بذكرى زوال حقبته المظلمة.. كيف استجدا صدام الغرب للبقاء في الحكم.. هذه قصّة تقرير الغارديان الشهيرة
انفوبلس/ تقارير
كان صدام قد وصل إلى السلطة في انقلاب أبيض على الرئيس أحمد حسن البكر عام ١٩٧٩، ومنذ الأشهر الأولى بدا واضحاً أن بطشه سيطال الجميع، فقتل الآلاف من الشيعة والأكراد إثر انتفاضتهم ضد حكمه، ولم يسلم من بطشه حتى أبناء العشائر السُنّية.. لكن ولكون ذاكرة العراقيين ليست كذاكرة السمكة، فقد استذكروا اليوم تحقيقا صحفيا في تقرير للغارديان البريطانية قبل 20 عاما والذي يثبت استجداء صدام الغرب من أجل البقاء في الحكم وإرساله الوساطات، في تقرير كشف زيف ادعاءاته بالقوة والتي أكد خبراء أنها كانت تُستعرض فقط على أبناء الشعب العراقي.
*هفوات صدام التي تسببت بإسقاطه
بدأ المقبور صدام عهده بحرب طاحنة مع إيران، استمرت لثمانية أعوام باسم الدفاع عن الحدود الشرقية للعالم العربي أمام المدّ الإيراني، قُتِل خلالها مئات الآلاف من الجانبين وظل يحتفل بذكراها سنوياً.
ولا تزال المئات من الخوذ العسكرية لجنود إيرانيين يُعتقد أنهم قُتِلوا خلال فترة الحرب مع العراق موجودة حتى اليوم عند مقابض ما يسمى بسيوف معركة القادسية ٢ في ساحة الاحتفالات ببغداد، كرمز لما اعتبره آنذاك انتصاراً ضد نظام الخميني ونظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وفي آب ١٩٩٠ استفاق العالم على صدمة احتلال العراق للكويت، وهي الخطيئة التي ستنتهي تبعاتها بعد ثلاثة عشر عاماً من الحصار بغزو العراق، حيث عُدَّ هذين الحدثين فضلا عن مزاعم صدام بامتلاك العراق أسلحة دمار شامل، ضمن الأسباب الرئيسية في الإطاحة بحقبته المظلمة.
*تقرير الغارديان.. ماذا تضمن؟
استذكر العراقيون اليوم، تقريرا صحفيا للغارديان بذكرى سقوط نظام الطاغية، حيث أكد التقرير أنه في الأسابيع القليلة التي سبقت سقوطه، قدّم النظام البعثي سلسلة من عروض السلام اليائسة على نحو متزايد إلى واشنطن، ووعد بإجراء انتخابات وحتى بالسماح للقوات الأمريكية بالبحث عن أسلحة محظورة، لكن إدارة بوش رفضت جميع أوجه التقدم، بحسب وسطاء شاركوا في المحادثات.
*فشل المخابرات العراقية في التسوية
عندما احتشدت القوات الأمريكية والبريطانية في الخليج، أرسلت المخابرات العراقية مجموعة من أدوات التسوية من خلال عدد من القنوات على أمل واضح في إحباط الغزو أو على الأقل شراء الوقت.
تم إرسال الرسائل من خلال المخابرات السورية والقنوات الدبلوماسية الفرنسية والألمانية والروسية ومع اقتراب العد التنازلي للغزو من خلال مسؤولين متقاعدين في وكالة المخابرات المركزية ورجل أعمال لبناني أمريكي التقى صقر واشنطن ريتشارد بيرل، في أحد فنادق لندن.
*بدء إحاطة المخاوف بصدام
وقال بيرل، "اتصل بي شخص يمثل طاهر التكريتي رئيس المخابرات العراقية المعروف أيضا باسم الجنرال طاهر حبوش الذي قال إن صدام كان يعلم أن هناك حملة لربطه بأحداث 11 سبتمبر وإثبات امتلاكه أسلحة دمار شامل".
وأضاف، "العراقيون كانوا مستعدين لتلبية هذه المخاوف. أبلغتُ المستويات العليا في وزارة الخارجية بالمحادثة وقيل لي أن أتنحى جانبا وسيتعاملون معها". وسمع فيما بعد أن العرض العراقي "قُتل" على يد إدارة بوش.
وقالت مصادر استخباراتية أمريكية إنه تم إجراء العديد من الأساليب الأخرى مع العراق من خلال دولة ثالثة. في وقت من الأوقات، تم ترتيب لقاء بين مسؤولي وكالة المخابرات المركزية وعملاء عراقيين في المغرب، لكن وفقًا للمصادر الأمريكية، لم يحضر الجانب العراقي.
كما عرضت المخابرات العراقية بشكل خاص السماح لعدة آلاف من القوات الأمريكية بدخول البلاد للمشاركة في البحث عن أسلحة محظورة. بل إن بغداد اقترحت إجراء انتخابات تحت المراقبة الدولية في غضون عامين.
ويقول فنسنت كانيسترارو الذي يعمل في المخابرات الأميركية: "كل هذه العروض كان لها في الأساس نفس الشيء - أن صدام سيبقى في السلطة ، وهذا أمر غير مقبول للإدارة". كانت هناك محاولات جادة للتوصل إلى اتفاق لكن الرئيس ونائب الرئيس رفضوها جميعا ".
