تركيا تضغط بكل قوتها لتنصيب تركماني محافظاً لكركوك والقوى الكردية تهدد باللجوء إلى المحكمة الاتحادية
تعرف على الأزمة السياسية هناك
تركيا تضغط بكل قوتها لتنصيب تركماني محافظاً لكركوك والقوى الكردية تهدد باللجوء إلى المحكمة الاتحادية
انفوبلس/..
تضغط تركيا بكل ما أوتيت من قوة وقوى، لتنصيب محافظ تركماني لكركوك، فيما تهدد القوى الكردية باللجوء إلى المحكمة الاتحادية لحسم المنصب لصالحها، خاصة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الفائز بالانتخابات المحلية هناك، لكن سياسته باتت لا تروق للدولة العثمانية.
وكان مجلس محافظة كركوك قد عقد جلسته الأولى بحضور الأعضاء الكرد من الاتحاد الوطني الكردستاني، والحزب الديمقراطي الكردستاني، والعضو الممثل للشعب المسيحي، وفي ظل تغيّب ممثلي التركمان والعرب الثمانية، اضطر المجلس تعليق الجلسة، لعدم اكتمال النصاب القانوني للجلسة النصف زائد واحد.
ويتشكّل مجلس محافظة كركوك التي يطالب أكراد العراق بضمها إلى إقليمهم من ستة عشر عضوا، وقد حصل ممثلوهم في الانتخابات على سبعة مقاعد، من بينها خمسة للاتحاد الوطني ومقعدان للحزب الديمقراطي الكردستاني، ومثلهما للتركمان وستّة مقاعد للقوائم العربية ومقعد واحد (الكوتا) للمكون المسيحي ممثلا بحركة بابليون.
*مطالبة صريحة
وطالبت تركيا على لسان وزير خارجيتها هاكان فيدان بمنح منصب محافظ كركوك لحلفائها التركمان مكرّسةً بذلك تدخلاتها في شؤون المحافظة العراقية الغنية بالنفط سعياً لإيجاد موطئ قدم فيها بالتوازي مع تدخلها العسكري المباشر في أنحاء أخرى من العراق، والذي أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخّرا عن دعمه وتوسيعه بإقامة قواعد عسكرية ثابتة جديدة وربطها بشبكة طرق تمتد لمئات الكيلومترات.
وتضمّنت هذه المطالبة استهدافاً مباشراً لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني كونه الفائز في الانتخابات المحلية الأخيرة بكركوك بحصوله على خمسة مقاعد ما يرشّحه للفوز بمنصب المحافظ فيما لم يحصل التركمان سوى على مقعدين.
وبدأت العودة القوية لحزب الاتحاد إلى واجهة الحياة السياسية في إقليم كردستان وعموم العراق تثير قلق تركيا بفعل النهج السيادي الذي سلكه الحزب بقيادة بافل جلال طالباني واتخاذه مواقف لا تروق لأنقرة بما في ذلك إقامته علاقات متينة مع أكراد المنطقة، الأمر الذي يفسّر الاتهامات التركية له بدعم “الإرهاب” واحتضانه ممثلا وفق المنظور التركي بحزب العمال الكردستاني.
وبالتوازي مع محاولة حكومة أردوغان توظيف تركمان العراق على أساس وحدة القومية معهم لاختراق كركوك بناءً على مطامع تاريخية فيها، تتّخذ من الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة أفراد أسرة بارزاني حليفاً لها في حربها ضدّ حزب العمال التي تدور أبرز فصولها على أرض إقليم كردستان العراق.
وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إثر اجتماع عقده في أنقرة مع رئيس الجبهة التركمانية العراقية حسن توران، إنّ حزب العمال الكردستاني موجود حاليا في السليمانية ومتحالف مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، متهما الطرفين بالوقوف “ضد حكومة أربيل”، في إشارة إلى حكومة الإقليم التي يقودها بشكل رئيسي الحزب الديمقراطي.
*امتعاض تركي
وبشأن ترتيب أوضاع السلطة المحلية في كركوك إثر الانتخابات المحلية الأخيرة، عبّر فيدان عن امتعاضه من “التقدم غير المتوقع” الذي حققه حزب الاتحاد الوطني الكردستاني مطالباً بـ”الاستمرار في القاعدة المتبعة سابقا في اختيار المحافظ بالتناوب بين أطراف تلك المحافظة المهمة”، وذلك لمنع حدوث شراكة بين حزب الاتّحاد وحزب العمال تُفضي إلى “هيمنتها على المحافظة”.
ولا توجد قاعدة تنظم تداول المكونات العراقية على قيادة محافظة كركوك، غير أنّ وزير الخارجية التركي أراد فقط إيجاد صيغة تشرّع لحصول التركمان على منصب المحافظ بالاستناد إلى تولّي الأكراد للمنصب بعد سنة 2003، ثم حصول العرب عليه بعد أحداث سنة 2017 وطرد قوات البيشمركة الكردية من المدينة إثر الاستفتاء الذي أُجري آنذاك على استقلال إقليم كردستان عن العراق، ما يعني في المنظور الذي حاول فيدان تكريسه مجيء دور المكوّن التركماني لتولي المنصب بمعزل عن نتائج الانتخابات.
