المالكي يريد انتخابات خلال 6 أشهر ويضع شروطا للولاية الثانية للسوداني.. ما السيناريوهات "المحتملة"؟
انفوبلس/ تقرير
حديث رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، عن إجراء انتخابات مبكرة في العراق بحلول نهاية العام الحالي، قبل انتهاء الدورة البرلمانية الحالية في أكتوبر/ تشرين الأول 2025، خلّف جدلاً واسعاً وتحليلات متباينة حول دوافعها ومغزاها، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على ردود الفعل السياسية.
ويتزامن ذلك مع إعلان التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر عن تياره الجديد "الوطني الشيعي"، بعد قرابة عامين من انسحابه من البرلمان الحالي حيث كان متصدراً بـ74 مقعداً من مجموع 329 مقعداً.
حديث المالكي
وقال المالكي ـ وهو زعيم ائتلاف دولة القانون الذي يمثل أحد أعمدة تحالف الإطار التنسيقي الذي شكل الحكومة في العراق ـ خلال لقاء تلفزيوني، مساء أمس الأربعاء: "نحتاج إلى إجراء الانتخابات المبكرة، لكن المتعارف عليه أن الانتخابات تفرض أن يحل البرلمان نفسه، وأنا قد راجعت واستذكرت المواقع والمحطات التي مرت فوجدت أن البرلمان لا يحتاج أن يحل نفسه، بل إنه يستمر إلى ليلة الانتخابات، وعندما تتم الانتخابات يُحل البرلمان أوتوماتيكياً".
وبحسب المالكي، فإنّ "العُقدة التي كانت لديّ هي أن الانتخابات تحتاج الى أن يحل البرلمان نفسه، وأرى أنّ النواب لا يحلون أنفسهم، وقد تيقنت لاحقاً أننا لا نحتاج إلى حل البرلمان، يستطيعون قبل أسبوع أو قبل شهر أو إلى ليلة الانتخابات أن يبقى البرلمان موجوداً، وامتيازات الإخوة وصلاحياتهم مستمرة".
وأكد دعم ائتلاف دولة القانون إجراء انتخابات مبكرة نهاية العام 2024، بـ"اعتبار أنها فقرة في البرنامج الحكومي وأن الحكومة ملزمة بتنفيذها". ودعا إلى أن "تكون الانتخابات عبر دوائر متعددة، لا كما جرت الانتخابات الأخيرة"، مطالباً بقانون يمنع المسؤولين التنفيذيين (رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة والمسؤولين) من المشاركة في الانتخابات.
وتابع "قد يقول البعض أن التنفيذيين من حقهم خوض الانتخابات، لكن قانون الانتخابات منع ترشيح العراقيين بالخارج كما أن القضاة ممنوعون من المشاركة في الانتخابات إلا في حال استقالتهم، والعسكر ممنوعون من المشاركة إلا في حال استقالتهم، فالقضية ليست كما يتحدث عنها بعض الكتاب المتمنطقين بأنّ كل مواطن من حقه المشاركة"، وفقاً لقوله. وأكد أن "هناك قبولاً لإجراء الانتخابات المبكرة بنسبة 50 إلى 60%".
وأشار إلى أنّ "الانتخابات الأخيرة التي جرت كشفت ظاهرة واضحة، هي أن المشاركين فيها استأثروا بكل الأموال والإمكانات الموجودة تحت تصرفهم سواء أكانوا وزراء أم محافظين، فالانتخابات حِكمتها أنها تكشف توجهات المجتمع لكن هذه الانتخابات كانت عبارة عن انتخابات فلوس ومصالح وامتيازات وتوزيعات، ولم تكشف حقيقة عن توجهات الناس، وإنما أستطيع أن أقول إن الأموال التي جاءت بالتصويت أحدثت خللاً، وهذا الخلل إذا استمر ستنتهي حكمة الانتخابات".
وأضاف أنّ "عدداً من الدول تعمل وفق ما نطرحه أي أن التنفيذي يستقيل قبل ستة أشهر من إجراء الانتخابات، وهي مطبقة حتى في إيران ودول أخرى، وهي فكرة لا تظلم أحدا، فإذا أراد التنفيذي أن يرشح للانتخابات فيجب عليه الاستقالة حفاظاً على إرادة العملية الانتخابية، وهي ضرورية جداً إذا ما أردنا أن نحمي كرامة وحرمة العملية الانتخابية".
