تحالف متنوع ومصير غامض.. القوى المدنية تطلق تحالف "البديل" وسط تحديات التماسك الجماهيري والسياسي

انفوبلس..
في خطوة تحاول إعادة رسم المشهد السياسي العراقي، حصل تحالف "البديل" على ترخيص رسمي لمزاولة العمل السياسي، تمهيدًا لخوض الانتخابات المقبلة. يضم التحالف وجوهًا "احتجاجية" وأخرى مخضرمة، ويسعى لتقديم مشروع بديل خارج المنظومة التقليدية، في محاولة للحصول على مكتسبات أكبر من التي تم الحصول عليها في الانتخابات السابقة.
التحالف يضم التحالف عددًا من الأحزاب والشخصيات التي تقدّم نفسها بوصفها امتدادًا لحركة الاحتجاجات الشعبية التي عرفها العراق منذ عام 2019، وترفع شعار التغيير السياسي الجذري خارج الأطر التقليدية.
يتكوّن التحالف من قوى مختلفة من حيث التوجهات والخلفيات، أبرزها:
حركة الوفاء برئاسة عدنان الزرفي
الحزب الشيوعي العراقي بقيادة رائد فهمي
حزب الاستقلال برئاسة سجاد سالم
البيت الوطني بقيادة حسين الغرابي
إلى جانب أحمد الوشاح (حركة شروع)، وسعد عاصم الجنابي (التجمع الجمهوري)، ورحيم الدراجي (حركة كفى)، وشروق العبايجي (الحركة المدنية)، ورياض الإسماعيلي (بناة العراق)، وعدي العلوي (تحالف الاقتصاد العراقي)، وضرغام علاوي (حركة المثقف العراقي)، وطارق اللهيبي (حركة ريادة)، وأثير الدباس (التيار الديمقراطي).
يمثل هذا التشكيل محاولة واضحة لتجميع شخصيات ذات خلفية احتجاجية أو ذات مواقف نقدية معلنة من النظام السياسي القائم، ضمن مظلة انتخابية واحدة.
من ساحات الاحتجاج إلى قوائم الترشيح
يضم التحالف عددًا من الشخصيات التي برزت في احتجاجات تشرين، من بينها الناشط السياسي حسين الغرابي، الأمين العام لحزب البيت الوطني، والذي كان من الداعين إلى مقاطعة الانتخابات النيابية السابقة، وسجاد سالم، الذي فاز بمقعد نيابي في انتخابات 2021 كمستقل عن محافظة واسط.
كما يبرز اسم أحمد الوشاح، أحد مؤسسي حركة “شروع” التي انطلقت في عام 2023 كامتداد لحراك تشرين، وتطرح مشروعًا سياسيًا يهدف إلى تجاوز الطائفية والمحاصصة.
وجوه سياسية مخضرمة
في المقابل، يضم التحالف أيضًا شخصيات ذات خبرة طويلة في العمل السياسي والمؤسساتي، مثل عدنان الزرفي، المحافظ السابق للنجف وعضو مجلس النواب الحالي، والذي سبق أن كُلّف بتشكيل الحكومة في عام 2020، ورائد فهمي، النائب الأسبق، وسكرتير الحزب الشيوعي العراقي.
كما يشارك في التحالف سياسيون مثل النائب الأسبق، رحيم الدراجي (حركة كفى)، وشروق العبايجي، النائبة السابقة وعضو التحالف المدني الديمقراطي.
هل يكسر “البديل” دائرة المقاطعة؟
رغم تشكيل التحالف، يبقى التحدي الأساسي متمثلًا في إمكانية جذب فئة واسعة من المواطنين العراقيين الذين باتوا يعزفون عن المشاركة في الانتخابات، خصوصًا القاعدة الشعبية لحركة تشرين التي سبق أن أعلنت موقفًا نقديًا من العملية الانتخابية برمتها.
ففي انتخابات 2021، كانت نسبة المشاركة متدنية، وسط دعوات واسعة للمقاطعة من قِبل ناشطين ومجموعات مدنية. بعض هذه الأصوات عاد اليوم من بوابة “البديل”، لكن من غير الواضح حتى الآن ما إذا كان التحالف قادرًا على استعادة ثقة هذا الجمهور، أم أنه سيُنظر إليه كجزء من النظام الذي خرج المحتجون ضده قبل أعوام.
