القائدان المهندس وسليماني يفضان النزاع.. أدوار مصيرية لعبها الشهيدان لاستعادة كركوك من قبضة بارزاني.. تعرّف على قصة تحرير الأرض
انفوبلس..
بعد محاولة مسعود بارزاني "ابتلاع" كركوك وضمها كلياً لإقليم كردستان بعد إجراء استفتاء الانفصال عن العراق عام 2017، أنهت القوات الأمنية التمرد الكردي بعملية خاطفة فرضت الأمن فيها داخل المحافظة والمناطق المتنازع عليها ورفعت العلم العراقي في المقار التي كانت محتلة من قبل قوات البيشمركة، ولعل من أبرز الأدوار التي حسمت القضية لصالح العراق ضد الانفصاليين كانت لشهيدي المقاومة أبو مهدي المهندس وقاسم سليماني.
خطة التحرير
اعتمدت القوات العراقية في استعادة كركوك، على خطة عسكرية تقوم على إطباق القوس، والاستعانة بالحشد الشعبي، كقوة دعم ومساندة خلف القوات المتوغلة.
ووفق مصادر أمنية فقد سحبت القوات العراقية، لواءَين من الحشد الشعبي هما لواء الخراساني والحشد التركماني، من مواقعها ونقلها إلى مناطق خارج كركوك، بشكل سلس وسريع ودون إطلاق نار في الساعات الثلاث الأولى، كقوة مساندة، خلف الخطوط.
لكن الهجوم الفعلي بدأ بعملية اقتحام وتطويق على شكل قوس انطلق من جهة الغرب وصولاً إلى مناطق شمال كركوك، وكان التقدم مسنوداً بتقدم قوة أخرى من الجنوب الغربي، وفق المصادر ذاتها.
وبهذا طوقت القوات المتقدمة، والمؤلفة أساساً من الفرقتين 9 و15 بالجيش، إضافة الى قوات مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية، والحشد الشعبي كقوة دعم تتمركز خارج المدينة، وسيطرت بالفعل على عدد من المؤسسات والمواقع.
وبتصدي القوات العراقية للهجوم ووضع "الحشد الشعبي" في الخلف دحضت بغداد ما كانت تروّج له حكومة إقليم الشمال وقيادة البيشمركة من أن الهجوم على كركوك يأتي على أساس "طائفي"، وكذلك بأن الحرس الثوري الإيراني يقود الهجوم من خلال الحشد الذي يدعمه.
وبحسب المصادر فإن عدم مشاركة الحشد الشعبي بالدخول المباشر لكركوك كان وفقاً لرأي الشهيد أبو مهدي المهندس الذي طرحه على رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي لتفويت الفرصة على بارزاني وعدم خلق حجج جانبية يحاول تمريرها للرأي العام في كركوك وأمام المجتمع الدولي.
وزعمت وسائل إعلام تابعة لمسعود بارزاني، رئيس إقليم شمالي العراق، تدمير سيارات همر تابعة لقوات الحشد الشعبي، خلال التصدي لهجومها على قاعدة "K1"(أكبر قاعدة عسكرية في كركوك)، على الرغم من أن قوات الحشد الشعبي لم تشترك في التقدم نحو هذه القاعدة.
وسيطرت القوات العراقية على مواقع مشروع رَيّ كركوك، قاعدة مكتب خالد، آبار نفط دبس، حقول باباكركر أقدم، وأول حقل نفطي منتج في العراق، حقول باي حسن النفطي، إضافة إلى مطار كركوك وقاعدة "K1" ومواقع أخرى.
وقد فرّت قوات كبيرة من البيشمركة (قوات إقليم الشمال)، بدون قتال، باتجاه منطقة طوبزخانه تاركةً كميات من الأسلحة خلفها في الثكنات والمقرات.
وتوالت الأنباء حول انسحاب قوات البيشمركة، من دون قتال، من قضاء داقوق جنوبي كركوك بالكامل، وكذلك الانسحاب من قضاء طوزخورماتو بصلاح الدين.
كما أعلنت القوات العراقية استعادة منشأة غاز الشمال، ومركز الشرطة، ومحطة توليد الكهرباء، وسط استمرار تقدمها.
وتوج تقدم القوات العراقية باستعادة مبنى محافظة كركوك، في قلب المدينة، وسط ترحيب واسع من الأهالي، وغياب تام لقوات البيشمركة.
وأمر رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، حينها، برفع العلم العراقي في المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل.
