بين ضغوط الخارج وضروريات الداخل.. مباغتة سياسية تضع قانون هيكلة الحشد على جدول الأعمال.. من سينتصر في النهاية؟

انفوبلس..
في خطوة تحمل أبعادًا سياسية وأمنية عميقة، أنهى البرلمان العراقي القراءة الثانية لقانون هيئة الحشد الشعبي رغم انسحاب كتل سنية وكردية، ما أثار تساؤلات عن حجم الضغوط الخارجية، خصوصًا الأمريكية، الرامية لإضعاف الحشد وإعادة تشكيله بما يخدم أجندات لا تتسق مع السيادة الوطنية.
ويوم أمس الأربعاء، ووسط تجاذبات سياسية، وضغوط داخلية وخارجية، أنهى مجلس النواب، القراءة الثانية لقانون هيئة الحشد الشعبي، بعد إدراجه على جدول أعمال الجلسة، ليصبح جاهزا للتصويت.
وقال مصدر مطلع إن “البرلمان صوت على إضافة عدد من الفقرات إلى جدول أعمال الجلسة، من أبرزها القراءة الثانية لمشروع قانون هيئة الحشد الشعبي”.
وأضاف، “كما أُدرجت على جدول الأعمال فقرة التصويت على رئيس وأعضاء مجلس الخدمة الاتحادي، بالإضافة إلى التصويت على رئيس مجلس الدولة”، مبينا أن “نوابا من الكتل الكردية والسنية غادروا قاعة البرلمان احتجاجا على إدراج القراءة الثانية لقانون هيكلة الحشد الشعبي”.
وتابع، أن “البرلمان أنهى القراءة الثانية لمشروع قانون هيئة الحشد الشعبي، رغم انسحاب الكتل الكردية والسنية، وبذلك أصبح جاهزا للتصويت”.
إلى ذلك، قال النائب الأول لرئيس مجلس النواب محسن المندلاوي، في بيان: “أنجزنا خلال ترؤسنا، اليوم الأربعاء، أعمال جلسة مجلس النواب، القراءة الثانية لمشروع قانون هيئة الحشد الشعبي، ووجّهنا لجنة الأمن والدفاع النيابية بأخذ ملاحظات وآراء السادة النواب بعين الاعتبار، لغرض استكمال التعديلات اللازمة على مشروع القانون، وتقديم النسخة النهائية إلى رئاسة المجلس ليتسنى إدراجها في جدول أعمال الجلسات المقبلة بغية التصويت عليها”.
وأكد المندلاوي، أن “مشروع قانون هيئة الحشد الشعبي، الذي نحرص على تمريره، يأتي بديلا عن القانون النافذ الصادر عام 2016، ويهدف إلى تنظيم هيكلية وعمل الهيئة، وتحديد صلاحياتها وواجباتها، فضلا عن مهام الجهات المرتبطة بها”.
وزاد، أن “القانون يسهم في تعزيز القدرات القتالية للمجاهدين، واستحداث تشكيلات جديدة تُعنى بتطوير هذه المؤسسة الأمنية، إضافة إلى منح رئيس الهيئة الصلاحيات اللازمة لتنفيذ الأهداف التي يتوخاها هذا التشريع الحيوي”.
وكشف رئيس البرلمان، محمود المشهداني، في 14 تموز يوليو الجاري، عن رسائل أمريكية للقادة السياسيين ترفض فيه تمرير قانون الحشد، محذرا من تظاهرات قد تشهدها المدن العراقية خلال الفترة المقبلة، مما سيدفع البلاد إلى إعلان “حكومة طوارئ”.
جاء ذلك، بعد مرور يوم من تداول وسائل إعلام أنباء غير مؤكدة عن تلقي رئيس الوزراء، محمد السوداني رسائل أمريكية، حملها القائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة الأمريكية لدى العراق، ستيفن فاجن، بشأن سلاح الفصائل في العراق، موضحا فيها موقف واشنطن من استمرار سلاح تلك الفصائل، وسط تحذيرات من تدخل دولي يحسم مصير هذا السلاح في حال فشل السوداني في حسمه.
وكان المحلل السياسي، حسين الكناني، أكد في 8 تموز يوليو الجاري، أن الحراك من أجل سحب سلاح فصائل المقاومة، يعود لرغبة أمريكية لتهيئة الأرضية من أجل إزاحة الإطار التنسيقي الحاكم من السلطة، مبينا أن أغلب الإطار مع إبقاء السلاح.
