انسحاب القاضي عبد الرحمن سليمان زيباري من المحكمة الاتحادية.. محاولة "فاشلة" من بارزاني للضغط على العميري وزملائه
انفوبلس/ تقرير
في محاولة وُصفت بـ"الفاشلة" من قبل رئيس وزراء إقليم كردستان مسرور بارزاني للضغط على رئيس المحكمة الاتحادية العليا جاسم محمد العميري وزملائه، أعلن القاضي عبد الرحمن سليمان زيباري، عضو المحكمة الاتحادية والممثل لإقليم كردستان فيها، عن استقالته من عضوية المحكمة، فما هي الأسباب؟ وهل هذه الاستقالة تخلُّ بشرعيتها؟ وكيف ردت المحكمة؟.
يسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على التفاصيل الكاملة لهذه الاستقالة وأسبابها وتداعياتها
أعلن القاضي عبد الرحمن زيباري عضو المحكمة الاتحادية العراقية، والممثل لإقليم كردستان فيها انسحابه من المحكمة ـ التي هي أعلى سلطة قضائية في البلاد ـ وذلك احتجاجا على القرارات الصادرة مؤخرا ضد إقليم كردستان.
وفي مؤتمر صحفي عُقد في أربيل، تابعته شبكة "انفوبلس"، قال زيباري، إنه "منذ ما يقارب الثلاثة أعوام من الآن باشرتُ بوظيفتي ومنصبي كقاضٍ وعضو أصيل في المحكمة الاتحادية العليا، ولكوني حاصلا على شهادة الدكتوراه في القانون الدستوري وتخصصي الأكاديمي الدقيق تمثل في أطروحتي للدكتوراه والتي كانت بعنوان (السلطة القضائية في النظام الفدرالي - دراسة مقارنة) وكوني أملك أكثر من (30) سنة من الخدمة في مجال القضاء فقد شغلت منصبي كممثل لإقليم كردستان استنادا للمادة (3 / ثانيا) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) لسنة 2005 المعدلة بالمادة (1) من القانون رقم (25) لسنة 2021 (قانون التعديل الأول لقانون المحكمة الاتحادية العليا) التي تضمنت عبارة مع تمثيل الأقاليم، وقد وظَّفت إمكانياتي المهنية والأكاديمية في سبيل ترسيخ مقومات النظام الديمقراطي في العراق بشكل عام من خلال أداء عملي في المحكمة، ومن جملة ما حرصت عليه هو محاولة المساهمة في ترسيخ وحماية أسس ومقومات النظام الاتحادي (الفدرالي) القائم أساساً على توزيع السلطة بين المؤسسات الاتحادية بكافة مستوياتها ومؤسسات وسلطات إقليم کردستان باعتباره الإقليم الوحيد المشكل والمعترف به دستوريا منذ نفاذ الدستور ولغاية الآن بل إن إقليم كردستان كان قائماً حتى قبل نفاذ الدستور كثمرة لنضال شعب كردستان الطويل المليء بالتضحيات وبالمآسي ولانتفاضته عام 1991".
