بين النفي والتأكيد والانتقاد.. ما خفايا تعيين 50 امرأة بصفة "إمام مسجد" في نينوى؟

انفوبلس/ تقرير
شكّلَ إعلان عضو مجلس محافظة نينوى أحمد العبد ربه عما اعتُبر "فضيحة فساد" في ديوان الوقف السني، من خلال تعيين أكثر من 50 امرأة بصفة "إمام جامع"، شكّلَ موجة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي في العراق وداخل الأوساط السياسية والشعبية، وسط استفهامات واسعة بشأن طبيعة القرار.
وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة والمؤسسات المختصة لمحاربة الفساد، فإن كثيرين يشككون في ذلك، بالنظر لاستناد الفساد إلى الأحزاب وجماعات النفوذ في البلاد التي غالباً ما توفر الحماية اللازمة لكبار الفاسدين. ويحتل العراق منذ سنوات مراتب متقدمة بالنسبة للدول الأكثر فساداً في مؤشرات منظمة الشفافية الدولية وغيرها من المنظمات.
كما لم تُعد قضايا الفساد تفاجئ أو حتى تثير اهتماماً خاصاً لدى غالبية المواطنين العراقيين لأنها بلغت من الشيوع درجة بات معها الناس لا يتفاجأون من وجود الفاسدين وأخبار الفساد، بل من ندرة غير الفاسدين وحالات رفض الفساد أو كشف بعض الفاسدين - كأكباش فداء - من ناهبي ثروات الشعب. وهذا ما يمكن أن يوصف بأنه تطبيع اجتماعي ممنهج للفساد والفاسدين وجعله ظاهرة عادية في مجتمع بلا دولة أو بدولة مسلوبة الإرادة.
تعيين نساء في مناصب "إمام جامع"
كشف عضو مجلس محافظة نينوى أحمد العبد ربه، يوم أمس الاثنين 19 مايو/ أيار 2025، عما اعتُبر "فضيحة فساد" في ديوان الوقف السني، من خلال تعيين أكثر من 50 امرأة بصفة إمام جامع. وقال العبد ربه في تصريح صحفي تابعته شبكة "انفوبلس" إنه "تم منح 50 درجة وظيفية في ديوان الوقف السني لنساء بصفة إمام جامع، رابع أو خامس". وأضاف العبدربه إن "هذه القوائم دليل على غياب الدقة في العمل، منتقداً الآليات المتبعة في توزيع الدرجات الوظيفية".
وضجت الأوساط الشعبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشأن هذا التعيين، وسط تساؤلات عن مدى قانونيته، ومطالبات بكشف الجهات التي تقف وراء تمرير هذه الدرجات الوظيفية. بينما الأوساط الدينية والاجتماعية اعتبرت أن تولي المرأة الإمامة يتعارض مع التقاليد الدينية والاجتماعية الراسخة، وأن الإمامة، في المفهوم التقليدي، هي وظيفة خاصة بالرجال، خاصة في صلاة الجمعة والجماعة، مما جعل البعض يعتبر الخطوة "استفزازاً للهوية الدينية"، بينما ذهب بعض الناشطين إلى اعتبار الخطوة جزءاً من "صفقة تعيينات" تُخفي وجهاً من أوجه الفساد الوظيفي أو أنها خطأ إداري.
واضطر ديوان الوقف السني إلى إصدار بيان رسمي لإخلاء مسؤوليته من قضية التعيينات، موضحاً أن العناوين الوظيفية التي وردت مع أسماء بعض المتعاقدات، ومنها "إمام خامس"، وصلت إليه من ديوان محافظة نينوى بصيغتها الحالية، دون تدخل منه، في إشارة إلى أن المسؤولية تقع على الجهات المحلية في المحافظة.
وقال الديوان، في بيان، إن "ما أُثير عبر مواقع التواصل بشأن تعيين نساء بعناوين وظيفية مثل (إمام خامس)، يتعلق بأسماء متعاقدات وردت ضمن عقود محافظة نينوى البالغة 17 ألف عقد". وأضاف أن "القوائم وصلت إلى الوقف بهذه الصيغة من ديوان محافظة نينوى، دون أن يكون للوقف أي دور في تحديد العناوين الوظيفية"، مؤكداً أن "المسؤولية في ذلك لا تعود إلى الديوان، بل إلى الجهات المحلية التي أرسلت البيانات".
وكانت محافظة نينوى أعلنت، الشهر الماضي، أنها ستباشر تعيين 17 ألفاً و50 شخصاً ضمن عقود مؤقتة تمتد لثلاث سنوات، براتب شهري قدره 300 ألف دينار، (نحو 200 دولار). وقال معاون المحافظ للشؤون الإدارية، رفعت سمو رشو، إن "ألف درجة خُصصت لتربية سنجار، و50 لمطار الموصل، في حين توزعت باقي الدرجات بين دوائر التربية وبقية مؤسسات المحافظة، وفقاً لنسب سكانية محددة".
في المقابل، رفض ديوان محافظة نينوى الإجابة حول الضجة الحاصلة، فيما أصدر بياناً بأن ملف التعيينات ماضٍ وفق الإجراءات ولا صحة لإيقافها بعد انتشار معلومات عن ذلك.