وفي شأن إمكانية تجديد الولاية لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، قال المالكي إنه لا يمكن أن يتم اختيار رئيس وزراء بدون شروط، فهذا لم يحدث لا في دورتي ولا مع من جاء بعدي، بالتأكيد هناك شروط، وبعض الشروط مباشرة، فقد كتبت مع الكتل السياسية اتفاقية، وكذلك مع السوداني، وهذه الاتفاقية تضمن سلامة العملية السياسية التي تنتمي إليها.
وتضمّن برنامج حكومة السوداني بنوداً كثيرة، ركّز بعضها على إجراء انتخابات مبكرة ومحاربة الفساد والسلاح المتفلت، وحصلت حكومة السوداني على ثقة البرلمان بموجبه في أكتوبر 2022. ويُعدّ مطلب إجراء انتخابات مبكرة من أبرز مطالب التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، الذي طالب بها قُبيل تشكيل حكومة السوداني من قبل تحالف الإطار التنسيقي، وقبل اعتزال الصدر العمل السياسي (أغسطس/ آب 2022).
وبحسب معلومات حصلت عليها "انفوبلس"، فإن السوداني، على الرغم من توليه منصب رئيس الوزراء بدعم من الإطار التنسيقي الشيعي، إلا أنه لديه بعض الخلافات مع نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق وأحد الشخصيات البارزة في الإطار، نتيجة اختلاف في الرؤى السياسية والإدارية بينهما.
*ردود فعل سياسية
يقول القيادي الحكمة في التيار رحيم العبودي، إن "دعوة زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة نهاية العام الحالي تمثل وجهة نظره ورغبته الشخصية، وهذه الفكرة لم تُطرح او تُناقش ما بين قوى الإطار التنسيقي، كما ان فكرة الانتخابات المبكرة مرفوضة من قبل الإطار التنسيقي".
ويضيف العبودي، إن "رفض فكرة الانتخابات المبكرة من قبل الإطار التنسيقي، هي لإدامة الاستقرار السياسي ولإكمال الحكومة العراقية المشاريع وخططها في ظل الرضى الحاصل عنها سياسيا وشعبياً، ولهذا لا توجد أي مبررات لأجراء هكذا انتخابات، ولهذا نعتقد ان دعوة المالكي ولدت ميتة ولا يمكن تنفيذها".
كما يعتبر تحالف "المعارضة النيابية البنّاءة"، اليوم الخميس، الدعوات المطالبة بإقامة انتخابات مبكرة بأنها "تخدم مصالح الأحزاب المهيمنة"، مؤكدا ان إقامتها قبل أقل من سنة "غير مُجدٍ".
ويقول رئيس التحالف عامر عبد الجبار، إن "هناك حملة تقودها بعض الجهات السياسية للدعوة الى إقامة انتخابات مبكرة"، لافتا الى ان "الدعوة للانتخابات المبكرة من النواحي اللوجستية والإدارية والفنية يتطلب على أقل تقدير ان تقام بعد مرور سنة من الان".
ويتابع رئيس التحالف، أن "إقامة الانتخابات المبكرة خلال أشهر، هذا يعني ان العملية الانتخابية ستكون مربكة ولا تخدم القوى الناشئة والمدنية والنواب المستقلين، وانما تخدم الأحزاب المهيمنة التي تفوز في كل انتخابات"، مستدركا "نحن لا نؤيد إقامة انتخابات مبكرة خلال فترة أقل من سنة".
ويبين النائب عن الإطار التنسيقي مختار الموسوي، إن فكرة إجراء انتخابات برلمانية مبكرة مطروحة من بعض قوى الإطار التنسيقي، لكن هناك صعوبة في تحقيقها، فهي تتطلب توافق سياسي، وكذلك تتطلب تحضيرات مبكرة من قبل المفوضية حتى تتمكن من إنجاح هذه العملية الانتخابية، والمفوضية غير مستعدة لهذه المهمة".
الى ذلك، يعلق النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني شيروان الدوبرداني على الدعوة بالقول: إن ذلك يتوقف على الوضع السياسي للبلاد، لا سيما في حال استمرار الانسداد السياسي وعدم تطبيق ما تم الاتفاق عليه في البرنامج الحكومي وتلبية مطالب السنة والأكراد.
في المقابل، يرى الباحث السياسي سيف السعدي أن المنهاج الحكومي يؤكد إجراء انتخابات مبكرة ويعد ذلك ملزما للكتل السياسية، غير أنه لم يحدد توقيت هذه الانتخابات. وبشأن ارتباط عودة التيار الصدري بالانتخابات، يقول إن هذه العودة أربكت الكتل السياسية في تحالف الإطار التنسيقي، مع وجود انقسام داخل الإطار ذاته.
