بعد مرور نحو شهر على الانتخابات.. تأخر المصادقة على النتائج يثير الريبة.. هل لخلافات اختيار بديل الحلبوسي علاقة بالتأخير؟
انفوبلس..
كما هو معتاد بعد كل انتخابات تجري في العراق، تأخرت مصادقة المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بالمصادقة على النتائج، على الرغم من مرور نحو شهر على إجرائها متحجّجةً بعدد الطعون، لكن ما يثير الريبة هو تزامن ذلك التأخير مع ما يجري في مجلس النواب من خلافات حول اختيار رئيسه الجديد خلفاً للمُقال محمد الحلبوسي، ما دفع العديد من الجهات إلى الشك بوجود رابط بين القضيتَين.
شكاوى وطعون
وبينما تصاعدت التساؤلات عن سبب تأخر إعلان النتائج النهائية، تُجيب المفوضية بأن الإعلان عن النتائج النهائية مقرون بالانتهاء من البتّ بالشكاوى الواردة، فبينما كانت المفوضية تتوقع أن تُعلِن عن النتائج النهائية خلال مدة قريبة، إلا أن كثافة الشكاوى، لاسيما الشكاوى التي ترادفت عقب البدء بالعد والفرز اليدوي.
فمنذ انتهاء عملية التصويت مساء يوم 18 كانون أول/ ديسمبر الجاري، وحتى يوم 21 كانون أول/ ديسمبر، أي خلال (3) أيام، بلغ عدد الشكاوى: (118) شكوى على النتائج الأولية للانتخابات.
وعقب بدء العد والفرز اليدوي في 21 كانون أول/ ديسمبر ولغاية 24 كانون أول/ ديسمبر، أي خلال: (3) أيام من بدء العد والفرز اليدوي أصبح عدد الشكاوى: (419) شكوى، أي إن عدد الشكاوى بلغ قرابة: (300) شكوى جديدة.
وبالمجمل بلغ عدد الشكاوى النهائي حتى 26 كانون أول/ ديسمبر: (454) شكوى، ما يعني أن عدد الشكاوى ما بعد العد والفرز اليدوي يبلغ قرابة: (4) أضعاف ما قبل العد والفرز اليدوي، وبالملخص فإن وتيرة ورود الشكاوى للمفوضية بعد العد والفرز اليدوي ارتفعت بأكثر من: (250%).
تعامل المفوضية مع هذا العدد الكبير من الشكاوى، والذي فاق عدد الشكاوى في الانتخابات البرلمانية لعام 2021، والتي بلغت حينها: (379) شكوى فقط، أدى إلى تأخر إعلان النتائج النهائية حتى الآن.
لكن ما يُثير الانتباه، أنه لا يوجد موعد محدد للشكاوى، واستمرت المفوضية باستلام الشكاوى بشكلٍ مستمر، قبل أن تؤكد في 26 كانون أول/ ديسمبر، أن عدد الشكاوى بلغ: (454) شكوى، ويعتبر العدد النهائي خلال المدة المسموحة للشكاوى.
لكن بالرجوع إلى نظام الشكاوى والطعون الانتخابية رقم (8) لسنة 2023، يظهر أن المفوضية لا تُعلن عددًا محددًا من الأيام لتقديم الشكاوى، وتُظهر المادة (5) من القسم الرابع لنظام الشكاوى ما نصه: "تُقدَّم الشكاوى الخاصة بالمرشحين للأحزاب والتحالفات السياسية والقوائم المنفردة والقوائم المفتوحة المشاركة بالانتخابات خلال مدة تبدأ من تاريخ تسجيل المرشحين ولحين المصادقة على النتائج النهائية".
يُظهر هذا النص، أنه طالما أن الشكاوى مستمرة بالورود إلى المفوضية، فإنه لا يوجد موعد نهائي لإيقافها، وستكون المفوضية غير قادرة على إعلان النتائج النهائية لحين توقف الشكاوى الواردة.
التأخير سببه تسويات سياسية
وكشف عضو الفريق الإعلامي لمفوضية الانتخابات، أحمد العبيدي، للوكالة الرسمية، أن “المفوضية افتتحت مدة الطعون 3 أيام بعد إعلان نتائج انتخابات مجالس المحافظة”، كاشفا أن “مدة تسلم الطعون انتهت يوم 31 ديسمبر الماضي”.
