بعد عقود من دعوات هدمها.. السفير السعودي يزور مراقد أهل البيت (ع) ويحاول فتح صفحة جديدة.. رحلة مريبة من التكفير إلى الانفتاح
انفوبلس..
منذ تعيينه عام 2016 سفيراً للرياض في بغداد بدلاً لسلفه الطائفي ثامر السبهان، أبدى السفير السعودي في العراق عبد العزيز الشمري حضوراً مُتزناً بعيداً عن التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، وملتزماً بمهامه ودوره فقط، وذلك بتطور لافت وانقلاب كبير للمواقف السعودية السلبية في العراق وتجاهه التي استمرت لعقود، ولعل آخر مؤشرات هذا التطور هو قيام الشمري بزيارة محافظتي كربلاء المقدسة والنجف الأشرف وزيارة مراقد أهل البيت (عليهم السلام) واللقاء بالمراجع الدينية في وقت لم ينسَ فيه العراقيون الدعوات السعودية السابقة والمتكررة إلى هدم تلك المراقد والدعاء على الشيعة في بيت الله الحرام والمسجد النبوي الشريف، ومع ذلك بقي الشمري تحت أنظار الحكومة العراقية والمراقبين خلال السنوات الثماني الأخيرة للتأكد من حسن سلوكه والتزامه الدبلوماسي بمهامه فقط.
زيارة النجف الأشرف
ويوم أمس، زار السفير السعودي في العراق عبد العزيز الشمري، مرقد الإمام علي (عليه السلام) في محافظة النجف الأشرف بعد زيارته لمدينة كربلاء المقدسة في الشهر الماضي.
وأفادت وسائل إعلام سعودية بأن السفير السعودي في العراق عبد العزيز الشمري، توجه إلى مدينة النجف، والتقى اثنين من كبار مرجعياتها الدينية، وهما: الشيخ إسحاق الفياض والشيخ بشير النجفي، كلٌّ بمفرده، وبحضور عددٍ محدد من العلماء والمرافقين الخاصين.
وأضافت، إن أجواء الزيارة كانت "إيجابية"، مبينة أن "الخطوات التي يقوم بها السفير الشمري تحظى باحترام وتقدير من قبل المرجعية الدينية في النجف، ولها أصداء حسنة بين كبار مدرّسي الحوزة، وهي تعبّر عن روح السعودية بصفتها قبلة المسلمين وتضم مكة المكرمة والمدينة المنورة، وحرص القيادة على نبذ التعصب والطائفية، معتبرين أن هذه الخطوة ستساهم في تعزيز العلاقات الشعبية بين العراق والسعودية" وتدفع نحو "تجاوز السلبيات التي أشاعتها الجماعات المتطرفة والإرهابية التي لا تريد الخير للبلدين الشقيقين".
زيارة النجف أيضاً شملت "العتبة العلوية"، مرقد الإمام علي بن أبي طالب (ع)، حيث تم استقبال السفير السعودي في "التشريفات"، والتقى عددا من المسؤولين في العتبة.
زيادة الرحلات المباشرة من وإلى النجف
زيارة السفير لمحافظة النجف الأشرف جاءت بالتزامن مع عزم الهيئة العامة للطيران المدني السعودية زيادة الرحلات الجوية المباشرة إلى العراق، حيث وصلت أولى الرحلات المباشرة من مطار الملك فهد الدولي في الدمام، إلى مطار النجف في العراق، وذلك في إطار تنويع الوجهات داخل العراق دعماً لعمليات التنقل بين البلدين.
وقال السفير السعودي في العراق عبد العزيز الشمري، إن زيادة الرحلات بين البلدين يأتي في إطار العلاقات الثنائية المميزة التي تجمع البلدان، وتسهيلاً على المواطنين السعوديين الذهاب المباشر إلى جمهورية العراق، كما أن العلاقات التي تربط البلدين تعد في أفضل حالاتها.