بدوره، يقول الباحث السياسي مجاشع التميمي -المقرب من التيار الصدري- إن القوى السياسية لم تتفق حتى الآن على حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، لا سيما أن حل البرلمان لن يتم إلا بطلب موقع من 110 نواب، وتصويت البرلمان على حل نفسه بمجموع 166 نائبا.
وبخصوص موقف التيار الصدري، يوضح التميمي أن مقتدى الصدر ورغم إعلانه عن تياره الجديد، فإنه لم يُشر لموضوع الانتخابات المبكرة، ولعودته السياسية ومشاركته رغم الرسائل التي أطلقها.
ويبيّن أن الدورة التشريعية الحالية قد استهلكت أكثر من نصف عمرها ولم يتبق منها إلا عام ونصف فقط، معتقدا أن جميع الكتل غير مستعدة للانتخابات بما فيهم التيار الصدري الذي يريد دخول الانتخابات في وقتها مع تحقيق أغلبية برلمانية.
فيما يتساءل الكاتب والأكاديمي علاء مصطفى عن مغزى دعوة نوري المالكي الى انتخابات مبكرة وفيما إذا ستعيد للعملية السياسية توازنها، ويطرح مصطفى السؤال: هل للحكومة ومن يتمحور معها قادر على التقاط الصاروخ الذي أطلقه المالكي؟ ام انه سيصل الهدف ويحرك قواعد المنسحب، معتبرا ان المشهد يزداد سخونة مع اقتراب تموز.
وفي حين ترى تحليلات ان إجراء الانتخابات المبكرة تحمل في طياتها محاولات للحد من نفوذ رئيس الحكومة الحالي، محمد السوداني، فان الباحث في الشأن السياسي سمير عبيد، يقول ان اغلب المحللين والسياسيين العراقيين اعتقدوا مباشرة ان المالكي يخطط لإزاحة السوداني من المشهد ليتصدر هو وجماعة حزب الدعوة، وهذا التحليل غير صحيح لأنه مهما كانت الخلافات بين خطوط حزب الدعوة مباشرة يعودون معا وعلى قلب واحد ما دامت هناك سلطة.
ويبين عبيد: قسم من المحللين قالوا ان المالكي يلمح إلى التقارب والتحالف مع الصدر وهؤلاء لا يعرفون كيف يفكر المالكي فهو أطلق هذه الدعوة لكي يتلاعب بأعصاب الصدر (لأن الصدر دائما يخالف ما يرغبه المالكي) وهذا هو هدف المالكي ان يبعد الصدر عن تبني موضوع الانتخابات المبكرة.
ويردف عبيد الى ان المالكي وحزب الدعوة يتمنون فعلاً انتخابات مبكرة والصدر ليس فيها، لكي يقطعون الطريق "حسب مخططهم" على سيناريو التغيير القادم ولكي يصنعوا حكومة جديدة وبهذا يفلتون من الرئيس ترامب إذا فاز في الانتخابات.
وتؤكد المعلومات المتواترة من داخل اروقة العملية السياسية، الى ان السوداني بدأ يتحرك مدعومًا بماكينة إعلامية ومالية ضخمة، في محاولة لتعزيز نفوذه وإزاحة المالكي من طريق طموحه بولاية ثانية. يأتي هذا التحرك في سياق إعادة تشكيل الخريطة السياسية والتحالفات بهدف تقوية موقفه السياسي في الانتخابات القادمة. السوداني، الذي يسعى لإعادة ترتيب الأوراق السياسية لصالحه، يحاول إقامة تحالفات جديدة تدعم موقفه وتحقيق طموحاته.
ويرى مراقبون أن الوضع السياسي في العراق يتسم بالضبابية، وأن تطورات المشهد السياسي عادة ما تكون فجائية وبصورة متصاعدة، وبالتالي، فإن الأسابيع والأشهر القادمة هي التي ستحدد مدى إمكانية إجراء انتخابات مبكرة أو المضي بالدورة الحالية حتى النهاية.