وبحسب وكالة أنباء نايت رايدر، فقد سعى العراقيون إلى إيجاد طريق مباشر إلى صقور واشنطن في شباط/ فبراير. وجدوا رجل الأعمال اللبناني الأمريكي عماد الحاج، الذي تفاخر بأن له صلة مباشرة بالبنتاغون.
*بدء وساطات صدام للإبقاء في السلطة
قال الحاج لصحيفة نيويورك تايمز إن رئيس عمليات المخابرات الأجنبية بالجنرال حبوش قد اتصل به في البداية، والذي ظهر في مكتب الحاج في بيروت وانهار على الفور، على ما يبدو من التوتر.
عندما تعافى العبيدي، حثّ الحاج على إخبار اتصالاته في واشنطن بأن العراق مستعد للحديث عن أي شيء، بما في ذلك الامتيازات النفطية وعملية السلام في الشرق الأوسط والأسلحة المحظورة. وقال المسؤول العراقي إن "بإمكان الأمريكيين إرسال 2000 عميل من مكتب التحقيقات الفيدرالي للبحث في أي مكان يريدون"، وفقًا لما قاله هاج.
وبعد أسبوع، سافر الحاج إلى بغداد وتحدث إلى الجنرال حبوش نفسه. كرر الجنرال الدعوة للسماح للأمريكيين بالبحث عن أسلحة وأضاف عرضًا لتسليم الإرهابي المشتبه به، عبد الرحمن ياسين، الذي أُدين في الولايات المتحدة بالهجوم على مركز التجارة العالمي عام 1993. وسيجري النظام انتخابات في غضون عامين، وعرض رئيس المخابرات السفر إلى لندن لمناقشة القضية شخصيًا.
نقل الحاج هذه العروض عبر وسيط إلى البنتاغون، لكن لم يكن هناك رد رسمي. أصرّ رجل الأعمال اللبناني الأمريكي، ورتب لقاء مع بيرل، عضو المجلس الاستشاري للبنتاغون.
من المفهوم أن الحاج وبيرل التقيا في 7 مارس في بهو فندق في بلومزبري، ثم ذهبوا إلى مكتب قريب حيث قدم الحاج عرض العراق لبيرل لأكثر من ساعتين.
*رفض المخابرات الأميركية للوساطات
كان بيرل مسافرًا في أوروبا ولم يكن متاحًا للتعليق، ومع ذلك، قال لصحيفة نيويورك تايمز إن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية قد أبلغته بعدم مواصلة الاتصالات مع العراقيين.
وأصرّ مصدر في المخابرات الأمريكية على أن قرار عدم التفاوض جاء من البيت الأبيض الذي كان يطالب بالاستسلام الكامل.
ووفقًا لمصدر عربي،فقد أرسل بيرل إلى مسؤول سعودي مجموعة من المتطلبات كان يعتقد أن العراق يجب أن يفي بها، وشملت تلك المطالب تنازل صدام عن العرش ورحيله أولاً إلى قاعدة عسكرية أمريكية للاستجواب ثم إلى المنفى الخاضع للإشراف، واستسلام القوات العراقية، والاعتراف بامتلاك العراق لأسلحة دمار شامل.
وبحسب الحاج، رفض الجنرال حبوش أي اقتراح يتضمن تنحي صدام، وعرض انتخابات مستقبلية بدلاً من ذلك. ولكن حتى بعد اندلاع الحرب، يبدو أن رئيس المخابرات العراقية سعى إلى تسويات جديدة.
*اجتماعات الرمادي
كانت القناة هذه المرّة عن طريق روبرت باير، مسؤول سابق آخر في وكالة المخابرات المركزية، كان هناك حديث عن اجتماع بين باير والجنرال حبوش في الرمادي، خارج بغداد، في أوائل أبريل، وقال باير: "لقد كان وعدًا بإجراء انتخابات حُرّة تشرف عليها فرنسا والولايات المتحدة". لكن الاجتماع المقترح لم يحدث قط. قبل يومين، في 9 أبريل، قصفت الطائرات الأمريكية المنزل الذي كان من المفترض أن يتم بناؤه فيه بست قنابل دقيقة التوجيه.
*5 ملايين يتيم.. وبغداد مدينة الأرامل
كما تكشف أرقام مفوضية حقوق الإنسان العراقية عن وجود "أكثر من 5 ملايين طفل يتيم في العراق"، وسبق أن قال عضو مجلس أمناء المفوضية أنس العزاوي، في تصريحات منتصف العام الماضي، إنهم يعانون ويحتاجون للدعم.
في المقابل، تشير أرقام رسمية صادرة عن دائرة الحماية الاجتماعية إلى وجود أكثر من 300 ألف أرملة في بغداد وحدها، أكثر من نصفهن دون سنّ الأربعين عاماً، بينما يبلغ مجموعهن في عموم مدن البلاد مليونين ومائة ألف أرملة، لا يحصل أكثر من 35 في المائة منهن على المساعدات الحكومية، المعروفة بمرتبات الرعاية الاجتماعية.