وأشار إلى أن المرحلة المقبلة في مستقبل العلاقات تشهد المزيد من التطور البيني على صعيد المجالات الاقتصادية كافة، وفي الوقت ذاته أوضح أن الرحلات الجوية المغادرة من الدمام إلى النجف، يلحقها في الوقت ذاته رحلات أخرى من النجف إلى جدة، والمدينة المنورة، من أجل التسهيل على العراقيين الوصول إلى السعودية في أسرع وقت.
وكشف عبد العزيز الشمري، السفير السعودي في العراق، أن وزارة الاستثمار السعودية تستعد لمناقشة أوجه الشراكة الاقتصادية، وبحث الفرص التجارية في بغداد، والنجف، من أجل تحفيز المستثمر السعودي للاستثمار هناك.
من جهته، قال إحسان الشبلي، مستشار رئيس الوزراء العراقي، إننا تباحثنا مع السفير السعودي، عبد العزيز الشمري، من أجل فتح منفذ خاص من محافظة النجف إلى السعودية للتبادل التجاري، وتبادل الخبرات، وتكثيف فرص النمو الاستثماري بين البلدين.
وكانت قد وصلت أول طائرة سعودية إلى بغداد في عام 2017 للمرة الأولى بعد توقف استمر 27 عاماً، من جهتها تعتزم شركة طيران ناس الناقل الجوي السعودي والطيران الاقتصادي إطلاق رحلات مباشرة بين الدمام والنجف في العراق ابتداءً من شهر حزيران 2024، بواقع ثلاث رحلات أسبوعية، موضحة بأن الحجز على الرحلات سيكون متاحاً على موقع الشركة في القريب العاجل. ويأتي ذلك بعد إعلان الهيئة العامة للطيران المدني السعودي السماح للناقلات الوطنية بتشغيل رحلات من وإلى النجف.
وفي عام 2016، عينت السلطات السعودية عبد العزيز الشمري سفيراً لها في بغداد بعد طلب وزارة الخارجية العراقية باستبدال السفير السابق ثامر السبهان، بسبب تصريحات طائفية أدلى بها وتدخلاته السافرة بالشأن العراقي.
زيارة كربلاء المقدسة
وفي الثالث عشر من أيار الماضي، أجرى السفير السعودي في العراق عبد العزيز الشمري زيارة إلى محافظة كربلاء وسط العراق، وزار مرقد الإمام الحسين، وأخيه أبي الفضل العباس (عليهم السلام) في زيارة هي الأولى لسفير سعودي للمحافظة.
وأعلن الشمري عن قرب إطلاق برامج عمل مشتركة مع كربلاء في مختلف المجالات، موضحًا أنّ السعودية والعراق "يسعيان إلى تكامل اقتصادي وسياسي في جميع المجالات"، مشيرًا إلى أنّ "مدينة كربلاء المقدسة مميزة وهي نموذج يحق للعراقيين أن يفتخروا بها".
وعبر السفير السعودي عن إعجابه، بـ"النهضة العمرانية والبنية التحتية التي تتميز بها كربلاء المقدسة، كونها مدينة حضرية ومثالاً للمدن الحديثة والمتقدمة".
ولفت إلى أنّ "هذه الزيارة هي الأولى إلى محافظة كربلاء المقدسة، حيث سيتم خلالها الاتفاق على كثير من خطط العمل في المرحلة المقبلة، سواء على مستوى رجال الأعمال أو المستوى العشائري وغيرها من المجالات".
والتقى محافظ كربلاء نصيف الخطابي السفير السعودي، وجرى الاتفاق على تشكيل برنامج وزيارات متبادلة تهدف الى إيجاد مشاريع مشتركة وحقيقية على أرض الواقع، تخدم الشارع العراقي وتوفر فرص عمل للشباب وترفد السوق المحلية.
وذكرت مصادر حضرت اللقاء أن الزيارة "تؤكد روح التعاون والاحترام المتبادل الجديدة بين البلدين". وأضافت أنه "على مدى السنوات القليلة الماضية، شهدت العلاقة بين العراق والمملكة العربية السعودية تحولا ملحوظا، وتطورت إلى تحالف قوي تدعمه مبادرات ملموسة".