وذكر فيدان في تصريحه للصحافيين، أنّه بحث مع توران بالتفصيل “مرحلة ما بعد الانتخابات المحلية العراقية وحجم التزوير الذي شابها”.
ويعتبر وجود حسن توران على رأس الجبهة التركمانية إحدى ثمرات التدخّل التركي المباشر في شؤون تركمان العراق، حيث لعبت أنقرة سنة 2021 دورا كبيرا في دفع أرشد الصالحي للتنحي عن رئاسة الجبهة واختيار توران خلفا له.
ووقع اختيار توران لقيادة الجبهة لسببين، أولهما؛ توجهه الإسلامي المتوافق مع توجّهات حزب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مقابل الميول القومية الكمالية للصالحي والتي تجعله أقرب إلى حزب الشعب الجمهوري، وثانيهما؛ حالة الوفاق بين توران وقيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني المتحالفين مع أنقرة في مقابل برود علاقة الصالحي بتلك القيادات.
وتطرق الوزير التركي للعملية العسكرية التي تقوم بها بلاده ضد حزب العمال داخل أراضي العراق ومن دون تنسيق مع حكومته الاتّحادية. وحرص فيدان على الإشارة إلى دور الحزب الديمقراطي في تلك العملية قائلا “ننسق مع أربيل بشكل تام لمواجهة الإرهاب وخصوصا حزب العمال الكردستاني ونحقق تقدما يوما بعد يوم”.
وأضاف، “لا أرى مانعا في قول ذلك، إذ إنّ حزب العمال الكردستاني يستهدف حكومة أربيل في نفس الوقت”.
ويبدو الحرص واضحا في كلام الوزير التركي على شق الصفّ الكردي وتعميق الخلافات بين مكوناته عبر تقسيمها إلى معسكر إرهابي أو داعم للإرهاب، وآخر متضرّر منه ومنخرط في محاربته.
كما جدد فيدان تأكيد ما ذكره أردوغان مؤخرا بشأن استمرار تواجد القوات التركية داخل الأراضي العراقية قائلا، “حزب العمال الكردستاني لا يسيطر على متر مربع واحد في تركيا، لكنه أخضع مساحة كبيرة في العراق لسيطرته. والآن يتواجد في سنجار ومخمور والسليمانية وزاخو وجبال قنديل”، مشدّدا على استمرار القوات التركية في تعقّب عناصر الحزب في مناطق شمال العراق سواء بموافقة بغداد أو من دونها.
وكان أردوغان قد ذكر أنّ بلاده أنشأت في السنوات القليلة الماضية طُرُقاً تمتد مئات الكيلومترات في شمال العراق نحو قواعدها العسكرية الثابتة هناك، مضيفا قوله “ننجز نفس الأعمال في أماكن جديدة نسيطر عليها، وبحلول الربيع سنكون قد أكملنا البنية التحتية لقواعدنا التي أنشأناها حديثا في شمال العراق وسنجعل الإرهابيين غير قادرين على وضع أقدامهم في المنطقة”.
*التركمان يطالبون
وتصاعدت في الآونة الاخيرة، الدعوات من قبل أحزاب وشخصيات تركمانية في محافظة كركوك للحصول على منصب المحافظ لشعورهم بعدم المساواة مع باقي القوميات.
النائب السابق والسياسي التركماني فوزي أكرم ترزي، أكد السبت (23 أيلول 2023)، أن المكون التركماني تعرض للظلم والتهميش على مستوى المناصب المركزية في بغداد وعلى مستوى محافظة كركوك.
وقال ترزي، إنه "منذ 2003 ومنصب محافظ كركوك هو بيد الكرد حتى 16 تشرين الأول عام 2017، حيث انتقل المنصب للعرب".
وأضاف، إنه "من حق التركمان أن يشغلوا منصب محافظ كركوك باعتبار أنهم المكون الأكبر والأقدم في كركوك وتعرضوا للظلم والتهميش، ويجب منحهم هذا المنصب كجزء من تعويضهم عن السنوات السابقة".
ويوجد في العراق 8 أحزاب وحركات تركمانية هي "الجبهة التركمانية"، و"الحزب الوطني التركماني العراقي" وحزب "تركمان إيلي"، وحزب "التركمان الإقليمي"، و"حركة التركمان المستقلة"، وحزب "حقوق التركمان العراقيين"، و"الحركة الإسلامية التركمانية العراقية" و"الحركة القومية التركمانية"، لهم (8) مقاعد برلمانية باسم الجبهة التركمانية.
ولا توجد أرقام رسمية لعدد التركمان في العراق، لكن المسؤولين التركمان يقولون إنهم يشكلون نحو 7 في المئة من سكان البلاد البالغ عددهم حوالي 45 مليونًا.
