بعد إعادة تعريف الجريمة.. الحكومة ترسل قانون العفو العام إلى البرلمان.. كيف سيتغير مصير السجناء بظل التعريف الجديد؟
انفوبلس..
بعد سنوات من الحديث عن قانون العفو العام في أروقة السلطات الثلاث، مرّر مجلس الوزراء التعديل الأخير للقانون وأرسله إلى مجلس النواب لقراءته والتصويت عليه، ولعل أبرز فقرات التعديل هي الفقرة الرابعة التي أعادت تعريف جريمة الانتماء للتنظيمات الإرهابية، الأمر الذي من شأنه أن يحدث تغييرات كبيرة بمصير العديد من المتهمين بالإرهاب.
مجلس الوزراء العراقي أعلن بجلسته الاعتيادية المنعقدة، يوم أمس الثلاثاء، عن إجراءات جديدة بشأن قانون العفو العام الذي يعتزم تعديله وإرساله الى البرلمان.
وذكر بيان لمكتب السوداني، أنه "عملاً بالمنهاج الوزاري الذي أقره مجلس النواب في 27 تشرين الأول الماضي، واستناداً إلى وثيقة الاتفاق السياسي للقوى السياسية التي شكلت الحكومة، والتي تضمنت إجراء مراجعة قانونية لقانون العفو العام، قرر مجلس الوزراء قيام الدائرة القانونية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، بإعداد مسودة لمشروع تعديل قانون العفو العام، باعتماد النص الذي صوت عليه مجلس النواب بالتاريخ المشار له في أعلاه، والذي ورد في المنهاج المذكور آنفاً، ضمن المحور التشريعي، الفقرة (4) التي جاءت وفق التالي: إجراء مراجعة قانونية لقانون العفو العام، بهدف تعريف جريمة الانتماء للتنظيمات الإرهابية؛ لتشمل كل من ثبت بأنه (عمل في التنظيمات الإرهابية أو قام بتجنيد العناصر لها أو قام بأعمال إجرامية أو ساعد بأي شكل من الأشكال على تنفيذ عمل إرهابي أو وُجد اسمه في سجلات التنظيمات الإرهابية)".
وبحسب مختصين فإن تعريف جريمة الانتماء للتنظيمات الارهابية سيكون عاملا حكوميا لضمان عدم شمول من تلطخت أيديهم بدماء العراقيين بمختلف الأشكال بقانون العفو العام.
ويُعد هذا القانون أحد أبرز مطالب الكتل السنّية التي اشترطت إقراره أثناء مفاوضات تشكيل إدارة الدولة الذي ضم الإطار التنسيقي والكتل الكردية والسنّية والذي تمخض عن تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني.
ويتضمن البرنامج الحكومي، وفق نواب من المكون السنّي، إصدار قانون العفو العام والتدقيق الأمني في محافظاتهم وإلغاء هيئات او إيقاف العمل بها كانت تشكل مصدر قلق وأزمة لديهم.
ورغم مضي أكثر من 7 أشهر على عمر الحكومة، إلا أن العفو العام ما زال محل جدل بين الكتل السنية والشيعية، ولم يتم الاتفاق على الفئات المشمولة به لغاية الآن.
اتفاق تشريعي
النائب عن تحالف السيادة في مجلس النواب عبدالكريم العبطان أكد أن قانون العفو العام ضمن الاتفاقات السياسية، ولن يتنازل عن تشريعه داخل قبّة البرلمان. وقال في تصريح صحافي، إن تعديل القانون وتشريعه تم الاتفاق عليه مسبقاً في البرنامج الحكومي، إذ إن الحكومة تشكلت على أساس مجموعة من الاتفاقات منها هذا القانون الذي يفترض أن يمضي لإنصاف الأبرياء القابعين في السجون.
وأضاف النائب البرلماني، "مطلبنا هو إنصاف المحكومين نتيجة المخبر السرّي والاعتراف بالإكراه"، مبيناً أن الدعوات التي ظهرت أخيراً لتعديل القانون لا تمثل الجميع، وهي وجهات نظر ليس إلا".
إقرار العفو
في هذا السياق قال المتخصص القانوني علي التميمي، إن الشعب العراقي وبكل طوائفه وقومياته من الحكومة والبرلمان يتطلع إلى إقرار قانون للعفو العام ينصف فئات كبيرة ويسهم في تعزيز السلم المجتمعي ويزيد ثقة المواطن بالحكومة، وكذلك ينقذ شريحة واسعة ممن يقبعون داخل السجون لأسباب بعضها قد تكون قاهرة وخارجة عن إرادة المحكوم عليهم، لافتاً إلى أنه من وجهة نظر قانونية واقعية مجردة من العاطفة يمثل الإسراع من حكومة السوداني في رفع مسودة القانون إلى البرلمان ضرورة ملحّة لعوامل وأسباب عدة.
وأوضح التميمي، إن الحكومات الإصلاحية الجديدة في كل دول العالم تسعى إلى إقرار قوانين العفو العام لبدء صفحة جديدة مع الشعب الذي عانى ويلات وتراكمات الحكومات السابقة، لافتاً إلى أن الشعب العراقي يرى خيراً في شخصية السوداني.