الى ذلك، قال المتحدث باسم العشائر العربية في المناطق الكردستانية خارج إدارة إقليم كوردستان، الشيخ مزاحم الحويت في تغريدة على منصة (أكس – تويتر سابقا) وتابعتها شبكة "انفوبلس"، ان ما نشاهده من إعفاء وتكليف لائمة الجوامع والمساجد في محافظة نينوى من قبل الوقف السني وزج نفسه في الصراعات السياسية يعد أمرا معيبا جدا ولا يليق بسمعة مدينة الأنبياء والأديان المتآخية، لذا ندعو السيد محافظ نينوى المحترم الى تشكيل لجنة مشتركة من الأجهزة الأمنية والوقف السني تشرف على تنصيب وإعفاء أئمة الجوامع والمساجد كون الموضوع أصبح يشكل خطرا كبيرا على المسائل الدينية والفكرية والاجتماعية والثقافية وترهيب الأديان والمذاهب الأخرى في المحافظة".
وحذّرت عضو مجلس محافظة نينوى ورئيسة لجنة الاوقاف الدينية سمية الخابوري، أمس الاثنين، من تدخلات وصفتها بـ"غير المشروعة" تطال عدداً من الجوامع في المحافظة، معتبرة إعفاء الشيخ محمد الشماع من جامع النبي يونس، جاء رضوخاً لضغوط خارجية وتهديداً لاستقلالية المؤسسة الدينية، حسب وصفها.
وقالت الخابوري، في مؤتمر صحفي، إن "لجنة الأوقاف في مجلس نينوى تتابع بقلق بالغ التدخلات التي تشهدها الجوامع، من قبل جهات تحمل فكراً دخيلاً وتسعى لفرض خطباء يمثلون هذا الفكر"، مشيرة إلى "تعليق صور لجهات سياسية داخل بعض المساجد، في انتهاك صريح لقدسية دور العبادة".
وتابعت: "ننظر بخطورة إلى قرار إعفاء الشيخ محمد عبد الوهاب الشماع من مهامه خطيباً في جامع النبي يونس، لما يمثله الرجل من رمزية دينية واجتماعية لهذا الجامع التاريخي، ونعدّ القرار استجابة لضغوط من جهات خارجية تحاول فرض سيطرتها أيضاً على جوامع أخرى كجامع الخضر". وأكدت الخابوري أن "اللجنة ترفض بشكل قاطع زج الخطاب الديني في الصراعات السياسية أو محاولات الهيمنة الفكرية عليه"، مطالبة ديوان الوقف السني بـ"إعادة النظر في قراراته الأخيرة والتحقيق في خلفياتها القانونية والشرعية".
وكان ديوان الوقف السني قد أعلن في وقت سابق تعيين الشيخ محمد عبد الوهاب الشماع، خطيباً لجامع النبي يونس بعد اكتمال إعماره، قبل أن يتراجع عن القرار بشكل مفاجئ بعد أيام قليلة، ما أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الدينية والشعبية، وسط اتهامات بوجود ضغوط سياسية تقف خلف القرار.
وبحسب سياسيين بمحافظة نينوى فإن الفساد في المحافظة وبالتالي نشاط "هيئة النزاهة" فيها، لم يتوقف عند دوائر السجل العقاري والبلديات، بل امتد ليشمل ديوان الوقف السني، حيث قدمت جهات مختلفة منحاً مالية لإعادة إعمار الكثير من الجوامع المتضررة، فقد تبرعت الإمارات العربية المتحدة وتحت إشراف من اليونيسكو بإعمار الجامع النوري الذي كان يضم منارة الحدباء التي يعود تاريخ بنائها إلى القرن الرابع عشر، لكن لم يكن للوقف السني أي دور معلن في إعمار الجوامع باستثناء وضعها حجر الأساس عام 2017 لإعمار جامع النبي يونس (دمره داعش الارهابي في تموز/ يوليو 2014).
والجدير بالذكر، إن ظاهرة الفساد انتعشت في محافظة نينوى لاسيما في مؤسساتها الحكومية بعد تحريرها من تنظيم داعش الإرهابي، وفقًا لتقارير صحفية، وأصبحت بيئة نشطة لهدر المال العام والميزانيات المخصصة بعد أن خصصت الحكومة العراقية ومنظمات دولية ملايين الدولارات لإعادة إعمارها بسبب الدمار الذي لحقها بفعل العمليات العسكرية أثناء تحريرها.
كما تمت إحالة العديد من المسؤولين التنفيذيين في المحافظة إلى القضاء وتمت محاكمتهم بأحكام مختلفة بسبب تورطهم في حالات فساد وإهدار للمال العام ومنهم من كان في مناصب كبيرة وحساسة، ومن أبرزهم المحافظ الأسبق نوفل العاكوب، الذي أقيل بقرار برلماني في آذار 2019، وخضع لسلسلة من المحاكمات بتهم الفساد وهدر المال العام وسجن لما يزيد عن 20 سنة، وكذلك معاون محافظ نينوى لشؤون التخطيط رعد العباسي، الذي صدر حكم ضده منتصف 2023 بالحبس الشديد لخمس سنوات بتهمة الفساد، ثم خففت محكمة التمييز الحكم إلى حبس لمدة سنتين.
وصدر في الخامس من أيار/مايو 2023 حكم غيابي بالسجن 15 سنة بحق رئيس مجلس محافظة نينوى السابق بشار الكيكي، وفقًا للمادة 315 لاقترافه جريمة الاختلاس فضلاً عن العشرات من موظفي ديوان محافظة نينوى ودوائر التسجيل العقاري/الأيسر والبلدية والمجاري إضافة إلى موظفين في جمعيات إسكان تعاونية، اتهموا بالفساد والاستيلاء على أموال عامة كالعقارات.