وأوضح، أن “المفوضية باشرت بإرسال الطعون إلى الهيئة القضائية وبانتظار الإجابة عليها خلال مدة 10 أيام”، لافتا إلى أن “أكثر الطعون المقدمة للمفوضية بشأن مسألة (الكوتا) ونظام احتساب المقاعد”.
ولا يتوقع مراقبون أن تؤثر تلك الطعون على نتائج الانتخابات، وإنما ممكن أن تُغير في عدد مقاعد بعض الأحزاب، في نينوى، وكركوك، وصلاح الدين، بداعي وجود كوتا، يجب أن تُحتسب، حيث يدور خلاف حول آلية الاحتساب.
بدوره، ذكر مصدر مطلع، أن “المعركة تدور حاليا حول مسألة احتساب الكوتا، حيث تسعى كتل سياسية إلى اقتناص عدد أكبر من الكوتا لصالحها، خاصة وأن آلية احتساب الكوتا، غير واضحة بشكل تام وقطعي في الانتخابات”.
وقال المصدر، إن “تأخير إعلان المصادقة النهائية على النتائج مرتبط بتسويات سياسية، حيث تسعى المفوضية، إلى إجراء موازنات بين القوى، فيما يتعلق بالكوتا، على أمل إرضاء الجميع، بما يضمن لها قبولاً نسبياً بعد المصادقة النهائية على النتائج”.
تصنيف الطعون
وتُصنَّف الطعون بحسب مفوضية الانتخابات إلى ثلاث (صفراء وخضراء وحمراء)، حيث لا تؤثر الصفراء على نتائج الانتخابات لكونها شكاوى غير مكتملة شكلاً وموضوعاً، أما الخضراء تكون عادة مرتكبة من قبل موظفي الاقتراع أو الوكلاء أو المراقبين أو حتى الأجهزة الأمنية، وتكون غير مؤثرة على نتائج الانتخابات، لكن تحتاج إلى تحقيق لغرض معاقبة المقصرين، في حين ستؤثر الحمراء على النتائج لكونها تتعلق بالتزوير أو التلاعب بأوراق الاقتراع، أو تغيير في سجل الناخبين.
وتشهد محافظة كركوك صراعاً محتدماً بين الكتل العربية والكردية على تشكيل الإدارات المحلية، حيث يسعى الاتحاد الوطني الكردستاني، صاحب المقاعد الأكثر عددا لبدء حوارات مع جميع الأطراف، للظفر بمنصب المحافظ، في حين، تمسكت القوى العربية بالمحافظ الحالي ودعت لتجديد الولاية له.
وتتوزع مقاعد (الكوتا) لقوى المكونات من المسيحيين والايزيديين والشبك والصابئة المندائيين والكرد الفيليين على ست محافظات في انتخابات المجالس المحلية، حيث توزعت المقاعد العشرة بحسب تقسيم مفوضية الانتخابات، كالآتي: 3 مقاعد في بغداد ومثلها في محافظة نينوى وكذلك مقعد واحد في كل من البصرة وكركوك وواسط وميسان.
رأي قانوني
الخبير القانوني علي التميمي، أكد أن المحكمة الاتحادية العليا لا علاقة لها بالمصادقة على نتائج انتخابات مجالس المحافظات المحلية حيث إن اختصاصاتها الواردة في المادة (93) من الدستور تضمنت مصادقها على النتائج النهائية للانتخابات النيابية فقط.
وأوضح التميمي، أن "الجهة المعنية بالمصادقة على نتائج انتخابات مجالس المحافظات النهائية هي مجلس المفوضين وفقاً لقانون مفوضية الانتخابات رقم (31) لعام 2019 وفي المادة (10) الفقرة (7) تحديداً".
وبين، أن "مجلس المفوضين سوف يصادق على نتائج الانتخابات بمجرد أن يتم البت بالطعون المقدمة فيها من قبل الهيئة القضائية الثلاثية وستكون المصادقة خلال 15 يوما، وفي حال عدم مصادقة مجلس المفوضين عليها خلال تلك المدة سوف يتم المصادقة عليها بشكل تلقائي بعد مرور تلك المدة".
