تحرك وزيرة الاتصالات لحجب "تيك توك" يجابه برفض وغضب: تهديد للاقتصاد الرقمي ودعم للاحتكار الأمريكي

انفوبلس/..
في خطوة مشابهة لحجب تليغرام في العراق، أعلنت وزيرة الاتصالات هيام الياسري، عن تقديم طلب رسمي لحظر تطبيق تيك توك داخل البلاد، لكنها أشارت إلى أن ذلك مرهون بقرار برلماني، في خطوة أثارت استغراب الكثيرين وفجّرت تساؤلات حول غاية هذا الأمر خاصة وأن المحتوى الهابط الذي يُنشر أحيانا على هذه المنصة ينشر بالطريقة ذاتها على منصات أخرى مثل فيسبوك وانستغرام بل حتى على الـ"يوتيوب".
*"قدمنا الطلب وننتظر البرلمان"
يوم أمس السبت، أعلنت وزيرة الاتصالات هيام الياسري، تقديم طلب رسمي إلى مجلس النواب لإصدار قرار بحظر تطبيق تيك توك.
وقال الياسري في حديث للوكالة الرسمية، تابعته شبكة انفوبلس، إن "من أبرز اولوياتنا خلال العام 2025 استكمال الرخصة الوطنية للهاتف النقال بتقنية الجيل الخامس، وكذلك نشر الكيبل الضوئي وايصاله الى أكبر عدد من المستخدمين لتحسين خدمة الانترنت، ومغادرة خدمة الواي فاي"، مشيرة إلى "العمل على تفعيل مشاريع الترانزيت والكيبل الضوئي التي جعلت دول عالمية وشركات عالمية كبرى تضع انظارها على الممر العراقي".
*مبررات الياسري
وأكدت وزيرة الاتصالات، "تقديم طلب رسمي (في وقت سابق) من أجل حظر تطبيق التيك توك، وذلك لورود آلاف المناشدات من أغلب العوائل العراقية حول إيقاف وحظر التطبيق، لاحتوائه أمور لا تليق بشعبنا وعوائلنا"، مردفة: "ليس نحن فقط أصحاب القرار، حيث قدمنا طلباً، ولكن لم نجد تفاعلاً، ونتمنى من البرلمان العراقي اصدار قرار بذلك ونحن سنطبقه".
ويستخدم تطبيق "التيك توك" 34.3 مليون شخص في البلاد، بحسب مركز الاعلام الرقمي DMC، ما يشير الى ان هذه المنصة اصبحت الوجهة المفضلة لشريحة واسعة من المستخدمين العراقيين، خصوصاً الشباب والعديد من المؤثرين وصناع المحتوى.
وهذه ليست هي المرة الأولى التي تعلن فيها وزيرة الاتصالات عزمها حجب "التيك توك"، فقد قالت الياسري خلال مؤتمر صحفي، في مارس/آذار 2024، إن "وزارة الاتصالات قدمت طلباً إلى مجلس الوزراء لحجب تطبيق (التيك توك) كونه ساهم بشكل كبير في تفكك النسيج المجتمعي العراقي، وكونه لا يحتوي على فائدة علمية وتعليمية، بل هو مجرد تطبيق للترفيه".
*منصة تجارية
يؤكد الخبير الاقتصادي، مصطفى فرج، أن "(التيك توك) أصبح منصة رئيسية لروّاد الأعمال، خاصة صغار التجّار والمبدعين، فمن خلاله تُباع المنتجات المحلية، وتُسوّق الخدمات، وتُبنى العلامات التجارية الشخصية، وأن حجبه يعني إغلاق نوافذ البيع والتسويق أمام الآلاف من الشباب العاملين في مجال (الاقتصاد الرقمي)".
ويضيف فرج، أن "قرار الحجب ليس بسيطاً، فهو يؤثر على طبقة شابة حاولت بناء اقتصاد جديد من خلال الهاتف، دون أن تثقل الدولة بمطالب التوظيف، وإغلاق هذا الباب هو خسارة اقتصادية لا يُستهان بها في زمن يبحث فيه العالم عن مصادر جديدة للنمو".
وأثار حديث الياسري مجدداً عن حجب التطبيق، الكثير من الجدل، كما في السابق، خاصة أن الكثيرين يعتمدون عليه في عملهم، معبرين عن استيائهم من تلك المحاولات.
وكانت المحكمة الاتحادية العليا أصدرت في 14 آذار/مارس الماضي، قراراً بشأن حجب المواقع وشبكات الإنترنت وتطبيقات التواصل الإلكتروني التي تتضمن صناعة ونشر المقاطع المخلة بالأخلاق والآداب والمحتوى الهابط الذي يخدش الحياء والتجاوز بحق الذات الإلهية وحرمة الكتب المقدسة والتجاوز بحق الأنبياء والرسل والرموز الدينية والإساءة للأديان والمذاهب والترويج والنشر للفسق والفجور والبغاء والشذوذ الجنسي والتعرض للآخرين والإساءة إليهم.
يذكر أن البنك المركزي العراقي وجه في كانون الأول/ديسمبر 2024، بإيقاف الحوالات المالية لوكلاء شركة "التيك توك" داخل البلاد، وبحسب وثيقة صادرة عن المركزي العراقي، فإن "القرار جاء بناءً على كتاب من وزارة الاتصالات العراقية".
