تأخر تشكيل حكومة الإقليم من زاوية أخرى.. هكذا أصبحت تركيا المستفيد الأكبر

انفوبلس/ تقارير
بعد أكثر من 5 أشهر على انتخابات كردستان، ما زالت معضلة تشكيل الحكومة قائمة دون أي بوادر لحلها، وهو ما قاد انفوبلس لتناول الأزمة هذه بسلسلة تقارير كانت آخرها ما تكتبه الآن لكن من زاوية مختلفة هذه المرة حيث شرحت فيها الدور التركي بهذه العرقلة واستفادة أنقرة من تعطيل التشكيل مع بيان أبرز التطورات الأخيرة التي قادت لتدخل السوداني من جديد.
إضاءة
خلال الشهرين الماضين، عقد الحزبان الكرديان عدة جولات من المفاوضات انتهت بتشكيل لجنة مشتركة، هدفها صياغة مسودة يتم الاتفاق عليها للبرنامج الحكومي المقبل، وآلية توزيع المناصب التنفيذية لحكومة الإقليم، لكن الاتفاق لم يُفضِ إلى أي نتائج تدفع نحو الإسراع بحسم ملف تشكيل الحكومة.
وفرضت نتائج الانتخابات في الإقليم، معادلة سياسية صعبة، إذ لم يحقق أحد الحزبين الكبيرين الفائزين، الأغلبية البرلمانية التي تُمكّنه من تشكيل الحكومة وحده، وهي معادلة النصف زائداً واحداً، أي 50 مقعداً بالإضافة إلى مقعد واحد.
وفاز الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في الإقليم، ويقوده مسعود البارزاني، بـ39 مقعداً من مجموع مقاعد البرلمان البالغة 100 مقعد، تضاف إليها ثلاثة من مقاعد الأقليات التي فازت بها قوى مقربة منه، بينما يمتلك منافسه حزب الاتحاد الوطني، الحاكم في مدينة السليمانية، بقيادة بافل طالباني، 23 مقعداً، إضافة إلى مقعدين من مقاعد الأقليات.
يليهم بالنتائج أحزاب وقوائم إسلامية ومدنية مختلفة، أبرزها حراك "الجيل الجديد" المعارض فقد حصل على 15 مقعداً، يليه الاتحاد الإسلامي الذي حصل على سبعة مقاعد، ثم حزب الموقف الوطني الذي فاز بأربعة مقاعد، وجماعة العدل بثلاثة مقاعد، ومقعدان لحزب جبهة الشعب، ومقعد لكل من حركة التغيير والحزب الاشتراكي. وهذه الأرقام تجعل إمكانية لجوء الحزبين الكبيرين الفائزين إلى الأحزاب ذات المقاعد القليلة، واردة، إلا أنه من الصعب التوصل إلى حلول واتفاقات، جرّاء الخلافات الحادة بين جميع هذه الأطراف.
لا اتفاق .. فما أصل الخلاف؟
وللحديث عن أسباب تأخر تشكيل الحكومة حتى الآن والجهات المعرقلة، قال عضو الكادر المتقدم في الاتحاد الوطني الكردستاني غياث السورجي، في حديث له تابعته شبكة انفوبلس، إنه "لغاية الآن لا يوجد اتفاق نهائي على حسم تشكيل حكومة الإقليم، رغم أن الاجتماعات مستمرة ومتواصلة ما بين الحزبين، وخلال الاجتماعات السابقة تم الاتفاق على البرنامج الحكومي وكذلك شكل الحكومة فقط، دون حسم الاتفاق على توزيع المناصب".
وأضاف السورجي أن "الخلاف حالياً على توزيع المناصب وكيف يكون هذا التوزيع، فنحن في الاتحاد الوطني الكردستاني مصرّون على الحصول على أحد الرئاسات (رئاسة الإقليم، ورئاسة الوزراء) جزءاً من الاستحقاق الانتخابي، لكن هذا الأمر يرفضه الحزب الديمقراطي، الذي يريد الاستحواذ على الرئاسات ويبقى الوضع على ما هو عليه حالياً دون أي تغيير".
وأشار إلى أنه "عُرض على الاتحاد الوطني الكردستاني وزارات ومناصب أخرى في حكومة الإقليم مقابل التنازل عن الحصول على الرئاسات، لكن هذا الأمر رفض، والحوارات مستمرة ومتواصلة، وخلال الأيام القليلة المقبلة سيعقد اجتماع جديد للمكتب السياسي للحزبين وبمشاركة اللجان الفنية التفاوضية، لحسم الملف نهائياً".
حزب بارزاني يصرّ: الرئاسة لنا
في المقابل، يقول عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني وفاء محمد كريم، إن المفاوضات ما بين الحزبين "وصلت إلى مراحل متقدمة"، مبيّناً أن "ما تبقى هو الخلاف على آلية تقسيم المناصب وكيف يُحسم الأمر، وهناك حوارات مستمرة".