محاولة جديدة في ملعب قديم
يبدو تحالف "البديل" وكأنه محاولة ثالثة — وربما أخيرة — لإحياء الطموحات المدنية داخل النظام السياسي العراقي، الذي لطالما أظهر مقاومة عنيدة لأي مشروع ناشئ. ففي الوقت الذي يُقدَّم فيه التحالف على أنه امتداد لاحتجاجات تشرين، يبدو المشهد أكثر تعقيدًا مما توحي به الشعارات.
فعلى الرغم من الرمزية النوعية التي تمثلها أسماء مثل حسين الغرابي وسجاد سالم، فإن الحضور البارز لشخصيات سياسية مجرّبة، مثل عدنان الزرفي ورائد فهمي، يعكس تناقضًا في الهوية التي يحاول التحالف تسويقها. الجمع بين "التمرد على النظام" و"العمل من داخله" ليس بالمعادلة السهلة، وقد أثبتت تجارب سابقة أن هذا التوازن كثيرًا ما يتحول إلى فقدان للهوية السياسية.
تعدد الأجندات.. أم تعدد التنازلات؟
من الواضح أن تحالف "البديل" لا يقوم على رؤية أيديولوجية موحدة، بل على توافقات مرحلية بين أطراف متفاوتة في الخلفيات والانتماءات. فالحزب الشيوعي العراقي، صاحب الخطاب الطبقي واليساري المعروف، يجلس إلى جانب قوى ليبرالية وشخصيات إدارية محافظة أو تكنوقراطية. هذا التنوع قد يكون مصدر قوة على الورق، لكنه في الواقع يطرح تساؤلات عن البرنامج السياسي الحقيقي الذي يمكن أن يجمع هؤلاء، ما لم يكن الطموح السياسي الفردي هو القاسم المشترك الوحيد.
في هذا السياق، لا تبدو القوى المدنية العراقية، رغم نواياها، قادرة حتى الآن على تقديم نموذج تنظيمي مستقر وقابل للتوسع. فمشكلات الانقسام، وضبابية الخطاب، وغياب العمل القاعدي الفعّال، ما تزال حاضرة في كل تجربة مدنية انتخابية منذ 2005 وحتى اليوم.
بين شرعية الاحتجاج وإغراء السلطة
عودة بعض وجوه "تشرين" من بوابة الانتخابات تضعهم أمام معضلة أخلاقية وشعبية: كيف يمكن لمن دعا سابقًا إلى المقاطعة، أن يقنع جمهورًا محبطًا بالمشاركة في لعبة ما زالت تُدار بقواعد قديمة؟ كيف يُمكن لهؤلاء إقناع جمهورهم بأن تحالفهم الجديد لا يشكّل مجرد حلقة أخرى في سلسلة "الاندماج الناعم" داخل النظام الذي رفضوه؟ في الواقع، يخشى كثيرون أن يؤدي هذا التحالف إلى ما يشبه "احتواء احتجاجي"، لا يختلف كثيرًا عمّا جرى مع حركات مدنية أخرى في العقدين الماضيين.
ماذا بعد الترخيص؟
الحصول على إجازة عمل سياسي لا يعني تلقائيًا الحصول على شرعية جماهيرية، ولا على فرص واقعية في صناديق الاقتراع. فالمشكلة لا تكمن فقط في عزوف الناخبين، بل في بنية النظام الانتخابي نفسه، الذي يعيد إنتاج القوى التقليدية.
يبقى السؤال الكبير: هل سيقدّم "البديل" نفسه كقوة تصادمية تفرض رؤيتها داخل النظام، أم سينتهي كغيره من التجارب، مرتهنًا للتفاهمات والمناورات السياسية التي تستهلك المشاريع المدنية وتُفقدها صدقيتها؟ في ضوء التجارب السابقة، فإن التفاؤل الحذر هو أقصى ما يمكن منحه لهذا التحالف في الوقت الراهن.
تحالف "البديل" قد يشكّل لحظة اختبار جديدة للقوى المدنية العراقية: هل تملك هذه القوى الجرأة لتقديم مشروع سياسي صلب، واقعي، ومرتبط بالجمهور؟ أم أنها ستكتفي بدور الزينة الديمقراطية في مشهد يزداد انغلاقًا على نفسه؟ الجواب رهن بقدرتهم على فهم شروط اللعبة وتحدي قواعدها في آن واحد، دون أن يخسروا روحهم في الطريق.