*تطبيق غير تابع لأمريكا
في هذا السياق، أوضح عضو لجنة الاتصالات، هيثم الزركاني، أن "هذه القضية ليست بجديدة فقد صرحت وزيرة الاتصالات في أكثر من مناسبة بعزمها غلق (التيك توك)، لكن هذا الإجراء غير صحيح وليس في محله، باعتبار أن (التيك توك) مصدر رزق للكثير من الشباب، كما هو منصة لنشر المعلومات وإبراز الأعمال، والكثير من السياسيين يستخدمون هذا التطبيق وينشرون فعالياتهم عليه".
ويشير الزركاني، إلى أن "(التيك توك) هو التطبيق الوحيد غير التابع للولايات المتحدة الأمريكية، وأن توجه وزيرة الاتصالات ينافي تصريحات حكومة الإطار التنسيقي بعدم التوجه نحو الاحتكار الأمريكي، لذلك الوزيرة من حيث لا تعلم تحاول تنفيذ الأجندات الأمريكية، حيث إن ترامب هو من أغلق التطبيق في أمريكا، لذلك على الوزيرة الانتباه لهذا الجانب".
ويؤكد، أن "لجنة الاتصالات هي المعنية بمثل هكذا قرارات، لذلك عند وصول طلب وزيرة الاتصالات إلى اللجنة فهي سوف تناقشه داخلها وترد الطلب دون عرضه على البرلمان لقراءته تحت قبته، لأن القرار غير صائب وينفذ أجندات أمريكية"، على حد قوله.
من جهته، يقول النائب جواد اليساري، إن "البلاد يجب أن تواكب دول العالم في التطور الإعلامي والنهضة الحاصلة في مجال التواصل الاجتماعي، لكن مع عدم إعطاء حرية مفرطة تتجاوز العادات والتقاليد الاجتماعية أو تعاليم الدين الاسلامي، وفي الوقت نفسه ينبغي الحفاظ على مساحة وحرية للمواطن وألاّ يتم التعدي عليها".
ويدعو اليساري إلى أن "يكون قرار الحجب مدروساً من قبل لجان متخصصة لتحديد مضار الموقع وفوائده، ومن ثم اتخاذ القرار المناسب بصدده".
*حرية التعبير
وكان رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، فاضل الغراوي، أكد أن "حرية الرأي والتعبير في كل التشريعات والدساتير والمواثيق والعهود الدولية تعتبر من الحقوق الأساسية للمواطن، وهذه الحريات مكفولة باعتبارها تمثل حقاً من الحقوق الأساسية التي يجب أن تكون متوفرة لكل البشر".
وأوضح الغراوي، ان "هذه الحريات يجب ألاّ تكون مفرطة وتتجاوز على الذوق والنظام والآداب العامة، ورغم أن مواقع التواصل الاجتماعي وجِدت لخدمة البشر وفيها الكثير من الإيجابيات، لكن البعض منها بدأ يخرج عن الذوق والآداب العامة خاصة في استخدام التيك توك بالعراق".
وأكد، أن "الحظر الشامل للتطبيق غير صحيح، بل ينبغي تنظيم هذا البرنامج كما في باقي الدول، وهذا التنظيم سيساعد على تشذيب ما ينشر في البرنامج التي لا تتناسب مع الذوق والآداب العامة، لذلك على الحكومة توفير بيئة مناسبة وآمنة ومحمية لممارسة هذا الحق دون حظره".
يذكر أن تطبيق مقاطع الفيديو القصيرة "تيك توك" أطلق عام 2016، ليصبح أحد أشهر تطبيقات التواصل الاجتماعي في العالم، إذ شهد التطبيق أكثر من 4.5 مليارات عملية تنزيل حول العالم.
*تجربة سابقة
في 12 آب 2023، أعلنت وزارة الاتصالات العراقية، رفع الحجب عن تطبيق "تلغرام" للمراسلات الفورية، "لاستجابة الشركة المالكة للتطبيق لمتطلبات الجهات الأمنية".
وذكرت الوزارة في بيان أنها "سترفع الحجب عن تطبيق تلغرام في العراق اعتبارا من يوم الأحد 13 اب 2023، بناء على توجيهات رئيس الوزراء (محمد شياع السوداني) وذلك لاستجابة الشركة المالكة للتطبيق لمتطلبات الجهات الأمنية بالكشف عن الجهات المسربة لبيانات المواطنين" دون مزيد من التفاصيل.
وأضافت أن الشركة المالكة للتطبيق استجابت "لإبداء استعدادها الكامل للتواصل مع الجهات المختصة وقيامها بتسمية قنوات رسمية لها للتواصل مع العراق".
وأشارت إلى أنها "لا تقف ضد حريات التعبير عن الرأي وإنما تشدد على أهمية التزام الشركات المالكة لتطبيقات التواصل الاجتماعي باحترام قوانين البلد وأمنه وبيانات المستخدمين فيه".
ولم يصدر عن الشركة المالكة لتطبيق "تلغرام" تعليق على البيان العراقي.
وفي 6 أغسطس/ آب بالسنة ذاتها، أعلنت الحكومة العراقية حجب تطبيق "تلغرام"، مرجعة ذلك لأسباب تتعلق بـ"الأمن القومي والسلم المجتمعي".
وذلك بعد ان شهدت تلك الفترة "موجة كبيرة من عمليات الابتزاز والتسريب والتشهير من قبل بعض القنوات التي عجزت الحكومة الوصول إلى بياناتها".