انفوبلس تتقصى عن تخصيصات المادة 140 في الموازنات السابقة.. هل يحتاج العراق 22 عاماً لتعويض المتضررين؟
انفوبلس/ تقرير
بعد تشكيل حكومة السوداني بنحو شهرين عام 2022، قرر تحالف (إدارة الدولة)، الذي يضم معظم القوى السياسيّة المشاركة في الحكومة العراقيّة، إعادة تشكيل اللجنة العليا لتنفيذ المادة 140 من الدستور -تعطلت عام 2014- المتعلقة بالمناطق الكُردستانيّة خارج إدارة إقليم كُردستان أو ما تسمى بـ (المتنازع عليها)، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على مصير الأموال التي خُصصت لها في الموازنة العامة وتفاصيل عمل اللجنة.
تُعد المادة 140 من أبرز المواد الخلافية بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، حيث تطالب الأخيرة دائما بتطبيق هذه المادة الخاصة بالمناطق المتنازع عليها، بين المركز والإقليم.
على ماذا تنص المادة 140 من الدستور؟
مادة دستورية أُقرت بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 لحل قضية كركوك، وما تسمى المناطق المتنازع عليها، ويطالب الأكراد بتنفيذها، في حين يعترض العرب والتركمان على ذلك.
تضمّن قانون إدارة الدولة العراقية الذي كُتب في عهد الحاكم المدني للعراق الأميركي بول بريمر عام 2003 المادة 58 الخاصة بتطبيع الأوضاع في محافظة كركوك.
وبسبب عدم التوصل إلى حلول تقبل بها جميع أطراف النزاع في كركوك (الأكراد والعرب والتركمان) خلال الأعوام 2003 و2004 و2005، فقد انتقلت هذه القضية إلى الدستور الذي تم الاستفتاء عليه في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2005.
وحدد دستور 2005 المادة 140 كحل لمشكلة كركوك وما يسمى المناطق المتنازع عليها بين إقليم كردستان والمحافظات المجاورة له (نينوى وديالى وصلاح الدين).
وتعرف لجنة تنفيذ المادة 140 من دستور جمهورية العراق المناطق المتنازع عليها في العراق بأنها تلك التي تعرضت للتغيير الديموغرافي ولسياسة التعريب على يد نظام صدام حسين، وذلك خلال الفترة من عام 1968 حتى الغزو الأميركي في أبريل/نيسان 2003.
ونصت المادة على آلية تضم ثلاث مراحل: أولاها التطبيع، ويعني علاج التغييرات التي طرأت على التركيبة السكانية في كركوك والمناطق المتنازع عليها في عهد نظام صدام وبعده، والثانية الإحصاء السكاني في تلك المناطق، وآخرها الاستفتاء لتحديد ما يريده سكانها، وذلك قبل 31 ديسمبر/كانون الأول 2007.
وشُكلت لجان لتطبيق أحكام المادة 140، في ظل حكومة إبراهيم الجعفري، أُسندت رئاسة اللجنة إلى حميد مجيد موسى، ولما جاء نوري المالكي إلى الحكومة شُكلت لجنة أخرى برئاسة وزير العدل السابق هاشم الشبلي، لكنه استقال من منصبه، ثم حل محله رائد فهمي (أغسطس/آب 2007 – يونيو/حزيران 2011). وأُسندت رئاسة اللجنة التي أُعيد تشكيلها في أغسطس/آب 2011 إلى هادي العامري وزير النقل في حكومة المالكي آنذاك.
وبسبب التعقيدات المتعددة، فنية وسياسية، وخاصة بشأن محافظة كركوك، لم تجد المادة 140 طريقها إلى التطبيق من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة، وتحولت هذه المادة الدستورية إلى مثار جدل متواصل بين مختلف الأطراف، سواء بشأن قانونيتها أو لأسباب أخرى.
يذكر أن البند 8 من برنامج حكومة الكاظمي تحدث عن حل المشاكل العالقة مع حكومة إقليم كردستان، وتقرر أن يعمل الجانبان على حل القضايا الخلافية على أساس احترام اتفاقاتهما وفقا للدستور، لتحقيق المصالح العليا للبلاد وتوحيد الجهود في جميع المجالات، ولكن لم يتم اتخاذ أي خطوات بشكل عام لتنفيذ المادة 140.