وكانت الفصائل المسلحة العراقية، أعلنت في 5 تموز يونيو الجاري، أنها لن تتخلى عن السلاح، واصفة إياه بأنه “خيار استراتيجي لا مساومة عليه”، كما قالت إن “سلاحنا باقٍ حتى زوال التبعية”.
ومنذ منتصف شباط فبراير الماضي، يعجز مجلس النواب عن عقد جلساته، بسبب الخلافات المحتدمة حول قانون تقاعد الحشد الشعبي (قانون آخر غير الذي تمت قراءته بالأمس)، فقد تحول القانون إلى نقطة اشتباك بين القوى السياسية، ما أدى إلى تعطيل تشريعات أخرى، وتأجيج الانقسامات داخل الإطار التنسيقي، باعتبار أن أطرافا تطالب بإبعاد رئيس هيئة الحشد الحالي فالح الفياض.
يشار إلى أن قانون الخدمة والتقاعد لهيئة الحشد الشعبي، أثار خلافات داخل الإطار التنسيقي، وتحديدا الفقرة المتعلقة بتحديد سن الإحالة على التقاعد لرئيس الهيئة، حيث أبدت بعض الكتل معارضته لتحديد بـ60 سنة، فیما أكدت كتل أخرى على أن قانون موظفي الدولة ينص على إحالة الموظف إلى التقاعد عند بلوغه سن 60 عاما.
وسحب رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، في 16 آذار مارس الماضي، قانون الخدمة والتقاعد لمنتسبي الحشد الشعبي، من البرلمان بشكل رسمي.
وكانت مصادر مطلعة، أفادت أن قرار سحب قانون تقاعد الحشد، جاء بطلب من قادة الإطار لتعديل فقرة، تضمن بقاء القادة الحالية في الهيئة، وتحديدا رئيسها فالح الفياض، وذلك في خطوة لتدارك التعطيل المستمر لجلسات البرلمان.
الجدير بالذكر، أن المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، أكد في 8 آذار مارس الماضي، أن الحكومة لم تبلغ رسميا بحل الحشد الشعبي أو أي مؤسسة امنية أخرى.
جاء ذلك بعد تصريحات السياسي، عزت الشابندر في 6 آذار مارس الماضي، التي أكد فيها أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب وجه أوامر للعراق، وليست نصائح كما يروج لها، مبينا أن “ذلك جاء عن طريق اتصال هاتفي لوزير خارجيته، بالسوداني، حيث تركزت الأوامر على قطع الغاز الإيراني، ونزع سـلاح الفصائل، وحل الحشد الشعبي عبر دمجه بالمؤسسات الرسمية، بحيث يتم توزيع أفراده على قطاعات مختلفة مثل المرور، الإطفاء، أو حتى كـ”نواطير”، حسب تعبيره.
وشهدت قبة البرلمان العراقي مؤخرًا جولة جديدة من الصراع السياسي حول مستقبل هيئة الحشد الشعبي، إذ أنجزت الهيئة التشريعية، وسط انسحاب بعض الكتل، القراءة الثانية لمشروع قانون تنظيم الحشد، ممهّدة الطريق أمام تصويت مرتقب قد يشكل لحظة فاصلة في تاريخ هذه المؤسسة التي وُلدت من رحم الفتوى، ونضجت على نار الحرب ضد الإرهاب، وتحوّلت إلى أحد أعمدة السيادة الوطنية.
القانون الجديد، الذي يُفترض أنه بديل للقانون النافذ منذ عام 2016، يتضمن فقرات تهدف إلى إعادة تنظيم الهيكل الإداري والتشغيلي للهيئة، ومنح صلاحيات أوسع لرئيسها، مع استحداث تشكيلات جديدة لتطوير أدائها. ظاهر النص يوحي بإصلاح هيكلي، لكن باطن المشهد يشير إلى معركة إرادات: هناك من يرى فيه توطيدًا لمكانة الحشد، وهناك من يصفه بأنه بوابة لتقويضه تدريجيًا.
اللافت أن القراءة الثانية جرت رغم انسحاب بعض النواب الكرد والسنة، ما يعكس اصطفافات سياسية مكشوفة، متأثرة بضغوط دولية وإقليمية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي لا تخفي امتعاضها من استمرار وجود الحشد بصيغته الحالية.