وهو ما أكده رئيس المحكمة الاتحادية العليا جاسم محمد عبود العميري، حيث قال إن الدستور وضع أسس النظام الديمقراطي في العراق القائم على مبدأ الفصل بين السلطات والحريات العامة التي مُنحت المواطنين الحق في تقرير حاضرهم ومستقبلهم عبر صناديق الاقتراع وممارسة حرية الرأي، وفيما أشاد بنجاح الحكومة في إقامة انتخابات مجالس المحافظات وبأجواء آمنة مستقرة، أثنى على تضحيات العراقيين التي كتبت مسيرة الديمقراطية.
خطوات أخيرة
المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أعلنت، الجمعة الماضية، أن الطعون المقدمة من قبل المرشحين، لم تغير من شكل نتائج الانتخابات المحلية.
وقالت المتحدثة باسم المفوضية جمانة الغلاي، إن "الهيئة القضائية ما زالت مستمرة بالنظر بالطعون المقدمة من المرشحين في انتخابات مجالس المحافظات التي جرت في 18 كانون الأول 2023".
وأضافت، إن "الطعون المقدمة الى الآن لم تغير من شكل النتائج التي أعلنت من قبل مفوضية سابقا"، مشيرة الى أن "إعلان المصادقة على النتائج لم يحدد الى الآن وسيتم إعلانه بعد إكمال النظر بالطعون".
وفي وقت سابق من الأربعاء الماضي، أكد مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، عدم تسلمه أي قرار من الهيئة القضائية بإعادة فرز النتائج حتى الآن، فيما أشار إلى ورود أكثر من 80 قراراً من الهيئة القضائية للانتخابات بخصوص الطعون.
وقال الأمين العام لمجلس المفوضين، علي فيصل: "استلمنا أكثر من 80 قراراً من الهيئة القضائية للانتخابات، بخصوص الطعون"، منوهاً "ستردنا جميع القرارات على كل الطعون خلال الأيام القليلة المقبلة".
وأكد فيصل، "عدم استلام أي قرار من الهيئة القضائية لفتح المحطات أو عدها وفرزها حتى الآن"، مضيفا: "سنُشعِر مقدّمِي الطعون بالقرارات الصادرة عن الهيئة القضائية".
ترجيحات أسباب التأخير
إلى ذلك رجحت مصادر سياسية وصحفية أن سبب تأخير المصادقة على نتائج الانتخابات المحلية يرتبط بشكل وثيق بموضوع اختيار رئيس جديد لمجلس النواب خلفاً للمُقال بتهم مخلة بالشرف محمد الحلبوسي.
وذكرت المصادر، أن التسويات السياسية حاضرة بقوة خلال الفترة الأخيرة حيث تعمل بعض الجهات السياسية على تقديم تنازلات من جهة للحصول على مكتسبات من الجهة الأخرى.
وأضافت، أن حزب تقدم التابع للحلبوسي يسعى لتمرير شعلان الكريّم لرئاسة مجلس النواب، وكذلك يسعى للحصول على أقصى مكاسب ممكنة في مجالس المحافظات الحاصل فيها على مقاعد وهو ما لا تقبله الكتل السياسية الأخرى، لافتةً إلى أن خلافات القوى السُنية تسبب إرباكاً في عموم العملية السياسية العراقية وليس فقط في مجلس النواب.
المصادر نوهت إلى أن تلك الانشغالات السياسية تضع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في موقف محرج، على الرغم من كونها قد أعلنت أن التأخير سببه الطعون غير المحسومة حتى اللحظة، لكن الجميع يعلم أنها تحاول أن تمنع أية أزمات سياسية محتمل أن تقع بعد المصادقة على النتائج، وتؤخره بالقدر الذي تستطيعه حتى تصل القوى السياسية إلى اتفاقات فيما بينها لحلحلة المشاكل العالقة.
وأكدت في الوقت ذاته أن ذلك لا يعني أن المفوضية تقوم بالتلاعب بنتائج الانتخابات أو تخالف القانون والدستور، لكنها تحاول إمساك العصا من الوسط بين تطبيق القانون ومنع الأزمات السياسية.