*تفعيل اللجنة العليا لتنفيذ المادة 140 في حكومة السوداني
أعلن وزير العدل العراقي، خالد شواني، في نهاية عام 2022، عن موافقة رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني على إعادة تشكيل اللجنة العليا لتفعيل المادة 140 الدستورية المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها بين الحكومتين الاتحادية وإقليم كردستان.
وأعاد قرار تشكيل اللجنة -التي تعطلت عام 2014- المخاوف من أن تتسبب في تصدع الوضع السياسي مجددا بين بغداد والإقليم، لا سيما أنها نقطة خلاف مركزي بين الطرفين بسبب عدم التوصل إلى حلول خلال فترة الحكومات المتعاقبة بعد الغزو الأميركي، فضلا عما يمكن أن تفرزه من تفاعلات على المستوى الأمني في المناطق المتنازع عليها، خصوصا محافظة كركوك (شمال بغداد).
يشار إلى أن المحور التنفيذي بالمنهاج الوزاري لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وفي الفقرة 15 منه، ورد التأكيد على تطبيق المادة 140 وتفعيل اللجنة الخاصة بها، خلال شهر واحد من تشكيل الحكومة، كما تضمنت الفقرات التي سبقتها، التأكيد على إعادة انتشار قوات البيشمركة وعودة الأحزاب الكردية إلى محافظات كركوك ونينوى وديالى وصلاح الدين، وإخلاء مقراتها التي شغلت من جهات أخرى، كما ورد في المنهاج.
وتُعد كركوك من أبرز مناطق الصراع بين بغداد وأربيل، وخضعت لسيطرة الأحزاب الكردية في عام 2014 بعد أن اجتاح تنظيم داعش محافظات عدة.
يذكر أن الرئيس السابق لإقليم كردستان العراق، أجرى استفتاءً فاشلاً للانفصال في العام 2017، شاملا بذلك مناطق الإقليم ومحافظة كركوك التي تم تنفيذ عملية عسكرية لاستعادتها من سيطرة أحزاب الإقليم بأمر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء آنذاك حيدر العبادي، وخلالها تم إبعاد الأحزاب الكردية وغلق مقارها، لكنها عادت تدريجيا في الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي.
وفي السياق ذاته، وعلى خطى حكومة السوداني، أعلن النائب الثاني لرئيس مجلس النواب، شاخوان عبد الله، في شهر تموز من العام الماضي 2023، إعادة تفعيل لجنة المادة 140 الدستورية لتسوية ملفات المتضررين من النظام البائد.
*ميزانية المادة 140 في الموازنة خلال السنوات السابقة
بحسب النائب عن دولة القانون جاسم العلوي فإن الموازنة الثلاثية تضمنت إدراج مبلغ 600 مليار دينار للمستفيدين من المادة 140 في عموم العراق قُسمت بواقع 200 مليار لكل سنة.
وقانون الموازنة الاتحادية للأعوام 2023، 2024 و2025 الذي نُشر في 26 حزيران 2023، في صحيفة الوقائع العراقية أكد ما قاله العلوي، حيث تضمن تخصيص مبلغ 200 مليار دينار للجنة العليا لتنفيذ المادة 140 من الدستور خلال العام 2023. ووفقاً لقانون الموازنة سيتم صرف نفس المبلغ للعامين 2024 و2025.
العام 2022، وبسبب عدم إقرار قانون الموازنة، لم يُصرف أي مبلغ للمادة 140، لكن وفقاً لمتابعات شبكة "انفوبلس"، تم تخصيص 12 مليارا و500 مليون دينار في قانون الموازنة لسنة 2021.
في عام 2020 لم يُقر قانون الموازنة، وفي عام 2019 خُصص 50 مليار دينار لتنفيذ المادة 140، وتضمن قانون الموازنة للأعوام 2017 و2018 صرف مبلغ 5 مليارات دينار فقط للمادة. أما في الفترة من 2016 الى نهاية عام 2023 خُصص أكثر من 292 مليار دينار للجنة العليا لتنفيذ المادة 140.
في عام 2019، أنهت المحكمة الاتحادية العراقية الجدل حول "نفاذ المادة 140" وشددت على تفعيل المادة لحين تنفيذ جميع الاجراءات المتعلقة بالمادة.
مسؤول مكتب كركوك لتنفيذ المادة 140 الدستورية، كاكةرش صديق، قال في شهر مايو/أيار الماضي 2024، عن هذه الأموال المخصصة الموازنة الثلاثية: "المشكلة هي أن المبالغ المخصصة لتنفيذ هذه المادة قليلة عموماً، إذ يوجد في عموم العراق نحو 400 ألف شخص يجب تعويضهم"، مشيرا الى أنه "تم إنفاق كامل الميزانية التي خُصصت السنة الماضية (2023) لتنفيذ المادة".