وأضاف، "ولا يخفى على أحد أن دستور جمهورية العراق لسنة 2005 الدستور الاتحادي يعتبر العقد الاجتماعي والوثيقة المقدسة سياسيا والتي بُني عليها العراق الجديد بعد الإطاحة بالنظام الاستبدادي الفردي. وقد شارك في صياغته ومن ثم إقراره جميع مكونات الشعب العراقي باعتباره يمثل الحد الأدنى من حقوق واستحقاقات كل تلك المكونات، وأن الالتزام بنصوص ومبادئ هذا الدستور هو الضامن لوحدة العراق كدولة اتحادية كما جاء في ديباجة الدستور، وأنا شخصيا كنت آمل وعملت قدر المستطاع أن أكون خير ممثل ومدافع عن حقوق واستحقاقات جميع مكونات العراق ومؤسسات الدولة الاتحادية بشكل عام واستحقاقات إقليم كردستان الدستورية بشكل خاص كوني أمثله استنادا للمادة التي أشرت إليها آنفا، ولكن وبعد مرور ما يقارب الثلاث سنوات على إشغالي للمنصب وتوالي صدور القرارات من المحكمة الاتحادية العليا بتشكيلتها الجديدة فقد توصلت إلى قناعة ذاتية أن وجودي واستمراري كقاضي في المحكمة لا يحقق الغاية المبتغاة من شغلي لهذا المنصب، وهي المساهمة في الحفاظ على المبادئ والأسس التي جاء بها الدستور، وبشكل أخص وجدت نفسي في موقع أصبحت فيها جهودي وإمكانياتي العلمية والمهنية عاجزة عن تحقيق غايتها في الدفاع عن مصالح إقليم کردستان بصفته إقليما دستوريا معترفا به في العديد من مواد الدستور الاتحادي. ولعل أن أهم أسباب الوصول لهذه القناعة تتمثل فيما يلي:
1 ـ من خلال ممارستي لعملي ومتابعتي لمستُ وجود نزعة في قرارات المحكمة المتتالية نحو العودة التدريجية إلى أسس النظام المركزي للحكم والابتعاد شيئا فشيئا عن أسس ومبادئ النظام الاتحادي الفدرالي من خلال توسيع نطاق الصلاحيات الحصرية للسلطات الاتحادية الواردة على سبيل الحصر في المادة (110) من دستور عام 2005 على حساب السلطات الممنوحة للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم أو السلطات المشتركة الواردة في المواد اللاحقة لها.
2ـ إن المحاكم الدستورية في جميع الأنظمة السياسية التي تتبنى النظام الفدرالي الاتحادي هي ضمانة لحماية وترسيخ هذا النظام وحفظ التوازن بين السلطات الاتحادية وسلطات الولايات أو الأقاليم ومنع تجاوز كل مستوى من مستويات الحكم على صلاحيات المستوى الآخر، وأن تسمية المحكمة (الاتحادية) جاءت أصلا نسبة إلى النظام الاتحادي أو الفدرالي الذي أقرّه الدستور بوضوح في عدة مواد وخصوصا المادتين (1) و (116) منه، بل وأكثر من ذلك، فإن منطق الأشياء يقتضي أن يكون حرص المحكمة الدستورية في أي بلد على حماية سلطات الأقاليم أو الولايات أكبر من حرصها على السلطات الاتحادية لأن هذه الأخيرة وبحكم طبيعتها وطبيعة صلاحياتها في موقع أقوى من سلطات الأقاليم. غير أن ما لمسته هو عكس ذلك كما أشرت إلى ذلك آنفاً.
3- يُعد الدستور العرافي لسنة 2005 من الدساتير الجامدة التي حرص المشرّع الدستوري أو الآباء المؤسسون على إخضاع تعديله لإجراءات معقدة حماية للمبادئ الدستورية المتفق عليها ولحقوق جميع الأطراف والمكونات وجميع مستويات الحكم، غير أن ما لمسته في اتجاهات وقرارات المحكمة الاتحادية العليا وتفسيراتها لنصوص الدستور في الكثير من الدعاوى هو الاتجاه نحو التفسير الواسع الخارج عن السياق والذي قد يصل إلى مستوى التعديل الدستوري وبما يشكل مساساً بالعديد من المبادئ الدستورية ومن ضمنها المبدأ الفدرالي ومبدأ الفصل بين السلطات، وهذا ما أفقد جمود الدستور قيمته ومغزاه.
4- بالنظر لعدم سَنِّ وتشريع قانون جديد للمحكمة الاتحادية العليا وفق ما تقتضيه المادة (92) من الدستور، فإن مواد ونصوص قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) لسنة 2005 المعدل الذي شُرِّع قبل نفاد دستور عام 2005، المتعلقة بتشكيل المحكمة وآلية التصويت فيها أثناء إصدار الأحكام والقرارات والتي تكون في معظمها بالأكثرية جعلت ممثلي إقليم كردستان (وهما قاضيان) ضمن العدد الإجمالي لأعضاء المحكمة التسعة عاجزين من الناحية العددية من تفادي صدور قرارات وأحكام تعتبر في نظرهما ماسَّة بحقوق الإقليم وكيانه الدستوري وهو الأمر الذي جعل تمثيلهما للإقليم غير ذات قيمة حقيقية ومؤثرة من الناحية العملية وأقصى ما يمكن فعله هو تثبيت الرأي المخالف لرأي الأكثرية، ونحن شخصيا قد ثبتنا موقفنا الدستوري والقانوني المخالف والمعارض في العديد من الأحكام والقرارات ولكن كما أسلفت دون جدوى حقيقية لأن القرارات من الممكن أن تصدر بالأكثرية وليس بالأجماع.