في 14 تموز، كشف رئيس البرلمان، محمود المشهداني، أن رسائل أمريكية وصلت للقادة العراقيين تطالب بعدم تمرير قانون الحشد، محذرًا من احتجاجات محتملة قد تفضي إلى إعلان "حكومة طوارئ". هذا التهديد الضمني يتقاطع مع تحذيرات متداولة بشأن تدخل دولي محتمل لنزع سلاح الفصائل، إن عجزت الحكومة عن تنفيذ "المهام الموكلة إليها" أمريكيًا.
مصادر سياسية تحدثت عن رسالة صريحة نقلها القائم بالأعمال الأمريكي، ستيفن فاجن، إلى رئيس الوزراء محمد السوداني، تتضمن رفضًا لاستمرار سلاح الفصائل، وهو ما اعتُبر تدخلاً فجًّا في الشأن السيادي، ومحاولة لتكريس الهيمنة الأمنية على القرار العراقي، لا سيما بعد فشل الولايات المتحدة في تفكيك الحشد عسكريًا أو سياسيًا خلال السنوات الماضية.
الفصائل المسلحة، التي تُعد النواة الصلبة للحشد الشعبي، لم تتأخر في الرد. ففي الخامس من تموز، أكدت أنها لن تتخلى عن السلاح، واعتبرته "خيارًا استراتيجيًا لا مساومة عليه"، مشددة على أن بقاء السلاح هو بقاء للكرامة والسيادة، ما دام الاحتلال الأمريكي قائمًا والتدخل الخارجي فاعلًا في مفاصل القرار العراقي.
ويقول مراقبون إن المطالبات الغربية بنزع سلاح الفصائل ليست سوى مقدمة لإعادة تشكيل الخارطة السياسية العراقية، بما يخدم مشروع "إزاحة الإطار التنسيقي"، الذي يشكل الحشد أحد أبرز أذرعه العسكرية، ومن ثم فرض حكومة تكنوقراط موالية لواشنطن.
لم تخلُ الساحة الداخلية أيضًا من توترات متصاعدة. فمشروع قانون تقاعد الحشد، الذي كان من المفترض أن يُنظّم شؤون المنتسبين، تحوّل إلى مادة خلاف داخل الإطار التنسيقي نفسه، خصوصًا الفقرة المتعلقة بتحديد سن تقاعد رئيس الهيئة فالح الفياض، والتي رُفِضت من بعض الأطراف لكونها تُمهّد لإبعاده من المنصب.
في هذا السياق، تشير مصادر مطلعة إلى أن رئيس الوزراء سحب مشروع القانون في آذار الماضي بطلب من قادة الإطار، لتعديل المواد التي تهدد بإنهاء ولاية الفياض، وهو ما تسبب لاحقًا في تعطيل جلسات البرلمان وتعليق العديد من مشاريع القوانين المرتبطة بمصالح الدولة والمواطن.
ما يجري اليوم لا يمكن فصله عن السياق الأكبر لمحاولات إفراغ الحشد الشعبي من مضمونه الوطني المقاوم، وتحويله إلى جهاز بيروقراطي فاقد للفاعلية، عبر قوانين ظاهرها تنظيم، وباطنها تفكيك ناعم. فالقانون ليس مجرد نصوص، بل هو أداة لرسم مستقبل مؤسسة أمنية رسمت خارطة التحرير بدماء شهدائها.
وفي الوقت الذي تسعى فيه بعض القوى السياسية إلى دمج الحشد في أجهزة الدولة وتحجيمه بدعوى "الإصلاح"، يقف جمهور واسع من الشعب العراقي، وخصوصًا من محافظات الوسط والجنوب، مدافعًا عن بقاء الحشد بوصفه رمزًا للانتصار، وسدًا منيعًا في وجه المشاريع الأجنبية.
إن التصويت على قانون هيئة الحشد الشعبي لن يكون مجرد تمرين برلماني، بل لحظة اختبار كبرى لمدى استقلال القرار العراقي، وقدرة القوى الوطنية على التصدي للمشروع الأمريكي الهادف إلى "تدجين" مؤسسات المقاومة.
في النهاية، إما أن يتم التصويت لإعادة تنظيم الحشد وتعزيز مكانته بوصفه درع العراق الشعبي والأمني، أو أن تستمر الضغوط لتقزيمه، تمهيدًا لمرحلة جديدة من التبعية والانكشاف الأمني.