وبدأت قبل منتصف ليل يوم العملية وحدات من الجيش العراقي وقوات النخبة وقوات تابعة لوزارة الداخلية، بالإضافة إلى فصائل "الحشد الشعبي" بدأت في التقدم باتجاه مركز مدينة كركوك، قبل أن تفرض سيطرتها على مناطق استراتيجية في المدينة.
وجاءت تلك التطورات بعد ساعات من تصريح للعبادي، اعتبر فيه أن استقدام وحدات من البيشمركة وأخرى تابعة لحزب العمال الكردستاني إلى محافظة كركوك بمثابة إعلان حرب على بغداد.
المهندس في كركوك
وفي التاسع عشر من شهر أيلول من عام 2017، (قبل الاستفتاء بـ6 أيام، وقبل التحرير بشهر)، زار الشهيد أبو مهدي المهندس محافظة كركوك، وأكد الناطق الرسمي لقيادة محور الشمال في الحشد الشعبي السيد علي الحسيني، أن زيارة أبو مهدي المهندس الى المحافظة هي رسالة "اطمئنان ووجود".
وقال الحسيني، إن "زيارة مهندس الانتصارات الى المنطقة هي رسالة اطمئنان لقيادة محور الشمال". مبينا، إنه "فور وصوله اجتمع مع مسؤولي محور الشمال للحشد الشعبي في محافظة كركوك وأيضا توجه الى قاطع البشير التركمانية وتفقد خط الصد للحشد التركماني في قصبة بشير".
وأضاف، إن "المهندس عقد اجتماعا في مقر اللواء 16 مع مسؤولي اللواء في ناحية طوزخورماتو واجتمع مع قادة فصائل المقاومة بمعسكر الشهداء في الناحية".
وتابع، إن "هذه الزيارة تعتبر رسالة وجود أيضا وهو يتفقد قواته في المنطقة بالتزامن مع قرب انطلاق عمليات تحرير الحويجة".
معتبرا "وجود المهندس في كركوك رسالة أخرى للعالم بأنه لم يلتقِ مع أي أحد غير مسؤولي ومراتب وجنود الحشد الشعبي في المنطقة فقط".
وكشف محللون في حينها بأن زيارة المهندس كانت رسالة واضحة لساسة إقليم كردستان بأن الحشد الشعبي وقادته وعناصره موجودون في كل شبر من أرض العراق ومكلفين قانونيا وشرعيا بحماية أرضه وشعبه ودحر التهديدات الداخلية والخارجية العاملة على تفتيت وحدته وتقسيم أراضيه.
الجنرال وسيطاً قبل المعركة
بعد التحرير بأيام، قال مسؤولون أكراد اطلعوا على مضمون الاجتماعات التي عقدها الشهيد قاسم سليماني مع قادة أكراد في شمال العراق، إنه وجه لهم تحذيرات متكررة، وطلب منهم الانسحاب من مدينة كركوك الغنية بالنفط، أو مواجهة هجوم شرس من القوات العراقية.
وزار الشهيد سليماني، إقليم كردستان العراق للقاء قادة أكراد، 3 مرات على الأقل خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2017، قبل حملة خاطفة من الحكومة المركزية في بغداد لاستعادة السيطرة على مناطق في شمال البلاد من يد الأكراد.
وحسب تقارير صحفية، سلّط وجود الشهيد سليماني على جبهات القتال، الضوء على العلاقة المتينة بين بغداد وطهران. وقال نائب عن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، اطلع على مجريات الاجتماع، إن الشهيد سليماني التقى قادة في الحزب في مدينة السليمانية، قبل يوم من إصدار رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي أمراً لقواته بالتقدم نحو كركوك. وكانت رسالته واضحة في هذا الشأن، ومفادها الانسحاب أو خسارة طهران كحليف استراتيجي.
ونقل النائب الكردي عن سليماني قوله لقيادات الحزب، إن "العبادي لديه كل القوى الإقليمية، والغرب في صفه، ولن يوقفه شيء عن إجباركم على العودة للجبال، إذا ما قرر ذلك". وأضاف، إن الجنرال الإيراني أعاد للأذهان هجوماً كاسحاً شنه صدام حسين على تمرد كردي عام 1991، عندما أجبر ذلك أغلب السكان الأكراد على الفرار إلى الجبال. وحسب النائب الذي طلب عدم نشر اسمه، فإن "زيارة الشهيد سليماني... كانت لإعطاء فرصة أخيرة لمتخذي القرار لعدم ارتكاب خطأ فادح".
