الفيتو الثلاثي ينهي حلم الحلبوسي: لماذا تحول طريق رئاسة البرلمان إلى جدار مغلق رغم كل محاولات العودة؟
انفوبلس/..
منذ سقوط مجلس النواب السابق وإقالة رئيسه محمد الحلبوسي بقرار المحكمة الاتحادية العليا، بدا المشهد السياسي السني غارقاً في رهانات غير محسوبة حول إمكانية عودته إلى رئاسة البرلمان مجدداً. ومع اقتراب لحظة تشكيل الحكومة الجديدة بعد انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر 2025، تكشف الوقائع عن صورة مغايرة تماماً لما رُوّج له داخل تحالف تقدم سابقاً، فالحلبوسي بات عملياً خارج معادلة الرئاسات، ليس بسبب خصومه وحدهم، بل بفعل شبكة معقدة من العوامل القانونية والسياسية، وصلت إلى مستوى “الفيتو الثلاثي”.
هذا الفيتو، كما يصفه الخبراء، لا يأتي من طرف واحد، بل من قوى سنية وشيعية وكردية ترى أن لحظة ما بعد انتخابات 2025 يجب أن تُدار بلا عودة إلى الصراعات القديمة ولا إلى الشخصيات التي أثارت انقساماً حاداً داخل المشهد البرلماني.
*الفيتو الثلاثي.. عنوان مرحلة ما بعد الانتخابات
المحلل السياسي عدنان التميمي يؤكد أن عودة الحلبوسي أصبحت شبه مستحيلة، ويذهب أبعد من ذلك بالقول إن "هناك فيتو سني وكردي وشيعي يمنع إعادة إنتاج دوره، حتى لو حصل على دعم جمهوره التقليدي".
ويضيف التميمي أن الانهيار الذي شهدته خارطة الأصوات السنية في انتخابات 2025 لم يكن في صالح الحلبوسي، إذ فقد جزءاً من نفوذه داخل الأنبار نفسها، مع صعود قوى مثل "العزم" وتحالفات محلية جديدة باتت أكثر قدرة على جذب الجمهور.
وبحسب التميمي، فإن الأطراف السنية الرئيسية لم تعد ترى في الحلبوسي مرشحاً قادراً على إدارة البرلمان من دون خلق صدامات سياسية داخل البيت السني نفسه، فضلاً عن اعتراضات واضحة من قوى شيعية لا تنسجم مع منهجه السياسي، وقوى كردية تتحفظ على منحه منصباً سيادياً في مرحلة حساسة.
المحكمة الاتحادية.. الحاجز الذي لا يمكن القفز فوقه
البُعد السياسي وحده لا يفسر الصورة كاملة، فهناك بُعد قانوني أشد صلابة. الباحث في الشأن السياسي محمد علي الحكيم يرى أن أساس استبعاد الحلبوسي ليس سياسياً فقط، بل قانونياً بالدرجة الأولى. فالقرار الصادر عن المحكمة الاتحادية العليا في تشرين الثاني 2023 بإنهاء عضويته "نهائي وغير قابل للطعن"، وقد بُني على "ثبوت قيامه بتزوير استقالة النائب ليث الدليمي".
هذا القرار، كما يؤكد الحكيم، يجعل إعادة تسلمه رئاسة البرلمان مستحيلة تقريباً، لأن المنصب يستوجب أولاً استعادة العضوية في البرلمان، وهذا غير ممكن دون مسار قضائي جديد، وهو ما لا يتوفر حتى اللحظة.
ويشير الحكيم إلى أن "القوى السياسية الكبرى باتت متحفظة على عودته، وتفضل الذهاب إلى توافقات جديدة تبعد الإشكالات وتمنح الاستقرار لهيكل البرلمان"، خاصة بعد التجربة السابقة التي شهدت خلافات حادة وقضايا طعن متبادلة.
ويضيف: "حتى لو عاد إلى البرلمان – وهو أمر غير متاح عملياً – فإنه لن يحصل على توافق سياسي يكفل انتخابه، لأن القوى المتنفذة تريد إغلاق ملف الشخصيات الجدلية حفاظاً على التوازنات الداخلية".
*صراعات داخل البيت السني
لم يكن خصوم الحلبوسي التقليديون من القوى الشيعية والكردية وحدهم من عملوا على تحجيمه. المفارقة أن الضربة الأقسى جاءت هذه المرة من داخل البيت السني ذاته.
ففي آب 2025، تقدم رئيس تحالف "العزم» مثنى السامرائي بشكوى رسمية إلى المفوضية العليا للانتخابات يطالب فيها باستبعاد الحلبوسي من المشاركة في الانتخابات. وجاءت الوثيقة صريحة في اتهاماتها له بـ"الإخلال بالمال العام واستغلال المنصب لتحقيق مصالح شخصية وفئوية".
هذه الشكوى دفعت بعدد من القوى السنية إلى إعادة تموضعها بعيداً عن تقدم، لأن التصعيد القانوني والسياسي ضد الحلبوسي لم يعد معركة فردية، بل أصبح سياقاً عاماً لدى أطراف عدة ترى أن التجربة السابقة لم تكن ناجحة وأن المرحلة تحتاج إلى وجوه جديدة وتوازنات أوسع.
انهيار الحسابات داخل الأنبار
اللافت أن الحلبوسي لم يفقد قدرته التفاوضية بسبب قرارات الاتحادية فقط، بل لأن الشارع داخل الأنبار قلّل من مساحة التفوق التي كان ينفرد بها.
فنتائج تشرين 2025 أظهرت أن تحالفه لم يعد الممثل الأول بلا منازع داخل المحافظة، بعدما حصدت قوى أخرى أرقاماً غير متوقعة، ما جعلها منافساً مباشراً له في مناطق كانت محسوبة تاريخياً لصالحه.
هذا التحول، وفق مراقبين، يفتح باباً جديداً لنشوء مراكز قوى سنية متعددة، وهو ما يقلل من فرص عودة شخصية مثيرة للجدل كرئيس البرلمان السابق إلى موقع القرار.
الرئاسة… حلم قذف خارج الطاولة
في الأيام التي تلت إعلان النتائج، ظهرت تسريبات إعلامية تشير إلى أن الحلبوسي "مرشح محتمل" لرئاسة الجمهورية. لكن سرعان ما تبين أن هذه الفكرة لا تحظى بأي قبول سياسي واسع.
فالمنصب يحتاج إلى توافق وطني، خصوصاً من القوى الكردية التي تعتبر الرئاسة جزءاً من "حصتها التاريخية" في النظام السياسي. كما أن القوى الشيعية الأخرى ترى أن منح هذا الموقع لشخصية أُبعدت قضائياً عن البرلمان سيخلق أزمة مع المؤسسات ويعطي رسالة خاطئة للجمهور.
لذلك، وصف التميمي هذه الطروحات بأنها "لا تنسجم مع آراء الأغلبية النيابية" التي تبحث عن لحظة استقرار لا مزيد من التصعيد.
المشهد الآن يتجه إلى تحالفات جديدة داخل المكوّن السني، قد تكون أكثر توازناً وأقل هيمنة، وربما تسمح بظهور شخصية توافقية لرئاسة البرلمان لا ترتبط بإرث السنوات الماضية.