أما رئيس اللجنة العليا لتطبيق المادة 140، هادي العامري، أكد العام الماضي، أن الميزانية المخصصة لتعويض المتضررين "منخفضة جداً وقيمتها فقط 100 مليار دينار، للأسف هي ميزانية ضئيلة، لكننا عدّلناها إلى 200 مليار دينار، وإن بقي المبلغ هكذا، فسنحتاج إلى أكثر من 22 عاماً لتعويض جميع المتضررين".
واليوم الأحد 28 تموز/ يوليو 2024، وجّه رئيس حكومة إقليم كوردستان، مسرور بارزاني، بتوزيع الأراضي على الموظفين والمتقاعدين في حكومة إقليم كوردستان ضمن المناطق المشمولة بالمادة 140 من الدستور العراقي، والمعروفة بالمناطق الكردستانية خارج إدارة إقليم كوردستان.
ومنذ عام 2005 وحتى الآن، يجري الحديث عن تطبيق المادة التي تحمل الرقم 140 في الدستور العراقي، والخاصة بإعادة رسم خارطة إقليم كردستان، وتحديد المناطق التابعة له والتي جرى تعريبها خلال النظام السابق، لكن تعطل تنفيذ هذه المادة لما لها من سلبيات كثيرة، إلا أن الإطار التنسيقي بكافة كتله، اتجه حاليا لتطبيق هذه المادة، عبر الحكومة التي انبثقت منه.
لجان كثيرة شُكلت منذ إقرار الدستور العراقي، لكن لم تكمل عملها، لاسيما وأن تنفيذها مرتبط بخطوات ثلاث رئيسية، وهي تطبيع الأوضاع ومن ثم الإحصاء وأخيرا الاستفتاء، وما أقدمت عليه الحكومة حاليا هو محاولة إنهاء مرحلة التطبيع وإعادة إحياء اللجنة برئاسة الأمين العام لمنظمة بدر هادي العامري.
يذكر أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، قال، إن إجراء التعداد السكاني أولى خطوات تنفيذ المادة 140 من الدستور.
*قرارات سابقة
وكان رئيس لجنة تطبيق المادة 140، هادي العامري، أصدر توجيها لوزارة الزراعة، عبر كتاب رسمي في 16 تشرين الثاني نوفمبر 2023، تضمن تخصيص أراض زراعية للمزارعين العرب في كركوك داخل محافظاتهم الأصلية، بعد إلغاء قرار تمليكهم لأراض تابعة لغير العرب.
وتنفيذا للمادة 140، كان مجلس الوزراء، قد وافق في آذار مارس 2023، على قيام الدائرة القانونية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، بإعداد مشروع قانون تعديل قانون مؤسسة الشهداء (2 لسنة 2016)، بما يفيد (عدم شمول الشهداء بإجراءات المساءلة والعدالة)، وشمول عوائل الشهداء من البيشمركة والأجهزة الأمنية في المناطق التي تقع خارج إقليم كردستان في قانون المؤسسة المذكورة آنفًا، وإحالته إلى مجلس النواب.
وفي كانون الثاني يناير 2023، أصدرت وزارة الداخلية أمرا لمديرية الجنسية والأحوال المدنية التابعة لها، يقضي بوقف عملية نقل القيود (سجل النفوس) للمناطق المتنازع عليها المشمولة بالمادة 140 من الدستور، كما نص الأمر على إعادة سجلات المواطنين التي نُقلت لهذه المناطق، إلى مناطقهم الأصلية.
وفي العام الماضي 2023 (شهر تموز)، ظهرت إحصائيات حصلت عليها شبكة "انفوبلس"، تقول إنه تم تعويض 68 ألفاً و148 عائلة مشمولة بالمادة 140 في مكاتب اللجنة بمناطق كركوك وخانقين وسنجار، تشكل نسبة 39.4% من مجموع مطالبات التعويضات، في حين تم تعويض 15 ألفاً و746 عائلة من العرب المستقدمين في تلك المناطق، يشكلون نسبة 58.5% من مجموع العرب المستقدمين.
بالمقابل لم تتسلم 104 آلاف و418 عائلة التعويضات حتى الآن، كما هناك 10 آلاف و157 عائلة من المستقدمين العرب ينتظرون تلقيهم التعويضات، وفق الإحصائيات التي ظهرت العام الماضي.