ومنذ تسلم الحكومة الاتحادية لملف كركوك في العام 2017، تدعو الكتل التركمانية لتنصيب تركماني محافظاً لكركوك.
*مفاوضات كردية
وطالب سعدي بيره، المتحدث باسم الاتحاد الوطني الكردستاني، باستئناف الحزبين، الاتحاد والديمقراطي، “اجتماعاتهما في هذه الظروف الحساسة التي تمر على المنطقة”، معتبرا “أن وحدة الصف الكردستاني هي الخيار الوحيد لمواجهة التحديات”.
وأكد في تصريحات نشرها الموقع الإخباري الرسمي للحزب، أهمية عقد اللقاءات الثنائية بين الحزبين “خاصة بعد تعقّد الأوضاع في الإقليم والعراق والمنطقة وبعد الهجمات والمواجهات المسلحة في بعض المناطق الحدودية للإقليم ومحاولة زعزعة استقرار إقليم كردستان والخروقات على حدوده”.
وأشار بيره، بشكل مباشر إلى مسألة الحكومات المحلية قائلا، إنّ من “الضروري أن يصل الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي إلى تفاهم مشترك حول نتائج انتخابات مجالس المحافظات وتشكيل الإدارة المحلية في كركوك ونينوى، حيث إن دخول الحزبين بموقف مشترك إلى المفاوضات مع الأطراف والمكونات في هذه المحافظات سينعكس إيجابا على ثقل ومكانة الأكراد”.
*إصرار كردستاني
من جانبه، يبين عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني وفاء محمد كريم، أن “مجلس محافظة كركوك يعتبر عراقا مصغرا، باعتبار فيه جميع المكونات، وكل مكون حصل على عدد المقاعد، ومن الصعب جدا الوصول الى أي تنسيق لحسم منصب المحافظ او رئيس مجلس المحافظة”.
ويلفت إلى، أن “المكون الكردي كان له اجتماع ولكن مع الأسف كان هناك غياب للمكون العربي والمكون التركماني، فالمكون الكردي يمتلك 8 مقاعد يحتاج الى مقعد واحد فقط حتى يستطيع أن يحسم منصب المحافظ ونائبيه ومنصب رئيس مجلس المحافظة، ولكن مع ذلك حتى لو كان لديه 10 مقاعد لن يقصي باقي المكونات الاخرى، ولكن هناك خطة من المكون العربي والتركماني لإقصاء الكرد مرة أخرى والحصول على جميع المناصب رغم أن عددهم لا يكفي لهذا الموضوع، ولهذا تأجل هذا الموضوع الآن”.
ويستطرد، أن “المكون الكردي مُصِرّ على الحصول على منصب المحافظ وليس منصب رئيس المجلس، ويقدم المناصب الأخرى لباقي المكونات، وأن حسم المناصب في كركوك سيكون على يد التركمان لأنهم هم بيضة القبان ولديهم مقعدان يستطيعون أن يأتوا مع المكون الكردي ويحصلوا على بعض المناصب، لذا هناك محاولات كثيرة من المكون الكردي للتواصل مع المكون التركماني والعربي لحسم هذا الموضوع”.
وشهدت كركوك أعلى نسب مشاركة على مستوى العراق في انتخابات مجالس المحافظات، التي جرت في 18 كانون الأول ديسمبر 2023، بلغت 69 في المئة، ومنذ العام 2003 لم تشهد كركوك سوى انتخابات محلية واحدة في 2005، كانت مثار جدل بين مكونات المحافظة التي يسكنها خليط من العرب والتركمان والأكراد إضافة إلى أقلية مسيحية.
إلى ذلك، يبين عضو الاتحاد الوطني الكردستاني في كركوك، شيرزاد قاسم، أن “مجلس محافظة كركوك، ما يزال مقسماً، فالمشكلة قائمة، وواقع الحال فإن الكتلة المقابلة تبدأ بمقعد من المكون العربي والثاني من المكون التركماني”، مبينا أن “الطرفين لم يحضروا الجلسة، ولا نتوقع حضورهم الا بعد تشاورات ومفاوضات جدية بين الاطراف الكردية والتركمانية والعربية”.
ويضيف، أن “التوافق حسب ما جاء في القانون المشرع والفقرة المضافة الى انتخابات مجالس محافظة كركوك فإنه لا يُحسم بالأغلبية وإنما بالتوافق فيها والتوازنات”.
ويتابع، “إننا ننتظر مفاوضات جدية بين الأطراف وتقسيم لجميع المناصب الموجودة في مدينة كركوك سواء كانت رئيس المجلس او المحافظ او نوابه، حيث من الممكن أن تُضاف عليه المناصب السيادية الموجودة في مدينة كركوك”.
ويشير إلى، أنه “لا يوجد حل لقضية كركوك لحد يومنا هذا، إلا أننا ننتظر الأيام القادمة ونتائج المفاوضات والحوارات بين الأطراف المعنية”.