وقال، إن زيادة كلف السجناء من إطعام وعلاج وكهرباء وماء في ظل ارتفاع سعر الدولار تكلّف موازنة الدولة مبالغ طائلة في الوقت الذي ينخفض فيه سعر برميل النفط وتأثيره في الدخل، مبيناً أن كثيراً من الأوساط النيابية والحكومية أشارت إلى شبهات فساد في السجون، وأن إقرار العفو سيزيل تلك الشبهات والشكوك.
ونوه التميمي بضرورة إدخال المحكومين في دورات إصلاحية ومتابعة سلوكهم بعد إخراجهم حتى لا تتلوث وتنحرف أفكارهم نتيجة الاختلاط بالسجناء الآخرين، محذراً من مغبة تفشي الأفكار التكفيرية والإرهابية داخل السجون.
بدل نقدي
ولفت إلى أن وضع بدل نقدي للمحكوم عليهم ممن اتُهموا بقضايا فساد مالي سيعزز الاقتصاد، ويسهم في استرجاع الأموال المنهوبة، مطالباً بإطلاق سراح ممن قضوا نصف العقوبة، مضيفاً أنه يحق للحكومة والبرلمان استثناء أي فئة من العفو لأسباب تقدرها الجهات القضائية.
وأشار المتخصص القانوني إلى أن العفو لا يقضي على ركن الجريمة للمعفى عنه، ويُعطى بطاقة بعد إقرار القانون تبين أنه مؤهل للإصلاح وزجّه للعمل في المصانع والمعامل والدورات الإصلاحية والتأهيلية، مبيناً أن الأجانب الذين ارتكبوا جرائم في العراق لا يمكن إطلاق سراحهم إلا بعد أخذ التعويضات الخاصة من بلدانهم وما سببته من ضرر، كما فعلت ليبيا في زمن الرئيس الراحل معمر القذافي.
جدل سياسي
ومن جهته، قال رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري في تصريح له، إن هذا القانون كان ولا يزال جزءاً من ورقة الاتفاق السياسي باعتبارها تمثل مطلباً أساسياً للقوى السنية بغرض إرضاء جمهورهم وتصحيح بعض المسارات الخاطئة أو التدقيق في الأحكام التي كانت قد صدرت سابقاً.
وأكد، أن هذا المشروع الخاص بمشروع العفو قد تأخر، سواء من قبل الحكومة أو البرلمان، ومن ثم فإن الإرادة السياسية لبعض الزعامات لا تمضي مع التعديل أو تشريع قانون جديد، لأنه من شأن ذلك أن يحقق مكاسب لبعض الزعامات السياسية السنية، الأمر الذي يصبح أكثر قوة، يضاف إلى ذلك أن الإطار التنسيقي هو الآن في حرج كبير أمام جمهوره؛ كونه تعرض لانتقادات كبيرة حول عدد من القضايا.
وأشار إلى أن هناك محاولات لرفض هذا القانون بشكل قاطع، فضلاً عن أن تأجيله من قبل مجلس الوزراء عبر تشكيل اللجان، وهو ما يؤكد عمق الأزمة، إذ يلمس مجلس الوزراء ذلك، وهو ما يعني دخول البلاد في أزمة كبيرة.
وبحسب الشمري، فإن عدم إقرار قانون العفو العام أو بعض مطالب التيار الديمقراطي الكردستاني في الموازنة، ربما يؤدي إلى انهيار تحالف الدولة، ومن ثم تشكيل اصطفافات جديدة.
تاريخ الإقرار والتعديلات
وكان البرلمان العراقي قد أقرّ قانون العفو العام نهاية أغسطس/ آب 2016، بعد خلافات سياسية طويلة، لكن كتلاً نيابية اعتبرت أنه قد أُفرغ من محتواه، بعد حذف عدد من البنود والفقرات المتعلقة بمراجعة ملف المحكومين وظروف محاكمتهم.
وكان التعديل الأول للقانون قد تم مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، بعد طلب تقدمت به قوى سياسية تنضوي حالياً ضمن "الإطار التنسيقي". وتضمنت أبرز التعديلات، شمول الأشخاص المعتقلين من الذين تُجرى تسوية بينهم وبين ذوي الحق الشخصي، بالعفو، بالإضافة إلى شموله مَن يتم تسديد ما في ذمتهم من أموال للمصلحة العامة عن جرائم الفساد.
كذلك، عُدِّلت وقتها فقرة تمنع العفو عن جميع من أُدينوا وفقاً لقانون مكافحة الإرهاب المعمول به في البلاد بعد العاشر من يونيو/ حزيران 2014، وهو تاريخ احتلال عصابات "داعش" مدينة الموصل.
كذلك عُدِّلَت الفقرة الخامسة في المادة الثالثة من القانون، والخاصة باستثناء جرائم الخطف والاغتصاب من إجراءات العفو. ومُنح من أمضى ثلث مدة محكوميته بجرائم التزوير، إمكانية العفو، مع استبدال ما بقي من فترة سجنه بواقع 50 ألف دينار عن اليوم الواحد.