وأضاف كريم أنه "وفق الاستحقاق الانتخابي فإن رئاسات الإقليم تكون لحزب الديمقراطي الكردستاني، لكن هذا لا يعني عدم مشاركة باقي الأحزاب في الحكومة والقرار، فنحن مع تشكيل حكومة مدعومة من الجميع ويكون الجميع مسؤول فيها، لكن من يشارك فيها عليه تحمل المسؤولية وعدم الهروب من أي مشاكل وأزمات" بحسب قوله.
وكشف كريم عن "اجتماع مهم سيعقد قريباً ما بين بافل طالباني ومسعود البارزاني، متوقعاً وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق تشكيل الحكومة الجديدة في إقليم كردستان العراق، وكيفية توزيع المناصب ما بين الحزبين الرئيسين".
تأرجح بموعد الحسم
أما عن موعد الحسم، فتوقع الحزب الديمقراطي الكردستاني تشكيل حكومة الإقليم بعد عيد الفطر المبارك فيما أكد حزب الاتحاد الوطني استمرار المباحثات وهناك انتقالات نوعية في الحوار بين الطرفين.
وقال النائب عن الديمقراطي الكردستاني شريف سليمان، إن "المباحثات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني لا تزال مستمرة وجرت مناقشة العديد من الملفات المهمة وقد توصلنا الى مراحل متقدمة جدا من التوافق من اجل تشكيل حكومة الإقليم".
وأضاف، أن "توزيع المناصب سيكون على حسب الاستحقاق الانتخابي"، مبينا ان "تأخير تشكيل الحكومة اثر نوعا ما على الحياة الاقتصادية لكن ليس بشكل كبير وهناك حكومة في كردستان لاتزال تعمل وتدير الأمور وتسير الأمور المعيشية وتخدم المواطن في الإقليم".
وأشار إلى ان "لأمور تسير بالاتجاه الإيجابي"، متوقعا ان يتم "تشكيل حكومة الإقليم بعد عيد الفطر المبارك".
من جانبه، أكد عضو الاتحاد الوطني الكردستاني، محمود خوشناو، أن المفاوضات بين الحزبين الكرديين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني لا تزال مستمرة دون تحديد موعد زمني للوصول إلى اتفاق بشأن تشكيل الحكومة المقبلة.
وقال خوشناو في حديث له تابعته شبكة انفوبلس، ان "هناك انتقالات نوعية في الحوار بين الطرفين، حيث يبحث الجانبان آلية وفلسفة الحكم في إقليم كردستان خلال المرحلة المقبلة، بالإضافة إلى كيفية التعامل مع الرئاسات في الإقليم على الأصعدة السياسية والأمنية والمالية والإدارية، إلى جانب طبيعة العلاقة مع الحكومة الاتحادية في بغداد ضمن إطار الدستور".
وأشار إلى أن "بعض محاور الجولات التفاوضية شهدت تقدما، بينما لا يزال بعضها الآخر قيد الحوار والنقاش"، لافتًا إلى أن "الاجتماعات ستتواصل خلال الأيام القادمة".
وأكد أن "حزبه لا يضع حدا زمنيا للتوصل إلى اتفاق حول تشكيل الحكومة القادمة في الإقليم، بل يرغب في إجراء مفاوضات جادة للوصول إلى مرحلة الاتفاق السياسي، لتسوية هذه القضية بشكل نهائي".
السوداني يتدخل
تأخُر تشكيل حكومة الإقليم جعل السوداني يتدخل بأكثر من مرة كان آخرها أمس الأول الخميس، إذ بحث رئيس الوزراء حينها مع رئيس حراك الجيل الجديد شاسوار عبد الواحد، التطورات السياسية في إقليم كردستان، والحوارات الجارية بين الأطراف الكردية للمضيّ نحو اتفاق يفضي إلى تشكيل حكومة جديدة للإقليم.
وذكر بيان للمكتب الإعلامي للسوداني جاء فيه، "استقبل رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، رئيس حزب حراك الجيل الجديد شاسوار عبد الواحد".
وأشار البيان إلى أنه "جرى خلال اللقاء، التباحث في أهمّ الملفات على الساحة الوطنية، وسير تنفيذ فقرات البرنامج الحكومي، ومستهدفاته التي تنعكس على الواقع الاقتصادي والخدمي للمواطنين في كل أرجاء العراق".
وتابع، "كما تناول اللقاء متابعة التطورات السياسية في إقليم كردستان العراق، والتأكيد على ضرورة استمرار الحوار بين الأطراف الكردية من أجل المضيّ نحو اتفاق يُفضي إلى تشكيل حكومة جديدة للإقليم".
تركيا.. استفادة قصوى وعرقلة متعمدة
وصلنا إلى الهدف الأساس من كتابة هذا التقرير، وهو استفادة تركيا ودورها في كل ما حدث، إذ صبّت التغييرات الإقليمية السريعة في المنطقة بمصلحة تركيا أكثر من غيرها، فبالنسبة لها يُعدّ كردستان العراق بوابة سياسية وأمنية واقتصادية فاعلة ومهمة ومؤثرة استراتيجياً في المعادلات الإقليمية، لذلك تحرّكت أنقرة سريعاً لعقد سلسلة من الزيارات والاجتماعات مع مسؤولين وشخصيات سياسية كردية، سواء على أراضيها أو من خلال الزيارة التي أجراها وزير خارجيتها إلى العراق يوم 26 كانون الثاني الماضي.