وأكد المصدر أن "المرجعية الدينية تتمنى أن تكون العلاقات بين العراق والسعودية أفضل مما كانت عليه في السابق، لأن العقول التي تدير المشهد السياسي هي عقول ناضجة وتعمل من أجل مصلحة المنطقة".
من جهة أخرى، اعتبر مصدر واكب الزيارة منذ الإعداد لها، أن "العلاقات المتطورة بين السعودية والعراق، تحرج المتطرفين، وتضعف حجتهم، وتساهم في التقليل من تأثير الأصوات الطائفية والتي لا تريد للعلاقات بين البلدين أن تتقدم"، معرباً عن أمله في أن "تتبع هذه الزيارة خطوات عملية أخرى في المستقبل".
احتفاء سعودي بتحسن العلاقات
كما ذكر موقع "العربية نت" السعودي نقلا عن مصادر سعودية أن زيارة السفير السعودي إلى كربلاء تم الترتيب لها منذ أسابيع مضت، وأن الجهات العراقية عندما جرى مفاتحتها بموضوع الزيارة أبدت ترحيباً كبيراً، ليس من المؤسسات الرسمية في "المحافظة" وحسب، بل حتى من قبل المسؤولين عن "العتبة الحسينية" في كربلاء، فضلاً عن "المرجعية الدينية" التي رحبت بقدوم السفير السعودي، وأكدت على أهمية أن تتم الزيارة في أسرع وقت وعلى أكمل وجه.
وأضافت المصادر، إن السفير الشمري ينشط في تعزيز العلاقات بين السعودية والعراق، وفق رؤية دبلوماسية منفتحة على دول الجوار، تريد الرياض من خلالها أن تبني شراكات اقتصادية وأمنية وثقافية وسياسية، مستقبلاً مع بغداد، كون العلاقات الحسنة بين البلدين تعتبر حجر زاوية لأمن الخليج العربي، وتشكل شبكة أمانٍ للإقليم وسط التوترات والحروب التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.
وتابعت: هذه العلاقات السعودية – العراقية تبنى خطوة بخطوة، عبر تراكم المبادرات، وبعيداً عن الاستقطابات الداخلية العراقية، أو الانفتاح على طرفٍ واستعداء آخر، بل تسعى الرياض لأن تكون هذه العلاقات وفق الأعراف الدبلوماسية المعمول بها، وما تقتضيه مصلحة الشعبين.
المصادر أفادت بأن الشمري، توجه إلى مدينة النجف، حيث مقر "الحوزة العلمية" والتقى اثنين من كبار مرجعياتها الدينية، وهما: الشيخ إسحاق الفياض والشيخ بشير النجفي، كلٌ بمفرده، وبحضور عددٍ محدد من العلماء والمرافقين الخاصين.
وبحسب الموقع السعودي فإن: الفياض والنجفي يعدان من المرجعيات الدينية التي تحظى باحترام كبير داخل العراق وفي العالم الإسلامي، ولهما ملايين الأتباع، وزيارة السفير الشمري لهما رسالة واضحة على انفتاح المملكة واحترامها لمختلف القيادات الدينية المعتدلة البعيدة عن العنف والتطرف.
المصادر أكدت أن أجواء الزيارة كانت "إيجابية"، مبينة أن "الخطوات التي يقوم بها السفير الشمري تحظى باحترام وتقدير من قبل المرجعية الدينية في النجف، ولها أصداء حسنة بين كبار مدرسي الحوزة، وهي تعبر عن روح السعودية بصفتها قبلة المسلمين وتضم مكة المكرمة والمدينة المنورة، وحرص القيادة على نبذ التعصب والطائفية"، معتبرين أن هذه الخطوة "ستساهم في تعزيز العلاقات الشعبية بين العراق والسعودية" وتدفع نحو "تجاوز السلبيات التي أشاعتها الجماعات المتطرفة والإرهابية التي لا تريد الخير للبلدين الشقيقين".
أهداف استثمارية
في السابع والعشرين من نيسان الماضي، أكد السفير السعودي في بغداد حرص المملكة العربية السعودية على تعزيز العلاقات الثنائية مع العراق والارتقاء بها في المجالات كافة.
