تحالف السيادة يفتح أبواب التخابر والوصاية الخارجية.. لقاء خميس الخنجر مع وزير الخارجية التركي في إسطنبول يثير عاصفة من الشكوك
انفوبلس/..
في تطور خطير يعيد إلى الأذهان مشاهد التدخلات الإقليمية السافرة في الشأن العراقي، فجّرت زيارة رئيس تحالف السيادة خميس الخنجر إلى مدينة إسطنبول ولقاؤه مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، جدلًا واسعًا وتساؤلات مشروعة حول النوايا الحقيقية خلف هذه اللقاءات التي خرجت مؤخرًا من الغرف المغلقة إلى العلن، تحت غطاء “تعزيز العلاقات الثنائية”.
ففي الوقت الذي كان من المنتظر أن تصطف الكتل السياسية خلف مصلحة الدولة العراقية وتغليب سيادتها، اختار خميس الخنجر وعدد من قيادات تحالفه الدخول في مسارات مشبوهة قد تمهد لمرحلة جديدة من التدخل التركي المباشر، عبر بوابة التفاهم مع قوى محلية فقدت بوصلتها الوطنية، وباتت تتعامل مع ملفات السيادة والأمن وكأنها أوراق تفاوض شخصية.
البيان الصادر عن تحالف السيادة لم يحمل سوى عبارات دبلوماسية مكررة من قبيل “تعزيز التعاون” و”دعم الاستقرار”، لكنه تجاهل عمدًا التوقيت الحرج لهذا اللقاء، والموقع الذي عُقد فيه، والمضامين التي بدأت تتسرب تباعًا عن فحوى النقاشات، والتي وصفها عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية النائب ياسر إسكندر وتوت بأنها تمثل “جريمة تخابر مع جهة أجنبية” و”تآمرًا علنيًا على الدولة العراقية”.
*تحت غطاء الاستثمار… مشاريع هيمنة
في ظاهرها، بدت اللقاءات وكأنها تسعى لـ”فتح آفاق التعاون في مجالات الاستثمار والبنى التحتية”، بحسب ما ورد في البيان، لكن في باطنها، لا يمكن فصل هذه الزيارة عن المخططات التركية القديمة-الجديدة في المناطق المتاخمة للحدود، بدءًا من ملف المياه والسيطرة على منابع دجلة والفرات، وصولًا إلى التوغل العسكري المتواصل شمال البلاد، بحجة مطاردة مقاتلي حزب العمال الكردستاني.
وهنا يُطرح السؤال الجوهري: بأي صفة يخوض خميس الخنجر مفاوضات بهذا الحجم مع دولة تتوغل عسكريًا داخل الأراضي العراقية؟ ومَن خوّله الحديث باسم الدولة ومؤسساتها في قضايا تمس الأمن الوطني والسيادة ومياه العراق؟
الجواب واضح: لا صفة دستورية تتيح لرئيس تحالف سياسي ممارسة دور الدولة في السياسة الخارجية، ولقاءه هذا يمثّل تعديًا صارخًا على مهام وزارة الخارجية العراقية واختصاصات رئيس الجمهورية والحكومة، كما يتقاطع مع قانون الأحزاب الذي يمنع الاتصالات الخارجية دون موافقة السلطات الاتحادية.
*صمت حكومي يثير الريبة
المفارقة الصادمة أن الحكومة العراقية لم تُصدر حتى اللحظة أي تعليق رسمي، لا بالإدانة ولا بالتوضيح، وكأن زيارة خميس الخنجر لإسطنبول شأن عائلي خاص، وليست حدثًا سياسيًا مقلقًا قد تكون له تداعيات أمنية خطيرة، خاصة إذا ما ثبت أنه تناول ملفات مثل إعادة النازحين، أو طبيعة الانتشار التركي في نينوى، أو حتى مواقف تحالف السيادة من الانتخابات المقبلة.
*إحياء مشروع المناطق السنية تحت النفوذ التركي؟
تحذيرات ياسر وتوت، وعدد من المراقبين السياسيين، لم تأتِ من فراغ. فالمخاوف من أن يتحول تحالف السيادة إلى بوابة لإحياء مشاريع “الوصاية التركية” على بعض المناطق السنية بدأت تتعزز يومًا بعد آخر، لا سيما وأن إسطنبول لا تخفي رغبتها في استعادة ما تسميه “الامتداد العثماني” في مناطق الموصل وكركوك.
وهذه الزيارة، التي جمعت شخصيات برلمانية مع مسؤول تركي رفيع، قد تكون جزءًا من تفاهم أوسع لإعادة رسم النفوذ التركي داخل البيت السني، خصوصًا في ظل تصاعد التوترات الداخلية وفقدان التحالفات السنية لرؤية وطنية موحدة.
*من المسؤول عن محاسبة الخنجر؟
حتى الآن، لا توجد مؤشرات على تحرك جاد من قبل البرلمان لمساءلة خميس الخنجر عن خلفيات اللقاء، رغم مطالبات رسمية صادرة من نواب في لجنة الأمن والدفاع. وهذا التردد البرلماني يعكس أزمة أعمق: غياب ثقافة المحاسبة السياسية وتداخل الولاءات مع الحسابات الإقليمية، حيث تُغضّ النظر عن التجاوزات مقابل ضمانات انتخابية أو تفاهمات مصلحية مع الدول المجاورة.
فهل سيستمر هذا التغاضي؟ أم أن الرأي العام سيضغط باتجاه كشف كل الاتصالات الخارجية التي تُجرى باسم مكونات أو تحالفات، بينما هي في الحقيقة تمثل مشاريع تآمر على السيادة العراقية؟