وهذا ما يعني، من حيث المبدأ، أن القرار بشأن تشكيل الحكومة الكردية الجديدة لم يعد محلياً، حيث تسعى تركيا إلى احتكار النفوذ في كردستان العراق بعد أن عززت وجودها في سوريا، فأنقرة سبقت الدول الأخرى مثل إيران وأمريكا لبسط نفوذها من خلال دمج أحزاب جديدة، مثل حزب شاسوار عبد الواحد (الجيل الجديد)، وأحزاب إسلامية أخرى تمتلك نفوذاً عليها، ضمن خططها، وفق الصحفي الاستقصائي صلاح حسن بابان.
وتأتي التحركات التركية كلها سواء على أرض كردستان خصوصاً، أو العراق عموماً في إطار صراع إقليمي دولي تخوضه مقابل إيران، التي تدعم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتمتع بعلاقات ممتازة مع الأحزاب الشيعية في بغداد وتتهمه أنقرة دائماً بأنه يدعم الجماعات الكردية المعارضة لها مثل حزب العمال الكردستاني والأحزاب الكردية الأخرى مثل قوات سوريا الديمقراطية في سوريا.
تريد تركيا بحسب بابَين، ومن خلال تحركاتها السريعة، وتحديداً بعد إعلان نتائج انتخابات برلمان الإقليم وتحقيق الحزب الديمقراطي الكردستاني المرتبة الأولى بعدد المقاعد، والذي تربطه علاقات استراتيجية وسياسية واقتصادية وأمنية مع أنقرة، ولا سيما فيما يتعلق بمحاربة حزب العمال الكردستاني، أن تضع أمريكا وإيران أمام أمر الواقع بمعادلات سياسية تشهدها المنطقة بالتزامن مع التطورات في المشهد السوري التي لم تنتهِ بالإطاحة بنظام الأسد فحسب، وإنما بظهور نفوذ تركي واضح من خلال دعم رئيس الإدارة المؤقتة الجديدة فيها، والمطلوب دولياً بتهم الإرهاب أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) سابقاً، من خلال طرح أوراق سياسية جديدة في المنطقة عبر أدواتها المحلية لملء الفراغات التي سببها تراجع النفوذ الإيراني.
وبالتالي تشكيل حكومة جديدة في كردستان العراق يرأسها الحزب الديمقراطي الكردستاني؛ يعني أن أنقرة ستلعب في ساحة سياسية مريحة بالنسبة لها ولو على الأقل خلال السنوات الأربع المقبلة.
ويوماً بعد آخر، تصعّد تركيا من حدة عملياتها العسكرية وتوغّلها داخل إقليم كردستان العراق، حتى بات مشهد خلوّ قرى بأكملها من سكانها أمراً طبيعياً في ظل صمت حكومتي أربيل وحتى بغداد.
وتواصل القوات التركية، منذ منتصف حزيران عام 2021، سلسلة من العمليات العسكرية الجوية والبرية في الشمال العراقي، ضمن نطاق نينوى وإقليم كردستان العراق، تتركز في سنجار، وقنديل، وسيدكان، وسوران، والزاب، وزاخو.
وتضمنت العمليات الأخيرة قصفاً جوياً واغتيالات مستمرة تطال قيادات بارزة في حزب العمال الكردستاني، مع وصول التوسع التركي إلى “امتلاك نحو 40 قاعدة عسكرية غير قانونية داخل الأراضي العراقية، وعشرات المواقع دون الحصول على أيّ موافقة من الحكومة المركزية، بالإضافة إلى تمركزها في محافظتي دهوك وأربيل، مع وجود أقضية ونواحٍ كاملة تحت سيطرتها، بذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني، الأمر الذي يشكل تهديداً خطيراً لأمن البلد وسيادته واستقراره وانتهاكاً صريحاً لجميع المواثيق والأعراف الدولية ومبادئ حسن الجوار”.
وساهمت التغييرات السريعة في سوريا بشكل كبير في زيادة التمدد التركي في المنطقة، وربما قد يكون ذلك بدعم من بعض الدول الخليجية مثل قطر والسعودية والإمارات وبضوء أمريكي أخضر.
فقد شهد الإقليم الكردي سلسلة من الاجتماعات والمفاوضات الداخلية والخارجية للإسراع في تشكيل حكومة الكابينة العاشرة، حيث زار رئيس الحكومة الحالية- المنتهية ولايته مسرور بارزاني، أنقرةَ والتقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته هاكان فيدان بعد سقوط الأسد، بالتزامن مع زيارة غريبة أثارت الكثير من علامات الاستفهام أجراها رئيس حراك الجيل الجديد الكردي “المعارض” شاسوار عبد الواحد إلى الدولة ذاتها، واجتماعه في أنقرة مع نائب وزير الخارجية التركي نوح يلماز، والذي فتح التكهنات أمام سيناريوهات جديدة لتشكيل الحكومة الكردية الجديدة.