2
وتابع القاضي "المنسحب"، "لكل هذه الأسباب، ومن منطلق شعوري بالمسؤولية أمام شعب إقليم كوردستان بجميع مكوناته وأمام مؤسساته وكيانه الدستوري، فإنني أعلن انسحابي من عضوية المحكمة الاتحادية العليا بعدما تسببت الحقائق التي ذكرتها أعلاه في تعذر تحقيق الأهداف التي شغلت المنصب من أجلها ومن تغيير اتجاهات المحكمة التي أشرت إليها آنفاً".
انسحاب زيباري من المحكمة الاتحادية لا يؤثر على سير العمل فيها لوجود ثلاثة قضاة احتياط
*رد المحكمة الاتحادية
لكن المحكمة الاتحادية، علقت على انسحاب القاضي عبد الرحمن سليمان زيباري. وذكرت في بيان مقتضب ورد لـ"انفوبلس"، إن "إعلان انسحاب القاضي عبد الرحمن سليمان زيباري من عضوية المحكمة الاتحادية العليا، لا يؤثر على سير العمل فيها لوجود ثلاثة قضاة احتياط".
وبحسب محللين ومراقبين وقضاة، فإن هذا الانسحاب هو ورقة ضغط "فاشلة" من قبل رئيس وزراء إقليم كردستان مسرور بارزاني على رئيس المحكمة الاتحادية العليا جاسم محمد العميري وزملائه، خصوصاً بعد القرارات التي أضرَّت العائلة الحاكمة هناك.
وجاء ذلك، بعد القرارات التي اتخذتها بخصوص رواتب موظفي إقليم كردستان والصادرات النفطية، وكذلك تلك التي تخص برلمان إقليم كردستان والانتخابات.
وأسهمت بعض تفسيرات المحكمة الاتحادية سابقاً، بالإضافة إلى جملة من قرارات أصدرتها في فترات متفاوتة، في رسم أو تغيير خارطة المشهد السياسي في البلاد إلى حد ما، ومن أبرزها تفسيرها للكتلة الأكبر بعد إعلان نتائج الدورة الثانية للانتخابات البرلمانية في العراق عام 2010 بأنها "التي تتشكل داخل البرلمان، وليس التي تفوز في الانتخابات".
كما تقرر إنشاء المحكمة الاتحادية العليا وتحديد اختصاصاتها بقانون رقم 30 لسنة 2005 وهذا ما نصت عليه المادة (44) منه، وحرص دستور العراق لسنة 2005 على تحديد اختصاصات المحكمة بالمواد (93) و(52/ثانيا) و(61/سادسا/ب) منه.
وأنُشئت المحكمة الاتحادية العليا ـ وهي مؤسسة دستورية ـ بموجب المادة 93 من الدستور العراقي لعام 2005، وقرر مجلس الوزراء -آنذاك- تشكيلها، ويكون مقرها في بغداد تُمارس مهامها بشكل مستقل لا سلطان عليها غير القانون، وهي مستقلة مالياً وإدارياً.
وتتكون المحكمة من رئيس ونائب للرئيس و7 أعضاء أصليين يتم اختيارهم من بين قضاة الصنف الأول المستمرين بالخدمة ممن لا تقل خدمتهم الفعلية في القضاء عن 15 سنة. وللمحكمة 4 أعضاء احتياط غير متفرغين يتم اختيارهم من بين قضاة الصنف الأول المستمرين بالخدمة ممن لا تقل خدمتهم الفعلية في القضاء عن 15 سنة.