على مساحة كبيرة وتهدف إلى تدمير أو إبطال أهداف متعددة في وقت واحد. ويمكن إطلاق هذه القنابل من الأرض أو إسقاطها على أهداف من الجو. وقد ينتهي الأمر ببعضها إلى عدم الانفجار، مما يُحوّلها إلى ألغام أرضية يمكن أن تنفجر بعد فترة طويلة من انتهاء الصراع.
وتم تطوير هذه التقنية لأول مرة خلال الحرب العالمية الثانية، وهناك العديد من الأشكال المختلفة لهذه القنابل التي تم استخدامها خلال القرن الماضي.
وتحظر أكثر من 100 دولة استخدام القنابل العنقودية بموجب اتفاقية أوسلو 2008، لأنه عادة ما يتم إطلاق عدد كبير من القنابل الصغيرة لتقتل أشخاصاً على مساحة كبيرة بشكل عشوائي، مما يهدد حياة المدنيين، كما تشكل القنابل الصغيرة التي لا تنفجر خطراً يدوم لسنوات بعد انتهاء الصراع.
*تجربة عراقية مريرة
في العراق، استخدمت الولايات المتحدة وبريطانيا نحو 13 ألف ذخيرة عنقودية تحتوي على ما يتراوح من 1.8 مليون إلى مليوني ذخيرة صغيرة في الأسابيع الثلاثة الأولى من احتلال البلاد، خاصة خلال الفترة من عام 2003 حتى 2006.
وجدير بالذكر أن القوات الجوية الأمريكية كانت قد استخدمت القنابل العنقودية، وخصوصا المقذوفات ذات الآثار المختلطة من طراز "سي بي يو 87"، على نطاق واسع في حرب الخليج الأولى عام 1991.
واتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش الولايات المتحدة وبريطانيا، بالتقاعس عن تقديم بيانات كافية عن الهجمات التي شنتها قواتهما في العراق باستخدام القنابل العنقودية، مشيرة إلى أن نقص هذه المعلومات يهدد أرواح المدنيين العراقيين.
وقد اعترفت وزارة الدفاع الأمريكية باستخدام قرابة 1500 قنبلة عنقودية تم إسقاطها من الجو، ولكنها لم تكشف النقاب عن أي معلومات بشأن الذخائر التي تم إطلاقها من الأرض، والتي من المحتمل أن تكون أكثر من القنابل الجوية بكثير. أما وزارة الدفاع البريطانية فقد اعترفت باستخدام أكثر من 2000 قنبلة عنقودية، ولكنها، مثل البنتاغون الأمريكي، لم تقدم المعلومات المفصلة التي يحتاجها خبراء إزالة الألغام للتخلص من القنيبلات "الخاملة" التي لم تنفجر، والتي تشكل خطراً على أرواح المدنيين.
وقال رويبن بريغتي، الباحث بقسم الأسلحة في منظمة هيومن رايتس ووتش "يجب على الولايات المتحدة وبريطانيا إماطة اللثام عن الحقائق كافة بشأن ما فعلتاه بهذه الأسلحة؛ فهما لا تبذلان كل ما في وسعهما لحماية المدنيين من العواقب المهلكة للهجمات بالذخائر العنقودية".
وأضاف بريغتي قائلاً، إن الذخائر التي تحتوي عليها قذائف المدفعية والصواريخ التي يتم إطلاقها بنظام الإطلاق المتعدد، بالإضافة إلى القنابل العنقودية التي تطلقها الطائرات، ربما يكون قد تخلف عنها عشرات الآلاف من القنيبلات الخطيرة التي لم تنفجر في مواقع عديدة في العراق، بما في ذلك المناطق الحضرية. وحث بريغتي الولايات المتحدة وبريطانيا على إصدار تحذيرات كافية للمدنيين، بما في ذلك صور واقعية للقنيبلات الخاملة، والمساعدة بالطرق الممكنة كافة في إزالة الذخائر العنقودية التي لم تنفجر.
الجدير بالذكر أن المنظمات المناهضة لاستخدام الألغام وغيرها من المنظمات الإنسانية لم تتلقَّ معلومات مفصّلة عن مواقع الذخائر العنقودية التي استُخدمت في القتال في العراق وأعدادها وأنواعها، بما في ذلك الأنواع المستخدمة للمرة الأولى.
وقد اعترفت وزارة الدفاع البريطانية بأن قواتها قد استخدمت 2100 قذيفة مدفعية تحتوي على ذخائر عنقودية، وما لا يقل عن 66 من القنابل العنقودية من طراز "بي إل - 755"، كما استخدمت 395 قنبلة عنقودية إبان حرب الخليج عام 1991، وعدداً مجهولاً من الذخائر العنقودية التي تُطلق من الأرض.
والواقع أن العديد من الذخائر العنقودية الأرضية التي تستخدمها القوات الأمريكية والبريطانية تتخلف عنها نسبة مرتفعة بصورة غير مقبولة من القنيبلات التي تصبح كالألغام الأرضية في واقع الأمر عندما تفشل في الانفجار عند اصطدامها بهدفها. وتفيد البيانات الرسمية الأمريكية بأن الحد الأدنى من معدلات الفشل في الانفجار بالنسبة للأنواع الشائعة من الذخائر العنقودية التي يتم إطلاقها من الأرض يتراوح بين 14 و16 في المائة، وترتفع هذه المعدلات عندما تصطدم هذه الذخائر بالنباتات أو المنشآت.
وكان ما لا يقل عن 80 أمريكياً قد أُصيبوا في حرب الخليج عام 1991 بسبب المقذوفات العنقودية التي لم تنفجر.
*مشكلة الألغام معقدة في العراق
وتقول مجلة فورين بوليسي إن تطهير ما مساحته ملعب كرة قدم واحد تقريباً قد تستغرق أشهر في العراق، خاصة في ظل الميزانيات الضعيفة المرصودة لرفع الألغام.
وتضيف، إن القذائف غير المنفجرة وحقول الألغام من الحروب السابقة، جعلت العراق واحدا من أكثر بلدان العالم تناثراً في المتفجرات.
وتشبّه انتشار حقول المتفجرات بأنها "مثل الرماد الناتج عن ثوران بركاني"، حيث "تتناثر المتفجرات في مساحات شاسعة من البلاد".
ويوجد أكثر من ربع التلوث بالذخائر المتفجرة في المناطق الزراعية، مما يمنع المزارعين من استخدام الأرض أو كسب لقمة العيش.
ويوجد 20 بالمئة منها قرب أو في البنية التحتية، مما يعيق جهود إعادة الإعمار ومحاولات تحريك الاقتصاد.
وتقول المجلة، إن العدد الإجمالي لضحايا الألغام ليس واضحا، على الرغم من أن الباحثين قدروا عدد القتلى بأكثر من 10,000 حالة وفاة وحوالي 24,000 شخص أصيبوا على مدى العقدين الماضيين.