المفوّض السامي لحقوق الإنسان في بغداد.. عراقيون يعلقون: لماذا لا يزور السعودية ليسأل عن أشلاء خاشقجي؟.. زيارة "غامضة" بتوقيت حساس
انفوبلس..
يوم السبت الماضي، أعلنت وزارة الخارجية وصول مفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك إلى بغداد في زيارة رسمية تستغرق أربعة أيام يلتقي خلالها الرئاسات الثلاث، ورئيس مجلس القضاء الأعلى، ونائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجيَّة، ووزير العدل، ويزور إقليم كردستان العراق ويلتقي مسؤولي الحكومة، كما يزور محافظة البصرة ويلتقي محافظها أسعد العيداني.
تساؤلات أُثيرت في الشارع العراقي عقب الإعلان عن هذه الزيارة حول أسبابها، حيث يشير برنامج زيارات المفوض السامي إلى خريطة غامضة، فيزور تورك شمال العراق وأقصى جنوبه، ورؤوس قادته وسلطاته السياسية والقضائية، كما أُثيرت تساؤلات أخرى عن عدم قيام الأمم المتحدة بإرسال مبعوثها السامي لحقوق الإنسان إلى السعودية لمعرفة مصير "أشلاء خاشقجي" الذي تبناه العالم لمدة طويلة وفجأةً سادَ الصمت بخصوصه بالتزامن مع اقتراب المملكة العربية من إعلان تطبيعها مع الكيان الصهيوني.
رئيسا مجلس الوزراء محمد شياع السوداني ومجلس النواب محمد الحلبوسي، التقيا تورك بحضور الممثلة الاممية جنين بلاسخارت.
وبحسب بيان حكومي، فإن "السوداني ثمّن خلال استقباله تورك والوفد المرافق له الذي يضم رئيس قسم آسيا والمحيط الهادئ والشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المفوضية فرانسيسكو موتا والمتحدثة باسم المفوضية رافينا شامدساني، ثمّن الزيارة التي عدّها رسالة دعم لكل العراقيين، وتشجيعاً على استمرار العمل في ضمان حقوق الإنسان، كونها تمثل أول زيارة لمفوض سامي لحقوق الإنسان إلى العراق".
وأكد السوداني، "موافقة مجلس الوزراء على مشروع قانون مكافحة الاختفاء القسري، وهو الآن في مجلس النواب لغرض التصويت عليه"، كما أعرب عن "تقدير العراق لجهود المفوضية السامية في إدانتها الاعتداء المتكرر على حرمة المصحف الشريف، التي تتقاطع مع مفهوم حرية الرأي والتعبير، وهي شكل من أشكال التعدي وازدراء الأديان ومحاولة إثارة الفتنة".
وتابع، أن "الحكومة حققت تقدماً كبيراً في مجال حقوق المرأة، سواء في البرلمان حيث تمثل ما نسبته 28 بالمئة، أو من خلال تسنّمها 3 وزارات، واحدة منها سيادية".
من جانبه، قال تورك إن "توقيت زيارته جاء في وقت حساس، كون العراق يعد أحد أكثر الدول تأثراً بالتغير المناخي من أجل المساعدة لمواجهة هذا التحدّي ضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"،
وأكد أن "العراق بلد متنوع في مكوناته، وهذا عامل قوة له على مر التاريخ"، داعيا إلى "العمل على تعزيز الحوار الوطني والكشف عن المفقودين والمغيبين في كل الأزمات".
بدوره أكد رئيس البرلمان، أهمية إكمال تشكيل مفوضية حقوق الإنسان، وذكر بيان لمكتبه أن "الحلبوسي التقى تورك، وبحثا المواضيع المتعلقة بحقوق الإنسان والقوانين الموجودة والتي ستُعرض في مجلس النواب، تتعلق بالاختفاء القسري وحرية التعبير عن الرأي وتنظيم عمل الإعلام، وأهمية إكمال المجلس تشكيلَ مفوضية حقوق الإنسان، كما ناقشا أوضاع المفقودين والنازحين، وملفات تتعلق بالتغير المناخي، ودور المفوضية بالمساعدة في مواجهة هذه التحديات".
وفي أربيل، ناقش رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور البارزاني، مع المفوض السامي الذي وصل بعد اختتام زيارته الى بغداد، مبادئ حماية حقوق الإنسان.
وذكر بيان لحكومة الإقليم أن "بارزاني أوضح خلال الاجتماع أن شعب كردستان تعرّض وعلى مر التاريخ إلى مآسٍ عديدة من مجازر وإبادات جماعية وانتهاكات لحقوقه، وقد ضحى بالكثير من أجل نيل حقوقه المشروعة، لهذا فهو ينظر بعين الاعتبار لمبادئ حماية الحقوق وتعزيز قيم الحرية والديمقراطية"، داعيا الى "وضع حد للانتهاكات التي تمارس تجاه حقوق الشعب، كما نحث المجتمع الدولي على مساعدتنا من أجل نيل حقوقنا المشروعة، ومنع تكرار ارتكاب المجازر والإبادات الجماعية ضد كردستان".