واتهم قادة من البيشمركة إيران بتدبير الحملة التي شنتها الحكومة المركزية في العراق، ووصفوها بأنها "هجمة يقودها الشيعة على مناطق كانت تخضع لسيطرتهم"، وهو اتهام نفاه مسؤولون إيرانيون كبار. لكن مسؤول مقرب من الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني قال، إن "المساعدة التي يقدمها جيش طهران لم تعد سراً؛ يمكنك أن تجد صور الجنرال سليماني في كل مكان بالعراق"، وأضاف: "حالياً... إلى جانب الملفات السياسية، نفط كركوك عنصر أساسي بالنسبة لإيران، العضو في (أوبك). وسيطرة أعداء إيران على حقول النفط تلك ستكون كارثية بالنسبة لنا؛ كيف نسمح لهم بدخول سوق النفط؟".
واختلف الحزبان الرئيسيان الكرديان، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، بشأن الاستفتاء، وبشأن أزمة كركوك، التي يعتبرها الأكراد قلب وطنهم. واتهم الاتحاد الوطني الكردستاني، وهو حليف مقرب من إيران، منافسه الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، بتعريض الأكراد لخطر التدخل العسكري والانعزال، بالضغط لإجراء الاستفتاء.
وكان الشهيد سليماني حليفاً لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني لسنوات، لكن الاستفتاء جعله أكثر انخراطاً في الملف السياسي الكردي. والجنرال الإيراني ليس غريباً على الصراعات في العراق أيضاً. وقد شوهد في لقطات وصور من على جبهات القتال بالعراق، وقبل الاستفتاء، قال الشهيد سليماني لقادة أكراد إن إجراء تصويت على الانفصال سيمثل مخاطرة عليهم تجنبها.
وقال سياسي كردي عراقي بارز، التقى سليماني قبل الاستفتاء الذي أجري في 25 سبتمبر (أيلول) 2017: "كان الإيرانيون واضحين جداً؛ كانوا واضحين جداً باحتمال نشوب صراع وفقدان السيطرة على تلك المناطق".
وكشف مسؤولون أن الشهيد سليماني حضر في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) جنازة جلال طالباني، زعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وأراد مرة أخرى أن يتأكد من أن حتى أقرب حلفائه الأكراد يفهمون مخاطر عدم الانسحاب من كركوك.
وحسب مصدر دبلوماسي إيراني فإن الشهيد سليماني التقى عدداً من القادة الأكراد بعد جنازة طالباني، وحثهم على الانسحاب من كركوك مقابل حماية طهران لمصالحهم. وأضاف مسؤول في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني أن سليماني التقى بافل طالباني، النجل الأكبر للرئيس العراقي الراحل جلال طالباني، بعد أيام قليلة من دفن والده، وقال له: "يجب أن تأخذوا (كلام) العبادي بجدية تامة؛ يجب أن تفهموا ذلك".
وكشف مصدر إيراني في العراق أن الشهيد سليماني كان في كركوك قبل ليلتين من هجوم قوات الحكومة العراقية لمدة ساعتين لإصدار "توجيه عسكري". وقالت مصادر في المخابرات العراقية إن طهران أرسلت رسالة واضحة لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، حيث قال مسؤول في المخابرات: "فهمنا من مصادرنا على الأرض أن إيران لعبت دوراً حاسماً في إقناع الاتحاد الوطني الكردستاني بانتهاج المسار الصحيح مع بغداد".
وعمقت التوترات التي أثارها الاستفتاء وملف كركوك من الانقسامات بين الحزبين السياسيين الرئيسين في شمال العراق. واتهم الحزب الديمقراطي الكردستاني حزب الاتحاد الوطني بخيانة القضية الكردية، بالانصياع لإيران وعقد اتفاق للانسحاب.
وقال مصدر مقرب من مسعود بارزاني إن "جماعة طالباني تقف وراء الهجوم على كركوك. وطلبوا من الشهيد قاسم سليماني المساعدة"، وأضاف: "أصبح من الواضح أن إيران توجه العمليات للقضاء على الحزب الديمقراطي الكردستاني".
وينفي الاتحاد الوطني الكردستاني ذلك بقوة. واتهم بافل طالباني الحزب الديمقراطي الكردستاني بتفويت فرصة أخيرة وحاسمة لتجنب خسارة كركوك، بفشله في التوصل لاتفاق بشأن قاعدة عسكرية طالبت قوات الحكومة العراقية باستعادتها، وأضاف: "للأسف، كان رد فعلنا بطيئاً جداً، ووجدنا أنفسنا فيما نحن فيه اليوم".
وقدمت إيران مساعدة مبكرة للأكراد في شمالي العراق في الحرب ضد عصابات داعش الإرهابية، وهو أمر أتاح لها قدراً من التأييد في صفوف المجتمع الكردي.