الموقف القانوني
في حين يقول المالكي انه يمكن اجراء انتخابات مبكرة من دون حل البرلمان، فان الخبير القانوني علي التميمي يرى ان إجراء الانتخابات المبكرة لا يكون إلا بحل البرلمان لان هذا البرلمان منتخب لمدة ٤ سنوات ومحدد عمره بأربع سنوات وفق المادة ٥٦ من الدستور، كما أن حل البرلمان يكون بطريقتين، اما بطلب من ثلث أعضاء البرلمان وموافقة الأغلبية المطلقة لعدد أعضاءه أو بطلب من رئيس مجلس الوزراء وموافقة رئيس الجمهورية وايضا موافقة الأغلبية المطلقة للبرلمان حيث يدعو رئيس الجمهورية إلى انتخابات عامة في البلد خلال شهرين من تاريخ الحل كما قالت المادة ٦٤ من الدستور.
ويكمل، إن "السياق الدستوري والمواد ٧٦ من الدستور توجب ان يكمل الرئيس السوداني ما تبقى من عمر حكومته ولا يوجد شي في الدستور العراقي اسمة انتخابات مبكرة، أو حكومة مؤقتة، بل لابد لإجراء الانتخابات المبكرة حل البرلمان، ولا يمكن بغير ذلك اجراءها وفق المواد ٥٦ و٧٦ و٧٧ و٦٦ومن الدستور العراقي بتفاصيلها". واختتم بأن "الحديث ما دون ذلك هو سياسي وليس قانوني أو دستوري".
أما عن مفوضية الانتخابات وانتهاء ولاية مجلس المفوضين في يوليو/تموز القادم، فيشير التميمي إلى أنه يجب على البرلمان -قبل حل نفسه- انتخاب مجلس مفوضين جديد بالاقتراع المباشر وفق قانون المفوضية رقم 31 لعام 2019.
من جهته، يؤكد نائب رئيس مجلس المفوضية الأسبق سعد الراوي، أنه لا يمكن إجراء انتخابات مبكرة العام الحالي لعدة أسباب، أولها أن الدورة القانونية لمجلس المفوضين ضمن المفوضية تنتهي في يوليو/تموز القادم، وبالتالي ستحتاج المفوضية لمجلس جديد بما يتطلبه ذلك من تدريب وورش عمل.
وكشف الراوي، عن وجود خلافات برلمانية حول ماهية الأشخاص الذين سيخلفون مجلس المفوضين الحالي، وحول إمكانية عودة البرلمان لتطبيق القانون القديم والمجيء بمجلس مفوضين من غير السلك القضائي، أو باختيار مجلس النواب لجنة خبراء من السلك القضائي، وهو ما اعتُمد في الدورة الأخيرة لمجلس المفوضين.
وفيما يتعلق بالناحية اللوجستية وإمكانية التمديد لمجلس المفوضين كما حدث سابقا، يبيّن الراوي أن تمديد البرلمان لعمل المجلس غير ممكن، لأن المادة السابعة من القانون رقم (31) تنص على أن دورة المجلس تمتد لـ4 سنوات دون إمكانية تمديدها.
ويرى أن هناك قصورا في قانون الانتخابات المعتمد حاليا، وأنه مليء بالثغرات ولا يتجاوز 30 صفحة، وبالتالي، لا تتوفر تفسيرات قانونية لحيثيات كثيرة متعلقة بعمل مجلس النواب وحله أو الذهاب لانتخابات تشريعية مبكرة.
وشهد العراق بعد سنة 2003 خمس عمليات انتخاب تشريعية، أولها في عام 2005 (قبلها أجريت انتخابات الجمعية الوطنية التي دام عملها أقل من عام)، وآخرها في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، حيث اعتمدت كل الدورات الانتخابية قانون الدائرة الواحدة لكل محافظة، وفق آلية سانت ليغو، باختلاف فارق القاسم الانتخابي للأصوات بين 1.7 و1.9، وهي طريقة حساب رياضية تتبع في توزيع أصوات الناخبين، تجعل حظوظ الكيانات السياسية الكبيرة تتصاعد على حساب المرشحين الأفراد والكيانات الناشئة والصغيرة، وهو ما يدفع تلك الكيانات إلى السعي للتجمع وتشكيل تحالفات كبيرة تضمن الفوز. إلا أن الانتخابات البرلمانية المبكرة في عام 2021 أُجريت وفق الدوائر المتعددة، بعد ضغط كبير من الشارع والتيار الصدري لإجراء هذا التعديل، الذي كان يعارضه الإطار التنسيقي.
وفي مارس/ آذار 2023، صوّت البرلمان العراقي على قانون التعديل الثالث لقانون الانتخابات، الذي أعاد اعتماد نظام الدائرة الواحدة لكل محافظة، مع صيغة سانت ليغو النسبية (بفارق 1.7).