وقدم البارزاني بحسب البيان "نبذة عن الإصلاحات الشاملة التي شرعت بها التشكيلة الوزارية التاسعة، ولاسيما إقرارها واعتمادها للخطة الخمسية الهادفة لحماية حقوق الإنسان ومكافحة العنف والتطرّف، وعلى وجه التحديد مناهضة العنف ضد المرأة".
من جانبه أعرب تورك عن "شكره وتقديره للجهات المعنية في حكومة كردستان على ما تقدمه من تعاون وتنسيق مع الأمم المتحدة، وبالأخص فيما يتعلق بمجال حماية حقوق الإنسان".
وأفاد مفوّض الأمم المتحدة في ختام زيارته للعراق بأنّ حرارة الصيف الشديدة والتلوّث في جنوب العراق الذي كان يزوره يشيران إلى أنّ "حقبة الغليان العالمي" قد بدأت.
وعن زيارته للبصرة، قال تورك في مؤتمر صحافي عقده في بغداد: "عند وقوفي وسط هذه الحرارة الحارقة... ومع استنشاق الهواء الملوّث بسبب كثير من مشاعل الغاز المنتشرة في المنطقة، اتّضح لي أنّ حقبة الغليان العالمي قد بدأت بالفعل".
وقبل مغادرته العراق، التقى تورك وزير العدل العراقي خالد شواني، وذكرت الوزارة في بيان أن "شواني استقبل في مكتبه الرسمي المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، والوفد المرافق له، وتباحث الجانبان ملف حقوق الانسان فيما يخص التعاون المشترك حول تطبيق المعايير الدولية في هذا المجال".
وأشار الوزير الى، ان "الحكومة اتخذت خطوات مهمة خلال فترة قصيرة من عملها في مجال حقوق الانسان، وأن وزارة العدل أعدّت استراتيجية متكاملة لتنفيذ التزامات العراق في هذا الملف على المستوى الوطني والدولي".
وأوضح، أن "الوزارة لديها برنامج وفق منهاجها الوزاري في إجراء الإصلاحات في الدوائر السجنية من خلال الأتمتة الإلكترونية وإنشاء شبكة أمنية وبالتنسيق المباشر مع السلطة القضائية ووزارة الداخلية، لغرض المتابعة الدائمة لأوضاع النزلاء والتأكد من تطبيق معايير حقوق الانسان وتسهيل إجراءات الإفراج الشرطي لهم للذين قضوا فترة محكوميتهم".
وأكد، أن "الأقسام الإصلاحية (السجون) تخلو من حالات للتعذيب، وهناك متابعة مستمرة من جانبه بهذا الشأن من خلال زياراته المفاجئة للاطلاع على أحوال النزلاء ومحاسبة المقصرين"، مشيراً إلى أنه تم إعداد مشروع قانون لمناهضة التعذيب وتم التصويت عليه من قبل مجلس الوزراء وإحالته إلى مجلس النواب لإقراره".
ومن جانبه، ثمن المفوض السامي لحقوق الإنسان "الجهود المبذولة من قبل الحكومة ووزارة العدل في تطبيق معايير حقوق الإنسان الدولية في الدوائر العدلية كافة وخصوصا السجون الإصلاحية"، مؤكدا "رغبته في التعاون مع الحكومة من أجل تعزيز الشراكة للارتقاء بملف حقوق الإنسان في العراق".
تلك الزيارة المهمة والمفيدة بظاهر بياناتها الرسمية، والمريبة بحسب مراقبين لتحركات الأمم المتحدة (المسيطر عليها أمريكياً) في الشرق الأوسط، أتت في توقيت حساس جداً، حيث يغلي الشارع العراقي بسبب تهاون حكومي مع التواجد العسكري الأمريكي على أراضي البلاد.
ووفقاً للمراقبين، فإن ملف حقوق الإنسان هو الملف الأشهر الذي تستخدمه الإدارات الأمريكية المتعاقبة لليّ أذرع حكومات الدول التي تتدخل في سياستها الولايات المتحدة لتمرير أجنداتها الخاصة، ويرجحون بأن تلك الزيارة ليست إنسانية أو مناخية كما أعلنت البيانات، وإنما زيارة سياسة برعاية أمريكية ضمن تحركات سياسية وعسكرية جديدة تقوم بها واشنطن في الشرق الأوسط عموماً والعراق خصوصاً.