وأشار الشمري إلى أن السفارة السعودية في بغداد باشرت عملها في عام 2017 وكانت المنافذ الحدودية والرحلات الجوية بين البلدين متوقفة، مضيفا أن الشعب العراقي كان يصل للمملكة عبر الدول الجوار، وبعد توجيهات من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز تم افتتاح المنفذ البري بين البلدين.
وأوضح أن نحو 7 آلاف عراقي يدخلون إلى المملكة يوميا عبر المنفذ البري، سواء للحج أو العمرة أو الزيارات الشخصية، فضلا عن افتتاح خطوط طيران مباشرة من (بغداد) إلى (المدينة المنورة) ومن (بغداد) إلى (جدة) ومن (أربيل) إلى (المدينة) و(جدة) أيضا، مؤكدا أن المعبر البري بين (الرياض) و(بغداد) يمثل شريانا رئيسيا للتجارة بين البلدين، مشيرا إلى ارتفاع حجم الصادرات السعودية إلى العراق بأرقام كبيرة.
ولفت السفير السعودي لدى العراق إلى أنه في ضوء العلاقات المميزة بين البلدين، تم افتتاح خط جديد من (الدمام) إلى (النجف); بهدف تعزيز الروابط بين الشعبين الشقيقين.
وفي حزيران من العام الماضي، أعلن الشمري، توقيع عقد مع العراق لإنشاء مشروع ضخم قرب مطار بغداد الدولي، وأكد إن "العلاقات العراقية والسعودية تشهد مرحلة رائعة وبدأنا اليوم نقطف ثمارها الحقيقة من خلال زيارة فريق مركز الملك سلمان الطبي إلى بغداد وهي الزيارة الأولى التخصصية والعملية التي نشهد من خلالها تبادل الخبرات بين أفضل الأطباء المهرة في المملكة وكذلك أفضل الأطباء العراقيين لتبادل الخبرات في المجالات والتخصصات الدقيقة وهي أول ثمرة".
وأشار إلى أن "اللقاءات القادمة ستشهد اجتماعات اقتصادية وثقافية ونعد إخواننا العراقيين إن المرحلة المقبلة ستشهد زخما كبيرا في النشاطات التي تتم بين البلدين وستكون مرحلة متميزة للاستثمار بجهود رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وتوجيهاته ".
وكشف السفير السعودي عن " توقيع عقد لمشروع استثماري ضخم بحدود مليار دولار في منطقة الرفيل القريب من المطار وهو مشروع (جادة بغداد)"، مبينا أنه "سيكون مشروعا مميزا ومفاجأة إلى جميع العراقيين وهو عبارة عن أكبر مول في العراق وسيضم كافيهات ومطاعم بمساحات كبيرة ومكاتب أعمال تجارية لكبرى الشركات العراقية إضافة الى 4000 شقة سكنية و2500 فلة سكنية"، وأوضح أنه "تم توقيع العقد بين البلدين والمشروع سيكون إضافة إلى العراق".
التحركات السعودية خلال الأعوام الأخيرة، خصوصاً بعد انقلاب الوضع فيها من التكفير إلى الانفتاح "المفرط" أثارت قلق المراقبين، حيث عبروا عما يحدث فيها بأنه "فقدان للهوية"، فالمملكة العربية السعودية تنقلب بدرجة 180 بحسب حاكمها، فتصبح يوماً وهابية تكفيرية تدعو على شيعة العراق بالهلاك في بيت الله الحرام، ويوماً آخر تبدأ صفحة جديدة تدعو فيها للسلام والصلح والذهاب باتجاه المصالح المشتركة وترك الخلافات.
وبيّنوا، إن دولة كتلك تمثل قلقاً كبيراً لدول جوارها فهي من الممكن أن تتغير بين ليلة وضحاها تبعاً لتغير حكامها أو أمزجتهم الشخصية.
وفي الوقت ذاته رحبوا بأية خطوات إيجابية سواء من السعودية أو غيرها من شأنها أن تصنع وضعاً أفضل للمنطقة وشعوبها.